أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مهاجر - وعل وبجعة















المزيد.....

وعل وبجعة


محمد مهاجر

الحوار المتمدن-العدد: 4970 - 2015 / 10 / 30 - 20:16
المحور: الادب والفن
    



وعل وبجعة .. ... قصة قصيرة

-

محمد مهاجر

-

كانت تراقب المكان من خلال الشرفة. وبسرعة هرولت إلى الداخل ثم صعدت الى الاريكة بقفزة مميزة لتستقر بالقرب من ابيها. وضعت ذراعها الممتلئ على كتفه ثم جذبت راسه بيدها اليسرى وقبلته على خده. وحين همست فى اذنه، رسم ابتسامه حلوة عريضة على وجهه البيضاوى ثم اومأ براسها معطيا موافقته على اقتراحها. ولم تسمح الطفلة لنفسها باضاعة الوقت اذ قفزت بسرعة وهرولت نحو غرفتها .

حين دخلت الام وجدتها منهمكة في تجهيز ما تحتاجه فى الرحلة، فقامت بمساعدتها عسى ان تستطيع الاسرة أن تغادر بسرعة قبل ان تتبدل حالة الطقس. ولما وصلت الاسرة إلى المنتزه الكائن في مركز المدينة وجدت ان المكان كان يعج بالكثير من الناس. والناس في هذه المدينة قد تعودوا على الذهاب اليه لان به وسائل كافية للترفيه والسياحة.


كانت السماء قد امسكت لتوها عن انزال الجليد وكان الثلاثى يلبس معاطف من الصوف بنية اللون ويلبسون قفازات سوداء غير ان كل فرد منهم قد اختار شالا مختلفا. الطفلة كانت تضع شالا يشبه فى رسمه جلد الفهد. توقف الجميع بالقرب من البحيرة الصغيرة ثم رجع الاب لكى يجلب اشياء من السيارة. وعندما عاد هرولت الصغيرة نحوه وخطفت منه احد الوعول الجبلية. وقبل ان يهم بالتحرك اعطاها الاب بقية حاجياتها


وضعت الوعول جانبا ثم جعلت تملا الجردل الصغير بالجليد وتفرغه فى مكان البناء. كانت تستخدم مجرفة صغيرة وازميرا لكى تجمع المادة ومن ثم تنحت مسرحا صغيرا. وحين فرغت كدست العدة خلف المسرح. تراجعت إلى الخلف وألقت نظرة ثم قامت بوضع اعلام ولمبات وشرائط زينة على المسرح فأصبح جذابا. على الرغم من بعض الألتباس الا ان الزينة جعلت منه يشبه إلى حد كبير المسرح الحقيقى. وكان تشجيع الوالدين يزيد من حماس الصغيرة بإستمرار. أخيرا هناها بالانجاز فادركت بانهما ينويان الابتعاد عنها.


ادارت جهاز التسجيل فانطلقت الموسيقى الراقصة القوية. وجد الوالدان ان الطفلة وجدت ضالتها فى الملهى الذى صنعته فانشغلا عنها وابتعدا اكثر فاكثر. في تلك الأثناء انبرى بعض السياح في أخذ الصور التذكارية بالقرب من المسرح. أما الطفلة فكانت مشغولة بالاشراف على مجموعة الراقصين.


هز الرجل فرع الشجرة فتساقط الجليد على شعر زوجته وملابسها. وبالرغم من ان قطع الثلج البيضاء قد رسمت على الشعر الاشقر الداكن لوحة بديعة الا ان الزوجة لم تك راضية تماما عن المزاح. قام الزوج بنفض الجليد عن شعرها ثم مسح يده على خدها. ضحكت فدفعها بعيدا عنه وضحكا. فجاة استاذنت منه وذهبت الى مكان قرب سور المنتزه. ظل ينظر اليها إلى أن قطع صوت ابنته حبل أفكاره. حين ابتعدت حسب ان انوار المنتزة ولمبات الشوارع الساطعة واشجار عيد الميلاد المصنوعة من الكريستال والمزينة باللمبات البيضاء والملونة واضواء السيارات واشارات المرور والاشجار المكسوة بالجليد، كلها أصبحت تتغزل فى زوجته. وعادت الزوجة وهي تمشى على مهل وتتبسم. و فى اللحظة التى شرع فيها بالهروب ادرك ان الوقت ليس فى صالحه فجلس على الارض حتى يستطيع تقليل الخسائر الى الحد الادنى. ومع كل الإحتياطات لم ينجح ان يتفادى كرة الثلج التى تحطمت على راسه.


حين اكمل الرجل تجهيز كرة من الثلج أكبر من كرة زوجته كانت هي قد تمكنت من الهرب لتحتمى بابنتها. ولما وضع الكرة على الأرض هرعت اليه واحاطته بذراعيها وقبلته. نزعت شالها الزيتونى وازالت به البلل من على وجهه وشعره الاسود المجعد. غطت راسه ثم قبلته من جديد. شد على طرف خدها بالابهام والسبابة ثم قبلها وقال لها احبك. انشات تردد عبارات سريعة مرتبكة. ادرك ما تريده فقبلها مرة اخرى واخذها فى حضنه. قال لها

- نعم تسع سنوات لكنها مرت سريعا
- اقصد الطفل


مسح بيديه الغليظتين على شعرها واحتضنها ثم قال: سياتى بمشيئة الله. لسنا على عجلة . كان ينظر إلى عينيها ويود لو يقدر أن يمحو أثار الحزن الساكن فيهما .


على الرغم من ان الجليد قد غطى على معظم سطح البحيرة الصغيرة الا ان الطيور كانت قد وجدت طريقها الى بعض الفتحات فذهبت في النهار لكى تبحث عن رزقها. وحين عم الظلام لم يتبق غير القليل من الحيوانات . ولان الفتاة كانت مشغولة بتسجيع الوعول على الرقص فانها لم تنتبه للبجعة التى انسلت من البحيرة وتحركت بصعوبة متفادية حركة الناس حتى استقرت خلف المسرح. ولما ادارت جهاز الموسيقى ازداد الحماس واصبح البعض يصفق بشدة وهمة عالية ويستحث الوعول على الرقص مع الطفلة. رقصت الوعول وتحمس بعض المراقبين للفكرة وشاركوا بالرقص والتصفير والهتاف. وحين زاد الصياح وعلت الموسيقى وارتفعت حمى الرقص هش احد الحاضرين البجعة وارغمها على الدخول الى ساحة الرقص.

حاولت البجعة الخروج لكن سدت كل الطرق فى وجهها، ولا غرو فقد عج المكان بالناس من اطفال وسكارى ومعتوهين وعابرى سبيل غير ابهين بنتائج ما قد يحدث. وبدات البجعة فى محاولات جادة للهرب فانعطفت ذات اليمين وذات الشمال وهى تسرع الخطى لكن دون جدوى. وزادت من سرعتها رغم الالم الظاهر فى رجليها لكنها لم تحقق اى نجاح. اخيرا تعبت فرقدت بالقرب من المسرح.

ازداد عدد الحاضرين وازداد تصفيقهم ورقصهم وصاح بعضهم : راب .. راب . وتحركت الطفلة نحو الجهاز وادارت اغنية راب ذات ايقاع سريع وقوى. واصبح الاحتفال يحمل نكهة مميزة . وتحمست الطفلة اكثر فاكثر واصبحت تردد كلمات الاغنية

برزت برزت برزت
بزغ العيد ونزل الجليد
واحتشد الجديد
واكتمل النشيد
فليرقص الجميع
ليرقص الجميع
ليرقص الجميع
رقصت رقصت رفصت
رقصت طيور
لتنشر الحبور
وتسمو بالشعور
وتعكس الضمور
وليرقص الجميع
ليرقص الجميع
ليرقص الجميع


ازداد تجمهر الناس فى المكان وعلا غناءهم وانطلقت المزيد من الهتافات والتصفير. وكان كل الناس يرددون كلمات الاعنية. وانبرى بعض السواح لاخذ الصور وأخذ مقاطع فيديو. وحاولت البطة من جديد ان تجد لها مخرجا من المازق. ومن جديد لم تفلح. وحين استدارت حولها تمنت أن تصبح وعلا او ان يشعر شخص ما بما تعانيه من الألم والجوع ولسعات البرد الذى اصبح يزداد شدة ورعونة. اما الطفلة فهى في ذلك الوقت لم تزل تلوح بيدها المكسوة بالقفازة الصوفية وتضرب على الارض بالبوت الطويل الأنيق. وحين إقترب منها أحد الأطفال شدت بلوزة الصوف ذات اللون البنفسجى الغامق. كانت البجعة تراقب الموقف فنظرت إلى أحد الوعول الذي أشاح بوجهه بعيدا . طاطات البجعة راسها والاسى يجثو في عينيها



مسرعا وحذرا غادر الرجل العجوز مكانه وخطا بصعوبة حتى اقترب من الطفلة . حاول اقناعها ولما فشل اوقف جهاز الموسيقى. فى تلك الاثناء أسرع البعض وغادر المكان. ولان كل فرد كان مشغولا بنفسه فان البجعة لم تجد صعوبة فى الهروب نحو البحيرة. وحين انتبهوا أسرع كل منهم و إشترك في المطاردة، حتى الطفلة كانت تجري خلف البجعة. ولما انتبه الابوين وجدا ان طفلتهما فى خطر محدق اذ كانت تجرى بسرعة غير عابئة بأي شئ. وحين تمكن الأب من الامساك بها كان التعب قد أنهكه. مدت الام ذراعيها ووضعت ابنتها على صدرها و إحتضنها بقوة


لم يتمكن سوى رجال الاسعاف من الدخول إلى البحيرة لكى ينقذوا البجعة. وفى الوقت الذى كانت فيه دموع الفرح تبلل خدود الطفلة كانت الاسئلة تنهمر منها لتستفسر عن مصبر المسرح. وفى السيارة علمت من الأبوين ان المسرح لا محالة سيتم تدميره اما بدهس من الجموع الغفيرة التى جاءت لترصد ما حادث، او بفعل الطبيعة.

-



#محمد_مهاجر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كشف القناع .... قصة قصيرة
- حروبات القبائل ..... مأساة أخرى للحرب الأهلية في السودان
- شهاب ..... قصة قصيرة
- ليس لدى البشير ما يفتخر به
- لمياء .... قصة قصيرة
- صداقة ..... قصة قصيرة
- لا إنتخابات ولا تفاوض يقوي النظام
- أم أيمن ... قصة قصيرة
- بعض مشاكل تطبيق البنائية
- كرسى
- ارهاب من يحارب الفساد
- حول عدم جدية الحكومة السودانية فى محاربة الفساد
- عهد ... قصة قصيرة
- الفساد فى الاراضى والعقارات وغسل الاموال
- الجهادية والجنجويد والحروب الاهلية
- تحديات العمل الجماعى
- عن جرائم استغلال النفوذ فى السودان
- المسالة ليست اضافة سنة دراسية الى مرحلة الاساس
- فوضى مقصودة
- تخطيط اجتماعى ام تخريب للمجتمع


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مهاجر - وعل وبجعة