أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - امتزاج التأريخ بالشعر والخيال في ( غبار القصائد) / دراسة نقدية بقلم الناقد محسن الطوخي (مصر)















المزيد.....

امتزاج التأريخ بالشعر والخيال في ( غبار القصائد) / دراسة نقدية بقلم الناقد محسن الطوخي (مصر)


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 5044 - 2016 / 1 / 14 - 21:19
المحور: الادب والفن
    


امتزاج التأريخ بالشعر والخيال في (غبار القصائد)
دراسة نقدية
بقلم الناقد/ محسن الطوخي(مصر)

النص:

غبار القصائد
قصة قصيرة
القاص/عبدالكريم الساعدي

في ساحة الميدان رأيته يحثّ الخطى إلى شارعه، أسطورة علت صهوة القوافي، لم يمسَسْها كدر، تتبعه خيول من كبرياء، تظلّل سَيرَهُ أسراب السمو والبهاء، يهزّني طرب اللقاء، حسبي دقائق معدودات؛ لأبحر في عوالم الصور والخيال، عوالم تناطح الغيوم، تلكزها، فتشدو مطراً من كلمات، تتلو سورة المجد رعداً في مواكب الكلام. أمضي قدماً خلفه، لعلّي أدرك ظلّه قبل أن يختفي بين الباعة المتجولين، باعة أكل الرصيف أعمارهم، طاعنة وجوههم بالشقاء، أيديهم تلوّح له سلاماً، وقبل أن أجهّز أوراقي وأهيّء كاميرتي، سمعته يذمّ الدنيا ملتاعاً،
لَحا اللهُ الدنيا مُناخاً لِراكبٍ ... فَكلُّ بعيدِ الهمِّ فِيها مُعَذَّبُ
كان الوقت صباحاً، أنثر النداء خلفه:
- أبا محسد..
- نعم يا ولدي.
- أريد أن أقطف وردة من بستانك.
يبتسم، يطوّقني بندى السؤال:
- ألا يكفيك عطرها؟
- بلى، ولكن أريد أن أفخر بها.
عبرنا مقهى الزهاوي معاً، نقلّب صفحات مدائن الشعر، مدائن قضمتها الخرائب، توقف فجأة، أراه محدّقاً في لوحة تعلو باب المقهى:
- أ ترى تلك الندب؟. تلك أسماء أهيل التراب على مربدها.
- سيدي دعنا نسترح هنا قليلاً قبل أن تلتقي مريديك.
- أين؟
- في مقهى( حسن عجمي ). هنا يا سيدي، تتجلى أنفاس الشعراء والكتاب وعشاق الحرف، أماني وملامح أحبة افترشت أرضها قبل أن تزكم أنوفنا رائحة البارود؛ فتفارقنا إلى الأبد، فاملأ جوانحي غبطة وأوراقي جواباً قبل أن ترحل ثانية.
استوى على عرشه كما الطاووس، يقلّب بميمنة الشعر صفحات الكوفة وبغداد والشام، وأخرى لمصر، فتراني معلّقاً بغبار الأسماء والقصائد، ينتصب أمامي سيف الدولة الحمداني وأبو المسك وأبو الفضل بن العميد...سألته:
- لِمَ لم تحفل بشعراء بغداد لمّا نالوا من عرضك وتباروا في هجائك؟
- أتقصد ابن الحجاج والحاتمي وابن سكرة الهاشمي؟
- نعم سيدي الجليل.
- لقد فرغت من إجابتهم بقولي لمن هم أرفع طبقة منهم في الشعراء:
أرى المتشاعرينَ غروا بذمى ... ومن ذا يحمد الداء العضالا
ومن يكُ ذا فمٍ مرّ مريض ... يجد مراً به الماء الزلالا
أهزّ جذع الفضول، يتساقط صدى الشبهات أحجية نبوة، كان الشاعر مصلوباً على أجنحة الكفر،
- وأيم الحرفِ، إنّي نبي الشعر لا غير.
يداهمني أثر في جبهته، ينتزع ذكرى أليمة، أوصد عليها أبوابه مكرهاً،
- جرت بيني وبين ابن خالويه النحوي مسألة في اللغة، وقد ضعّفت رأيه، فما كان منه إلّا أن يرميني بدواة حبر؛ فكان هذا الجرح، جرح أعلن فراقي عن الأمير. وقتئذ أطلقت صرخة استنكار في حضرته:
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي ... فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
الماضي يمتدّ بيننا جسراً، الحرف يصهل بين شفتيه متّشحاً بالزهو، يطارد خيل ربات الشعر، عيناه تأسران المكان، أنفاسه تسكنني، نوارس التفرّد تحوم حول رأسه... قلبه يهفو إلى سوق الورّاقين، الشعراء والكتّاب يمدّون له سهلاً، يصطفّون شوقاً ليكتبوا معلّقة اللقاء.
عند بوابة سوق الوراقين، يستوقفنا رجال من الشرطة، تصفعهم الحيرة لرؤية صاحبي، تتملكهم الدهشة من غرابة زيّه، يخزني التساؤل:
- إلى أين؟ ومن يكون هذا الغريب؟
- هذا مالئ الدنيا وشاغل الناس.
- أمجنون أنت؟ أرني هويته.
يعتريني الصمت والذهول ممّا يجري، يصيبني الذعر، الأجواء غائمة، أقع في دائرة مشادة كلامية، يورق الغضب في دمي. الضابط الواقف جانباً يأمر باعتقالنا بتهمة الشغب:
- عجيبٌ أمركم، والله لو تعلم ما قاله الجواهري في حقّه لما اعتقلتموه.
- وماذا قال؟. كانت كلماته ساخرة.
- تحدّى الموتَ واختزل الزمانا ... فتىً لوّى من الزمنِ العنانا
فتىً خبطَ الدُنى والناسَ طرّاً... ...وآلى أن يكونَهما فكانا
وقبل أن نساق كالخراف إلى مركز الشرطة، أطلق ضحكة عالية:
- قل كلمتك لقاضي التحقيق، لعلّ الجواهري يكفل خروجكما.
وبعد ثلاثة أيام عصيبة قضيناه في غرفة مظلمة، أُطلق سراحنا لعدم كفاية الأدلة، على أن لا يدخل صاحبي سوق الورّاقين.
ودعته عند رقبة الجسر معتذراً لما جرى، وقبل أن يعبر الجسر ناحية الكرخ، التفت نحوي:
- أوصيك بني، والشعراء، أن تطعم حرفك بهاء الصدق وعظيم المعنى، اجعله وهجاً تهيم به فراشات الحب والجمال، ولا تخشَ إلّا الله.
كانت قوافي الشعر وبحور الفراهيدي تلهث خلفه شوقاً لنبضات قلبه. في ذلك اللقاء كنت غارقاً في ينبوع الجمال، تداهمني غفوة السحر، كنت تائهاً في كهف بيتين من الشعر، في حروف من ضوء، خُطّت بماء الألق على جيد تمثاله الغافي على شاطئ دجلة:
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي ... وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني... وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
ربما نلتقي في المرة القادمة في سوق الورّاقين حين تحفّ بنا نهارات تحتضن ضوءاً شاسعاً، يتسع لوهج العاشقين على ضفاف مربدنا.

الدراسة:

قصة من أجمل ما قرأت, يمتزج فيها التاريخ بالشعر وبالخيال, وروعة السرد, وطلاوة اللغة. يلتقط القاص المبدع عبد الكريم الساعدي شخصية أثارت الجدل عبر التاريخ, وأثْرَت التراث الشعري العربي بفيض من الإبداع الذي ينهل منه الشعراء إلى اليوم, و هو أبو الطيب المتنبي, الكوفي المولد, وأحد أعظم شعراء العرب, وأكثرهم تمكناً باللغة العربية. وصف أبو الطيب بأنّه نادرة زمانه, وأعجوبة عصره. ورغم موهبته المتجاوزة للمألوف, فقد عاش حياة غير مستقرة لاعتداده الزائد بنفسه إلى حد الغرور, وطموحه إلى المناصب والجاه, الأمر الذي أوغر صدور معاصريه, من الشعراء والأمراء على السواء .والنص يلتقط الشاعر في ساحة الميدان المؤدى إلى سوق الوراقين, متبوعاً بصحافي شاب تعرف عليه, يسعى إلى اللحاق به ممنّيأ النفس بسبق صحفي مع الشاعر العملاق. ينتهي المطاف بالشاعر والصحافي إلى مقهى " حسن عجمى " ملتقى الكتاب والشعراء. ونلمح حنين الراوي إلى الزمن الجميل الذي شهده المقهى بمرتاديه من الصحاب عشاق الحرف قبل أن تفرقهم إلى الأبد أحداث الحرب المعاصرة الأخيرة بما جلبته من دمار. ونلمح أيضا سمات الشاعر الفحل التي أجاد الكاتب رسمها استنادا إلى الصفات التي وسمته بها كتب التراث , وكما يمكن رصده من أشعاره التي حفلت بالزهو والخيلاء. تبدو تلك السمات من سيره في الميدان تتبعه خيول من كبرياء, ومن استوائه على مقعده في المقهى استواء الطاووس على عرشه. يدور الحوار بين الشاعر ومضيّفه مستعرضاً جوانب من حياة الشاعر, وصراعاته مع معاصريه في بلاط سيف الدولة الحمدانى, ومظاهر الفتور في علاقته بالأمير التي بدت في النكوص عن مناصرته في واقعة اعتداء ابن خالويه عليه بالدواة في حضرته. ولعلّ صديقي قد أغفل الأسباب الخفية التي دفعت سيف الدولة إلى نبذ الشاعر, كما قصر الحديث على فترة مكوث الشاعر في بلاط الحمدانيين, ولم يعرج على مرحلته مع كافور فى مصر تحاشيا للإفراط فى طول النص , ولكنى كنت أتمنى أن يطول الحوار فيستعرض جوانب أكثر من حياة الشاعر. لما في لغة السرد من حلاوة وطلاوة وسهولة والتي أعدها مثالاً للسهل الممتنع, فقل من الكتّاب من يجيد طلاوة وأناقة اللغة بالسهولة واليسر, الأمر الذي يحقّق آفاقاً من المتعة قل أن تعثر عليها في كتابات المعاصرين. تتوهج الدراما في النص عندما يؤذن بانتهاء اللقاء, وقيام الشاعر مصحوباً بالصحافي ليمضي إلى شأنه, فيعترضهما العسكر، تصفعهم الحيرة لغرابة مظهره, فيسألون عن هويته, وتبدو السخرية في قمتها عندما يلجأ الصحافىي إلى شهادة الجواهري في حقّ الشاعر, فيسخر آمر الجنود من الجواهري مبديأ جهلاً بشعره وأصحابه, ويسوق الشاعر ومضيفه كالخراف إلى مركز الشرطة ليمضيا أياماً ثلاثة في الحجز حتى يطلق سراحهما لعدم كفاية الأدلة. ويبلغ النص نهايته بنصيحة الشاعر "أوصيك بني، والشعراء، أن تطعم حرفك بهاء الصدق وعظيم المعنى، اجعله وهجاً تهيم به فراشات الحب والجمال، ولا تخشَ إلّا الله. ), ويختتم بأمنية الراوي أن تنتهي الغمة, ويعود العراق إلى سابق عهده تحفّ به نهارات تحتضن ضوءاً شاسعاً، يتسع لوهج العاشقين على ضفاف مرابدهم .
تحية إعجاب للمبدع الجميل عبد الكريم الساعدى, ولنصه الرائع, ولغته الطلية.



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة نقدية لقصة ( توهُّم ) / بقلم الناقد أحمد طنطاوي
- قراءة نقدية لقصة ( في بطن الحوت ) للقاص عبدالكريم الساعدي
- حين يغرد حمار جارنا
- كانت امرأة أخرى
- ذاكرة من رماد / قصة قصيرة
- الرسالة وصلت / قصة قصيرة
- (شهقة طين) عنوان يلخّص التجربة الإنسانية ويرفعها إلى مصاف ال ...
- مع المتنبي في شارعه / قصة قصيرة
- انتظار
- محطّات / قصة قصيرة
- ( انعتاق ) قصة قصيرة
- تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة
- قرابين البحر
- سروال داخلي
- ((اللغة الشعرية و حوارية القصة القصيرة ))/ دراسة نقدية معمّق ...
- امرأة القمر / قصة قصيرة
- المعبر
- لإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراسم ...
- الإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراس ...
- (( الواقع والشاعرية في ... هبوط عابر )) دراسة نقدية لقصة ( ه ...


المزيد.....




- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - امتزاج التأريخ بالشعر والخيال في ( غبار القصائد) / دراسة نقدية بقلم الناقد محسن الطوخي (مصر)