أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 33















المزيد.....


ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 33


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 5060 - 2016 / 1 / 30 - 22:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



[الموضوع أدناه المتعلق بالمنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي سأجعله في أربع حلقات، كما إني سأجعل طول الحلقات ضعف ما جعلتها حتى الآن، بناءً على رغبة أحد القراء الأعزاء.]

المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي 2002
مبادرة «المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي» نشرت في كتابي «مثلث الإسلام والديمقراطية والعلمانية»، ولكن الكتاب لم يعد على حد علمي متوفرا في الأسواق، ولا أظنه سيعاد طبعه، إلا إذا توفر لدي الوقت لمناقشته، من قبيل الحوار بين ضياء الشكرجي الإسلامي-الديمقراطي (1993 – 2006)، وضياء الشكرجي الديمقراطي-العلماني (ما بعد 2006). من هنا وجدت من المفيد إدراج نص بيان المنتدى، مع المقدمة المضافة، لكتاب «مثلث الإسلام والديمقراطية والعلمانية». من هنا سأضع ملاحظاتي بين مضلعين [هكذا]، لتمييزها عن النص الأصلي الذي كتبته عام 2002.

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿-;-تَعالَوا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَبَينَكُم﴾-;-
بيان المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي
10 رمضان 1423 هـ - 15 تشرين الثاني 2002 م
مقدمة وملاحظات حول بيان المنتدى الإسلامي الديمقراطي العراقي
ربما سيلتفت القارئ الكريم إلى أن نسبة كبيرة من متن بيان المنتدى مقتبس من نصوص المقالة الأولى التي تصدرت كتابي [كتاب "مثلث الإسلام والديمقراطية والعلمانية"، وقبله كتاب "الديمقراطية .. رؤية إسلامية" ضمن مجموعة قضايا إسلامية معاصرة التي كان يشرف عليها عبد الجبار الرفاعي]، والتي مثلت ابتداءً المادة الأولى لفكرة الكتاب. ولكن بعض الجمل غيرتها لتكون منسجمة مع طبيعة بيان المنتدى كبيان لا كمقالة، وكمشروع ثقافي، لا مجرد فكرة شخصية، ثم أضفت إليها ما وجدته ضروريا، وجاءت ملاحظات إخواني الذين حاورتهم في نص البيان، فلفتوا نظري إلى بعض المفردات، أو اقترحوا بعض التعديلات أو الإضافات، أو ناقشوا بعض الأفكار، مما جعلني أعدل بعض العبارات، فجاء البيان بصيغته التالية:

﴿-;-قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ المُشرِكينَ﴾-;-

التاريخ السياسي الحديث في العراق والديمقراطية
إن تاريخ العراق الحديث، ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة - وكما هو الحال مع معظم دول العالم العربي والإسلامي - لم يعرف نظاما ديمقراطيا بالمعنى الصحيح، وإن كان قد مر ببعض مفاصله بلون من ألوان الممارسة البرلمانية، أو صورة من صور الممارسة الديمقراطية أو الدستورية، أو محاولة للسير بمراحل باتجاه المشروع الديمقراطي، إلا أن شعبنا لم يتمتع بنظام ديمقراطي بشكله الصحيح.
ديكتاتورية النظام القائم
ولكن العقود الثلاثة الأخيرة، ومنذ تسلط الطغمة الدموية الحاكمة التي جاء بها انقلاب 1968 المشؤوم، عاش فيها العراق حقبة مظلمة من تأريخه، لم يعرف دموية وتعسفا وانتهاكا لكل القيم الإنسانية، ولحقوق كل شرائح الشعب العراقي، وممارسة للاضطهاد السياسي، والتمييز الطائفي والقومي، كما عرفه في هذه الحقبة على يد الطغمة الصدامية المملوءة حقدا على أبناء شعبنا الأبي.
التأسيس الفكري لمبادرة المنتدى
حيث أن المعنيين بهذا المنتدى، هم إسلاميون في مبانيهم الفكرية من جانب، وأن الديمقراطية هي محور هذا التحرك من جانب آخر، كان لا بد - وكمدخل لفكرة المشروع - من تناول الخلفية الفكرية والشرعية، التي تقف عليها فكرة المشروع، من حيث إمكانية التوفيق بين الديمقراطية والإسلام، من الناحية الفكرية والتشريعية. [هذا التوفيق أو التوافق والتواؤم بين الديمقراطية والإسلام، إنما كان معنيا به الإسلام وفقا لفهمي، بينما وصلت لاحقا إلى قناعة راسخة أن الإسلام، عندما يقحم في السياسة، يمثل العقبة الأساسية أمام الديمقراطية، ويشكل المشكلة الأساسية للعملية السياسية، في ظل الدولة الديمقراطية المدنية المعاصرة.]

مرونة الشريعة ومواكبتها لمستجدات الحياة
على نحو الإجمال نقول، صحيح أن في الشريعة ما هو ثابت، مما لا يطرأ عليه أي تغير، مهما طرأ من مستجدات ومن ظروف استثنائية، إلا أن هناك في نفس الوقت مساحة واسعة تتحرك فيها الشريعة بمرونة، لتلبي مستجدات الحياة، وتواكب حركة العصر. فهناك مجموعة من القواعد الفقهية والأصولية، كقاعدة أخف الضررين، أي درء أقوى الضررين بأضعفهما، وقاعدة المصلحة الراجحة، وغيرها من العناوين الثانوية، مما يفتح الباب واسعا أمام حركية الاجتهاد المواكب لحركية متغيرات العصر، دون المساس بالثوابت. إذن يخطئ من يفهم أن الشريعة عبارة عن مجرد قوالب جامدة، ليس فيها أي قسط من المرونة والحركية، والقدرة على مواكبة العصر، وتلبية المستجدات. [وهذا أيضا كان يمثل فهمي للإسلام، وفهم من يُسمَّون بالتنويريين.]
ثم إن في القرآن الكريم ما يمكن أن نستوحي منه قاعدة (التشدد مع الذات والمرونة مع الآخر)، وذلك من نوعين من النصوص القرآنية: النوع الأول من النصوص من قبيل «ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَّلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَّكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم» والذي يمثل جانب التشدد مع الذات، أو وجوب التزام المؤمن بما ألزم به نفسه، والنوع الثاني من النصوص مثل «لا إِكراهَ فِي الدّينِ» الذي يمثل جانب المرونة مع من لم يلتزموا بما التزم به المؤمنون، أو التزموا بقدر أقل درجة، هذا دون أن يعني ذلك إهمالا لمواصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالوسائل المحببة والجاذبة، لا المنكَرة والمنفرِّة، ومواصلة خطاب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتغيير بالنَفَس الطويل، ووفقا لسنن التدرج والمرحلية. وهذا لا يختلف عما يمارسه غيرنا من ترويج لأفكاره وقناعاته بالأساليب السلمية والحضارية والمشروعة، ضمن حرية التعبير عن الرأي، التي لا ينبغي أن يخشاها الفكر الإسلامي، لأنه أقوى وأمتن من أن يخشى ذلك. [هكذا كنت أفكر، وكذلك كنت أحاول أن أرضي به المتحفظين على الديمقراطية من الإسلاميين، وهم الأكثرية.]
تعريف الديمقراطية
حيث أن الديمقراطية تمثل الركن الأهم في مشروع «المنتدى الإسلامي العراقي الديمقراطي»، كان لا بد عند هذه النقطة من تقديم تعريف الديمقراطية على بقية المباحث، وذلك تعريفا جامعا مانعا ما أمكن، وبطريقة تصلح أن تكون جامعا للإسلاميين من جهة، ثم مشتركا بين الإسلاميين والعلمانيين، وجامعا لكل الأطياف الوطنية التي تشترك في تشكيل تركيبة الشعب العراقي من جهة أخرى.
التعريف
الديمقراطية هي نظام سياسي، دستوري، برلماني، انتخابي، تعددي، تداولي، حر، لامركزي، غير مؤدلج، يعتمد تحكيم إرادة غالبية الشعب، ويحترم الهوية العامة للأمة، ويرعى حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، بما فيها حقوق الأقليات، ويفصل بين السلطات الثلاث. [عبارة «يحترم الهوية العامة للأمة» يراد لها أن تكون صمام أمان للإسلاميين، من أجل عدم المساس بما يعد الهوية العامة للأمة، التي تمثل حسب الإسلاميين (الإسلام). لكن هذه الهوية مفترضة، وليس هناك استفتاء، عما إذا كان تعتبر غالبية شعب ما ذي أكثرية مسلمة أن الإسلام هو الذي يمثل هويته العامة. ووضع هذا الشرط إقحام في غير محله، فإن الشعب إذا كان متمسكا بهذه الهوية المفترضة، فسوف يعبر عن تمسكه هذا عبر الانتخابات الحرة، بانتخابه من يحرص على ألا يمس هذه الهوية، وإذا ما رأى ممن انتخبهم خلاف ذلك، يمكنه تصحيح خطئه في الانتخابات التي تلي، أما إذا لم يكن الشعب مهتما بهذه الهوية العامة المفترضة، فسينتخب حسب المعايير التي يراها. ولا أريد أن أبرئ نفسي كليا، لكني أرجح أن وضع هذه الفقرة لم تكن من موقع قناعتي، بقدر ما هو إرضاء لبقية الإسلاميين، الذين كنت أطمع بإدراج تواقيعهم على البيان. وبلا شك لم تكن لي مصلحة شخصية في ذلك.]
شرح للتعريف
الديمقراطية بمعناها السياسي هي آلية للتعددية غير مقيدة بإيديولوجية مسبقة، ضمن نظام دستوري برلماني، ولا تتحدد إلا بآليات الديمقراطية نفسها، وليس بشيء خارج عنها، وأهمها رعاية المصلحة العامة للمجتمع، وتحكيم إرادة غالبية الشعب [قبل التجربة لم يكن في بالي أهمية توضيح المعني بالغالبية بأنها غالبية سياسية، وليست دينية أو مذهبية أو أثنية]، واحترام الهوية العامة للأمة، والتي تعبر عن منظومة الثوابت والركائز الأساسية لمبادئ وحضارة وتأريخ وانتماء المجتمع بغالبيته [مع تحفظي اليوم على عبارات مثل «منظومة الثوابت والركائز الأساسية» و«الانتماء»، أما «المبادئ» و«الحضارة» فهما نسبيان متحولان، وليسا مطلقين ثابتين، ولذا لا مشكلة في ذكرهما]، وما يترتب على هذا الانتماء من استحقاقات، [هنا تكمن المشكلة، لاسيما في تفسير وتطبيق «ما يترتب على هذا الانتماء من استحقاقات».] مع حماية حقوق الأقليات المدنية، القومية منها، والدينية، والمذهبية، والفكرية، والسياسية، والاجتماعية، [من ملامح النزعة العلمانية المختزَنة في إسلاميتي آنذاك] ويتم فيها تداول السلطة سلميا، وفق مبدأ المساواة بين المواطنين، ومشاركتهم الحرة في الحياة العامة، وعبر ممثليهم في البرلمان، وعن طريق اللجوء إلى الانتخابات الشعبية الحرة بالاقتراع السري، وتتبنى الفصل بين السلطات الثلاث، وتعتمد مرجعية الدستور الدائم المقر من قبل الشعب، والبرلمان المنتخب، ]لا مرجعية (المراجع العظام)] وتضمن حرية تشكيل الأحزاب السياسية، والجمعيات والنقابات، وحرية التعبير عن الرأي، وحرية الفكر والصحافة، وتحفظ للشعب كرامته الإنسانية، وحق المواطنة، والمعارضة السياسية، وسائر حقوقه المدنية، وحرياته المشروعة المثبتة في لوائح حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، بما فيها الحريات الشخصية، والدينية، والثقافية، بما لا يتعارض مع هوية الأمة. [عبارة «بما لا يتعارض مع هوية الأمة» هدم لكل البناء الجميل السابق لها، ولو ليس بما كنت أنويه، بل بما يمكن أن يسيء تفسيره واستخدامه من الإسلاميين. وأدرجتها على الأغلب آنئذ إرضاءً للآخرين.]
المصالحة وضرورتها كأحد مبررات المشروع
يمكن اعتبار «المصالحة» هدفا مهما في طرح هذا المشروع، المصالحة وطنيا وعالميا، وذلك بين الإسلام وطرفي المغايرة الحضارية: الغرب على المستوى العالمي، والعلمانية على المستوى الوطني، والمعني بالمصالحة الوطنية والحضارية هو التعايش، أي - على مستوى المغايرة والاختلاف - التقبل والتحمل والاحترام المتبادل للمغايرة الفكرية والسياسية، وعلى مستوى الخصومة عقلنة هذه الخصومة وحضرنة الصراع، أو لنقل (أنسنة الصراع)، واستبداله بالتنافس المشروع، من أجل تجنيب العالم عموما، وعراق ما بعد سقوط الديكتاتورية خصوصا، المزيد من الكوارث، من خلال تصعيد المنافسة اللامشروعة، والمواجهة الحادة بين الفرائق، مما قد ينحو بها منحى يعمق المعاناة، ويشغلها عن مهمة إعادة البناء.
ماذا يراد من الديمقراطية والموقف منها إسلاميا
إن تبني الإسلاميين للديمقراطية يأتي من خلال تشخيص الحقائق التالية:
1. إنها تعتبر القاسم المشترك، وقاعدة التعايش بين أبناء الوطن الواحد.
2. يمكن اعتبارها في الظرف الراهن هي الوسيلة الفضلى للدعوة إلى الإسلام. [ألا يعني هذا أن تكون الديمقراطية وسيلة وطريقا إلى نقيضها؟]
3. من خلال النظر إليها كمرحلة من مراحل العملية التغييرية، باتجاه أسلمة المجتمع المسلم، التزاما وسلوكا ونظاما وأخلاقا، وليس مجرد انتماء. [وبالتالي بعدا عن الديمقراطية والحداثة؟]
4. التعامل معها على أساس أنها وعاء وآلية، دون التبني الإيديولوجي لمضامينها الفلسفية. [أليس هذا ما قاله علي الأديب على إحدى الفضائيات؟ هنا تكمن المشكلة مع الإسلاميين، بمن فيهم الإسلاميين الديمقراطيين من أمثالي آنذاك.]
5. من خلال النظرة الواقعية، يمكن أن تمثل الديمقراطية أقصى الممكن وأدنى الطموح في هذه المرحلة. [قصدت بذلك كإسلاميين ذوي نظرة عقلانية، فلا يمكن أن يكون هناك أقصى من الديمقراطية في عالم الممكنات سياسيا، والتي تمثل أدنى الطموح، لكون الإسلاميين يبقون يتطلعون إلى الدولة الإسلامية، كما يتطلع الماركسيون إلى الدولة الاشتراكية، مع هذا كما يعمل الماركسيون العقلانيون المؤمنون بالديمقراطية على تحقيق أقصى الممكن المتاح من مجتمع العدالة الاجتماعية المثالي الذي يتطلعون إليه في مجتمع الشيوعية، فتكون الدولة الديمقراطية الملتزمة بمبدأ العدالة الاجتماعية تمثل أدنى طموحهم، وهكذا رأيت ذلك بالنسبة للإسلاميين، لتصوري أن الدولة الإسلامية يمكن أن تكون دولة مثالية، من حيث الإنسانية والعدالة وحفظ الحقوق والحريات، ولكني على ضوء واقع الإسلاميين، كنت أخشى ما أخشاه إقامة دولة إسلامية، أخشاها على الديمقراطية، كما كنت أخشاها على الإسلام آنذاك؛ الإسلام المثالي الذي كان في ذهني، والذي يمكن ألا يكون له وجود في الواقع.]
إشكالية أن الديمقراطية تمثل صيغة غربية
لا بد من طرح السؤال ما إذا كانت الديمقراطية (مصطلحا)، و(نظاما سياسيا)، و(منهجا للتعامل) من ابتكار الغرب أم لا، وذلك قبل أن نطرح التساؤل اللاحق حول مدى مشروعية القبول بأساس غربي إسلاميا - إن ثبت لنا غربية جذور الديمقراطية - كمشترك بين الطرفين. ابتداءً نرجع إلى معاجم اللغة، فنقرأ مثلا في معجم Wahrig أنها تعني (حاكمية أو سلطة الشعب، أي نظام الدولة الذي يمارس فيه الحكم بالرجوع إلى إرادة الشعب). إذن هناك مبرر شرعي لبعض الإسلاميين في رفضهم لـ(الديمقراطية) مصطلحا، حتى لو قبلوها نظاما وآلية للحكم، لأنهم يفهمون أنها تمثل حاكمية الشعب في مقابل حاكمية الله، بحيث تكون الشرعية لما يختاره الشعب، لا لما يقرره الشارع المقدس [مصطلح شرعي بمعنى المشرَّع، أي الله، ومن منحه الله صلاحية التشريع، وعصمه من الخطأ، من نبي أو إمام]. ولكن هذا لا يمثل اليوم إلا الجذر اللغوي، وبالتالي المعنى المهجور للفظ الإغريقي، ولا يتبادر هذا المعنى ببعده الإيديولوجي أو الفلسفي إلى الذهن بمجرد استخدام اللفظ. [علي أن أعترف أن مفهوم «المعنى المهجور» مما نبهني إليه إبراهيم الجعفري.]
مدى صلاحية متبنى فكري لأحد طرفين كقاعدة مشتركة بينهما
يحق للمتسائل أن يتساءل ما إذا كان متبنى فكري لأحد طرفين دون الآخر، يصلح ليمثل قاعدة مشتركة، وكلمة سواء، ومساحة للالتقاء، وأساسا لعقد للمصالحة الوطنية بينهما. في الوهلة الأولى لا يملك المنصف والموضوعي إلا أن يجيب بأن المساحة المشتركة بين طرفين لا بد أن تتخذ موقعا محايدا إيجابا أو سلبا تجاه الطرفين، أما فرض أحد الطرفين مرتكزه الفكري هو كقاعدة للالتقاء، فهذا قد لا يلقى قبولا من الطرف الآخر، أو قد يلقى قبولا محدودا، من غير تفاعل، ومقترنا بالشيء الكثير من التحفظ، أو يمكن أن يخلق حالة من الإجحاف في حق ذلك الطرف، وإن قبول الإسلاميين بالمصطلح والمتبنى الفكري العلماني كمشترك يمثل بالتالي موقف ضعف وتنازلا عن ثوابتهم الشرعية، ومتبنياتهم الفكرية. ولهذا الإشكال مبرراته، وهو يملك شيئا من قوة الحجة، ولكن يجاب عليه على وجه الإجمال، هو أننا إذا افترضنا أننا توصلنا إلى قناعة واضحة تماما، بأهمية الالتقاء - أو سمه المصالحة أو التعايش -، عندها لا يكون مهما، أن يكون المشترك الذي يلتقي عليه الطرفان مشتركا فكريا أو مصطلحاتيا، على مستوى المرتكزات الفكرية والإيديولوجية لكلا الطرفين، بمقدار ما يجب البحث عن المشترك الأصلح الممكن للالتقاء، وبمقدار ما يمكن للمشترك فعلا القيام بدوره المطلوب، خاصة إذا استطاع الطرف الذي لا يمثل مشترك المصالحة مرتكزا فكريا له من حيث المبدأ، أن يجد تخريجا لقبول المصطلح وفق متبنياته الفكرية، دون أن يعني هذا بالضرورة تحايلا على الشرعية، أو تسامحا في المبدئية. إذن القبول بهذا المرتكز الفكري للطرف الآخر يكون ممكنا، إذا تأكدنا من عدم وقوعه عرضا في مقابل مرتكزاتنا الفكرية الثابتة بمستوى المواجهة والتعارض. إذن هذا الإشكال يكون مردودا، إذا ما افترضنا كون الطرح هنا مأخوذا به بنظر الاعتبار دراسة انسجام الفكرة مع مفاهيم الإسلام، الذي يمثل القاعدة الفكرية لنا - نحن الإسلاميين -، ومن خلال ما سنتناوله من إشكالات الكثيرين من أصحاب المدرسة الإسلامية، أن ليس من ثمة تعارض ما بين الثوابت، والمساحات المرنة التي تتحدد من خلال دراسة الواقع والمصلحة. فلو افترضنا أننا من خلال دراسة مستفيضة للموضوع توصلنا إلى أن الالتقاء على المشترك أمر لا بد منه لكل الأطراف، وأن الديمقراطية تمثل المشترك (أولا)، والصالح (ثانيا)، والممكن الوحيد - أو الممكن الأفضل - (ثالثا)؛ إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنه ليس من عناصر الضعف، بل يمكن أن يكون من عناصر القوة، أن نقدم على مثل هذا المشروع من خلال مشترك، هو من المرتكزات الفكرية للطرف الآخر، فلا نتوقف عند هذه الإشكالية، عندما نعي أهمية الإقدام على هذه الخطوة، وما يمكن لها من تقديم خدمة عظيمة للمبادئ على المدى الأبعد.
الاتفاق على المشترك واختيار المصطلح
عندما يبحث طرفان - أي طرفين - عن مساحة مشتركة بينهما، ويراد أن يصطلح على هذا المشترك مصطلح ما، فلا تخلو المسألة من حالات أربع:
1. أن يتم الاتفاق على المصطلح عنوانا ومضمونا.
2. أن يتفقا على المصطلح كعنوان، في حين نجد أن كلا منهما يفهم من المصطلح شيئا آخر من حيث المضمون، ويريد منه غير الذي يريده الطرف الثاني.
3. أن يريد كل منهما ذات ما يريده الآخر من حيث المضمون، إلا أنهما يختلفان على المصطلح، خاصة إذا ما كان المصطلح يمثل عنوانا أو شعارا لأحد الطرفين دون الآخر.
4. ألا يجدا ما يلتقيان عليه.
لنتوقف عند الحالة الثالثة، فنقول إنه إذا ما تم الاتفاق على ما يراد، أي على المضمون بشكل واضح، فلا ينبغي هنا التوقف طويلا عند المصطلح، وليس مهما عندها، إذا كان المصطلح الذي يخدم هدف القضية المشتركة - بل وأهدافنا الإسلامية الخاصة [محاولة مني لإقناع الإسلاميين بالمشروع] -، مصطلحا إسلاميا، أو كان مصطلحا غربيا أو علمانيا، أو كان مصطلحا مشتركا، خاصة إذا ما اطمأننا إلى أنه لا يمس صلب وجوهر العقيدة. أما أن يتحول المصطلح إلى عقدة نستغرق فيها، فتحول دون مشروع وطني وحضاري بهذه الدرجة من الخطورة، دون وجود مسوغ فكري، أو شرعي حقيقي، للإصرار على هذه العقدة، فأمر ينبغي إعادة النظر فيه بكل جدية. ونحاول في الأسطر المقبلة من هذا البيان الإجابة على بعض الإشكالات الفكرية والشرعية على مصطلح الديمقراطية، من زاوية فهم إسلامي.
مضامين الديمقراطية كآلية لا كإيديولوجية
الديمقراطية بمعناها الدقيق تشتمل على:
1. حرية التعبير عن الرأي.
2. التعددية الحزبية.
3. الحياة البرلمانية.
4. الانتخابات الحرة بالاقتراع السري.
5. الحرية الفكرية والحرية السياسية.
6. التداول السلمي للسلطة وفقا لمقتضيات الانتخابات.
7. حسم ما يختلف عليه بما تقره الأكثرية.
8. رعاية حقوق الأقلية.
أسباب تحفظ بعض الإسلاميين على الديمقراطية
وإن كان التحفظ في أوساط معظم الإسلاميين العراقيين لم يعد على ما كان عليه في الثمانينات أو ربما حتى بداية التسعينات [هكذا تصورت واهما]، إلا أنه من الضروري تناول أسباب التحفظ، ومناقشتها. فالأسباب لا تخلو من أن تكون واحدة مما مذكور أدناه:
1. شبهة الإشكال الشرعي.
2. مبرر الحفاظ على أصالة الشخصية الإسلامية.
3. الجدل القائم حول الديمقراطية: هل هي آلية حكم أم نظام حكم.
4. الجدل القائم حول التفكيك بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية. [هذا ما أكد عليه حينها نوري المالكي.]
5. عدم إمكان الثقة بالغرب، وبعض حَمَلة الفكر الغربي من شركاء الوطن من العلمانيين. [كانوا يبررون عدم ثقتهم بالتجربة الجزائرية، عندما فازت بالانتخابات جبهة الإنقاذ الإسلامية المتطرفة، والتي أعلنت ولاءها لصدام، عام 1991، ثم أقصيت، وكذلك بالتجربة التركية أيام نجم الدين أربكان وحزب الرفاه ثم حزب الفضيلة، وقرارَي حلهما من قبل المحكمة الدستورية، قبل أن يستطيع حزب العدالة والتنمية السيطرة بذكاء ماكر، والتقليص تدريجيا من صلاحيات المحكمة الدستورية والجيش، اللذين جعلهما مؤسس العلمانية أتاتُرك حارسَين للعلمانية.]
6. الضغوطات الداخلية من قبل الحركات الإسلامية المتصلبة [قصدت كمثال المجلس الأعلى]، أو غير الواعية [قصدت كمثال التيار الصدري]، والخوف من ردة فعل الجماهير الإسلامية المتحمسة، ومن فقدان الإسلاميين حركات وشخصيات لمصداقيتهم لديها.
وإن كان هناك رد على كل من أسباب التحفظ أعلاه، إلا إنا سنقتصر في هذا البيان على مناقشة أهم تلك الأسباب [في الحلقة القادمة.]



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمراض المتعصبين دينيا أو مذهبيا
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 32
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 31
- لست مسلما .. لماذا؟ 3/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 2/3
- لست مسلما .. لماذا؟ 1/3
- مقدمة «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 10/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 9/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 8/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 7/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 6/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 5/10
- مناقشتي لمناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين» 4/10
- مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 3/10
- مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 2/10
- مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 1/10
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 30
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 29
- ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 28


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 33