أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - الاخوة الاعداء - قصة قصيرة















المزيد.....

الاخوة الاعداء - قصة قصيرة


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 4810 - 2015 / 5 / 18 - 17:12
المحور: الادب والفن
    


ارتجف وليد في فراشه ثم استيقظ كالمخبول يفرك عينيه ويغمغم:"اللهم اجعله خيراً ".نهض ببطء وحذر، محاولاً عدم أيقاظ زوجته، قاصداً حنفية المطبخ على رؤوس أصابعه. ولما عاد وجدها ما زالت نائمة تنفخ بهدوء، وقد انتشر شعرها الداكن على نصف الوسادة. أندس في السرير وحاول إغماض عينيه، لكن الحلم الذي رآه كان أقوى من أن يدعه يغفو. انقلب على الجهة الأخرى فاندفعت روائح المطبخ، المنبعثة من جسد زوجته الراقدة بقربه، إلى أنفه. حدث نفسه وهو ما زال مغمض العينين:
- يطاردني حتى في أحلامي، الله يسوٌد عيشته.. الله لم يشبعه بعد، يريد طردي من البيت، أخي وحش، الله لا يرحمك يا أبي .. طوبت كل أرزاقك له لأنه ابنك من الزوجة الجديدة، كأني لست ابنه .. لو كنت معي يا أمي.. الله يرحم ترابك.. كيف باستطاعته أن يتجاسر علي ويدفعني البارحة، سنكون قصة الحي في الأسبوع الآتي، سيقولون الأخ الأصغر يضرب أخوه من أجل العقارات. الله لا يرحمك يا أبي.
وما أن غفى حتى بدأ حلمه كرة أخرىـ فهو الآن في برية خالية والصمت والظلمة قد عمت من حوله، سمع خشخشة آتية من ورائه، التفت فوجد شبه خيالات ترتدي قبعات سود ولها قرون مزروعة في رؤوسها، حاول الهرب فكانت رجلاه أثقل من الإفلات، زمجرت الأشباح وأخذت تلتف حوله..أغمي عليه، ثم وجد الأشباح تتحول إلى صورة أخيه الشرير، وفي عينيه الجامدتين موت مرعب وشرر ينطلق من نظراته ما بين الفينة والأخرى .. زحف إليه وفي يده مدية ، ثم انهال عليه يطعنه في صدره.
زعق منتفضاً من الفراش وهو ما يزال يرد الطعنات بيديه. استيقظت زوجته على الضربات الموجهة إلى بطنها. فأمسكت به وهي تصرخ:
- هل جننت.. ضربك شيطان، استيقظ من نومك، كابوس يركبك .. استيقظ.
عندما صحا، توقف وهو ينظر إلى الأسفل وقد استقام شعره إلى الأعلى وكأنه قد خرج من قبر، وبريق وضاء ينبعث من عينيه فيزيد من رعب الزوجة .
هزته بضعة مرات ثم دفعته إلى صنبور الماء ليغسل وجهه. حاولت النهوض فشدتها عجيزتها إلى الوراء، لكنها انتفضت بشكل أقوى هذه المرة، وأخذت تتدحرج نحوه، ناولته منشفة وهي ما زالت تتمتم متشكية. كانت حركة فمها أشبه بحركة منقار طير الوقواق. أخذ المنشفة وهو يضع سبابته على فمه يريدها ألا تحدث ضجة، ويحذرها من أن يستيقظ أخوه أو زوجته. وبعد أن استلقيا على السرير أخذ يقص عليها كابوسه المزعج، وهي قد ثبتت رأسها بنظرة أشبه بالغيبوبة، لكنها ما لبثت أن أغمضت عيناها وشرعت تنفخ من جديد.
في الصباح توجه وليد إلى عمله وترك زوجته تتقلب في الفراش كأسطوانة الغاز. لكنها نهضت عندما أدركها الوقت لتعد الأطفال إلى المدرسة، وفي الوقت نفسه، أرهفت السمع إلى الجهة الثانية من البيت التي كانت فيه أصوات أولاد سلفتها وهم يتشاجرون وأمهم تعنفهم من التأخر عن المدرسة. في الساعة الرابعة كان وليد قد انتهى من العمل, وقبل أن يتجه إلى البيت مر على حانوت الحي يبتغي بعض الخضار، فوقف مع صاحب الحانوت العجوز يروي له عن حلمه ويسأله عن ألغازه، فرفع العجوز أصبعه عالياً وكأنه سيلقي محاضرة أمام حشد من الناس ناظراً إليه بجدية فيها بعض من الاستهزاء:
- يا بني، هل أصابتك المدية وتدفق الدم منك ؟ فقال وليد وهو ينظر إلى كومة الباذنجان الأسود:
- لا يا عم، لم يكن أي دماء! انحنى العجوز إلى باقة الجزر ثم دسها في الكيس ولم ينبس بكلمة، إلا أن وليد اقترب منه بحركته البطيئة متلهفاً:
- قل لي يا عم أرجوك، ما معنى حلمي ...
شرب العجوز ما تبقى من الماء في الوعاء النحاسي ثم التفت إلى وليد وهو يضع يده على كتفه وقد قطب حاجبيه وفتح فمه الذي كان أشبه بمغارة مظلمة:
- الله يجعله خيراً، أخشى من عواقب سيئة يا ابني وليد، كن حذراً ..
حمل وليد الخضار وأطرق برأسه مطلقاً قدميه بدون إسراع إلى البيت وقد ارتسم على محياه الأسى، وأحس بأن الليل يحمل في ثناياه حدثاً مؤلماً.
دخل الدار متوقفا عند المطبخ، فوجد زوجته تجلس القرفصاء تحرك الطعام في طنجرة كبيرة ونتقر من فترة لأخرى بساق الملعقة على حافة الطنجرة فيتناثر الطعام في أرجائها. التفت إليه وقد هالها صمته وكآبته راجية في سريرها أن ينطق عما يختلج في كيانه، لم تنتظر طويلاً لتسأله وقد اكتسى صوتها رقة وحناناً:
_ ما الخبر يا وليد، الله يخليك أخبرني!
التزم الصمت، ثم استدار إلى الوراء يتفادى نظراتها واتجه إلى غرفة النوم، فألقى بنفسه على السرير كالبقجة فترقرقت الدموع حارة على وجنتيه تصطدم في المخدة تاركة بقعاً ندية.
أمسكت بيده ورفعتها إلى خدها فأحست بحرارتها وخشونتها فاستطردت تهمس وقد تغضن وجهها حزناً:
_ أعرف بأنك تمر بوقت حرج. لكن الله يعطينا لنشتري بيتاً ونبتعد عن هذا الإسطبل .
_ لقد شغلت رأسي ثلاثة أشياء اليوم، الشياطين الدائرة حولي في الحلم وطعنات المدية الموجهة إلى صدري من المغضوب أخي، وحادث البارحة عندما دفعني أمام أطفالي.
وما إن أنهى جملته حتى طفق يقيس الغرفة غدوا ورواحاً وفي وجهه مزيج من الانكسار وإشارات استفهام. وظل على هذا الحال حتى أحس بيد ناعمة تمتد إلى عنقه، فلم يكترث بل دفعها بلطف وهو يرنو من النافذة إلى اثنين من أطفاله وقد اعتلى وجهيهما غبار الحي وهما منهمكان في القفز على أشجار الأكاسيا المجاورة مع أولاد عمهم محدثين ضجة تملؤها السعادة.
ثم راعه منظر الطفل الصغير الذي وقف في أسفل الشجرة وهو يرفع يده الصغيرة إلى أخيه كي يساعده بالتسلق عليها، وقد وضع يده الأخرى على شعره المتلبد، ويصرخ باستمرار وكأنه أخرج للتو من مدخنة.
سمع قرقعة على السطح، ثم تلاها أصوات أطفال يغنون ويدبكون. وتناهى على سمعه صيحات آتية من بيت أخيه وهو يضرب زوجته ويلعن اليوم الذي تزوجها. وبعد أن توقف قليلاً سمعه يصيح بصوته النزق:
_ سأطردك من هذا البيت يا بنت الحرام ..وسأطرد هذا أبو وجه البوم أيضاً، وإذا لم ينقلع سيحملونه إلى المقبرة عما قريب.
التفت وليد إلى زوجته وهو يشير إلى جهة الصوت وقد احمر وجهه وتغيرت نظراته:
_ أتسمعي ماذا يقول ..يريد قتلي، سأذهب الآن وأتركه يقتلني.
وما إن هم بالخروج حتى لفت زوجته ذراعيها حوله تمنعه من الخروج، وهو يحاول التملص منها، يشد يده اليمنى فتمسك باليسرى وهي تتوسل وقد تلون وجهها بالزرقة.
مضت الليلة بشكل طبيعي، إلا أن الأطفال أُرغموا على النوم باكراً من دون إعطائهم أي تفسير على تلك المتغيرات التي تحدث بشكل يومي في البيت.
كان البيت مؤلفاً من ثلاث غرف نوم وحمام ومطبخ، وبعد موت الأب الذي منح كل عقاراته لولده الأصغر، نشبت عدة مشاجرات على استعمال الحمام، فعمر وليد قناً صغيراً تستحم به العائلة وأُرغم على استعمال غرفة نوم واحدة. لكن هذا لم يرق لأخيه، بل أمره بأن يفرغ الغرفة ويبحث عن مكان آخر يسكن فيه. وتتطور الأمور من يوم لاخر ومشاجرات الأطفال التي غالباً ما تؤدي إلى شتائم بين الأخوة.
واستمرت الحرب بين الأخوين فأصبح كل منهما يتحدى الآخر بالقتل والدمار، وكم من مرة تجمعت الناس ليلاً على أصواتهم والتي غالباً ما تنتهي بتدخل أحد كبار الحارة والتوسط فيما بينهما. إلا أن الأخ الأصغر وضع في ذهنه مخططاً جهنمياً لرمي وليد في الشارع مع أولاده وزوجته. فقرر بيع البيت وبذلك يكسب ثمنه وباستطاعته الانتقال على بيت أكبر وتوفير ضخم باستطاعته فتح حانوت في منتصف السوق.
وأتى يوم كان وليد عائدا من العمل منهكاً، ومر بحوانيت الحي رامياً السلام، لكنه أحس شيئاً غريباً في عيون هؤلاء الناس. فلم يأبه، بل تابع المشي إلى البيت ليرى ابنه الأكبر يقف خارج البيت تحت شجرة الأكاسيا، مبهور الأنفاس، واجماً، وقد وضع أمامه مفروشات كانت في غرفة النوم قبل أن يذهب للعمل باكراً. وتجمع أولاد الحي من حوله يغمغمون بدون إثارة أي ضحك أو صخب.
وما إن وصل، حتى نظر إلى ابنه بدهشة وهو يمسكه من ذراعه الأيمن:
_ ماذا حدث يا ولد .. لماذا الفرش هنا .. أين أمك وأخوتك..تكلم ؟
_ عمي باع الدار ..ورمى بكل ما في البيت هنا .. وأمي وأخوتي عند بيت جدِّي ..
دخل بين المفروشات عجوز منحني الظهر، ضخم الجثة وفي يده عكاز يلوح بها في الفراغ. وظل يقترب حتى دنا من وليد، فسلم عليه وقد ارتسم على وجهه نظرة عطف وعزاء، ثم أردف بصوته الأجش:
_ لا تقلق يا ابني وليد، فبيتي كبير وأهلا بك.
لم يتكلم وليد، بل كان ينظر على المفروشات كالمعتوه.
وفجأة طلب من أحدهم أن يرسل سيارة شحن. وجعل يقيس المسافة ما بين الأمتعة الموضوعة حوله بدون توقف.
ولما أتت الشاحنة. وضعوا الأمتعة والمفروشات فيها وانطلقوا إلى بيت الجد، أبو الزوجة وما إن وصلوا حتى أمر وليد زوجته وأولاده بنقل الأغراض إلى الداخل، ثم فر مسرعاً وهو يصرخ كالمجنون:
أنا ذاهب لأقتله ... لأقتله ...



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخيلات عائمة - قصة قصيرة
- شالوم - قصة قصيرة
- غابة التخلف -قصة قصيرة
- حفار القبور
- الثأر والبندقية - قصة قصيرة
- الزنزانة
- مدن غير مرئية
- بداية مجلة المهجر الثقافي
- المصنع
- إصدار جديد - ومضة ضمير
- بحيرة قطينة-قصة قصيرة
- جمعيات غير تعاونية - قصة قصيرة
- رغيف خبز - قصة قصيرة
- الجذور الأولية للرق والاخلاق
- ما وراء العنف اللفظي
- بروز داعش
- الجذر اللفظي للأكل دون ملح
- القناص الامريكي والانتفاخ
- تورتيلا فلات والصعلكة السياسية العربية
- لؤلؤة فقراء الربيع العربي


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - الاخوة الاعداء - قصة قصيرة