محفوظ أبو كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 4999 - 2015 / 11 / 28 - 16:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بوغوص مجرديتش نوباريان نوبار (1825 - 1899)، ولد ببلدة سميرنا بتركيا حيث هاجر جده من أرمينيا إلى إزمير بتركيا، وكان والده معتمد أساسيا لمحمد علي باشا في الأناضول أثناء الحملة المصرية الأولى على سوريا (1831 – 1833)، وعين 1839معتمداً مصرياً في باريس، وتوفىى بها. التحق نوبار باشا بمدرسة ابتدائية بمدينة جنيف السويسرية، وتزامل مع الأمير نابليون (الإمبراطور نابليون الثالث فيما بعد)، والتحق بمعهد سويريز، حيث درس هناك أربع سنوات 1836 - 1840.
لما كان تاريخ مصر حافل بالعشرات من الشخصيات الذين ينتمون إلى جنسيات واعراق مختلفة تركت بها أثرا واضحا، حتى صارت مصر بشكلها المتنوع التي تظهر به الآن. ولما كان نوبار باشا المتفرد بالعديد من الإنجازات يعتبر أحد هؤلاء الذين عاشوا فى نسيجها وتركوا فيها أثرا وساهموا فى بنائها وشكلوا ملمح من ملامحها، فإنه ينبغى علينا تدوينه بعناية في صفحات تاريخها.
دعاه خاله بوغوص بك يوسفيان للحضور لمصرعام 1840 حيث كان يشغل مركزاً مرموقاً لدى محمد علي. وكان صهر أسرة كيفورك بك أرمينيان ذائعة الصيت، والتى كانت على صلة وثيقة بالباب العالي مما ساعده على الإضطلاع بمهام مميزة، والحصول على عديد من الرتب والنياشين. أتقن نوباراللغات الفرنسية والإنجليزية واليونانية والتركية والعربية. عمل سكرتيراً لخاله بوغوص باشا ناظر الأمور الخارجية.
، أول عمل كلف به من الحكومة المصرية كان مأمورية فى باريس عام 1842، عين ترجماناً ثانياً لدى محمد علي باشا عام 1844، وحصل على رتبة قائمقام (عقيد) عام 1846. أنتقل للعمل مترجما لدى ابراهيم باشا ورقي لرتبة أميرالاي (عميد) عام 1849.
أصبح باشترجماناً عام 1850. عينه عباس الأول عام 1853 بديوان التجارة وحاذ على ثقته فكلفه بالمفاوضات مع بريطانيا لتنفيذ عقود خطوط السكك الحديدية، ويرجع إليه الفضل في إنشاء الخط الحديدي الإسكندرية – السويس. وقد عين مديراً لمصلحة السكك الحديدية من عام 1857 إلى عام 1859. في عام 1861 عُين برتبة فريق ، وقام بالمفاوضات لمراجعة توقف شركة قناة السويس، فأبرم عام 1863 مع الفرنسي فرديناند ديليسبس عقد مقاولة حفر قناة السويس. وقد لعب دورا محوريا فى المفاوضات المضنية قبل وأثناء وبعد شق القناة. تولى عدة مناصب وزارية على مدى عشر سنوات منذ يناير 1866 حتى 1876 شملت نظارات الخارجية والمالية والتجارة. فى يناير 1876 ترك الخدمة بسبب الخلافات بينه وبين الخديوي إسماعيل، وغادر مصر إلى باريس ليرشح حاكماً عاماً لبلغاريا عام 1877، إلا أن اندلاع الحرب الروسية العثمانية في 27 إبريل 1877 حال دون تنفيذ ذلك. تولى منصب رئاسة وزراء مصر ثلاث مرات، الأولى فى عهد اسماعيل، عندما تشكلت أول نظارة مسئولة، استدعى نوبار لرئاستها من 28 أغسطس 1878 حتى 23 فبراير 1879. وكانت الوزارتين التاليتين بعد الإحتلال الانجليزى فى عهد توفيق فكانت ثاني وزاراته من 10 يناير 1884 إلى 9 يونيو 1888. وآخر وزاراته كانت من 15 أبريل 1894 حتى 12 نوفمبر 1895.
وقد اتهمه البعض بموالات الأجانب على حساب المصريين، واُتهم بكبت حرية الصحافة بسبب مناهضتها للاحتلال... وتعرض لحملة ظالمة بعد ثورة 23 يوليو، وتم إزالة أى أثر له كما تم فى ائمانينيات القرن العشرين رفع تمثاله الذى كان يوجد بحديقة الشلالات بالإسكندرية منذ أوائل القرن. وقد تم وضعه فى التسعينات فى مدخل مسرح سيد درويش عل اثر تقديم استجواب لوزير الثقافة. وقد أظهرت الوثائق التى توفرت بعد ذلك، والكتابات التى صدرت مؤخرا دوره البناء وسعيه الدؤوب لإستكمال بنية الدولة المصرية الحديثة التى أسسها محمد علي وشيد بنائها الخديو اسماعيل وعلى باشا مبارك وكوكبة من رحال مصر الأوفياء.
فقد شكلت مشاهدات الفتى بوغوص التى نظرها طوال السنوات الذى قبع فيها فى قمة السلطة عاملا سكرتيرا ومترجما للحكام مطلعا على أحوال مصر. شكلت لديه رؤية متفردة فهويعتبر أول رجل دولة فى مصر فى القرن 19 ينادى بمبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية، فى وقت كان الرأى ينبع من مجتمع الصفوة، فقد لخص موقفه من مصر والمصريين بقوله: «كم من الحكام احتلوها! (قاصدا مصر) كم من الشعوب دهست بأقدامها أرض مصر، بدءا من ملوك الرعاة إلى آخر المماليك، جميعهم تركوا آثار أقدامهم وبصماتهم على أرض مصر من آثار ومعابد ومآذن ومنارات وعجائب كلها سحر ورونق، كلهم استغلوا وتجاوزوا الحدود فى استنزاف هذا الشعب الذى عمل بجد وعرق وشيد لهم هذه الروائع والآثار التى نعجب بها دون أن نفكر فى الألم الذى عانى منه، فى حين أن لا أحد من هؤلاء الحكام، استطاع التغلغل فى أعماق هذا الشعب الذى ظل ساكنا مثل المحيط». وقد حول نوبار رؤيته هذه إلى عدد من الهداف الإسترتيجية ألزم نفسه بها وكرس حياته لتحقيقها عبر برامج وخطط كان اهمها:
- العمل على حصول مصر على اسقلالها الفعلى عن الدولة العثمانية، أستطاع أن يوظف كل امكانياته واتصالاته وان ينتزع من العثمانيين فرمانات 1866، 1867، 1873 التي بمقتضاها تم تمييزحاكم مصر وتحويله من والى إلى خديوى، كماتم تعديل نظام وراثة العرش فأصبح في أكبر أبناء الخديوى، كما استطاع أن يعقد اتفاقية تعطي إسماعيل حق عقد المعاهدات مع الدول الأجنبية، وزيادة عدد الجيش والأسطول.
- إرساء قواعد التشريعات الغربية الحديثة واستقلال القضاء عن قنصليات الدول الأجنبية، فقد كان سعيه لتأسيس المحاكم المختلطة للحد من سيطرة الأجانب على كافة مناحى الحياة فى مصر، وسعيه بالتفاوض الدؤوب مع الدول الأوروبية صاحبة الأمتيازات التى منحتها لهم الدولة العثمانية، مما أسفر عن
إلغاء المحاكم القنصلية وتبديلها بـالمحاكم المختلطة عام 1876، وإرساء قواعد التشريعات الغربية، ومساواة المصريين بالاجانب، وتم أخضاع الأجانب المقيمين فى مصر للقضاء، حتى لو كان مختلطا، .
. سعى في أوائل عام 1888 إلى إعادة تنظيم وهيكلة البوليس وإعادة تبعيته إلى مديري المديريات وإلغاء مركزه الرئيسي بالقاهرة والعمل على القضاء على اضطراب الأمن الناتج عن قيام عصابات العربان المسلحة، بنهب وسلب محاصيل الفلاحين.
- إلغاء السخرة بكافة اشكالها، استطاع أن يلعب دورا بالغ الأهمية فى إلغاء السخرة، وقد نجح فى الغائها فى مشروع حفر قناة السويس، ثم توالت التشريعات والنطم والآليات التى قضت عليها نهائيا بعد ذلك.
- تطبيق سياسات وقواعد وتشريعات نظم المالية العامة من ضرائب وموازانات ورقابة ماليةزوتنطيم السياسة النفدية غلى أسس حديثة. فعمل جاهدا على سن التريعات واللوائح وانشاء الهياكل والكيانات التى تمكن الدولة من فصل الذمة المالية للخديو عن ميزانية الدولة، وغل يده عن فرض الإتاوات والضرائب والرسوم. وتقنينها واستقرارها وتحديث نظم جبايتها.
لقد ساهمت رؤية نوبار والأهداف التى تبناها وحولها إلى سياسات وبرامج وإجرءاءات على مدى ثلاثين عاما 1865 - 1895، بتوليه نظارات الخارجية والمالية والتجارة، ورئاسة الوزراء لثلاث مرات من إحداث تغيرات جزرية فى المجتمع، حققت الأمن والطمأنينة والمساواة، واتاحت استقرار المعاملات التجارية والمالية وتقنينها، وساهمت كذلك فى مأسسة الدولة وإعادة هيكلة جهازها الأدارى طبقا للنظم الحديثة. مما أدى إلى تكوين فائض اقتصادى لدى المصريين ساهم فى خلق الطبقة الوسطى من التجار وملاك الأراضى الزراعية. وساهمت بقوة فى ترسيخ أسس الدولة الوطنية الحديثة من مواطنة وسيادة القانون.
#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟