أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق















المزيد.....


السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 5081 - 2016 / 2 / 21 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


السواد المميت في رواية
"البوكس"
قاسم توفيق
تعرفت على الكاتب "قاسم توفيق" في العقد الثامن من القرن الماضي عندما قرأت مجموعته القصصية "مقدمات لزمن الخرب" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، وما زال عالقا في ذهني التأثير الايجابي وحاضرا، لكن لم أتابع ما كتبه "قاسم توفيق" لاحقا، إلى أن حصلت على رواية "البوكس" والتي أكد فيها على قدرته السردية التي تمتع المتلقي، وعلى قدرته على أسر المتلقي بنص صعب وقاسي لما فيه من سواد وجرائم.
الراوي لا يدين "أحمد البوكس" رغم ما يقوم به من جرائم أخلاقية، فنجده يعمل على ترويج الحشيش ويشرب الخمر، يقوم بضرب الآخرين مقابل مبلغ من المال، يقتل، يضاجع النساء وحتى المتزوجات منهن، يعمل في الملاهي الليلية، يعمل كقواد للمومسات، رغم كل هذا الراوي لا يدينه، ويحاول أن يقدمه لنا كبطل وأحيانا كضحية وأحيانا بشكل حيادي، وآخر متعاطف معه، من خلال توضيح وتناول البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، فيصف لنا الفقر الذي عاشه ضمن أسرة فقيرة، يعمل الأب حارسا ليليا، كما أن اعلان زواج الأب من الأم كان بعد أن ولد "أحمد" بسنتين، وذلك لأن الأب سجن فيهما، وبعد أن تم الأفراج عنه تم اعلان الزواج رسميا بينهما، وهذا ما جعل أهل الحي يقولون عنه "ابن حرام" وحتى أنه راجع أمه بهذه المسألة أكثر من مرة إلى أن ترسخ لديه القناعة بأنه جاء بطريقة مشروعة.
الراوي يعمل على وصف البيئة التي عاش فيها "أحمد" فنجدها بيئة ملوثة بكافة الجرائم وفيها العديد من المشاكل والهموم، فنجد الفقر المتقع والغنى الفاحش، فنجد الأطفال يعاملون كالرجال، يقومون بكافة الأعمال، "فأحمد" ابن الاثني عشر عاما يعمل في مقهى ذو سمعة سيئة، "كانت هي الشتيمة التي تنزل بها الأمهات على أولادهم إن عصوا أوامرهن، ... ـ أنت آخرتك في مقهى محروس" ص59، رغم هذه السمعة السيئة "لمقهى محروس" يستطيع "أحمد" أن ينجح في عمله، وأنت يحصل على ثقة "محروس" الذي يجد فيه الشخص المناسب لترويج وإيصال الحشيش للزبائن، ومن هنا تبدأ عملية انزلاقه في الوحل والقذارة، بعدها يعرفه "محروس" على المومسات ليأخذ حاجته منهن، وتتطور الأول الأمور إلى أن يهجر محروس المقهى ويترك "أحمد" بلا عمل إلى أن يتعرف على "السلوقي" الذي يعلمه الملاكمة ويبدأ "أحمد" في التألق والنجاح في هذه الرياضة إلى أن يخسر أهم مباراة له مع الملاكم السوري وتركه "السلوقي" وحيدا، بلا معين، إلى أن يدخل من جديد "محروس" الذي يكلفه بتأديب أحد الخصوم، وبهذا ينتقل أحمد إلى العمل كجرم مأجور، يقوم بعمال كل ما يطلب منه مقابل مبلغ من المال.
ثم ينتقل إلى العمل في أحد الملاهي الليلية، وهناك يكون ناضجا فيقوم، بحماية المومسات من الزبائن الشرهين، فيدفعن له مبالغ من المال بالإضافة إلى مضاجعتهن وقتما أراد، إلى أن تحصل حادثة حضور أحد شباب العائلات المتنفذة في المجتمع بصحبة شخصين هما حارساه، واللذان يمارسان معه اللواط، تحصل منازعة داخل المقهى الليلي بين الحارسان والشاب، فيقوم "أحمد" بالتدخل وينتزع ثمن المشروب الذي شربوه بالقوة، يفر الشاب مع الحارس الآخر، وفي اليوم التالي تتأتي الشرطة متهمة "أحمد" باغتصاب الشاب، يهرب من الملهى الليلي وهنا تكون فعليا نهاية احداث الرواية.
البيئة الاجتماعية
يتماثل السواد هذه الرواية مع رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، ورغم أن الأسواني لم يترك في روايته أي مساحة بيضاء كان "قاسم توفيق" يعمل على تقديم البيئة الاجتماعية التي نشأت فيها شخصيات الرواية، بكل تفاصيلها، وهذا ما جعل هناك تفسير/تبرير لجرائم وقسوة الشخصيات والأحداث، فالشخصيات ليست أكثر من ضحايا لهذه البيئة السيئة والقاسية، وكأنه بهذا العرض أرادنا أن ندين البيئة وليس الأفراد، فهم ضحايا ليس أكثر، من هنا وجدنا الكاتب يهدي روايته لبطلها الرئيسي "أحمد البوكس" فيقول في الاهداء: "إلى أحمد البوكس، كلنا مثلك لكن القابنا تختلف" ص7، الفقر المتفشي في المجتمع والعوز أحد أهم الخطايا التي تجعل الفرد يخوص في الرذيلة، يبيع أهم ما يملك، أن كانت ماديات محسوسة أم أخلاق ومبادئ، فنجد شخصيات الرواية تقدم على بيع أعضاءها ودمها وبناتها، ما دام هذا يحقق لهم الحصول على المال، ومنهم من يقدم على تجارة الحشيش والجنس والممنوعات ويعمل كأجير مستعد للقيام بأي عمل ما دام هناك مال، وهذا الأمر لم يتناول المواطنين وحسب طال رجال الشرطة الذين لا يقلون فساد عن الآخرين، فهم مرتشين، ويقومون بإغراق المجتمع في الوحل أكثر، الفئة السياسة أيضا أخذت نصيبها من الجرائم بحيث نجد بعض أفرادها يطلب من "أحمد" بتأديب خصمه المنافس له، فحلقة الفساد واسعة وتتناول الفقراء والمتنفذين معا، فالراوي لا يبرأ أحدا مما نحن فيه.
أحدى أشكال فساد المجتمع تتمثل بهذا النهج المتبع عن البعض، "... الذين يبيعون دمهم لمن يحاجه من المرضى،.. والذين يعرفون الفصيلة النادرة من الدم، يبيعونه كلما جاء زبون لها بسعر أكبر من العادي، لا يأبهون للتعليمات" ص38، الحاجة/الفقر جعلت بعض لأفراد تقدم على بيع دمها، وهذا البيع ليس بيعا عاديا، بل يحمل مبدأ السوق، العرض والطلب، فالدم الذي من المفترض أن يكون تبرعا ويقدم بصورة إنسانية للمحتاج، نجده أخذ شكل سلعة تباع في السوق.
العلاقة التجارية بحاجة إلى طرفين، البائع والمشتري، فإذا كانت دوافع البائع الحاجة، وهي من جعلته يقدم على الخطيئة، فهل المشتري نزيه، بريء من هذا الفساد؟، يجيبنا الراوي على هذا السؤال من خلال قول "أحمد البوكس": "ـ إن لم تنجب ولد يفديك بحياته فالأفضل لك أن تموت، أنت لا تحتاج لكلية يا عجوز أنت تحتاج لرجال من حولك" ص42، كان هذا القول موجه لرجل جاء مع أبناءه لكي يشتري كلية من أحد الأشخاص، فالأولى كأن أن يتبرع أحد أبناءه بتلك الكلية، لا أن يبحث عن بائع للكلية، وهنا يكون الفقير أقل سوءا من الغني، فالأول تكون الحاجة هي من تدفعه للقيام بالبيع، بينما الثاني المشتري، قلة النخوة، ووجود مبدأ (كل شيء بثمن) وعدم وجود ترابط روحي، جعله يأخذ المسألة بشكل مادي صرف، بعيد عن الأخلاق والمفاهيم الأسرية.
كما قلنا البيع لم يقتصر على الدم والأعضاء البشرية وحسب، بل طال البشر أنفسهم، فها هي "ريم" يتم بيعها لمرابي طمعا في ماله ليس أكثر، "... لم تكن واعية لما يدور، يصطرع في داخلها خوف عجيب، كيف لها أن لا تنام الليلة بين إخوتها؟ وكيف لها أن تنام بأحضان هذا الرجل الذي كانت تكرهه منذ طفولتها، ومنذ أن كان يزورهم سواء لإقراض أبيها مبلغا من المال أو لاسترداده مع الفائدة التي يضيفها عليه" ص69، هذه الفقرة توضح لنا بأن البنت صغيرة جدا، ولم تزل جاهلة بالعلاقة الزوجية، ونجد الزوج كبير في السن، ولا يتناسب مع عمرها، لكنه يمتلك المال الذي يتنامى يوما بعد يوم من خلال الفائدة الربوية التي يفرضها على المقترض، وبهذا يتم إدانة البائع/الأب والمشتري/الزوج، فكلهما يعمل بمبدأ التجارة، والربح والخسارة، دون اعطاء السلعة (البشرية) أي مقدار من الاهتمام.
نقمة الراوي لم تكن على الفقراء بقدرها على الأغنياء، فهم أكثر فساد وخطورة على المجتمع، من هنا نجد ابن الأسرة الغنية كان مثلا في هذا الدمار الذي يصيب المجتمع، فهم من يبثون الفساد ومبدأ التجارة الفاسدة، "... لأنهم لو فعلوا وفحصوا الشاب ابن الأسرة الشريفة العريقة لاكتشفوا أنه كان محظية لحارسيه الشخصيين منذ زمن بعيد، وبعد أن أنهكت إليته من رفاق دراسته في المدرسة الذين كان يصرف عليهم بسخاء مقابل أن يلعق لأحدهم عضوه، أو أن يقوده إلى حمامات المدرسة" ص34، إذن من بدأ بث ونشر اللواط هم المتنفذين، الذي أعطوا وبسخاء مقابل أن يفعل بهم، وبهذا هم من دفعوا الفقراء نحو اللواط، ولو كانوا يدفعوا مقابل أن يكون هم الفاعلين لكي أخف جرما عليهم، أو يمكن أن يكون ذلك يحمل شيئا من التبرير، رغم أن هذا الفعل لا تبرير فيه، فيؤكد لنا الراوي الحالة الشاذة عند من يقوم به ـ الأغنياء ـ فهم كانوا الدافعين وهم المفعول بهم.

الأطفال
عندما قلنا بأن هذه الرواية تضم كم هائل من المشاهد السوداء لم نكن نبالغ، فهناك جرائم عديدة تم اقترافها بحق الأطفال، من العمل في أماكن غير مناسبة، مثل المقهى وتوزيع الحشيش، إلى جعلهم عرضة للاعتداءات الجنسية كما حصل مع "الطفل الذي قتل المبروك".
يحدثنا الراوي عن هذا الطفل الذي دفعت الظروف الأسرية إلى بيع القهوة لسائقي السيارات وللزبائن أمام دور السينما، إلى أن يأخذه أحد السائقين إلى السينما ويشاهد فلم اباحي، وأثناء الفلم يقوم هذا السافل بوضع يده على فخذ الطفل، وبعد انتهاء الفلم يقنعه بأن هناك علاقة جنسية تقوم بين الرجال أنفسهم بحيث يقوم أحدهما بممارسة دور الرجل والآخر دورة المرأة، وبهذا يتم ممارسة اللواط مع هذا الطفل لمرات عديدة، إلى أن يأتي صديق السائق القذر ويمارس اللواط بطريقة أقسى وأقذر مما كان يفعله السائق، "...فنظراته كانت ملأى بالتقزز والقرف، وكان يكثر من البصق أمامه دون أن يكترث إن نزل بصاقه على من هو قريب منه، وعندما وطأ الصبي كان قاسيا وعنيفا، يستمتع وهو يسمع صرخات وتأوهات الصبي، بقسو عليه بدس عضوه في حسده، يشتمه بألفاظ بذيئة أكثر من فعلته فيه، يشده من شعره ويضربه بعنف هو يطلب منه أن يصرخ وأن يتوسل له" ص124، بهذا الشكل يتم معاملة الأطفال في مجتمعنا، رجل سادي وشاذ جنسيا يقوم باغتصاب الطفل على مرأى من رجل آخر، ورغم ما يبديه الطفل من ألم وما يتعرض له من شتم وضرب لا يجد معين، فمثل هذا المجتمع يستحق أن يحرق أو يباد تماما، لكن الراوي يتعاطف مع بعض شخصيات الرواية، كما هو الحال مع "أحمد البوكس" ويقدمه لنا كضحية للمجتمع، لكن نهاية هذا السادي الشاذ تكون بحجم جرمه، يأتي في أحدى المرات ليقوم بفعلته بالطفل، وبعد أن يخضعه ويقوم بفعلته وما فيها ضرب وشتم و يلحق بح الطفل ويقوم بضربه بهذه الطريقة، "...، اهتدى لمبتغاه، ومثل الجن برز في وجه الرجل الذي أوشكت تقتله صدمة المفاجأة، حاول أن يتلفظ بشتيمة لكنها لم تخرج من فمه، عندها انهال قرص الحديد المسنن عليه، حاول الفرار والعودة إلى الوراء، لحق به، ضربه على قمة رأسه، نفر الدم منه، الرجل يولول ويتوسل، عاد وضربه من جديد، حتى سقط على الأرض بلا حركة، نزع عنه ملابسه وبكل ما أو تي من قوة انهال بالأكس على عضو الرجل فهشمه" ص126، أليس غريبا أن يكون فعل الطفل بهذه القسوة والشراسة؟ أعتقد بأن المجتمع، البيئة القاسية جعلته متوحش، من هنا الراوي لا يدن شخصيات الرواية، بل يدين المجتمع، البيئة التي أنشأت هؤلاء المجرمين/الضحايا.
هناك أطفال أخرين كانوا ضحية المجتمع لكن ظروف القهر التي تعرضوا لها لم تكن بقسوة وشراسة الظروف التي عاشها الصبي آنف الذكر، فأطفال "سلمان التهته" أصبحوا يمتهنون السرقة بكل دقة واتقان وكأنهم خلقوا لها، فوالدهم أخذ على تربيتهم وتعليمهم هذا السوك غير السوي بدوافع الفقر والحاجة، "... لم يساعده عمره على القفز من فوق الأسوار بل يظل منتظرا يراقب الحركة في الشارع بعد أن علم أولاده إشارة يستخدمها بصرة عالية أو إطلاق زامور البكاب برنة مميزة.
احترف الولدان المهنة السهلة، حتى البنات صار يوكل لهن مهمات تناسبهن، مثل البكاء أمام الدار وادعائهن الضياع عن أهلهن حتى إذا أدخلهن أهل المنزل وفكروا أن يقدموا المساعدة ببعض النقود أو الطعام تحين الفرصة لالتقاط ما خفة وزنه وسهل إخفاؤه بين طيات ملابسهن والاختفاء بسرعة." ص146، إذن تم إيجاد مجرمين جدد في المجتمع، بطريقة غير مخطط لها، أطفال يقومون بالسرقة ويتقنونها تماما، فما سيكون عليه حالهم عندما يكبرون؟، بهذا الشكل يبرر/يتعاطف الراوي مع المجرمين/الضحايا، فهم ليس لهم ذنب سوى أن الأب والأسرة أوجدوهم في بيئة غير سوية، فأخذتهم عدوى الجريمة، وأصبحوا مصابين بمرض الجريم والانحراف.



الجواسيس
لم يقتصر فعل الجريمة على المسائل المتعلقة بالأفراد وحسب، بل طالت لتصل إلى العمالة والتجسس لحساب الغرب المعادي، فها هو "أبو النور" الوضيع يمسى من رجال الأعمال بعد أن ‘مل لحساب المخابرات الأمريكية، علما بأنه كان بهذا الصوف قبل أن يصل إلى ما وصل إليه من جاه وعز، "فالولد غضيب الوالدين، الفقير، الجاهل، الذي يشك بأنه يلاط به، من قبل كل رواد مركز البلياردو الذي يتردد عليه، بعد أن ترك المدرسة، الخاسر دوما في لعب الورق، الفاشل في الدراسة، ...الغبي الذي لا يقدر على محاورة الآخرين، الخجل حتى أنه يقفز من سور البيت الخلفي حتى لا عبر من أمام أحد الجيران" ص149، هذه الشخصية الضعيفة والقذرة يتم تعليمها لكي تكون أداة تجسس للغرب على (المجاهدين) في أفغانستان ويبدأ هناك بالقيام بمهمته بشكل متقن، ويطور أعماله بحيث يقوم ببيع السلاح والحصول على نسبة جيدة من الصفقات التي يمر من بين يديه، فعمله كان، "ثلاث سنين قضاها في الجبال، يقاتل ضد الناس الذين يودعون في حسابه راتبا شهريا، ويقاتل إلى جانب الذين جاء لقتالهم" ص157، فمثل هذه القذارة وبيع الذات للعدو ليس لها مثيل إلا عند المحطين، فتاريخه قذر ووضيع، مثل هذه المهام بحاجة إلى أمثاله، من هنا نجده يتقن عمل القذارة والخيانة والتجارة بالبشر وقتلهم. بهذا تكتمل حلقة الفساد في المجتمع، الأفراد على استعداد للقيام بأي عمل ما دام يحصل فاعله على المال، المال هو المعيار الذي يقاس به الأفراد، فكلما كان المبلغ أكبر كانت القذارة المطلوبة أكبر وأوسع، وهكذا تم إيجاد مجتمع فاسد حتى النخاع.

رجال الشرطة
النظام الرسمي العربي لا يلقي بالا للمواطن، فكل ما يهمه إبقاءه ضمن السيطرة والعمل على عدم تجاوزه الخطوط الحمراء، إي المطالبة أو العمل على تغير النظام، وما دون ذلك فرجال النظام على استعداد للقيام بأي عمل ما دام لا يتعارض وسياسة الحكم، من هنا نجد الفساد الأخلاقي يستشري في المنطقة العربية، ودون أن يوضع حد لهذا الفساد.
فرجال الشرطة الذي يتعاملون مع الجرائم المدنية هم أعرف الجهات الرسمية بما يحصل من قتل وموت للقيم الأخلاقية في المجتمع، ومع هذا نجدهم يصبون الزيت على النار، دون أي وازع ضمير أو شعور بالمسؤولية.
الراوي يعري النظام الرسمي العربي من خلال عمل رجال الشرطة، فيقول عن أحدى المفارقات العجيبة في عمل جهاز الأمن: "ليس لمدير الأمن الحق بإصدار حكم بالسجن على أي مجرم لأيام لكنه يملك الصلاحية الكاملة للحكم بالإعدام" ص34، بهذا التناقض يتعامل جهاز الأمن في المنطقة العربية، فهو ممنوع الصلاحية في اصدار حكم السجن، لكنه يملك الصلاحية المطلقة لإعدام أي مواطن، ودون أي محاسبة من أحد، هذا الأمر نفذ على "أحمد البوكس" الذي أعطا مدير الأمن الأمر لرجال الشرطة بتصفيته جسديا، بعد أن تم اتهامه زورا باغتصاب الشاب ابن العائلة المتنفذة.
ونجد اجهزة الأمن تلعب بأمن المواطن لتحقيق مكاسب شخصية لبعض رجال الأمن، بحيث يتغاضون عن مجرمين خطرين وعن جرائم كبير مقابل أن يحلوا بعض الجرائم الأخرى لكي يرتفع بها رصيدهم عن المقامات الأعلى، "...بعض رجال الشرطة يضعفون فيلجأون لم هم أقوى منهم من زملائهم لكي يحموهم من هؤلاء القتلة ، والذين يكونوا إما أقوياء ونبلاء يكافحون الجريمة، أو شركاء وحماة للمجرمين والمطلوبين للعدالة، يقبضون منهم حصة من مكاسبهم وينجون من بطشهم.
... استطاع أن يخلق علاقات خاصة مع كبار لزعران والبلطجية، ... تبدأ المساومة بين الطرفين يعطي رجل الأمن للمجرم الحماية ويزوده بأخبار حملات التفتيش التي تنظمها إدارة الأمن والخطط التي توضع للهجوم على اوكار المخدرات والدعارة، مقابل أن يزوده المجرم بمعلومات مفيدة في جريمة غامضة أو قضية تسعى الحكومة لحلها تحقيقا لمكاسب شخصية أو لإنهاء ولجم حنق الشعب عب فقدان الأمن" 36، إذن أمن المواطن ليس لهدف/الغاية من عمل جهاز الأمن بقدر تحقيق مكاسب شخصية أو لتخدير المواطنين واستمرار السيطرة عليهم، فها هم يقمون بإفلات المجرمين يسيحوا في الأرض فسادا، وهم يعلمون بهذه الجرائم، وعلى دراية بالمجرمين وبالجرائم لكنهم يختارون جرائم محددة تخدم مصالحهم وتحقق هدفهن، تخدير الشعب.
ولم يكن دائما رجال الأمن يعملون لتحقيق مصالحهم في جهاز الأمن، بمعنى أن يكونوا هم كمن يدير المركب، فيسيروا المجرمين حسب ما يريدون، بل نجد المجرمين يقومون بتسير رجال الأمن من خلال الرشوة والتي تدفع لهم فيتغاضون عن المجرمين والجرائم، "... وأستطاع شراء صمت رجال الشرطة على أعماله كلها" ص116، هذا ما قام به "محروس" المهرب وتاجر الحشيش والقواد والقاتل، ومن خلق/أوجد أكثر من "محروس" في المجتمع وقضى على الطفولة والبراءة عند العديد من الأفراد مقابل أن ينمي مصالحة وأمواله.
وهذا الجهاز عديم الرحمة، فيعذب المعتقلين بطريقة هستيرية، بحيث يخرج المتهم حانق على رجال الأمن والذي سيعمل في المستقبل للانتقام منهم، " .. سوف يضطر لتلقي هراوات ولكمات رجال الشرطة، ولأن يتقبل إهاناتهم له إن كفوا عن ضربه وصاروا يتفننون بإذلاله حتى يعترف بأنه الفاعل أو أن يقع الفاعل الحقيقي بيد رجال الشرطة مصادفة حتى ينقذه" ص130، إذن رجال الأمن يشكلون حالة من الجرائم رغم ادعائهم بأنهم ضد الجريمة ويعلمون ـ شكليا ـ على تقويضها والتخلص منها، فطريقة تعاملهم مع المتهم غير إنسانية وتجعله يعمل للانتقام منهم ولو بعد حين، "الزعماء الكبار للمجرمين حفرت على وجوههم أثار التنكيل من محققين كانوا يحسبون أن حلقة التحقيق والتعذيب هي آخر الدنيا، حتى يجيء يوم الانتقام وإن متأخر سنين طويلة قد تأتي بعد تقاعد المحقق ويصير شبه عاجز عندما يفاجأ بمن يدخل عليه داره أو يلتقطه في زقاق معتم يذكره بنفسه، وإن كان من ليصعب على هذا لمحقق المتقاعد العجوز أن يتذكر من نكل بهم وعذبهم لكثرتهم" ص37، إذن حلقة العنف والجريمة لا تتوقف وتستمر في الدواران إلى ما شاء ألله، اليوم رجال الأمن لهم السيادة والقوة، وهدا المجرم يسود ويأخذ بثأره، وكأن كل ما قام به رجال الأمن للحد من الجرائم كان مؤقت، وما أن يجد المتهم الذي عذب الفرصة حتى يعمل بأخذ حقه بيده، ويكون هذا الأخذ شرسا وعنيفا، بحيث يصل في تطرفه إلى الموت.

أحمد البوكس
جرائم بطل الرواية الرئيسي لا تعد ولا تحصى، فمنها "...ليشارك في سرقة عابرة، أو تحطيم محل تجاري صار بنافس أحد الحيتان بالسوق، أو يطلب منه حرق سيارة عضو في مجلس الشعب، او تهشيم أضلع صحفي معارض" ص129، إذا ما أضفنا إلى هذه الجرائم تجارة الحشيش وشرب الخمر، وممارس الدعارة مع العاهرات وأخذ أجرة حمايتهن، ويضاف إلى هذه الجرائم قتل، لا يبقى هناك أكثر من هذا لكن الراوي يعمل على عدم ادانته وخلق المبررات والحجج لما يقوم به، وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة.
الأم والأب
"قاسم توفيق" يتوافق مع العديد من لكتاب الذي يقدمون الأب بصورة سلبية، بينما يكون تقديم الأم بصورة ايجابية، أم "أحمد البوكس" كانت بهذا الشكل، "لم تحتمل عراكها مع رجال الشرطة وهم يحالون اللحاق بك، لا يعرف أحد إن كانوا ضربوها أو أنها سقطت من دفعهم لها" ص17، هذه الأم تعرف أبنها المطارد من رجال الأمن ومع هذا تعمل بل قوتها للدفاع عنه، حتى أنها دفعت حياتها ثمنا لذلك،.
وعندما قرر الأب أرسال "أحمد" ليعمل في مقهى "محروس" سيء الذكر وقفت بهذا الشكل أمام قرار لأب " صرخت سماح وولولت وكأنها تفقد ابنها، قالت أنه ما زال صغيرا على المقاهي" ص60، فالأم دائما تدافع عن الابن حتى لو كان خاطئا، فهي السند له في كافة المواقف والقضايا، ولا يمكنها إلا أن تكون معه في أي مكان وفي أي موقفا كان.
لكن الأب في المقابل قدم بهذا الشكل، "... يرد عليها بشتمها وصفعها عندما يرى نظرة الامبالاة التي تطبعها فوق جبينها الصغير" ص55، فالأب يأخذ شيئا من تركيبة النظام الرسمي الحاكم، من هنا نجده بشكل شيبه كامل يقدم بطريقة سلبية، غير إنسانية، فأبو "أحمد البوكس" يدفع به إلى العمل في مكان غير مناسب، "ـ ابتداء من الغد سوف تذهب لقهوة محروس، هذا المكان الذي يناسب امثالك" ص57، بهذا القرار يكون الأب قد حكم على الابن بالخروج من الحياة السوية والخوض في عالم من الجريمة والمحرمات، بحيث تكون نهايته أم القتل أو التشرد، بحيث لا يعرف معنى الحياة السوية أو الطبيعية.
نذكر بأن الرواية من منشورات فضاءات، عمان طبعة 2012.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليأس والجنون في -غرفة بملايين الجدران- محمد الماغوط
- المرأة في مجموعة - دم بارد- جميلة عمايرة
- الحي الشعبي التركي في رواية -الهزيل بائع السجائر المهربة- رف ...
- الفلسطيني وأشكال النضال
- النص المقدس في رواية -أولاد حارتنا- نجيب محفوظ
- إلغاء الذات في مجموعة -كيف صار الأخضر حجرا- فوزية رشيد
- حالنا في رواية -مجانين بيت لحم- أسامة العيسة
- الشخصية الشعبية في مجموعة --إنثيالات الحنين والأسى- أسامة ال ...
- الدولة الكردية
- بناء الشخصية في رواية -رسل السلام- هاني أبو انعيم
- التشكيل وعصر النت في -تداعيات مسخ مسالم جدا- عامر علي الشقير ...
- السومريون في كتاب - حضارات ما قبل التاريخ- خزعل الماجدي
- الحنين في مجموعة -آه يا كاني ماسي- جاسم المطير
- المجتمع المصري في رواية -ليل ونهار- سلوى بكر
- المغامرة في رواية -خاتم اليشب- فارس غلرايبة
- مفهوم الرجوع في الإسلام
- داحس والغبراء الجمل وصفين
- تركيبة الفساد
- التأنيث في ديوان -أيها الشاعر في- محمد حلمي الريشة
- المرأة والكتابة في -يوميات كاتب يدعى x- فراس حج محمد


المزيد.....




- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - السواد المميت في رواية -البوكس- قاسم توفيق