ضمن
حملة الحرب التي تحضرها أمريكا على العراق منذ فترة طويلة, وعلى أصوات الطائرات
الأمريكية التي تجوب أجواء الدول الاشتراكية سابقا, كبولندا والمجر وبلغاريا
ورومانيا ومقدونيا الحديثة, ألتئم شمل البرلمان التشيكي العتيد, برلمان الكاتب
المسرحي, الرئيس الحالي فاتسلاف هافل و طابوره من الذين كانوا في الزمان غير
البعيد, يعملون في خدمة أعداء بلادهم, حيث هناك قسم من هؤلاء كان ومنه من لازال
يتقاضى مرتبا من بعض المؤسسات الأمريكية والغربية المرتبطة بالسياسة
والأمن.
هذا القسم أو تلك المجموعة من خدم
السياسة الأمريكية الذين كان عندهم الاستعداد والقدرة على العمل ضد بلدهم أيام
العهد الشيوعي, وأيام الحرب الباردة, تركوا بصمات واضحة على البرلمان التشيكي الذي
أجتمع ليتخذ قراره الذي يسمح لفرقة تشيكية متخصصة بالحرب الكيماوية والبيولوجية, من
ضمن وحدات الجيش التشيكي, المشاركة في حرب أمريكا على العراق.
ولكي لا يظهر هذا البرلمان العتيد بمظهر التابع
الكلي لسياسة أمريكا, اشترط قراره بالمشاركة تلك ضمن قرار حرب تتخذه الأمم المتحدة
أو في حال قام العراق باستعمال أسلحة دمار شامل.
قبل
جمهورية التشيك كانت بولندا الغارقة في أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية,
قد أقرت مبدأ المشاركة من خلال كلام قاله رئيسها الشيوعي سابقا والاشتراكي على
الطريقة الأمريكية حاليا, السيد ألكسندر كفاشنيفسكي, حيث أكد تحالف بلاده مع أمريكا
ضد العراق. وبمقدور أليكس أن يتحالف مع الشيطان من اجل بقائه وحزبه في الحكم. مع أن
التجربة البولندية الرائدة في التسامح والحوار ونقل السلطات, والتي بموجبها استمر
الوجود الحزبي والسياسي للرئيس البولندي, كانت يجب أن تكون عبرة للرئيس ومثال يقدمه
كمشروع لحل أزمة الحكم في العراق, بدون تدخلات أمريكا وغيرها, وذلك من خلال الطاولة
المستديرة للحوار الوطني الذي ينقذ البلاد والعباد ويبعد شبح الحرب.
أما بلغاريا ورومانيا ومقدونيا فكانوا أيضا من الدول التي
وافقت على مساندة حرب أمريكا بكل طيبة خاطر وبدافع المصلحة وحب المال والقروض
والتقرب من أمريكا من أجل ضمان دخولهم الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن بوساطة
أمريكية, تكون عربون الشكر الأمريكي لتلك الدويلات على تزويدها أمريكا بالقواعد
والمجالات الجوية والبحرية والبرية وكذلك بوقود الحرب البشري, من الجنود ألرخيصي
الثمن. نقول ألرخيصي الثمن لأنهم مشاريع موت من أجل ضمان حياة الجنود الأمريكيين في
أية معركة أو حرب قريبة. ومقدونيا التي نسيت عظمة الأسكندر المقدوني وشهامته
وفروسيته, ستشارك بطوافتين حربيتين من بقايا يوغسلافيا السابقة...
حين ينظر الإنسان لقرارات تلك الدول التي كانت في يوم من
الأيام دولا صورتها الدعايات اليسارية والحزبية والتي كنت وكان بعض الناس جزءا
منها, محبة للسلام وعادلة وأممية, يشمئز المرء من تلك التحولات المثيرة, حيث ذهب
سيئ ليأتي مكانه من هو أكثر منه سوءا وفسادا. فقادة وبرلمانيو تشيكيا أو بالأحرى
الأعضاء أل 144 الذين صوتوا مع القرار لم يلتفتوا إلى الوراء قليلا ولم يخطر ببالهم
معاناة شعبهم من جراء التدخل السوفيتي هناك أبان ربيع براغ الشهير, حيث نشر السوفيت
ومن معهم يومها الرعب والدمار والاستبداد في بلادهم, مع أن الحركة التصحيحية والفكر
ألتصحيحي الذي كانت تقول به المجموعة الإصلاحية التشيكية, هو ما قام الاتحاد
السوفيتي بقوله وتطبيقه لاحقا,في آخر سنوات عمره أبان حكم غورباتشوف
والبيروسترويكا.
لو أن
أعضاء البرلمان التشيكي فكروا بعقولهم وراجعوا الماضي, لما كانوا صوتوا مع الحرب
وهم من تذوقها خاصة تلك الحروب الظالمة التي يخطط لها من الأعلى وتأتي لرغبة دولة
كبيرة وتوسعية في تحقيق غايات خاصة بها بالقوة وعن طريق افتعال الأسباب من أجل
إشعال الحرب التي تفرض عبرها على الطرف الأضعف بالقوة العسكرية ما رفضه بالضغوط
الدبلوماسية والتفاوضية والاقتصادية.
ترى هل ستنجح
أمريكا في جر بعض دول أوروبا الغربية للحرب المرتقبة, ومن تلك الدول أسبانيا
وايطاليا حيث الحكومات اليمينية التي تعيش على مثل تلك الأزمات, خاصة إذا ما كانت
الحرب تستهدف بلدا عربيا أو إسلاميا, مثل العراق. معظم الدلائل تشير إلى أنه توجد
قابلية لدى تلك الدول لدخول الحرب من بوابة محاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل
الموجودة في الدول العربية والإسلامية, باعتبار أن تلك الأسلحة تشكل خطرا على السلم
العالمي, بينما أسلحة إسرائيل و ترسانتها المخيفة والمرعبة من جميع أنواع القنابل
والصواريخ الذرية والنووية والبيولوجية والكيماوية والجرثومية لا تشكل خطرا ولا
يوجد حاجة أمريكية وأوروبية للكشف عنها وإخضاعها للرقابة الدولية ومن ثم تدميرها
كما يريدون تدمير أسلحة العراق التي لا يمكن مقارنتها أبدا بنوعية أسلحة الدمار
الشامل الإسرائيلية.
نفس الكلام ينطبق
على كوريا الشمالية وغيرها من الدول التي تمتلك ترسانة نووية أو أسلحة دمار شامل,
وقد شاهدنا أخيرا كيف أعلنت كوريا نيتها ضرب أمريكا في حال تعرضت لأي هجوم أمريكي
أو عقوبات دولية. وسمعنا تعليقات القادة الأمريكان حيث اعتبروا أن كوريا شيء
والعراق شيئا آخرا والمعاملة الأمريكية تختلف هنا وهناك.
أذن الصورة واضحة والهدف واضح, قلب نظام الحكم العراقي,احتلال
البلد بعد تدميرها في حال اشتدت المعركة وتكبدت القوات الأمريكية خسائر بالأرواح,
أي تدمير المدن العراقية كما كان الحلفاء دمروا المدن الألمانية, برلين هامبورغ
دريدسن, كولونيا وفرانكفورت ودورتمند بالإضافة ل 161 مدينة ألمانية أخرى يترواح عدد
سكانها بين 100 ألف ومليون نسمة ول 850 قرية سويت بالأرض, وكانت الخسائر يومها لا
تقدر بثمن, أما البشرية منها فبلغت 600 ألف قتيل ألماني منهم 75 ألف طفل, كل هذا
حدث بعد أن تأكد قرب هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية , وقد كانت تلك
الغارات تعتبر انتقاما من النازيين وللضغط على الشعب الألماني من أجل الثورة ضد
النظام النازي. لقد برر الحلفاء فعلتهم تلك بأن النازيين هم أول من أبتكر سياسة
التدمير الشامل للمدن كما فعلوا في العاصمة البولندية وارسو والبريطانية لندن
ومدينة كوفنتري وكذلك مدينة غرينكا الأسبانية وروتردام الهولندية بداية الحرب
العالمية الثانية.
وتعليقا على
تلك الغارات وتبريرها كتب المؤرخ الألماني "جورج فريدريك" في كتابه "الحريق" أن "
الغارات تلك لم يكن لها مبرر والهدف منها كان الانتقام وتحطيم نفسية السكان الألمان
الذين كانوا يتلقون مع تلك الرسائل مناشير تدعوهم للانتفاضة ضد هتلر".
ترى هل ستفعل أمريكا وحلفاءها نفس الشيء مع المدن العراقية
والشعب العراقي, هذا سؤال مهم وإجابته سوف نجدها عندما تبدأ الحرب الأمريكية
المرتقبة على العراق المحاصر منذ حرب عاصفة الصحراء, حرب الخليج
الثانية.
* نشرت كاملة في
الميديل أيست أون لاين / لندن يوم 17-1-2003