أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - قرابين البحر














المزيد.....

قرابين البحر


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 20:54
المحور: الادب والفن
    


قرابين البحر

ما بين شاطئ وآخر مسافة حلم، الحلم - كما يراه- يرقد هناك، خلف المدى، وهج حياة باذخة الجمال، حدائق غنّاء، غابات فرح، وعناقيد مسرات، هنا تجثم فوق الثرى توابيت حجرية، تقطر شغفاً لمن تقاذفتهم أمواج العتمة وظلال الحروب العديدة، كلّ شيء هنا يتغوّط دخاناً وحرائق، يتنفس قلقاً وتيهاً، الهنا صحراء تمتدّ من حبلك السري حتى تلك التوابيت الحجرية. يوصد باب الأمس خلفه، يحمله طائر النورس إلى شاطئ البحر، البحر مهيب، مخمور بالزبد، أمواجه العاتية تعانق السفن في رحلة عشق، السفن تعتلي ظهر الموج، تهبط مثل شهاب ساقط، بدن السفينة يتماوج في رقصة فزع، يطفو فوق الموج ثانية، يغمض عينيه خوفاً، يحلّق بعيداً، يهبط هناك مع رذاذ الموج، يتأهب للحب، " سأدحر الأمس بغدٍ أفضل". يبزغ طريق مكسو بالزهور، غابة تفصله عن بوابة المدينة الرئيسة، فتيات جميلات يحملن سلال الورد، يرقصن في سهل غارق بالعسل والرخام، يركضن في الغابة، يلوّحن له بباقات الورد، تتشرّب أنفاسه بعطر ابتسامتهنّ، يحتسي ظلّهنّ، ينفتح له ضياء الحلم، يمرّ بأزهار الكولونوز في مكان مرتفع حيث مأوى أوديب، عيناه تعانقان مواقع أثرية، تماثيل لآلهة الحب والجمال، تستوقفه أفروديت، يخفق قلبه لجمالها الخارق، تشيح ثوبها عن جسدها في ظلّ دوي الصنج وأنين الناي، يدور حولها راقصاً، تلتمع ساقيها، يشهق بضحكتها، يغفو عند قدميها، يصحو على وقع خطوات سقراط في رحلته البهية حيث العالم الآخر، من الملعب الرياضي إلى الأكاديمية، إلى الجبل الشامخ. رؤية تستفزّه، يغرق في دهشة غريبة، تماثيل راقدة في متحف الفاتيكان، تماثيل روداين، تصور له مشهد موت لاوكون المفزع ، يحاول إنقاذ ولديه بينما ثلاثتهم في قبضة اثنان من الأفاعي عقاباً له من أثينا؛ لإنذاره الطرواديين بأن لا يخدعوا بالحصان الخشبي الإغريقي. المشهد يقلقه، يصرع غفوته، يفزّ مرعوباً على صراخ يتعثّر بعضه ببعض، طوفان المدّ يحيط بالمركب، يتسلّق شراعه، الأبصار شاخصة إلى السماء، الموج يعلو في الفضاء، يتّخذ شكل الأفاعي، يهبط، تقع زوجته وولديه في قبضة اثنان من الأفاعي، يرتجف صارخاً مندهشاً:
- أثينا، أنا لست لاوكون، أنا لاجئ إليك...
البحر يمور، يضطرب، المركب يتماوج، يسلّم نفسه لريح هوجاء، تبتلعه زوبعة، الموت يتدلّى من تحت خوافي القيامة، الهاربون من جادة الأمس يتدحرجون من جهة إلى أخرى، يخيّل إليه أنّ المركب أرجوحة، تلقي بالحالمين في عرض البحر، ابنه الصغير ينفلت من يده، يغطّيه الموج، يصرخ ، يستنجد بالآخرين دون جدوى. موجة كبيرة تضرب القارب، ينقلب، كلّ شيء يتبعثر، يغرق، يلتفت هنا وهناك، يتأمل الفضاء، الجهات تغيّر ملامحها، يتنفس أنين الغرقى، يتهجى صوت زوجته الهابّ من شاطئ الأمس:
- أ للبحر قربان إذا ما عبرنا؟
- نعم حبيبتي، ما تبقّى من أحلامنا، ذلك هو القربان.
يعود إلى الشاطئ الداكن مخذولاً، مبتلّاً بالهوس، يملأ كأس الحزن نحيباً، يترنّح ثملاً، يتقيأ حلماً مغلولاً باللوعة، يرتدي سواد الليل عند ثلاثة شواهد غازلت غربة المنافي ذات يوم.



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سروال داخلي
- ((اللغة الشعرية و حوارية القصة القصيرة ))/ دراسة نقدية معمّق ...
- امرأة القمر / قصة قصيرة
- المعبر
- لإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراسم ...
- الإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراس ...
- (( الواقع والشاعرية في ... هبوط عابر )) دراسة نقدية لقصة ( ه ...
- استفزاز الذاكرة في (ما بعد الخريف) دراسة نقدية للمجموعة القص ...
- غرائبية اللغة والحدث في نص ( ارتعاشة آخر ليلة ) للقاص عبدالك ...
- ( أنخاب ) / قصة قصيرة
- ( مرايا الشيب ) نص يؤسس لنمط مميز في السرد
- بلاغة الغموض في رسائل الموتى / دراسة نقدية - بقلم الناقد الم ...
- ( مدارج العتمة )
- ( الرفيق ديونيسوس )
- في قباء الكوابيس
- رفيف التجلي
- عند منعطف النسيان
- لمّا أوغلَ فيَّ الفراغ
- في مُقام التجلي
- بيادق محنّطة بالغياب


المزيد.....




- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - قرابين البحر