سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 5091 - 2016 / 3 / 2 - 20:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حول الهجرة واثرها في الصراع بين الليبراليين والأصوليين في الغرب!؟
******************************
ملاحظة اولية من اجل فهم العنوان وموضوع المقالة : ليس المقصود بالأصولية هنا الاصولية الاسلامية بل الاصولية الغربية سواء أكانت ذات طابع قومي او وطني او ديني.
**************
لا يمكن لمراقب وباحث سياسي ان يغفل عن حقيقة ما يجري في الغرب اليوم وهو وجود صراع بين قوتين في المجتمعات الغربية ، احداهما قوة سائدة في فكر وقانون الدولة تحاول الصمود وتثبيت موقعها الذي اكتسبته خلال تجارب القرون والتي آخرها تجربتها ومعركتها مع انظمة الحكم النازية والشيوعية التي جسدت في الواقع الطابع الجماعي الشمولي المتناقض مع الطابع الفردي الليبرالي الغالب على اوروبا وامريكا ، والاخرى قوة تحاول الصعود وفرض نفسها ، وهاتان القوتان (السائدة والصاعدة) تتمثل الاولى في قوة الطابع التحرري والفردي و العقلي للغرب والمتمثل في (الليبرالية) كفلسفة اجتماعية ومنهج حياة ، والقوة الاخرى تتمثل في قوة الطابع الهوياتي القومي والوطني والديني أي الطابع الأصلي للمجتمعات الغربية والمتمثلة اليوم في اتجاهات اليمين الوطني والقومي المتطرف واليمين الوسط المحافظ وكلاهما باعتباره توجها اصوليا محافظا يمكن ان يلتقي ببعض التوجهات المسيحية الاصولية و المحافظة التي تخشى على الطابع المسيحي لأوروبا والغرب عموما باعتبار المسيحية جزءا اصيلا في الثقافة الغربية ! .
ولا شك عندي ان تصاعد الهجرة الشرعية و غير الشرعية للغرب خصوصا من العالم الاسلامي مع تصاعد موجة الارهاب المتلحف بايديولوجيات دينية اسلامية ساهم بشكل اساسي في استفزاز وتهييج القوى اليمينية الاصولية المحافظة في اوروبا وامريكا سواء أكانت هذه القوى ذات طابع قومي ووطني او ذات طابع مذهبي ديني ! .
وهنا يجب الانتباه الى ان الليبرالية كفلسفة اجتماعية ومنهج حياة ليست هي الفلسفة الاجتماعية الاصلية للمجتمعات الغربية وانما هي فلسفة اجتماعية اكتسبتها هذه المجتمعات خلال رحلة كفاح مرير ضد كل انواع التسلط الشمولي السياسي او الديني الكنسي حيث مع هذه المعاناة المريرة والتجارب الكثيرة انبعثت الفلسفة الليبرالية التحررية التي محورها حرية الانسان الفرد واحترام حقوقه وخصوصياته ومجاله الشخصي والعائلي في مواجهة التسلط الشمولي للسلطات السياسية او الدينية او حتى الاجتماعية ، فالليبرالية فلسفة انسانية غير قومية وغير دينية تتعامل مع الانسان الفرد كانسان وكفرد وكفى ! ، دون اعتبار للهوية الدينبة او العرقية او القومية او الوطنية لهذا الانسان الفرد ! ، بل هي بطبيعتها تتعامل مع التوجهات الايديولوجية الدينية والقومية والوطنية والجماعية كالشيوعية والاشتراكية القومية بحذر شديد بل ربما بنفور عتيد وترفض الشمولية بكل صورها ، وهذا سر نفورها من فكرة اليمين القومي والوطني والديني (الأصولية) وكذلك نفورها من فكرة الايديولوجيات الجماعية كالشيوعية لانها تعتبر هذه (الفكرة) بذرة لنشوء وتطور النظم الشمولية بصورها المختلفة التي لطالما كافحتها حتى انتصرت عليها في الغرب ابتداء من بريطانيا وامريكا ، فالشمولية كنظام جماعي او قومي ووطني او ديني نقيض لليبرالية كفلسفة اجتماعية ومنهج حياة يقوم على تقديس الانسان الفرد ويعتبر كافة المؤسسات والمكونات الاجتماعية انما قامت لخدمة وحماية هذا الانسان الفرد ورعاية حقوقه وحرياته وخصوصياته سواء كانت هذه المؤسسات الجماعية في هيئة الدولة او المجتمع الوطني والقومي او حتى في هيئة الاسرة والعائلة فكلها قامت من حيث الاصل عند الليبراليين لخدمة وتوفير الحياة الحرة والكريمة للأفراد !.... ولهذا السبب يجد الليبراليون الحقيقيون الجادون ، وليس ممن ينتحلون الهوية الليبرالية دون ان يفقهون معناها ومؤداها ! ، انفسهم خصوما ألداء بل اعداء للاصولية أيا كان مصدرها وأيا كان مظهرها سواء اكانت هذه الاصولية في صورة فكرة او صورة نظام قائم ، ولهذا السبب ينفرون من التوجهات اليمينية ذات الطابع القومي والوطني والعرقي والديني لأنهم يدركون ان هذه التوجهات الاصولية ماهي في طبيعتها وحقيقتها وغايتها سوى بذور لأنظمة ومشروعات حكم شمولية تهدد حرية وفردية وكرامة الانسان !.
وفي المقابل نجد هذا العداء الكبير لليبرالية لدى اصحاب التوجهات الأصولية اليمنية ذات الطابع القومي او العرقي او الوطني او الديني او اصحاب التوجهات الجماعية الاشتراكية ، فالليبراليون من وجهة نظر هؤلاء الاصوليين القوميين او الدينيين وفي اعتقاد هذا اليمين القومي او الوطني او الديني يغامرون بأصول هويتهم الثقافية والاجتماعية وطابعهم الثقافي الخاص ويهددون من خلال فلسفتهم الليبرالية الانسانية الرومانسية هوية بلدانهم الاصلية وبالتالي تهديد وجود هذا المجتمع القومي وخصوصياته الثقافية الموروثة خصوصا مع تعاطف هؤلاء الليبراليين مع الهجرة والمهاجرين الاجانب الغرباء ! ، هؤلاء الاجانب الغرباء الذين يحملون في عقولهم وقلوبهم بل وربما "جيناتهم" كما قال احد العنصريين بذور ثقافة وهوية مجتمعات وبلدان واقوام واديان اخرى غير اوروبية وغير غربية وغير مسيحية ! ، فالهجرة المتزايدة من الجنوب الفقير المتخلف الى الشمال الغني المتقدم الى المجتمعات الغربية اذا استمرت بهذه الاعداد المتزايدة ستؤدي في نظر الاصوليين المحافظين الى تغيير هوية وثقافة هذه المجتمعات من الناحية الأثنية العرقية العنصرية من جهة ومن الناحية الثقافية والفكرية من جهة اخرى ، اذ أن التغيير المتراكم والمتزايد في (الكم) سيؤدي بالضرورة الى تغير او ربما انقلاب في (النوع) و(الكيف) !! ، وهذا ما يقض مضجع الاصوليين الوطنيين والقوميين والمحافظين المسيحيين في الغرب ويجعلهم يشنون حملتهم المصحوبة بدق اجراس الخطر تارة ضد الليبراليين وتارة ضد المهاجرين ! .
إذن ، فهذا الصراع المتنامي بين هاتين القوتين في اوروبا والغرب عموما اي بين القوى الليبرالية ومعها قوى اليسار الانساني رغم ما بينهما من حساسيات وتباينات ايديولوجية وسياسية من جهة والقوى اليمينية الاصولية من جهة اخرى هو صراع حقيقي ويومي على الأرض تحفزه وتوسع رقعته بشكل كبير موجات الهجرة الشرعية وغير الشرعية المتقاطرة من الجنوب الفقير والمتخلف خصوصا من الشرق الاسلامي والعالم العربي حيث مناطق الحروب الملتهبة التي تشكل بيئة طاردة للبشر بينما تشكل اوروبا والغرب عموما بيئة جاذبة لهؤلاء البشر الباحثين عن الامن والسلام والحياة الكريمة والمستقرة لهم ولاولادهم ! .
ختاما ، ترى من سينتصر في هذا الصراع الايديولوجي والسياسي الناشب من القوى الليبرالية(*) ومعها (اليسار) والقوى الاصولية القومية والوطنية والدينية (اليمين) !؟ ومن سيقرر مصير اوروبا وامريكا !؟ أم سيتمكن السياسيون (البرجماتيون) ورجال الدولة في الغرب من الوقوف في الوسط بين هذين الطرفين ويحققون المعادلة الصعبة من خلال المحافظة على الطابع الليبرالي للدولة مع المحافظة على هوية وثقافة مجتمعاتهم وحمايتها من الاضمحلال او التبديل او التعديل تحت ضغط ثقافات وهويات المهاجرين والمتجنسين الجدد !؟؟... هذا هو التحدي الكبير وهذه هي المعادلة الصعبة في الغرب اليوم !!.
سليم الرقعي
2 مارس 2016 م
(*) يمكننا ان نصف الليبراليين المحافظين الذين يتمسكون بالطابع الليبرالي للغرب بأنهم ايضا يقعون في خانة (اليمين المحافظ) ولكن ليس الخانة نفسها التي يقع فيها اليمين القومي او الوطني او العرقي او الديني بينما في (اليسار) سنجد اليسار الانساني وهو الاتجاه الايدبولوجي والسياسي والفكري الذي حاول الجمع بين محاسن الليبرالية ومحاسن الاشتراكية ومحاسن الديموقراطية في مخلوط فكري وسياسي واحد ، والبعض يطلق عليهم الوسط الانساني وليس اليسار الانساني بينما في مناطق ابعد من هذا الوسط في جهة اليسار سنجد اليسار الشيوعي والفوضوي وصولا الى اقصى درجات التطرف اليساري الثوري الراديكالي !.
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟