رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 4976 - 2015 / 11 / 5 - 20:27
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
يوم 24 أوكتوبر- تشرين الأول 2015إحتفل المجتمع الدولي بمرور (70)عاما على تأسيس منظمة الأمم المتحدة بعد انتصار الحلفاء من العالمين الديمقراطي و الأشتراكي على محور النازية و الفاشية و العسكرتارية اليابانية بعد حرب ضروس استغرقت اعواما أُزهقَتْ فيها ارواح عشرات الملايين من الناس و تركت خرابا ماديا و نفسيا واسعا لاتزال الأنسانية تعاني بحدة من آثارها .
ارتكز ميثاق الأمم المتحدة كأقرار و تعهد دولي يُلزم الأطراف الموقعة عليه بمبدأ انقاذ الانسانية و أجيالها اللاحقة من ويلات الحروب التي جرّت و تجر على البشرية احزان و الام يعجز وصفها ، و على السعي الى حفظ السلام العالمي و منع الاسباب التي تهدده و ازالة هذه الاسباب بالالتزام بالحلول السلمية و الامتناع عن استخدام القوة في المنازعات الدولية ، و يدعو الميثاق في ديباجته الى تعزيز روح التفاهم بين دول و أمم العالم و تحقيق التعاون فيما بينها في الشؤون الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الأنسانية حتى لايكون ثمة تنافر بينها و اتخاذ هيئة الأمم مرجعا لتنسيق اعمال الدول الأعضاء و المحور الذي تدور حوله النشاطات المختلفة في مجالات العلاقات الدولية و توجيهها نحو بلوغ الغايات المشتركة بهدف تحقيق التفاهم العالمي بين الامم و الشعوب و بناء عالم أفضل للجميع و فق مبدأ ( إن الأمم كبيرها و صغيرها متساوية في الحقوق ) والذي يؤكد الميثاق وفق هذا المبدأ على ( حق كل الأمم و الشعوب في تقرير مصيرها )و احترام حقوق الأنسان و الحريات الأساسية للناس جميعا دون تميزبين الجنس أو اللغة أو الدين و بلا تفريق بين الرجال و النساء .
* * *
ووسط دوامات الفوضى و العنف و التراجع الحضاري الذي يجتاح العديد من جغرافيات عالم اليوم يرد سؤال و هو ..( ماذا حققت منظمة الامم المتحدة و في ماذا أخفقت عبر مسيرة الـ - 70 – عاما من عمرها نحو تحقيق السلام العالمي و التعايش الأيجابي بين الأمم و الشعوب و في مجالات تعزيز حريات الأنسان و حقوقه بما فيه حق الشعوب في تقرير مصيرها ..) ؟
في الواقع لا يمكن انكار الخدمات الجليلة التي قدمتها هذه المنظمة للأنسانية منذ تأسيسها و الى أيامنا هذه في العديد من المجالات المدرجة ضمن ميثاقها ، ( خصوصا في مجالات التربية و التعليم و الصحة و برامج الغذاء و الأغاثة و الزراعة و الطفولة و الأمومة ... الخ ) عبر منظمات انبثقت منها و مارست نشاطاتها في أرجاء العالم ، و تحدت بعضها الكثيرمن الصعاب لتقديم ما تتمكن من خدمات حسب أوضاعها المالية و الظروف الأمنية المتاحة .. لكن هذه البرامج و الخدمات الدولية ( الأنسانية –غير السياسية ) لم تأتي إلا بعد مراجعات و قرارات ( سياسية خاضعة لأرادة الدول العظمى المهيمنة على القرار في المنظمة خصوصا من نواح تمويلها و خيارات اختيار مناطقها و حسب ملائمتها أو تعارضها مع مصالحها .
وبشكل عام ليس من الخطأ القول ان المنظمة و قفت عاجزة أمام التوصل الى حلول جذرية و منصفة للأزمات و المعضلات ( الأنسانية – السياسية ) ذات الطابع العرقي أو المذهبي في العديد من جغرافيات العالم و التي تعد (جراء عدم التوصل لحلول و معالجات عادلة لها ) العقبة الكأداء أمام انتاج حلول فاعلة و راسخة للأزمات الانسانية – غير السياسية ، و العجز أمام بناء حالات تعايش و تفاهم حضارية و متقدمة بين المجتمعات البشرية المختلفة الأثنيات و الاديان و المذاهب و بالتالي تحقيق الاستقرار و بناء سلام حقيقي في جغرافيات الأزمات العرقية و المذهبية في العالم .
و لا شك في أن تضارب المصالح و الأهواء بين الدول العظمى لعبت و لا تزال ادوارا سلبية تؤجج نيران و أحقاد الصراعات العرقية و الدينية و تعقد من سبل و مسالك حلها .
و يصح ان نقول ايضا ان عجز و تلكؤ منظمة الآمم المتحدة في تنفيذ معظم اهدافها المعلنة ناجم من حالة التنافس المستمر و الدائم بين القوى العالمية العظمى و التي تمثل ( التركيبة القيادية ) المتمثلة بالأعضاء الخمسة الدائميين في مجلس الأمن و امتلاك كل عضو منهم سلطة امرار أو سد الطريق أمام أي مشروع قرار دولي ( وفق مبدأ الفيتو ) . فهذا الأمتياز و قف و لايزال في الكثير من الأزمات الدولية عائقا امام حسمها بشكل منصف و عادل ، فتوجه و تعامل الكبار الخمسة كان دائما بأتجاه ضمان مصالحها أولا .
من جهة اخرى و برغم أن مفهوم ( السيادة الوطنية للدول ) أخذ يتراجع و يفقد مهابته ( خصوصا بعد عقد التسعينات من القرن الماضي )لكنه و وفق مبدأ ( عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الأعضاء ) تم التعامل معه في كثير من الازمات بأنتهازية من قبل الكبار الخمسة حسب ظرف و كل منهم .. و هكذا تسبب مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي في الحاق الكثير من الظلم و الاذى بحق و حقوق القوميات الثانية في الدول الخاضعة لطغيان و استبداد حكومات القوميات السائدة ( العضوة في المنظمة الدولية ) ، و بلغ هذا الظلم في بعض مثل هذه الدول ( و الماضي القريب يشهد على ذلك ) بحق القوميات و اتباع الديانات من غير دين واثنية القومية الحاكمة ، أقصى درجاته و تطور تحت سمع وبصر أقوياء العالم و منظمة الامم المتحدة الى حملات اابادة جماعية و تطهير عرقي بدءا من سياسات الحصار الاقتصادي و الارض المحروقة و الغاء الهوية القومية و الحرمان من خدمات الصحة و التعليم و غيرها من الخدمات الاساسية و الحيوية الأخرى ؛ و الى استخدام اسلحة القتل و التدمير بما فيها أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا .. إن ابادة الآلاف من ابناء القومية الكوردية ( التي هي القومية الثانية في العراق ) بالاسلحة الكيمياوية و بالاعدامات الجماعية التي رافقت الحملات العسكرية البربرية التي عرفت بـ ( الأنفالات ) في اواخر ثمانينيات القرن الماضي ، و مذابح البوسنة و الهرسك و مجازر رواندا و فضائع دارفور و غيرها .. شواهد حية تؤكد رأينا في مفهومي ( السيادة الوطنية و عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول ) و بأنها منحت دائما حكومات القهر و الاستبداد الضوء الأخضر لترتكب أبشع الجرائم و المنكرات بحق الأنسانية . . و لا يزال صدى صوت الامين العام الاسبق للامم المتحدة ( خافيير بيريز دي كويلار ) يدوى في الذاكرة الكوردية عندما صرح بيأس و قنوط وسط صمت مطبق في أروقة الأمم المتحدة و بعد كوارث و فواجع جرائم الأبادة الجماعية لكورد العراق بالاسلحة الكيمياوية و عمليات الأنفالات العسكرية ..( بأن مشكلات العالم كثيرة و ليس بوسع المجتمع الدولي إضافة المشكلة الكوردية في العراق – كشأن داخلي - لمتاعب العالم ..!!) يومها كان ( دي كويلار )مشغولا بترتيبات وقف اطلاق النار بين نظامي بغداد و طهران لحرب ( 1981 – 1988 ) اسفرت عن مصرع أكثر من مليون انسان .
و فور انتهاء تلك الحرب المشؤومة تمادى النظام العراقي ( البعثي - الصدامي ) اكثر في جرائمه العنصرية بحق القومية الكوردية في العراق ، فدمر الاف القرى و المزارع في كوردستان العراقية و نهبت ثرواتها و اقتيد عشرات الالاف من سكانها ( رجالا و نساء و اطفالا ) لمعسكرات الاعتقال و أعدم منهم من اعدم من كلا الجنسين و من مختلف الاعمار و دفنوا في مقابر جماعية في صحاري العراق و لا يزال مصير الالاف ممن لم يعثر على رفاتهم مجهولا حتى الآن .. إن ( دي كويلار )لم يكن يعبر عن رأيه الشخصي ، فهو كموظف دولي نقل رأي و إرادة الخمسة الكبار و وفق ما كانت تقتضيه مصالحهم يومذاك .
إن النموذج الكوردي هنا ، يمثل العديد من النماذج الأنسانية المأساوية الاخرى الشبيهة بها ، و هي بمجموعها تؤكد عجز المنظمة الدولية عن تحقيق إنجازات حاسمة في مجالات بناء السلم و الاستقرار في العالم و معالجة أزماتها وفق ضوابط انسانية عادلة في مناطق و بؤر العنف و التي أغلبها ذات خلفيات عرقية و دينية او طائفية ، تستغل كما قلنا من قبل أقوياء العالم للمحافظة على هيمنتها و هيبتها او لتعزيز و توسيع نفوذها على خارطة كوكب الأرض .
* * *
إن التطورات الدراماتيكية التي شهدها العالم نهاية العقد الاخير من القرن العشرين ، و جهود المنظمة الدولية خلال تلك الحقبة باجتماعاتها ومساعي لجانها و قراراتها و عقوباتها لم تطوي الصفحة الاخيرة من فواجع و احزان قرن مضى ، بل فتحت الأبواب أمام البشرية لدخول مضطرب للقرن الحادي و العشرين ، لتدشين مرحلة جديدة من تأريخها و كان من أبرز سمات بدايات هذا الفصل الجديد ن الفوضى و اللاإستقرار و تنامي صراعات و ازمات جديدة و تفشي الخوف و القلق في بيئة دولية تتنافس في أرجائها القوى العظمى بضراوة ، و انفلت فيها الارهاب و ارتفعت وتيرة القمع و الأضطهاد القومي و الديني و توسعت ميادينها ، و تفشت البطالة و اتسعت دائرة الفقر و سط ازمات اقتصادية مفتعلة و غير مفتعلة ، و بروز انماط جديدة من العبودية و الإستعباد و الأتجار بالبشر و الرقيق الأبيض ، و ارتفاع موجات الهجرة الجماعية للبائسين الباحثين عن حياة أفضل من اوطانهم الى بلدان هم على الأغلب غير مرحبين فيها ، ناهيك عن ازدهار تجارة السلاح و المخدرات و تهريب الاثار و الاعضاء البشرية .. و استمرار طغيان انظمة الحكم الفاسدة و المستبدة و ظهور نظم و كيانات جديدة منها تحت اسماء و مسميات مختلفة و التي تستمد قدرتها على الأستمرار من آثار و تأثيرات كل تلك المظاهر و الظواهر أعلاه ، و من الدعم الخفي و العلني لدول تحتل مواقع ( الفيتو ) في المنظمة الدولية ... وسط كل هذا الارتباك و الفوضى من الطبيعي أن ترتفع أصوات من مختلف ارجاء العالم تنتقد بل و تتهم منظمة الأمم المتحدة بالتقاعس في اداء التزاماتها وفق ميثاقها بل و في تعقيد الازمات التي تنغص اوضاع المجتمع البشري و التسبب في بروز و تنامي ازمات جديدة ، و انها و ان كانت تبنت بميثاقها و رسالتها للبشرية جمعاء قضية بناء و ترسيخ حياة أقضل للأنسانية ، فإنها كانت دائما و منذ تأسيسها منحازة لمصالح مؤسسيها الكبار و تحت رحمة ادارتهم و توجيهاتهم لها .. فهي لم تتمكن حتى الان من تحقيق السلم العالمي الراسخ الذي تتمناها البشرية و تحسسها بأمان و استقرار حقيقي ،و لم تستطع وفق ميثاقها تثبيت ميزان العدل و المساوات في الحقوق الانسانية بين الامم و الشعوب .. وهي دائما خاملة بطيئة الحركة تلهث وراء الأزمات و لا تسبقها ، مشلولة بسبب ضغوط الاقوياء و خلافاتهم الدائمة و بسبب تكوينها البيروقراطي الثقيل و المترهل ، و الفساد الذي ينخر في العديد من مفاصلها ..
تأريخ الـ (70) عاما من عمر هذه المنظمة يؤكد على انها لن تستطيع أن تقدم أكثر من ما قدمت ، فمفاتيح الابواب التي تمكنها من امتلاك كامل الحرية في قراراتها و تنفيذها و الالتزام الكامل بمنهاجها ( ميثاقها ) بيد مالكي حق الفيتو ، و أزاء هذا الواقع ترتفع اصوات كثيرة في العالم ، دولا و شعوب و منظمات و علماء و ادباء و فنانون و مصلحون و قادة و مفكرون ..الخ تطالب بأجراء اصلاحات عميقة في بنيان و تركيبة هذه المنظمة من أدنى مستوياتها و الى أعلى مواقعها لأنقاذها من عجزها أمام كم هائل من القضايا الدولية و الأنسانية التي تستوجب اقرار حلولا عادلة لها .. و لابد من مراجعة شاملة و جذرية لمسألة الحريات و حقوق الأنسان و حق تقرير المصير لأمم و شعوب ( و منهم الكورد و الأمازيغ و البلوج و الأيغور ...الخ ) التي لا تزال تعاني من ظلم و هيمنة حكومات القوميات السائدة على مقدراتها و خياراتها في الحياة ..
و يبقى قرار الأصلاح هذا بيد الأقوياء .. فهل يتوقع منهم مباركة هكذا خطوة و قرار ، هل الاصلاح هذا يخدم مصالحهم ، و هل يتقبلون برحابة صدر بأقوياء آخرين ضمن حلقتهم ؟ أو هل يملكون الشجاعة و الجرأة على التخلي عن ورقة الفيتو السحرية و يسلمون زمام الأمور كلها لمنظمة تمثل بحق و حقيق الضمير العالمي للأنسان و الأنسانية ..؟
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟