أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( انعتاق ) قصة قصيرة














المزيد.....

( انعتاق ) قصة قصيرة


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4937 - 2015 / 9 / 26 - 23:09
المحور: الادب والفن
    


انعتاق

كنت وحدي حين هبطت من ذلك الشاهق، أراوغ غيبتي وأنتظر، أسكن نفسي، ألزم صمتي، أرتلّ ما تيسّر لي من خفقة القلب، قطيع من الظلمة يخبط ناظري، أنكفئ إلى الخلف، أدور حول نفسي، تنبسط كفّاي، تتسلّل قدماي من جوفي، تضرب سطح الماء فرحة، ذراعيّ يخال لي أنّهما جناحان، أحلّق بهما في فضاء من سائل مزجّج، تهدهدني مويجاته، أتأرجح فرحاً في فراغ شاسع، يمتدّ ما شاء لي، أتبعثر كما قطرات الندى، ألج بحوراً وفضاءات، أغفو على وريقة وردة، يلملمني نبض له كنه النغم، أنقبض، أعود إلى نسغي الدافئ، يراودني النعاس، أتشبّث بأضلع تحيط بكوني الفسيح، أشهق برائحة التفاح، فأنام على سرير من موج ساكن. الساعة المعلّقة على الضلع الأول متوقفة عند الرابعة عشرة بعد منتصف الظلمة، تتوهج بين الحين والآخر، تنتصب أمامي ثمانية أبواب، خلفها نافذة صغيرة يندلق منها ضوء وامض، مذ رأيته أصابتني رعشات من القلق، أغمض عيني، يرتبك رقادي، تتفتّح أذناي على أنين ريح عاتية، تحمل غيمة ملبّدة بالسواد، موبوءة بالرماد، تجوب جهات عوالمي الجميلة، تهرول خلفي، أتعلّق بأضلع كوني، تقتلعني، أسقط في الفراغ، أتدحرج مزدحماً بالخوف، تصهل في جوفي صرخة، أكتمها إلى حين، كقابض على جمرة، لأول مرة أحسّ بضيق المكان. أطلق سراح رحلتي، رحلة ترتجف بالغموض، الباب الأول يمدّ لي إغراء، كان موارباً، أقضم طرف قصبتي الممتدّة من سرّة وجودي حتى النافذة الوامضة بالضوء، أمتطيها مهاجراً، يرافقني سرب من الحمام، يؤانسني، يمحو وحشتي:
- لا عليك، كن مطمئناً، سنرافقك حتى النافذة.
يُغلَق الباب خلفي، أحسّ أنّي أفقد بعض الدفء، أضلاع كوني تضيق، أفزّ على صوت هامس،
" افتح كفيك".
يحدّق ملياً في خطوط كفّي، يزيح ستاراً من عتمة، يشير إلى سرب الطيور أن تتبعه حتى الباب الثاني، أملأ صدري بعبق الحنين، وأقضم شيئاً من قصبتي، أحلّق خلف الصوت، أرتجي ملاذاً لغربتي، ذاكرتي تفقد توهجها، أراها تخلع ثوبها شيئاً فشيئاً، وكلّما ولجت باباً وخرجت من باب آخر، أراني عارياً، تلفّني موجة برد، قصبتي تكاد تتلاشى، لم يبقَ منها سوى قضمة واحدة، الفضاء الفسيح يضيق، وما إن ولجت الباب الثامن حتى غادرني سرب الحمام مودعاً، فجأة يهاجمني الضوء، يصفعني العمى، أغمض عيني، تهصرني أضلاع كوني، أختنق، يضيق المدى، أستوحش مرافئ تلّوح لي بيديها، تقترب من النافذة، تمسك برأسي، أراوغها، أحاول الانفلات من قبضتها، أخوض في موج ، تشدّني رغبة للغرق فيه، يبلّلني بقطرات حمراء، وعبثاً أحاول الهرب، أقضم ما تبقّى من قصبتي، أحوّل بصري نحو مملكتي، أتوسل كوني، أتعثّر بين الظلمات وهدب السرة، دثار من أطياف الذر تلتفّ حولي، يوقّع عهداً بنفحة بيضاء، يمسح غبار العتمة عن وجهي، أتلو بنوده؛ فأتوهج. عقارب الساعة تتلاشى في قوس من نور، ينكشف الستر بيني وبين أسفار تتوسّد الأفق، اليدان تقبضان على كتفيّ، تتلمظان فرحاً، تخرجاني وظلّي من العتمة إلى التيه، أطلق صرختي في المدى، لكنّها تضيع وسط موجةٍ من هلاهل تملأ الفضاء.



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة
- قرابين البحر
- سروال داخلي
- ((اللغة الشعرية و حوارية القصة القصيرة ))/ دراسة نقدية معمّق ...
- امرأة القمر / قصة قصيرة
- المعبر
- لإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراسم ...
- الإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراس ...
- (( الواقع والشاعرية في ... هبوط عابر )) دراسة نقدية لقصة ( ه ...
- استفزاز الذاكرة في (ما بعد الخريف) دراسة نقدية للمجموعة القص ...
- غرائبية اللغة والحدث في نص ( ارتعاشة آخر ليلة ) للقاص عبدالك ...
- ( أنخاب ) / قصة قصيرة
- ( مرايا الشيب ) نص يؤسس لنمط مميز في السرد
- بلاغة الغموض في رسائل الموتى / دراسة نقدية - بقلم الناقد الم ...
- ( مدارج العتمة )
- ( الرفيق ديونيسوس )
- في قباء الكوابيس
- رفيف التجلي
- عند منعطف النسيان
- لمّا أوغلَ فيَّ الفراغ


المزيد.....




- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( انعتاق ) قصة قصيرة