أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - دراخيش














المزيد.....

دراخيش


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 5088 - 2016 / 2 / 28 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
خليل الشيخة
رمتني ذاكرتي بعيداً إلى المرحلة الابتدائية، وللذاكرة نشاط غريب وعجيب في التوقف عند مراحل عمر بذاتها، الساخر منها والجدي.
أرسلت مرة وزارة التربية فوجاً جديداً من طلاب دار المعلمين بغية التدريب قبل التخرج. دخل علينا شاب نحيل الجسم مستطيل الوجه، بشعر يلمع من كثرة الزيت، مرتدياً بنطالاً ضيقاً كاد أن ينفتق من شدة التصاقه بجسمه. زيادة على نحالته، غلب عليه السمرة وتوسط وجهه أنف طويل، فبدا كل مافيه ساخراً. أمسك طبشوراً وكتب على اللوح "برودة الماء في الخابية". التفت إلينا قائلاً بلهجة ريفية ثقيلة:
اليوم سنتحدث عن السبب في حفظ الماء بارداً في الجرة.
ثم تحدث مايقارب النصف ساعة عن الجرة وقال أن الثقوب فيها تسمح للماء بالنفاذ والتبخر لأنها مصنوعة من مادة الصلصل، وكي يتأكد من فهمنا، اختار ولداً في آخر الصف كان نائماً ثم أمره بأن يشرح سبب تبريد الماء في الخابية. وقف التلميذ وعرك عينيه، ثم التفت حوله عسى أن يجد جواباً عند أقرانه. فسمع كلمة دراخيش من جاره. فمد قامته بثقة وقال:
السبب أن الخابية تبرد الماء، هو كثرة الدراخيش فيها. هنا سال الأستاذ مستغرباً:
ممكن أن تشرح لنا معنى دراخيش، فأجاب ولد آخر: الدراخيش معناها الثقوب أستاذ.
هنا، لاحت علامات الغضب على وجه الاستاذ المتدرب وقال مستنكراً:
شو دراخيش ولا.. دراخيش في بيتكم .. قلنا ثقوب.. ولا.. جحش.
وعند سماع كلمة جحش، ضج الصف بالضحك وكأن الأولاد يشاهدون مسرحية هزلية، فصرخ الأستاذ المتدرب مستنكراً ثم التفت إلى الخلف فضربت قدمه بحافة المصطبة الأمامية مما أفقده توازنه، فوقع على الأرض وانفتق بنطاله، فتجدد الصخب والضحك . قام الأستاذ وقال غاضباً:
اخرسوا ولا .. جحوش (يعني جحاش أو حمير) الإنسان الذي يفتقر التربية في بيته، أكيد هو قليل أدب هنا.. يلعنكم ويلعن شكللكم جحوش.
انتهى الدرس وغادر الأستاذ المتدرب، لكن ظلت كلمة دراخيش ماثلة أمام الطلبة الذين أتو للمدرسة بغية المسخرة وليس العلم، فلقبوا الولد النائم في الصف بدراخيش. ثم بدأت مسرحية جديدة مع دراخيش هذه، اذ أنهم كلما أرادوا أن ينادوا الولد الكسول، يصيحون بأعلى صوتهم " دراخيش"، فيغضب التلميذ ويركب رأسه شيطان، فيخلع نعله ويقذفه بأقصى قوته على مصدر الصوت، ثم يطارده بنعله الآخر في ساحة المدرسة، فتشهد المدرسة معارك ضارية وقد يخرج الولد المستهزئ بنصف أذن بسبب أن دراخيش كان بارعاً بعض الأذان. وبعد مدة من الزمن كاد دراخيش يرضى بالاسم على مضض، إلا أن كرامته دائماً كانت الحائل. كان يقف بجانبي غاضباً معربداً من أقرانه ومتشكياً أحياناً أخرى. ولاقت صداقتي مع دراخيش عدم استحسان من بقية الصف، لكنه كان ممتناً لهذه الصداقة النادرة التي لاتنجر وراء الغالبية في الاستهزاء والسخرية من الآخرين. حدث مرة أنه أزعجني في أمر، فقلت له محذراً : اسمع يادراخيش .. فالتفت إلي وكأنه يراني لأول مرة، وبانت عليه علامات الغضب ثم الخيبة والحزن، ونطق متلعثماً: : حتى أنت تقول هذا! ولو عرف قصة القيصر وبروتس لقال "حتى أنت يابروتس!" ومشى مغادراً المكان بحزن، ولما شاهدت حزنه، كبر الأمرفي نفسي وشعرت بالأسف على ماقلت، فركضت إليه وأعلنت أسفي ثم قبلت رأسه، ومن ذلك اليوم أصبحت أعز اصدقاءه في المدرسة.مرت سننون طويلة، كان كلما يراني في الشارع يعزمني على كوب من الشاي ويشدني من يدي ويقسم علي أن أشرب ابريق الشاي كله.
وبعد سننين طويلة عدت إلى الوطن ، فشاهدت دراخيش في إحدى شوارع المدينة يمشي، فتوقفت وسلمت عليه، وفرح برؤيتي وأقسم علي أن أذهب معه للغداء، فاعتذرت. وبعد الوداع، قال لي إذا لزمك شيء من البلدية بس تعال لمكتبي، فأنا أعمل هناك. فعرفت أنه أصبح مسؤولاً في الحكومة بعد البهدلة التي مني بها في بداية عمره.



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب : استعاب التاريخ البشري
- بائع الشنان والغولة
- شنت منت فين
- عربو الغرقان
- خوازيق
- حدث ذات مرة - قصة قصيرة
- كتاب سيكولوجيا العنف عند البشر
- سيكولوجيا العنف -4
- اسوداد الوجه-قصة قصيرة
- سيكولوجيا العنف(3)
- سيكولوجيا العنف(2)
- سيكلوجيا العنف (1)
- الأزمة
- المبعدون - قصة قصيرة
- مقاومة - قصة قصيرة
- الاخوة الاعداء - قصة قصيرة
- تخيلات عائمة - قصة قصيرة
- شالوم - قصة قصيرة
- غابة التخلف -قصة قصيرة
- حفار القبور


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - دراخيش