أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يسير بلهيبة - السودان : الأطماع الامبريالية















المزيد.....


السودان : الأطماع الامبريالية


يسير بلهيبة

الحوار المتمدن-العدد: 1383 - 2005 / 11 / 19 - 15:40
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ترجمة لمقال بقلم كريج اوكسيلي وليلى القريشي
1-خلق أزمة دارفور
أثار الوضع المأساوي لسكان دارفور بالسودان، في الاشهر الأخيرة انتباه العديد من الحكومات و رجال السياسة و الصحافة و كدلك وكالات الإعلام الغربية. صور مفجعة و مقاربات كلها تتحدث عن معاناة الدارفورببن، و الأنشطة الدموية التي تنظمها ميليشيات جانجويد المسلحة و المدعمة من طرف نظام الخرطوم. حيث اضطر مئات الآلاف من الرجال و النساء و الأطفال اليائسين إلى مغادرة ذويهم و أراضيهم صوب تشاد الشقيقة أو المخيمات "الإنسانية".
للأسف ليس هناك استثناء في الوضع الحالي بدارفور، فهو لا يخرج عن غيره عن ما يحدث في الدول السائرة في طريق النمو و إفريقيا على وجه الخصوص. سواء من حيث المجاعات، التهجير الجماعي للسكان، التعذيب، الاغتصابات، حالات النهب أو الاغتيالات المستمرة إلا أنه من النادر أن تثير ازمة كهاته انتباه المجتمع الغربي، كما أن نوع التغطيات التي تقوم بها وكالات الإعلام المستفيدة من أزمة دارفور- خصوصا ابريطانيا و الولايات المتحدة – تشكل استثناء بالفعل.لكون
أزمة دارفوردارت رحاها مند زمن طويل، مع العلم أنه كان من الممكن عمليا تخطي الازمة و الاستجابة للحاجيات الراهنة لسكان دارفور بسهولة.
فمئات الآلاف من المواطنين يعانون من الجوع و البؤس كما أن الولادات الحديثة و الأشخاص المسنون و كذلك المرضى يموتون بنسب مهولة.
و هذا ما أكدته العديد من الإحصائيات التي رصدت حوالي 2000 قتيل في كل يوم. لماذا لايصل معدل التغذية عدد الخطابات التي تتناول الوضعية المزرية للطرقات، وتكتفي بتبرير وتحميل مسؤولية انقطاع الامدادات الى قطاع الطرق والمجموعات المسلحة. الذي يمنعون وصول الإمدادات إلى المخيمات. نظرا لأن إمكانية إيصال الماء و الغذاء و الأدوية هي متيسرة من خلال إعداد المجال الجوي. فقبل أسابيع استطاعت الحكومتين البريطانية و الولايات المتحدة إيصال إمدداتها إلى العراق. حيث حمل 250.000 جندي مصحوبين بالدبابات و العربات و الطائرات و كذلك مختلف اللوازم "اللوجستيكية العسكرية". فكيف لها أن تعجز عن حمل بضعة أطنان من الأغذية الى دارفور.
أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في تدبير الأوضاع الكارثية بدارفور و تبحث لنفسها عن درائع لتفرض حصارا دوليا على السودان، غير ان وضعها الحقير في وجه "الإبادة الإثنية" و "العرقية" تخفف عنه الحكومات الغربية تقليل من الدعم لضحايا الجوع و الاغتصاب بدارفور.
كما أن الاهتمام "الإنساني" لبوش و بلير- اللذان لم يترددا يوما كما حدث في العراق على فرض المعاناة و الموت حفاظا عن مصالح طبقتها الرأسمالية الخاصة- ليست يافطة ترفع شعارها الأمبريالية التي تترصد العائدات البترولية. فمن جانب الامبريالية الأمريكية تسعى إلى استثمار معاناة الشعب الدارفوري لتحكم الحصار الاقتصادي على السودان. و هذا بعد أن تحكم قبضتها على استغلال البترول و تسحب البساط من يد خصومها. لأن فرض الحصار يهدد المصالح الصينية و الفرنسية و الهندية و كذلك الماليزية المستفيدة من العائدات البترولية.
اضف الى دلك ان تهديد الحصار يطال الحكومة السودانية و يزيد من الضغط عليها. إضافة إلى كونه يعزز المواقع العسكرية للولايات المتحدة الاستراتيجية في هذا البلد من خريطة العالم. حيث يوجد البحر الأحمر شمال- شرقي السودان الذي يحفل بمدخرات بترولية استراتيجية مرتفعة بساحل العربية السعودية. إن مطالبة الولايات المتحدة و ضغوطاتها المتكررة تبين صورة النفاق المقيت لدعواها ب "الاهتمامات الإنسانية". و من شأن فرض مثل هذه العقوبات أن تغرق غالبية الشعب السوداني في أوضاع تشابه ما يقع في دارفور ناهيك عن كون السودان بلد جد متخلف حتى بدون أن تفرض عليه عقوبات كارثية لأن نسبة الفقر فيه تطال فئة عريضة من الشعب. و فرض عقوبات دولية تعني الإبقاء على واقع التجويع الشامل.
ذريعة أخرى تستعملها الإدارة الامريكية بالموازاة مع العقوبات الاقتصادية. من قبيل أن الحكومة السودانية تعمل على إثارة الفتنة و الاقتتال "العرقي" في دارفور: فحينما انعقد لقاء مع مبعوث سكرتير الأمم المتحدة في بداية شتنبر طغى هذا الاتهام على "جدالات" اللقاء حول مسألة السودان و لم يجرأ أحد على إثارة مشكلة النقط على ان كل الأطراف تعي اللعبة جيدا مع استثناء وحيد يتمثل في الموفد الصيني الذي عارض تطبيق العقوبات في حين أكد الموفد الأمريكي على ضرورة وضع حد للاقتتال "العرقي" بهدف تعزيز تبريراتها الداعية إلى حصار اقتصادي في أفق يفتح لها المجال لتدخل عسكري مباشر كما حدث في "الألبان" حيث تم توظيف نفس الطريقة في معالجة "التناحر العرقي"، و نفسه في تبرير الحرب ضد صربيا سنة 1999 و هي روافد بالرغم من ضعف أهميتها لدى الولايات المتحدة. حيث كانت إدارة كلنتون رفضت وصف الإبادة العرقية كمجزرة ذات مستوى خطير ،بالرغم من الإبادة أسفرت عن قتل مليون بوسني بدون رحمة و هدا ما يؤكد على أن المعاناة و الجوع في دارفور ليست نقطة ضمن رقعة الشطرنج "للعبة كبرى" تصوغها الامبريالية.
2-صراع من أجل التحكم في البترول السوداني
في سنة 1980 وافقت على قوانين تخص التنقيب و استغلال العائدات البترولية في أحد الاحياء المسماة « BlocB »"حاليا يسمى Bloc5" يضم مساحة تصل إلى 120.000 كلمتر مربع يمتد على طول شمال جنوب البلد بين مالكال و بور شرق اتجاه الحدود الإتيوبية، و قد أكد مهندسون فرنسيين بأن أعماقه مفتوجة على زلازل محققة و أنها تحتوي على طاقة هائلة بالنسبة لاستغلال البترول.
في الوضع الراهن السودان تتوفر على اضخم خزان بترولي غير مستخدم في افريقيا بل إنه أضخم من خزانات خليج Guinée، فالصادرات البترولية تمثل منذ اليوم %70 من PIB بالسودان و قد فضلت فرنسا سنة 1985 عدم إضاعة مجهودها في المنطقة بسبب الحرب المشتعلة بين الجيش النظامي السوداني و جيش التحرير الشعبي السوداني APLS و هذا ما يفسر كون الامبريالية الفرنسية تشكل منذ زمن طويل المدعم الرئيسي للنظام السوداني ،حيث تزوده بالأسلحة، العربات، الطائرات، الاستخبارات العسكرية ضد القوات المتمردة بالجنوب.. هذا من جهة، اما من جهة الولايات لمتحدة فقد عملت جاهدة على توظيف المنظمات المرتزقة الفاعلة عبر وساطة افريقية للدول الشقيقة من خلال دعم القوات المتمردة التي تتخذ قواعد لها بأوغندا بإثيوبيا و إريتيريا قصد إضعاف الحكومة السودانية و لتمنع مجموعة Total- Fina- Elf من أن تقيم عملياتها فوق Bloc5 و لتنزل ثقلها في مسألة منح التعاقدات بصدد الصادرات و الواردات البترولية... و بقدر ما توظف الولايات المتحدة سلاح الضغط العسكري و زعزعة استقرار البلد بقدر ما تسعى إلى منح أي قوة أخرى من وضع يدها على البترول السوداني على ان تمنح لنفسها أحقية و شرعية الظفر به.
فمنذ 24 سنة تمت صياغة تعاقدات تحث على استغلال و إنتاج البترول.. اعاق فرنسا تفعيل تلك التعاقدات في الجنوب الحروب، كذلك الشركة الكندية المنتجة للطاقة التي فوجئت بضغط من طرف الولايات المتحدة التي توظف حاليا "الاقتتال العرقي و جرائم الحرب" لإحالة اتفاقيات السلام و عملياتها في السودان إلى خبر كان.
جرى اكتشاف البترول أول مرة بالسودان سنوات 1960 إلا أن التصدير لم ينطلق إلا سنة 1993 مع المجموعة الأمريكية شيفرون Chevron. و قد سبق لها أن انسحبت من السودان 1985 بعد ان سحبت 1.5 مليار دولار. كما سبق لها أن اكتشفت العدد من المواقع البترولية إلا أنها بكميات قليلة صيانة لتجهيزاتها في مناطق الحرب.
لقد غادرت الشركات الأمريكية السودان قبل أن يعرف بوجود المدخرات البترولية المهمة. و في 1997 عملت الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية على السودان، استعادت من خلالها زمام الأامور بالسودان بشكل غير مشروع. و منذئذ و إنتاج البترول السوداني يضخ 500.000 برميل في اليوم، على عكس سنة 2003 حيث وصلت 270.000 و هي مرشحة لتصل إلى 750.000 برميل في اليوم سنة 2006 و مع ذلك فإن العائدات البترولية تعود الى خصوم الولايات المتحدة بالتحديد الصين.
فطفو الصين على السطح كقوة ضارية على مستوى الوضع العالمي تشكل مشكلا مباشرا على مصالح الامبرياليات الغربية و الامبريالية الأمريكية. ذلك أن الواردات البترولية التي تصل إلى الصين ارتفعت سنة 2003 إلى40 % مقارنة بالسنوات الماضية. كما أنها تشتغل على 50 مشروع بترولي و بتروشيميائي يعد الأقوى من نوعه على المستوى الدولي. فهي معنية بتأمين عائداتها البترولية، و هذه الحاجة لا يمكن صيانتها إلا بشرب المواقع المهيمنة للولايات المتحدة.
البترول السوداني بالتحديد يصل 6% من الواردات العامة للصين، هذه السنة مرشحة للارتفاع السريع. مع وضع الاعتبار الهيمنة الشاملة للصين على الصناعة البترولية السودانية منذ 1990. حيث تدخر الشركة البترولية الصينية الاتحادية 40% CNPC من أنشطهاGnpoc Nile Petroleum Operating Company و هي نفسها التي تتحكم في أهم المناجم البترولية بأعلى النيل الغربي في السودان. و في مقتبل 2008 ستباشر إنتاج البترول في حوض الميلو، شرق النيل، إضافة إلى شركات أخرى صينية هي مقحمة في Pipeline طوله 1400 كلم رابطين حوض ميلو ببوابة السودان. حيث تعمل الصين على تشييد خط بترولي من اجل التصدير. مما يجعلها شريكا اقتصاديا أساسيا للسودان، و ذات امتياز هام للهيمنة على بترول دارفور لصالح CNPC .
جغرافيا تقع السودان في مواقع استراتيجي يشجع الصين إلى الكد في تدعيم موقعها بالسودان. لكونها تشكل نافذة هامة للتجارة و تحويل البترول بين إفريقيا الوسطى و الشرق الأوسط و بين الصين نفسها الشيء الذي يعكر صفو حسابات واشنطن. فهي وضعية مرفوضة بالنسبة لها. تجعلها تسعى إلى تقسيم السودان إلى شبرين. إضافة إلى العديد من الطامعين الهادفين على التقسيم. بشكل يحفظ لكل طرف مصالحه بالسودان و على رأسها الولايات المتحدة عبر توظيف العديد من المجموعات المسلحة المليشيات في الجنوب. فهي تسعى إلى تخصيص التشجيعات لكل من يسعى إلى الانفصال. و سيستفيد في هذا الصدد مجموعة من مكونات "البعثات المسيحية" و قصد إشعال الفتنة الطائفية و العنصرية ضد "العرب". إلا أن السياسة الحكومية الأمريكية تحاول الحد من الامتداد الديني كموجه للصراع. لم تتوقف الإدارة الأمريكية عند حدود دعم المناورات العسكرية من خلال الإمداد بالأسلحة و المال ل APLS بل عملت على دعم "الحركة من اجل العدالة و المساواة" JEM المتمركزة في دارفور. و هي ذات علاقة مباشرة مع الزعيم السوداني. الترابي الذي ساعد البشير في الظفر بالسلطة سنة 1989 حيث قام هذا الأخير بإبعاده سنة 2000 ليجد نفسه أمام توقيع اتفاق مع APLS. و هو حاليا يقبع في معتقل السلطات بالخرطوم.
3-الديكتاتورية، الاستقرار و الحروب الإقليمية
نظام البشير هو عبارة عن ديكتاتورية إسلامية متطرفة و موجهة بالتحديد، و قد سن في تاريخه مجموعة من الاعتقالات العشوائية: جلد بالكرباج، قصاص، تعذيب و تقتيل على شاكلة النظام الذي سبقه فالديكتاتورية الحالية هي من الضعف بشكل يهدد استقرارها. و تغطي ضعفها بالرهان على نخبة قيادتها المسلمة في الشمال و على آلتها العسكرية و البوليسية القمعية.
إن السودان هي مثال صارخ لما يسميه الماركسيون "التطور المركب و اللامتساوي" بدول العالم الثالث. التي تتداخل فيها الشركات الصناعية الحديثة بعلاقات اجتماعية متداخلة و متعايشة مع ثقافة اجتماعية و اقتصادية أكثر بدائية. فلا وجود لما يسمى ب "الأمة السودانية" ففي الشمال يتآلف أكثر القاطنين من المسلمين بلغة عربية تتكون من شعوب مختلفة تتفرق حسب مناطق عريضة في المناطق الصحراوية أو الشبه صحراوية. و من القرى و الروابط العشائرية الأكثر شيوعا و هيمنة. حتى في المدن تتدخل هذه الأصول العشائرية لتحدد طبيعة العلاقات. باعتبارها التركيبة الاجتماعية المؤثرة في طبيعة العلاقات الاجتماعية. كما انه في الجنوب تتألف من الأجناس الإفريقية "السود" الذي لا هم بشعوب مسلمة و لا "مستعربة". و حيث القبيلة تعتمد على أنظمة اقتصادية و اجتماعية أكثر بدائية. إن جنوب السودان يعاني من تهميش اقتصادي و سياسي و ديني لصالح ثلة قليلة من القادة في الشمال. بفرضهم الشريعة –القانون الإسلامي- الذي يعني المسلمين و يفرض أيضا على غير المسلمين. الشيء الذي فتح جبهات توترات بين الشمال و الجنوب بشكل متكرر في تاريخ السودان. غير ان بداية الحرب الحالية و ظهور CAPLS تعود إلى سنة 1983 ،حيث تئن الطبقة الحاكمة و جهاز الدولة المتسمين بالضعف بالخرطوم من العجز الدائم اتجاه توحيد البلد ضد الانقسام و بسط سلطتها على هذا الجزء المتخلف من إفريقيا.. و في سنوات 1980 تحت قيادة الديكتاتور النميري عمل في سنة 1969 على تأسيس القوات المسلحة السودانية التي ضمت 50.000 شخص. من أصل ساكنة يصل عددها إلى 38مليون، تعرض هو الآخر إلى زعزعة استقرار حكمه لمدة حكم فيها بين 1969 و 1985. أطيح به من خلال إضراب عام انقلابي في الخرطوم و في اومادوم. فتعددت المحاولات الانقلابية لتصل إلى 25 محاولة لإسقاط الدولة، 18 منها في الستة سنوات الأولى من حكمه، و الباقية هي محاولة مدمرة لليسار، بحفز من الحزب الشيوعي في يوليوز 1971. إلا أن النميري نجا منه ليشن حرب استئصال ضد ال (الحزب الشيوعي)PC بشكل جذري. و للتركيز فإن الحزب الشيوعي سبق له و أن دعم النميري. ابان ظهور الحركات المتطرفة والرجعية "الإخوان المسلمين" الطواقة الى قلب الحكومة. والذين سيقدمون على محاولة للإطاحة بالدولة ضد النميري في يوليوز 1976.
و في محاولة لطمس الغضب الاجتماعي المتنامي على طول البلد. عمل النميري على اشعال فتيل النعرات الإثنية بدارفور فارضا قطيعة قبلية إقليمية، فالجنوب كان دائما موقعا غير مستقرا و خصوصا مع لجوء 30.000 لاجئ مسلح فارين من أوغندا، بسبب سقوط أدى أمين بين أيدي الجيش السوداني، ليتفاقم الهيجان و ردود الفعل و خصوصا بين المجموعات المنظمة بالجنوب. زاد من حدة ذلك إعلان النميري بتوقيف العديد من القادة المعارضة السودانيين في يناير 1983 و المجموعات القابعة في بورا و التي أجبرت على مغادرة الجنوب و استبدالها بمجموعات مقربة من الحكومة ثم استقدامها من الشمال. مما دفع على رفض مغادرة الجنوب، نتج عنه إعلان النميري الحرب عليها و دعم الانقلابات لتدمير جيش المتمردين انعكس سلبا من خلال لجوء المطرودين و الفارين المتكثلين إلى الانصهار مع حرس الجنوب مما أفضى إلى تأسيس جيش التحرير الشعبي السوداني APLS بقيادة الكولونيل جورج كارنج.
سنة بعد ذلك سيتم خوض إضراب عام سنة 1985 و تنظيم انتخابات تشريعية أفضت إلى تشكيل حكومة الصديق المهدي، كما تستمر الحرب في الجنوب لأن الصديق المهدي الذي وعد بمراجعة مدونة الشريعة لم يفي بوعده. حيث ستعرف المرحلة هيمنة APLS مدينة بور بالجنوب. في حين سيتم إسقاط النظام الحكومي بشكل نهائي عبر انقلاب أفرز البشير على رأس السلطة.
عمل النميري و من بعده البشير على تعزيز موقعه في الشمال بفضل سياسة التعريب و أسلمة الجنوب التي لم تستصغ أبدا تطبيق الشريعة كما ان الحكومة هي أكثر ضعفا من أن تواجه عسكريا القوات الجنوبية لفرض برامجها بالمقابل APLS أبانت عن عجز واضح في الإقدام على الاستيلاء على الخرطوم مدة 20 سنة من الحرب. دفع ثمنها مليوني قتيل.
4-سياق اتفاقية السلام
بضغط من واشنطن تم توقيع اتفاق يخص الحرب في الجنوب في بداية 2004. بعد انتظار طويل على قاعدة "بروتوكول ماشاكو" يتضمن تقسيما للموارد البترولية بين حكومة الخرطوم و "الإدارة المستقلة" بالجنوب مع الوعد بتنظيم استفتاء حول الاستقلال الذاتي للجنوب في مرحلة انتقالية لا تتجاوز مدتها الستة سنوات. تفعيل هذه الاتفاقية يعني أن الجنوب سوفيعترف رسميا بجناح APLS و سيصبح هذا الاخير دولة بترولية تهيمن فيه الشركات الأمريكية على أجزاء عريضة من الاحتياطات البترولية المعروفة. علما ان الاستراتيجية الامريكية لن تتوقف عند هدا الحد بل ستسارع الى الضغط منذ الآن من أجل التحكم المطلق على الإقليم. و تحديدا على الثلاثة مقاطعات مركزية في السودان.
وحده التحكم الشامل على السودان يمكنه أن يسد حاجيات التجمعات البترولية و الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية. حيث يكمن الهدف الأساسي في استبدال النظام من خلال الاستنزاف السياسي و الاقتصادي. مع دعم موازي للمجموعات المسلحة المستعدة لمواجهة حكومة الخرطوم. بمعنى أن هدف الامبريالية زعزعة استقرار الحكم. و بالتالي الإطاحة بالنظام الحالي. أي إقامة نظام يخدم المصالح الأمريكية من خلال تفويت الاحتياطات البترولية العريضة للسودان، للشركات الامريكية و لحلفائها الأساسيين: انجلترا- النرويج- إيطاليا الذين يساندون الاستراتيجية الامريكية بهدف الاستفادة من حصص الغنائم في المرحلة القادمة. و هذا ما صرح به طوني بلير بأنه مستعد لإرسال 5000 شخص إلى السودان. طبعا كل ذلك يتم في اطار رسمي تحت شعارات مختلفة : من أجل "المساعدات الإنسانية" و "إحلال السلام" إنهم على استعداد دائم للتطوع خاصة إدا ما تعلق الأمر بقوى كبرى تستعد لشن الحروب و النهب.
و في هذا السياق تترجم الحرب بين الشمال و الجنوب النتائج الكارثية للجوع و الجفاف آخرها نتائج الاقتتال المسلح بدارفور الذي اندلع حيث اصبحت حركتين مسلحتين مختلفتين أقحموا في النضال ضد حكومة الخرطوم و يتعلق الأمر بحركتي التحرير السوداني ALSو APLS في الدانوب مدعومة بالعتاد و الأسلحة من طرف الإدارة الأمريكية.. إضافة إلى JEM التي ترتبط بالترابي الدي يبارك الظغط الأمريكي.. وبغض النظر عن كونه من المعروفين جماهيريا بأنه قد دعم بن لادن و قدم مساعدات في هجومات 2001 ضد مركز التجارة العالمية .أما الطرف الآخر فقد عمل البشير على تسليح و تعزيز ما يسمى بملشيات -الجانجويد -التي قامت بشن غارات دموية ضد المدن المتعاطفة مع JEM و ALS مصادرة الأراضي و المحاصيل و كل مقومات الحياة، و غالبا ما تساند غزواتها بغارات جوية للقوى المسلحة و على سبيل المثال على مدى صيف 2003 قامت الطائرات الحكومية بتفجير مجموعة من المواقع و المدن: آل تينا- كورنوي – وكوتوم في شمال دارفور. هذه الأخيرة التي تعرضت ثلاثة أيام بعد انسحاب قوات المعارضة للمداهمات و التدمير. و قرار 1556 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي ONU حيث هدد الحكومة السودانية بالعقوبات إذا لم يتم تفكيك ملشيات الجانجويد و نزع الأسلحة عنها. بالمقابل لم يتم الانصياع للقرار. و اكتفى البشير بتعزيز قوات الأمن على طول الشريط في المنطقة و إدماج جزء الجانجويد في قواته أيضا الأنظمة الإفريقية: تشاد و ليبيا لها مصالحها الخاصة في دارفور: فإقليم زاكزا هي مفتوحة على واجهتين حدوديتين في السودان و تشاد، و يعتبر هذا الشريط الاثنن أهم قاعدة تتأسس عليها الديكتاتورية بتشاد لادريس دبدي. و هي نفسها للديكتاتور السابق حسين هبري. أحداث دارفور إذن ترتبط بمعطى مباشر أصلا يهدد مصير النظام التشادي. كما أن النظام الليبي الذي على خلاف مع تشاد بصدد موضوع الحدود المشتركة، مقحم هو الآخر في الصراع الدائر في دارفور حيث يسعى إلى تقزيم ركائز ادريس ديدي.
الدبلوماسية الفرنسية من جهة تتمنى إبرام اتفاق سلام في السودان بشكل يسمح لها باستغلال الحقول النفطية " Bloc 5" إلا امها لا تعي بان قواعد اللعبة الحالية – التفاوض- تعني حرمان فرنسا من تنمية مشاريعها في السودان مع استحضار المكانة القوية التي تعود إلى الولايات المتحدة بالجنوب. و النفوذ المتنامي في المنطقة لنخلص إلى ان الصراع القائم في دارفور كما هو الشأن في مختلف النزاعات المسلحة بإفريقيا.هي تعبير فصيح عن تضارب مصالح بين أطراف أخرى متنافسية. تعارض بين مصالح الامبريالية الفرنسية و الامبرياليةة الأمريكية. ففرنسا سبق و أن خسرت العديد في الساحة.
كما أن سياسة الولايات المتحدة في السودان لا تختلف عن سياستها في ليبيا و سياستها قبل الحرب وجها لوجه بالعراق. هي تتلخص في فرض عقوبات اقتصادية و استنزاف عسكري يتوافق مع الوعد برفع الحصار أو عكس تمديد الحضر الاقتصادي الشامل مصحوب باحتياج عسكري شامل. و كلها قوالب يتم اختيارها حسب السلوك الذي ينهجه ضحاياهم. فالنظام السوداني جراء الضعف الذي يعانيه سيصبح عاجزا عن المقاومة بشكل ابدي للامبريالية المتوحشة. و هذا ما يدفع البشير إلى سعيه إرضاء عجرفة واشنطن، من خلال السياق العام لبروتوكول ماشاكو التي تفوت ثلث البلد إلى الولايات المتحدة و بلغة النفاق الدبلوماسية الدولية وضع جنوب السودان تحت حماية الولايات المتحدة بدعوى "الاهتمام الدولي المستمر الذي أصبح ضروريا لضمان السلام" كما حدث لصدام حسين و قصة "المفتشين" المشهورين في ONU. مع تقديم تنازلات جديدة دائما أكثر قسرية بدون مبالغة في شاكلة ليبيا الأستراتيجيلت الامبريالية الأمريكية سوف تصبح على استعداد رفع أي عقوبة اقتصادية مقابل وضع يدها على العائدات و التجمعات البترولية بالسودان.
بالتوازي مع الموقع الصيني المحصن من المنازعات القائمة بين فرنسا و الولايات المتحدة من خلال تامين مواقعها الصلبة فوق حقول البترول السوداني. الأهداف الأمريكية لا يمكنها أن تتأتى بدون الإاحة الشاملة لحكومة البشير و إحلال مكانها نظام يخدم مصالحها. محاولات الإطاحة بالدولة في 24 شتنبر 2004 لم يتم تشجيعها لكون الترابي و JEM نصير لابن لادن. على الرغم أن محاولته كانت بداية للنصر و الظفر بالسلطة المحقق و بالرغم من دبول شبعيته بالعاصمة. رفض الولايات المتحدة دعمه و الحد من دعمها JEM في دارفور بعد ان خلقت شقوقا داخلية للنظام الحالي..
في الوضع الراهن تسعى الاستخبارات الأمريكية إلى إعداد مركبات على أعلى مستوى عسكري و تعد فريقا من المركبين المنحدرين من أصل سوداني. بالتوازي مع ورطة قواتها العسكرية بالعراق ستعمل الولايات المتحدة بشكل صريح على تنطيم وساطات عسكرية على أعلى المستويات في السودان. و ستدفع ONU على "بعث قوات تحقيق السلام" لدعم عسكري للحكومة "الانتقالية" الوهمية التي سيتم تنصيبها ففي انتظار ذلك ستظل دارفور موقدا للحصن بشكل يسهل قبول تبرير معارضة الحصار في السودان. و من أجل تعزيز التجمعات الأجنبية في هذه المنطقة "الطريق إلى إفريقيا" للقوى العطمى المتنافسة تستكمل دورتها و الشعوب في السودان و باقي ساكنة القارة تستمر في دفع ثمن الأطماع من خلال الجوع و المرض و الموت.
عن مجلة LA RIPOST



#يسير_بلهيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاصلاح الجامعي وضرورات النضال المشترك
- مدخل: كتاب المسالة الدينية والفكر التقدمي
- دروس النضال العمالي بالجماعات المحلية
- -المسالة الدينية والفكر التقدمي -الجزء الاول
- الى اين تتجه الاممية الرابعة؟
- الراهن الروسي ... و الحنين إلى السوفيات
- إشكالية التنمية ومصداقية المنظمات الغير الحكومية
- مهامنا وادوات نضالنا في خدمة جماهيرية النضال الحقوقي


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يسير بلهيبة - السودان : الأطماع الامبريالية