أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - د. حسين مؤنس وإدارة عموم الزير














المزيد.....

د. حسين مؤنس وإدارة عموم الزير


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 5063 - 2016 / 2 / 2 - 23:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ولأنه حاكم عادل رشيد، فقد لفت نظره وهو يستريح فى إحدى جولاته مع وزيره وبعض الحاشية أن زرافات من الناس ينحدرون إلى النهر البعيد ليشربوا ويبللوا وجوههم إتقاء القيظ والحرور، كانت طريقهم للنهر طويلة متعرجة، والأرض حولهم زلقة والمنحدر صعب والناس فى مسغبة ومشقة، فكر قليلاً كيف عساه يرحم رعيته ويساعدهم، ثم أمر بوضع زير ماء بحمالة وغطاء وبضعة أكواز تحت شجرة وارفة على مقربة من الطريق. دفع عشرة دنانير لحارسه الخاص "صابر" لشراء زير يضعه تحت صفصافة كبيرة بجوار النهر، وطلب إليه أن يتعاون مع زميل له في ملء الزير كلما فرغ فى نوبات متعاقبة ليكون فى متناول الناس كلما مروا. مضى الحاكم في طريقه، ومرت الأيام والشهور والأعوام, وذات مساء رأى الحاكم في حديقة قصره زيراً صغيراً تحت شجرة فتذكر أمر الزير الأول فسأل وزيره, فأخبره أن الفكرة رائعة، لكننا بعد مدة وجدنا الإقبال على الزير يزداد واستعذب الناس شرب الماء فقررت تحويله إلى مرفق شعبي عام، وانشأنا له إدارة عامة، فالدولة لن تدع مالها وممتلكاتها سائبة، وما دام للدولة مبنى لا بد من موظفين وإدارة مالية، وهكذا تم فتح اعتماد مالي لمأمورية الزير، ووضعت خزانة للنقود أودعناها سلفة، لأن الزير قد ينكسر، والغطاء يتلف والكوز يضيع .. ويكمل الوزير بأنهم أنشأوا أربع إدارات فرعية، إدارة للفخار مختصة بشؤون الزير، وإدارة للحديد مختصة بالحماية ، وإدارة للخشب مختصة بالغطاء وإدارة للصفيح مختصة بالكوز. وتساءل الوالي : والماء أليس له إدارة؟ واستطرد الوزير بأنه أمر بإنشاء مبنى بكلفة مائة ألف دينار من أجل إدارة عموم الزير، لأن إدارة عموم الزير مرفق خدمات، الاعتبار الأول لما يؤديه للأمة من نفع. ويكمل بأن إدارة عموم الزير ” على اتصال مع مختلف دوائر الدولة، مع وزارة الأشغال والخزانة والاقتصاد والخارجية والداخلية.. كان الوالي يقاطعه بين الفينة والأخرى متسائلا عن الماء.. ماذا عن الماء، وما دخل وزارة الخارجية فى هذا الأمر؟ وأجاب الوزير: من أجل المشاركة في المؤتمرات، لأن إدارة عموم الزير أصبح لها شهرة عالمية، ومديرها يحضر مؤتمرات في باريس ولندن ونيويورك.. تساءل الوالي : وهل يوجد في الدول الأخرى إدارات لعموم الزير، أجاب الوزير: لا يا مولانا، نحن نفتخر بتجربتنا الرائدة، وراح يشرح كيف بهذه الفكرة العبقرية سنخرج من عنق الزجاجة وننتقل إلى مصاف الأمم المتقدمة، وأضاف مفتخراً انه لكي تكون التجربة رائدة كان لا بد من استحداث مديرية للاحصاء, قامت بتصميم وإعداد أربع استمارات, واحدة بيضاء يملؤها الذين يمرون بالزير مصادفة ويشربون مرة واحدة ولا يعودون, واستمارة حمراء للذين يشربون مرة واحدة بانتظام، واستمارة صفراء لمن يعتمدون على الزير في شربهم، أما الرابعة فزرقاء ترسل إلى إدارة الحاسب الالي, وأظن أن الاستمارات وألوانها مألوفة لدينا صفراء وخضراء وزرقاء وبيضاء. بعد هذا الوصف المستفيض للمشروع كان لابد للحاكم أن يزور المنطقة ويعاين إدارة عموم الزير بنفسه، وكانت المفاجأة الصادمة حين شاهد المبنى الفخم الشاهق كتب على مدخله ”إدارة عموم الزير“، أناس يدخلون ويخرجون، خلية نحل من الموظفين والسكرتيرات والفراشين ومدراء الخشب والحديد والفخار، وملفات وأوراق وصواني شاي وقهوة، وموظفين يقرؤون الجرائد ومجلات ملونة للسكرتيرات و… و… والمدير العام في بودابست يحضر مؤتمرا، وهو ابن شقيقة الوزير، وتم تعيينه لأنه الوحيد المتخصص في هذا المجال، حسبما أقنعهم الوزير المسئول. وانتقل الوالي في كل الأقسام وطلب في النهاية أن يرى الزير، نزل إلى الطابق الأرضي الذى تملؤه العفرة وتضربه الفوضى، ولم يجد الزير، ولما سألهم، قالوا إن الزير تم نقله إلى الورشة الأميرية لإصلاحه. ووجد حارسه السابق صابراً، وقد أصبح رجلا هزيلا مسكينا، مركونا في إحدى الزوايا. وحين شاهد الوالي هب صابر: لقد كذبوا عليك يا سيدنا، الزير ليس هنا منذ سنتين… وأنا لا أتقاضى مرتباً منذ سنتين ونصف يا مولانا وأكاد أموت جوعاً، وحين سأل الوالي وكيل الإدارة العامة عن السبب، قال إن له إشكالا إداريا مالياً فليس معه مؤهل علمي، لذلك لا نستطيع إعطاءه راتباً… صدم الوالي وطلب من صابر أن يعود إلى القصر كما كان ويشتري زيراً آخر ويضعه تحت ظل شجرة ليشرب الناس، ثم أصدر الوالي حكمه على الوزير بأن يدفع رواتب الموظفين الذين عينهم من ماله الخاص، وإذا نفذ ماله فمن مال زوجته وأولاده وأقاربه الذين أكلوا المال العام سحتا في بطونهم “
هكذا جاءت مقدمة دار المعارف عن تلخيص كتاب د. حسين مؤنس " إدارة عموم الزير وقصص أخرى" نقلناها بتصرف.
إدارة عموم الزير قصة أبدعها د. حسين مؤنس نموذجاً ساخراً عن مفارقات الإدارة فى عرف البيروقراطية المصرية، قرأناها فى بواكير الصبا، وكم أضحكتنا، لكنه ضحك كالبكا كما قال أبوالطيب المتنبى، هكذا كانت، وأحسبها لاتزال، زاد عليها ترهل الجهاز الإدارى حتى صار جسداً كما الديناصور وعقلاً كما ألباب العصافير. ذكرنى بها صباح اليوم صديقنا د. محمد حسن العزازى أستاذ الإدارة، فوجدتها مدخلاً جيداً لمقال اليوم، ولقد كاتبتك هنا من قبل عن د. حسين مؤنس فى "أحاديث منتصف الليل"، وكاتبتك أيضاً ان معظم مشكلات بلادنا المحروسة تتمحور حول الإدارة التى كانت هى السبب المباشر فى تقدم الدول من حولنا، وهى ذاتها سبب تأخرنا، ومن أسف لازلنا فى عصرنا هذا وأيامنا تلك، لانعدم هذا المسئول فى قصة صاحبنا، فهو ماثل أمامنا بشحمه ولحمه وقلة بصيرته ولامعقولية توجهاته وغرائبية تصرفاته أينما وجهت بصرك، ولانعدم كل هذه البناءات الفوقية المعقدة للعمل والمخيبة للأداء حيث كان ينبغى أن توجه نحو الإنجاز والخدمة. إنها البيروقراطية لاتزال تقوم بعملها الذى احترفته عقوداً طويلة فى إدارة عموم الزير الذى غاضت مياهه وربما كسرت شأفته ولاتزال بناءاته تعوق مسيرتنا وتحجم إنطلاقنا، وربما كانت سبباً كبيراً لما تعانيه دولتنا وقيادتنا فى محاولاتها الدءوب للإنعتاق من ربقة التخلف والركود.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجلس النواب وبيان الحكومة
- مصر فى حرب وجود فانتبهوا: كلام للشعب ونوابه
- السعودية - إيران: فخ أمريكى
- هؤلاء الإعلاميون الجهلة: أولى بهم أن يكملوا تعليمهم
- شيزوفرينيا الحرب على داعش: لعل السيسى لا يستجيب لعبدالمنعم س ...
- كارثة إختيار الأقل كفاءة
- أزمة حقيقية أم تمثيلية محكمة؟ من يلعب بالنواب والحكومة؟
- مصر والسعودية والمشهد الدولى المرتبك
- من أنشودة مالك بن نبى إلى حملة أولاند : ياجنرال لست فى الميد ...
- باريس: موهبة النور ومحنة الظلام
- هواة فى مواقع السلطة
- الكاتب المأزوم والأفكار -العميطة-
- روسيا تحت قصف البروباجندا الأمريكية
- فلا تكونوا شوكة فى خاصرة الوطن
- السيسى والسفر عبر الزمن
- الإتحاف والإنباء عن الحكومة والوزراء- السيسى فى اجتماع الجمع ...
- البرادعى يقود الهوسبتاليين الجدد وينعق من جديد
- نخبتنا العاجزة: الدولة لاتصنع السياسة
- التفكير: فريضتنا السياسية الغائبة
- لا أخلاقية السياسة الأمريكية


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - د. حسين مؤنس وإدارة عموم الزير