أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الشيخ - نكبة قاموس -جميلة أحمد يونس-














المزيد.....

نكبة قاموس -جميلة أحمد يونس-


وليد الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 4964 - 2015 / 10 / 23 - 20:56
المحور: الادب والفن
    


كبة قاموس "جميلة أحمد يونس"
وليد الشيخ

كلما جاءت ذكرى النكبة، أتذكر جدتي جميلة.
منها عرفت أن العسل واللبن لم يتدفقا من تلال قرية زكريا قبل عام 1948، وأن قن الدجاج ضمّ في أفضل حالاته أربع عشرة دجاجة، وأن كل تلك السنوات الثلاثين التي عاشتها جميلة في زكريا قبل النكبة، لم تكن أفضل أيام حياتها.
بيد أن جميلة "انتكبت" تماماً.
أُجبرت مع أهلها على ترك قرية زكريا، لتحط رحالهم جنوب مدينة بيت لحم، حيث أنشأت الأمم المتحدة مخيماً للاجئين على قطعة أرض استأجرتها "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (كما صارت تعرف) مدة 99 عاماً.
وكان على جميلة وأهلها أن يتدبروا أمورهم في المخيم أسوة بالآخرين، وعليها هي تحديداً أن تقف في الطابور النسائي الطويل لاستلام المؤن (علب سردين، طحين، سكر، رز، زيت).
هذه المؤونة كانت تثير حسد أهل قرى أرطاس والخضر، وحوسان ربما. وهي القرى المحيطة بمدينة بيت لحم.
انتكبت جميلة فعلاً.
اختلّ القاموس اليومي الذي كان لسانها قد اعتاده في زكريا، وسقطت منه مفردات وتشبيهات وأسماء، وازدحمت مفردات جديدة على لسانها في المخيم، وصار القاموس الذي تستخدمه يتشكّل وفق التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أصبح تداول كلمة "الكرت" (بطاقة المؤونة) مفردة لا مجال لنسيانها، جرت على ألسنة الناس، ودقق الناس في عدد الأنفار المدرجين على كل كرت، وعلى التوزيع العادل للموارد وعلى الأختام الواضحة ومواعيد التوزيع التي لا تُنسى. فيما سقطت أسماء من قاموسها مثل الدكران، والخابية، والتلم، والمكاثي.
ودرجت على لسانها كلمة "ساناتيشن" بتلقائية كما لو أنها قضت طفولتها عند تماثيل الطرف الأغر في لندن إلى أن ضمّ قاموسها الجديد كلمة البقجة. وهي على ما يبدو كلمة مأخودة عن الفرنسية Bagage، وتشير هذه الكلمة إلى ملابس كان يتبرع بها الأوروبيون من بلاد الشمال الباردة للاجئين.
وانتكبت أيضاً حين تنقّلت بين سجن الجفر وسجن بيت لحم منذ منتصف الخمسينيات لزيارة الأخ والابن.
فعلى التوالي، ودون أسباب موجبة على ما يبدو، قام إخوة جميلة وأولادها بالانضمام إلى التنظيم الشيوعي. وظلت تسألهم عن وجوه الرجال الثلاثة الملتحين في اللوحة الشهيرة التي كانت معلقة في الغرفة الضيقة قرب الشباك، تحت شعار "الماركسية - اللينينية راية العصر".
أنا حفيدها، كنت قلقاً على إسقاط اسم أنجلز، وبذلت جهداً للتعرّف على عالمه، وهذا موضوع آخر، لا يجوز مناقشته عند الحديث عن أمر ضروري كالنكبة. لكن تجدر الإشارة الى أن جدتي واظبت على تسمية ماركس باسم (ماكس) قالت: معلقين صورة ماكس عالحيط كأنه من بقية أهلكم!
إشارة أخيرة بهذا الخصوص، يمكن اعتبار جدتي صديقة للتنظيم، ففي بيتها خبأ الأولاد والبنات منشورات الحزب، وتحت نافذتها عقدت خلايا الطلاب اجتماعات عاجلة في أواخر الثمانينيات لمناقشة الموقف من أريتيريا (وهذا على كل حال ليس مجازاً) .
وعندما قرر الرب امتحان اللاجئين الفلسطينيين من 4 إلى7 شباط عام 1950، أنزل عليهم ثلجاً هائلاً وغزيراً، بكت جميلة طوال الليل وهي تساعد زوجها في التشبّث بعمود الخيمة كي لا تأخذها الريح أو تسقط عليهم الخيمة.
وستعلم تلك الليلة بالذات، أنها وزوجها وجيرانها وأهل قريتها لن يعودوا كما كانوا من قبل. سيتمكن منهم إحساس عميق بالقهر ورغبة صاخبة في أن تطلع الشمس، ولو مرة واحدة، من أية جهة عدا الشرق. ولتكن القيامة.
لكن القيامة تأخرت.
صار لجميلة أحفاد كثر، وصاروا مثلها لاجئين مسجلين على كرت المؤن.
ستبكي جميلة أياماً وليالي كثيرة، ولن تفهم أنها لن تعود الى زكريا مرة ثانية. لن تفتح باب القن للدجاجات، ولن تمسح العتبات الثلاث وترش في الظهيرة، فقط في الظهيرة، ماءً أمام البيت. ولن ترى تل زكريا مكللاً بالسنابل من جديد، ولن تذهب لزيارة قبور أسلافها ولا لملمة عظامهم من أراضي زكريا وحول تلها.
ولن يكون بمقدورها أن تنظر ناحية الشجرة في طريق البئر، حيث كان فتى زكريا ينتظر البنات، لينهضن من تحت الشجرة، فيذهب هناك ويمرغ جسده في التراب الحار المقدس الذي أدفأته أرداف بنات زكريا.
هذا الفتى أصبح لاجئاً أيضاً، وماتت جدتي دون أن تبلغني باسمه.
ربما يقرأ ذلك أحد أحفاده.



#وليد_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب
- على مدخل الكافيتيريا
- أسئلة الصباح
- أن يمر الحب الأول فجأة في السوبرماركت حاملاً حليباً خالياً م ...
- جسدان
- ريحانة
- السوريات
- البهجة
- جميلة
- السيدة صاحبة الاظافر المطلية
- الفرق بين طعم البندورة والحرية
- جمعة تموز الأخيرة في التحرير
- سوريا
- عن الطائرات التي مرت فوق بيت الولد الذي ورثه والده بلداً وشع ...
- شطب أوروبا عن الخارطة
- إشارات عن الثورة
- برقية عاجلة من بيت لحم الى ميدان التحرير
- رذاذ
- (حديث البنطلون)
- نساء قديمات يتعثرن في حشيش المخيلة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الشيخ - نكبة قاموس -جميلة أحمد يونس-