أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - ابتسامة التلمود














المزيد.....

ابتسامة التلمود


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 11:46
المحور: القضية الفلسطينية
    


ما تزال ابتسامته "ماركة مسجلة"، في التعبير الطريف الذي ابتكره كرمي جيلون، رئيس المخابرات الداخلية الإسرائيلية، الـ "شين بيت"، ساعة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين. وأمّا صاحب الإبتسامة الموصوفة، والتي باتت الأشهر والأعرض في تاريخ الدولة العبرية بأسره ربما، فهو إيغال أمير، قاتل رابين. إنه يواصل الإبتسام "لأنه يعرف جيداً أنه انتصر"، يقول جيلون في حوار مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي نشرت استطلاعاً للرأي أفاد أنّ 20% من الإسرائيليين يعتقدون بوجوب إصدار عفو عن أمير. "لو اقتصر الإستطلاع على ناخبي اليمين، لكانت النسبة تجاوزت الـ 90%"، يعلّق جيلون.
والحال أنّ الـ 20% وافية بذاتها وكافية، بل هي أقلّ ما ينبغي أن ننتظره من المزاج العامّ الذي يسود المجتمع الإسرائيلي في هذه الأطوار، إزاء الأسباب ذاتها التي أودت بحياة رابين يوم 4 تشرين الثاني (نوفمير) 1995، والتي ــ للمفارقة الصارخة ـ تهدّد حياة جزّار آخر هو أرييل شارون، كما يحذّر جيلون! وحين خرّ صريع طلقات يهودية مائة بالمائة، كان رابين قد وضع جانباً عقيدة الهراوة وتكسير عظام الفلسطينيين، لا بسبب من صحوة ضمير أو ارتداد أخلاقي عن تقنيات الردع والتأديب، بل بسبب من «إلقاء نظرة تذهب خطوتين إلى الأمام» على حدّ تعبير دافيد غروسمان.
تلك كانت نظرة براغماتية رأت أنّ الاستمرار في الإحتلال والحرب المفتوحة غير المعلنة سوف يعني استمرار انكفاء إسرائيل على ذاتها، وتفاقم أمراضها التاريخية والوجدانية المزمنة. ما عجز رابين عن رؤيته، مثله في ذلك مثل السواد الأعظم من "مهندسي السلام" الإسرائيليين، هو الثقة الضعيفة أو الباهتة أو شبه المنعدمة التي اعتاد اليهودي على محضها للنوع البشري إجمالاً، وللجيران العرب بصفة خاصة. وعن رابين، وعن سواه من دعاة السلام، غابت جذور الكابوس التي تضرب عميقاً، وتكبّل بقدر ما تغوي، وتنشر الرعب مثلما تبعث على الخدر اللذيذ.
يد إيغال أمير، وهي "اليد اليهودية" كما وصفها بنفسه، تعمدت بدم رابين: «الخائن، واليهودي بالمصادفة»! وقاتله ضحك أكثر فأكثر حين رفض الناخب الإسرائيلي الإنصياع إلى الشعار الذي رفعه حزب العمل أثناء الحملة الإنتخابية: «لا تمنحوا إيغال أمير سبباً للضحك». ضحك الرجل، بل كان الوحيد الذي صوّت مرتين كما قال عاموس عوز: مرّة باستخدام الرصاصة، ومرّة باستخدام ورقة الإقتراع. ومن سخريات الأقدار أن العبارة البليغة Ballot Not Bullet (ورقة الإقتراع لا الرصاصة)، والتي نحتها بنيامين نتنياهو عشية اغتيال رابين، برهنت أنّ الفارق اللفظي لا يصنع أي فارق عملي على الأرض، وأنّ الرصاصة صوّتت تماماً بالفاعلية التي كانت لورقة الاقتراع، وأكثر بكثير ربما.
وليس بلا دلالة أنّ حزب العمل وافق على تمديد إحياء الذكرى العاشرة أسبوعاً كاملاً، كي يتيح للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أن يجد الوقت للمجيء والمشاركة. ذلك لأنّ حزب العمل يبدو، اليوم، وكأنه لا يستعيد الذكرى بقدر ما يعيد التشديد على المأزق الشامل، السياسي والإيديولوجي والسوسيولوجي، الذي غرق فيه رويداً رويداً منذ أيار (مايو) عام 1997، حين مُني الحزب بهزيمة تاريخية ماحقة جاءت بالليكود إلى السلطة للمرّة الأولى في تاريخ الدولة العبرية. وحين وقف مناحيم بيغن أمام جموع حاشدة تهتف «عاش الملك! عاش الملك!»، كانت السياسة في الآن ذاته تغادر مبنى الكنيست لتضع مخيّلة التلمود على شفاه الجموع، وكان الضمير الجَمْعي اليهودي يغرق بسرعة قياسية في إيديولوجيا المقدّس... المقدّس الغائم، الميثولوجي، الهستيري، والعنصري.
وإذا كان الطور ذاك قد بدأ بظهور «مناحيم بيغن/الملك»، فقد كان من غير المنطقي أن يتواصل أو يكتمل بدون ظهور «الحاخام/النبيّ»: مئير كاهانا، حامل السيف واللعنة والتذكرة، الملوّح بالقبضة اليهودية في وجه «عالم وثنيّ من الكلاب وبنات آوى». وعلى العكس مما أشاعته أدمغة التفكير الصهيونية، كانت معادلة كاهانا بالغة البساطة وبالغة الدلالة: اليهودية نقيض الديمقراطية، والصهيونية (كعقيدة ومؤسسة وسياسة) لا بدّ أن تتماهى مع اليهودية، الأمر الذي يجعل الصهيونية ذاتها تقيض الديمقراطية.
وقبل أن يخرّ صريع طلقات يهودي من أصل يمني، متديّن متشدّد وخصم للصهيونية لأنها "أقلّ يهودية ممّا ينبغي"، نطق رابين بهذه الكلمات: "الغنف يقوّض ركائز الديمقراطية الإسرائيلية ذاتها. من الواجب إدانته، واستنكاره". فهل كان يجهل، حقاً، أنّ إرث الحاخام كاهانا لم ينطو بعد موته بل تشظّى واستولد عشرات الكسور والصدوع في الضمير اليهودي، وعشرات الآلاف من نماذج إيغال أمير وقبله باروخ غولدشتين بطل مجزرة الحرم الإبراهيمي. ولهذا فإنّ جيلون لا يبالغ حين يقول إنّ الابتسامةـ "الماركة المسجلة" التي تطفح على وجه أمير منذ عشر سنوات، تطفح أيضاً على وجوه عشرات الآلاف من مناصريه ومحبّيه والناظرين إليه كبطل وقدوة.
وبين التلمود والأمن تواصل الديمقراطية الإسرائيلية إعادة اكتشاف الجدل الطبيعي لارتطام حقائق الأرض بفانتازيا التوراة، والجدل العنيف للعلاقة بين القاهر والمقهور، والحقوق الفعلية التي تصنع الخيط الفاصل بين أرض تسيل فيها أنهار الحليب والعسل، وأخرى تسيل فيها أنهار الدماء والدموع.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد القرار 1636: النظام السوري أمام خيارات صعبة
- لويس فرقان والإسلام الأمريكي: قصة مدينتين
- دوائر ميليس
- الإخوان المسلمون و-إعلان دمشق-: الأساطير والحقائق
- نوبل آداب... كردية؟
- تغييب أو غياب غازي كنعان: مَن سيستأجر السفينة الغارقة؟
- أيّ نزار قباني يسلسلون؟
- برنارد لويس وتركيا الأوروبية: كأننا لم نحرّر فيينا من العثما ...
- مفاجآت ال 100
- استفتاء الجزائر: المصالحة الوطنية أم تبييض الجنرالات؟
- فرد هاليداي والأشغال المتعددة لخبراء الشرق الأوسط
- افتقاد إدوارد سعيد
- أمريكا في القمم الكونية: تصنيع المزيد من الإرهاب في السفوح
- لهيب ما قبل 11/9
- فوكوياما عشية 11/9: ثمة ما يدعو للندم في كلّ شيء
- التهريج الملحمي
- خطاب الرئاسة السورية، حيث المفاضلة رَجْعٌ بعيد متماثل
- محمود درويش والتفعيلة المنثورة
- بات روبرتسون ومرآة تنظير اليمين الأمريكي المعاصر
- -محروسة- جمال حمدان


المزيد.....




- بولتون لـCNN: النظام الإيراني في ورطة ولا أساس للأمن بوجوده. ...
- الأحداث تتسارع والضربات في تزايد.. هل تنذر المؤشرات بنهاية و ...
- حفل زفاف طفلة في ديزني لاند باريس يثير استنكاراً واسعاً وتدخ ...
- بالاعتماد على استخبارات مفتوحة المصدر.. تقرير يُرجح أن إسرائ ...
- هل عقد ترامب العزم على إسقاط النظام في إيران؟
- أطفال بدو سيناء في وجه السياحة.. حين يتحول التراث إلى مصدر ر ...
- 7 أنواع من الجبن قد تفسد أطباق المعكرونة
- مخاوف أوروبية من إغلاق مضيق هرمز
- مغردون: هل وصلت المواجهة بين طهران وتل أبيب إلى ركلات الترجي ...
- شاهد.. السرايا تستهدف قوات إسرائيلية بصاروخين روسيين موجهين ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - ابتسامة التلمود