أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام عابد - المغرب البلقاني (الجزء الأول)















المزيد.....

المغرب البلقاني (الجزء الأول)


هشام عابد

الحوار المتمدن-العدد: 4954 - 2015 / 10 / 13 - 03:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مند العهود القديمة والمغرب المسكين يعيش بمختلف عناصره التي كان بإمكانها أن تكون مصدر قوته، يعيش بعناصر تبدو متنافرة وغير منسجمة وهذا ما جعل الفرنسيين خصوصا والعالم الغربي عموما يصفه بالمغرب العنيف أو التقليدي أو السائب، ويصفون نظامه ونمطه بالانقسامي.. إذ المغرب بهذه الهياكل المفككة المتلاشية لم يصمد أمام تصعيد القوى الغربية الصاعدة المتماسكة والقوية والجيدة التنظيم والمحكمة التخطيط، لم يصمد إذن المغرب في ضل حالة "الوضع القائم" Statu Quo، التي كان يعيش وعاش عليها منذ الانتصار التاريخي المدوي في معركة "وادي المخازن" حتى مطلع عهد الحماية. والذي جعل من المغرب موضوع مقايضات دولية تقرر جراءها مصيره عبر اتفاقيات أوربية-أوربية.
أمام التطورات التاريخية والحضارية الحاصلة بين ضفتي البحر المتوسط والتي أصبحت تسير لصالح تفوق الآخر الغربي، ومع المناوشات والتسربات الأولى التي بدأت تتدفق على السواحل المغربية بدأ الاحتكاك المباشر يحصل، خاصة مع اشتداد الضغط الاستعماري على مغرب نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20، الأمر الذي فضح التشويش والتشوه والتشرذم الذي كان يعيشه الكيان والوجود المغربي والذي لم تسمح القرون الممتدة منذ انتصار وادي المخازن التاريخي على أن تكون فرصة تاريخية مريحة وكافية بالاتجاه بالمغرب إلى دولة النظام والدولة المدنية والوطنية. ظهر هذا التشرذم جليا في وقعة إيسلي 1844م، وبعدها في حرب تطوان 1859-1860م، كما ظهر مع بداية التغلغل الأجنبي، وميل التجارة لصالحه، وتزايد الضغوطات على المخزن من أجل الإصلاحات، والمعاهدات المجحفة بمصالح المغرب، والإنزال السياسي والدبلوماسي الذي عرفته طنجة عبر "دار النيابة" وفاس العاصمة التاريخية للمغرب...
لقد فضح الضغط معدن المغرب لتلك الفترة؛ مغرب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والأوضاع المالية البائسة، وانتشار الاضطرابات والثورات في مختلف ربوع المملكة، واختلال النظام، وتدهور وانعدام الأمن، وظهور كاريزمات سياسية بديلة للحكم المركزي بتلاوين مختلفة؛ كالزرهوني الشهير ب"الروكي" و"بوحمارة"، والشريف أحمد الريسوني، والقايد المتوكي، والقايد الكندافي، والقائد العيادي الرحماني، والباشا الكلاوي، وكذا حالة عبد الحي الكتاني والشريف عبد السلام الوزاني...
هذا الواقع جعل المخزن العتيق يعيش بين مطرقة الضغوط الاستعمارية وسحب البساط من تحت قدميه داخليا، وأيضا بسبب مواقفه التي اعتبرت تخاذلا، هذا الفراغ السياسي الذي ملأته أطراف أخرى أصبحت تنازعه القرار والتصرف، كالقبائل والزوايا وبعض المغامرين من الباشوات والقواد الكبار، هذا يدعو للمقاومة والنفير العام، وذاك سلطان للجهاد على منطقته، وآخر يفاوض المستعمر باسمه وباستقلال عن السلطان، وآخر يقوم بثورته بالأقاليم الشرقية ويعقد اتفاقيات معدنية وتجارية مع الأجانب، وآخر باسم الشرفاوية والزاوية يسير الحشود ويوجهها حسب أهواءه وأهواء مصالح المستعمر... لم يكن هذا الواقع إلا أن يسير بالمغرب باتجاه معاهدة الذل والصغار على المغرب بفاس سنة 1912م.
إن الانسجام والتلاحم ضل يعتمل ويتبلور لقرون عديدة لكنه أصبح سريعا مع الفترة الاستعمارية وهو ما حدى بالسيد "ميلو" أن يقول عند احتلال وجدة والدار البيضاء والمقاومة التي لقيها الفرنسيون أثناء ذلك أن هذه الوضعية "أدت داخل المغرب إلى تهدئة المشاجرات المحلية وإلى تقارب عام، وأن التمييز السابق بين بلاد المخزن وبلاد السيبة قد اختفى، فالكتلة المغربية تشكلت من الناحية المعنوية". نفس الأمر يثير انتباهنا إليه علال الفاسي في كتابه "النقد الذاتي" حيث يتحدث عن الكتلة المعنوية التي عليها أن تتشكل على مستوى الأمة المغربية.
لقد ضلت المقاومات الأولى في تاريخ المغرب المعاصر معزولة عن بعضها البعض وفردية وقبلية رغم ما يجمع بينها من تكامل غير مباشر. حتى أوج المقاومة المغربية زمن جيش التحرير فإن اللحمة لم تكن لتكتمل بالصورة التي يكون فيها جيش التحرير المغربي غير مرتبط إلا بالوطن أكثر من الناحية أو القبيلة. والدليل على ذلك أننا نقول "جيش التحرير بالشمال و"جيش التحرير بالجنوب"...حتى أن محاولات توحيد صفوف جيش التحرير المتفرقة تحت قيادات متعددة، تحت راية قيادة موحدة، باءت بالفشل أو تعرضت للتقويض والإفشال بصيغة أصح، نظرا للعبة التوازنات وصراع القوى المتجاذبة سياسيا وعسكريا بمغرب مطلع الاستقلال. وما يقال هنا عن التحرير الوطني يقال في السياسة والذهنية الجمعية والهوية والانتماء والمجتمع وكل مناحي الحياة...
صحيح أن الاستعمار وعن غير قصد ساهم في توحيد الجبهة وجمع بعض المكونات لكنه أيضا رسخ مغربا مشوها ومفككا أضافه إلى التفكك والبلقنة التاريخية القديمة التي هي وليدة ونتاج تاريخ المغرب نفسه. الأمر الذي زاد من ترسيخه عهد الاستقلال الذي فشل في خلق مواطن، ودولة-وطن، وأمة مغربية وهوية مغربية.. كان سبب ذلك الصراع على السلطة والهاجس الأمني.. وهو الأمر الذي تناوله الباحث عبد الله بن المليح في كتابه الموسوم بـ "التاريخ السياسي للمغرب إبان الاستعمار –البنيات السياسية-"، متحدثا عن البنية الرسوبية التي تميز تاريخ المغرب السياسي.
إن الكثير من مآسي المغرب تنتمي إلى هذا الإشكال: تشرذم وتشتت والبلقنة التي يعرفها الكيان والوجود وحياة المغربي والمغرب. ولا أدل على مركزية هذا الإشكال هو القلق الفكري الذي كان لدى النخب المغربية التي كتبت عن مواضيع الإصلاح وهواجسه، فقد ركزت على تجميع ما شتته المستعمر والذي يجد جذوره في تاريخ المغرب أيضا، وما جاء الاستقلال إلا لتعميق جراح التمزيق وتعقيدها.
وها هنا في هذا المقال سنحاول وضع اليد على جراح المغرب وقضاياه الإصلاحية المعقدة ومحاولة تسليط الضوء على واحدة من أهم إشكالات المغرب المعاصر ألا وهي التشرذم والبلقنة التي تعرفها مختلف مكوناته على مستوى الدولة والمجتمع على السواء. منها التي تنتمي إلى تاريخه العميق، ومنها التي جلبتها حقيبة الاستعمار، ومنها التي رسخها مغرب الاستقلال بحساباته التي لا ينقصها الكثير من الفساد.

1- المخزن- السيبة:
أشهر عناصر الحرب والبلقنة وعناوينها التاريخية المشهورة لدى البادي والعادي وهي ثنائية "المخزن- السيبة". وهي مفردات مغربية لا مثيل لها في العالم تمثل طرفي أمة ما ألا وهما الدولة والمجتمع. الأول موسوم بالمخزن و له حمولة تاريخية تتسم بالقوة والشرفاوية أوالعصبية ومن مصطلحاته الدالة؛ البنيقة والمطمورة والمحلة والقياد والباشوات والمشاورية.. والثاني يشير إلى المجتع، المنقسم إلى "مرضي" و"مسخوط"؛ فالقبائل أو الجهات إما تسمَى بـ"بلاد المخزن" التي تحضى برضى السلطان وزبانيته وتساهم في الحروب بالرجال والمال والخيول وفيها ممثلون للمخزن لا يمسون. أو "بلاد السيبة"، "مساخيط" دار المخزن، المارقون، والخارجون عن الدين، أو الفتانون والذي يستحقون الحركة السلطانية و"التأديب" و"التدويخ" و "الأكل"..! حسب ما هو وارد في الكتابات التاريخية المعاصرة لتاريخ المغرب العتيق.
ضل المخزن عتيقا ومتحكما بطريقته التقليدية لقرون ومحاولات الإصلاح كانت محصورة و لا تراكمية ولم تنتج فارقا أو تغييرا بنيويا.
بينما ضل المجتمع إما مخزنيا مطيعا أو "سائبا" ثائرا، وضل رعاع ورعية، أوباش، حرطانيون ويهودي حاشاك وبربري ثم أمازيغي يُحتاط منه.

2- المشهد السياسي:
هذا يجرنا إلى الحديث عن المشهد السياسي ولما كان وضع الدولة والمجتمع كذلك، الأول بيده كل شيء والثاني يقدم كل شيء؛ يُجر إلى الحروب، والجبايات، ومحاصر بالفقر والأمراض والقحوط.. لم يكن ليشكل فيه غير العلماء موقفا قد يعتبر سياسيا من خلال تدخلات ومواقف تاريخية لبعض هؤلاء مع الحق ضد الباطل، وامتحن منهم العدد الكبير جراء ذلك. كما وبعض ثورات القبائل بقيادة زعمائها والتي اتخذت مواقف سياسية اتجاه تعسفات مسؤولين محليين أو قرارات مركزية مجحفة في حق تلك القبائل.
إلى أن وصلنا إلى العهد الاستعماري وتشكل أحزاب وصحافة وكتاب رأي.. إلى اليوم الذي أصبحنا نمتلك فيه أكبر عدد من الأحزاب بين دول العالم في بلد أكثر من نصفه مشلول بداء الأمية. في تعددية بلقانية رقمية فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع إلا جوع الفاسدين الذين يضمنون بذلك فساد البلاد وضمان تبوأها آخر المقاعد في ترتيب الأمم.
بلقنة عرفتها التجربة البرلمانية أيضا: حيث سارت التجربة في دستور 1962 بغرفتين، إلى دستور 1972 بغرفة واحدة، لتنتهي بدستور 1996 القائم من جديد على غرفتين. لا ندري لما تبذير وهدر المال العام، وهدر الزمن السياسي في ضل وجود غرفتين، ما دام المردود السياسي واضحا للعيان. كما وما دامت التخمة الحزبية بأزيد من 30 حزبا، والعزوف السياسي على الانتخابات واقعا يفضح كل شيء. أما آن الوقت لتصحيح هذا المشهد السياسي المتشرذم والحزين، ناهيك عن حكومة الانتخابات المزيفة والمطبوخة وحكومة الظل الملكية والتي يعرف الجميع أن بيدها الحكم والتحكم و في كل شيء.

3- التعليم:
ابن خلدون قال كلمته في التعليم ببلاد المغرب (الأقصى) ووضح أنه فاشل ويعتمد على الحفظ والذاكرة وكما هو معروف فقد تحصن التعليم في منطق فقهي ديني قلت فيه كل التخصصات والعلوم الأخرى لصالح علوم الدين، وحين حل الاستعمار ضيفا نقل التعليم من المسيد والحصير واللوح والفقيه.. إلى القسم والطاولة والسبورة والعلوم المختلفة "الله يكتر خيرو" لكنه عمل على تشتيت النظام التعليمي وبث السموم فيه، فجعل منه تعليما استعماريا أي حاول غسل دماغ المغاربة وجعلهم مرتبطين بـ"المتربول"،(وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد يثبت ذلك كثرة أبناء "ماما فرنسا" الذين يعتبرون فرنسا أما بالتبني، واللغة الفرنسية لغة الأنتلجنسيا والرقي والحداثة، وبالتالي خدمة مصالح فرنسا لا مصالح الوطن عن وعي أو غير وعي) ثم جعل منه تعليما طبقيا؛ مدارس الأعيان ومدارس العموم. وتعليما قبليا وعنصريا من خلال مدارس العرب والمسلمين، مدارس البربر، مدارس الفرنسيين.. (نفس الأمر مستمر عليه المغرب الآن مدرستان إحداهما عمومية خاصة بالفقراء والكادحين وأخرى خاصة بأبناء النبلاء وأبناء شعب الله المختار!).
إن اللعب بنظيمة التعليم هو من أخطر الأمور، ذلك أنها هي الآلة المسؤولة عن إعادة إنتاج البشر والفكر والنخب في دولة ما. جاء الاستقلال ووجد بين يديه التعليم التقليدي عبر الكتاب والمسيد، ووجد المدارس الحرة، والتعليم الفرنسي، والإسلامي، البربري، مدارس البنات، الإسرائيلي.. وأضاف إليه التعليم الخاص.
لم ينقد مغرب الاستقلال هذا الوضع بل زكاه وأغناه وتفنن في تقعيد وترسيخ هذا الوضع الشارد والمشتت للتعليم. ولم يفلح إلى اليوم في تنزيل المبادئ الرباعية الشهيرة: التعريب، المغربة، التعميم، التوحيد.. !؟ كما لم يفلح إلى اليوم في خلق مدرسة وطنية تضم الجميع.. بل التعليم في المغرب يسير إلى الطبقية وينتج نوعين من البشر: الحمالة وعمال النظافة، والمرشدين والفقهاء والمعلمين والأساتذة من جهة. وطبقة المهندسين والتيكنوقراط والأطباء والمهن السمينة من جهة ثانية. فالتعليم والعلم أصبح في المغرب "على قدر ما في جيبك" و"ليس على قدر كفاءتك"..! مما نتج عنه: تعليم عمومي رديء للدراويش، وتعليم خصوصي "كلاس" للميسورين.
ويظل التعليم هو "الطامة الكبرى" و"الملف الأكثر نتانة وخطورة" من بين الملفات لأنه هو الذي ينتج العلم ويتحكم في السياسة، ويحرك الإبداع والاقتصاد والاستثمار والتقدم والسياسة والأطر والنخب... فالتعليم هو الذي يصنع "الأمة"؛ فإما أن يجعلها أمة في مصاف الأمم الراقية والمتقدمة، وإما أمة تتبوأ الرتب الأخيرة في سلم البشرية كما هو حال تعليمنا المصنف جنبا إلى جنب مع الصومال والجيبوتي في وضح مخجل لأمة في حجم المغرب وتاريخه و حضارته.

4- الاقتصاد:
إذا سأل مغربي نفسه ما هو إسم الاقتصاد المغربي أو السياسة الاقتصادية المغربية؛ هل هو رأسمالي أم اشتراكي أم لبرالي أم "إسلامي" أم تأميم تقوم فيه الدولة بكل شيء أم ما ذا..؟ ماذا سيكون الجواب؟
الحقيقة أن الاقتصاد المغربي عاش تاريخيا على الريع منذ عهود تجارة القوافل والسكر والملح والذهب.. وتاريخ دوله المتعاقبة كان ولا زال مبنيا على ذلك إلى حد ما.
ومن غرائبه في الزمن المغربي المعاصر أن "حكومة اشتراكية" في زمنها وقعت واحدة من أكبر صفقات الخصخصة. التي أتذكر أن الجزء الأكبر من الصراع استحوذت عليه الكلمة نفسها هل "خصخصة" أم "خوصصة". وبينما كان النقاش الاصطلاحي واللغوي قائما كان المعنى يفعل فعله على أرض الواقع..!
تاريخ المغرب الاقتصادي المتواضع تلخصه المصطلحات التي تنتمي إلى هذا الواقع الاقتصادي مثل الصاكات والكرتيلات، والديوانات، بنوك دولية، شركات دولية، الديون الأجنبية والمديونية، والاقتراض، والمساعدات المالية من الدول الاستعمارية أو من دول الرفاه الخليجي والعربي، عملات لدول متعددة، نقود تسك في الدول الأجنبية، المحميون، المخالطون، تجارة السلطان، وتجار السلطان، وأغنياء الحرب...
هذا هو الواقع الهجين الذي ورثه المغرب، زكاه وقواه وطوره المغرب المستقل، موطدا علاقة السياسة بالمال، بشكل جعل من السياسة تفسد المال، والمال مفسدا للسياسة، في علاقة جدلية جعلها ترخي بأضرارها وظلالها على المشهد الاقتصادي وتكبله بالفساد ولا تتركه ينطلق ويتحرر في رحاب الحرية والديمقراطية والعدالة وتكافؤ الفرص وبالتالي تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية.
وبينما تساعد البورجوازية الانتهازية والتي تضع يدها في يد أصحاب الحال، فإن البورجوازية الوطنية حوربت وتحارب إلى اليوم.
وإذا كانت الدول تعرف اقتصاديا بهذه الجملة " MADE IN ….." فماذا عن "MADE IN MOROCCO.."..؟ اقتصاد الشمع والغاسول والصابون البلدي.. ! فقط الفساد هو الصناعة المغربية الرائدة والقوية على المستوى الدولي، ولو كنا نصدر الفاسدين لكنا واحدة من أغنى دول العالم بلا شك.

5- القضاء:
عرف المغرب خلال تاريخه نمط تسيير قضائي ينتمي إلى ما كان معمولا به في العالم الإسلامي، وذلك وفق خطة القضاء عبر القاضي وقاضي القضاة. لما كان لهم من مكانة في نظم الحكم ومراتبه خلال عهود الإسلام المزدهرة، إلى جانب ذلك عرف جزء كبير من هذا العالم الإسلامي ومنه المغرب ما كان يعرف بـ"العرف"، الذي ليس إلا مقابلا للشرع، تطور الأمر في الفترة الاستعمارية والتوغل الأجنبي إلى محاكم فرنسية، ومحاكم مختلطة، محاكم شرعية، ومحاكم العرف بالمناطق الأمازيغية، والمحاكم التجارية والقنصلية، ومحكمة دولية...
وإذا كانت الأدبيات السلطانية قد أجمعت في الزمن الماضي على أن "العدل أساس الملك". فما هو وضع العدل اليوم وعلى رأسه خطة القضاء..؟ تجيبنا الإحصائيات أنه يتربع على عرش الفساد والريادة في نسب الرشوة القياسية على باقي القطاعات. لم يوحد لا نفسه ولا الناس بين يديه، وحتى نقاباته المنبثقة منه حرصت الدولة على أن لا يكون بينها خيط ناضم بل اتجاهات وولاءات مختلفة تكسر عمل منظومة العدالة أكثر من خدمتها.

6- الأرض:
خليط بين أراضي؛ الملك الخاص، وأراضي في ملكية المخزن (بلاد المخزن)، أراضي الجماعة أو الجموع، أراضي الجيش، أراضي الحبوس، ما يعرف بالأراضي السلالية أو السلاليات... جاء الاستعمار لترسيخ نوعين من الإقطاع أراضي المعمرين والخونة، وأراضي الفلاحين الفقراء الذين سلبت منهم أجود الأراضي وأصبحوا "خماسة" و"رباعة" و"عطاشة" لدى الأسياد.
جاء الاستقلال ليكرس السيبة العارمة في سياسة الدولة مع القطاع الفلاحي، وطريقة تفويت الأراضي الفلاحية بأثمنة رمزية.
كما جاء ليكرس الفساد في قطاع العقار الذي أنتن وتعفن بسبب المضاربات العقارية والتفويتات والثغرات التي تشوب قوانينه ومراسيمه وظهائره الموروثة أو المحينة عن العهد الاستعماري الماجن...
أما "الفلاح المغربي المدافع عن العرش" الذي خلد ذكره الفرنسي "ريمي لوفو"، فقد تم إعفاءه من الضرائب لإسكاته، بينما تُرك العقار يأكله "المرتشون العقاريون" وليس "المنعشون العقاريون".

7- الضرائب:
عاش المغرب طوال تاريخه على وقع ضرائب هي "عقاب" أكثر منه "واجب وطني"، ضرائب بين شرعية عشور وزكواة.. وبين فرض وكلف وإتاوات مخزنية...
في الميدان المالي ولنقل الاقتصادي تجاوزا، وعلى إثر معاهدة مدريد 1880م، تقرر إحداث "ضريبة الترتيب" على الفلاحة. محاولة الترتيب الأولى هذه مع السلطان الحسن الأول(1836-1994م) التي مرت مرور الكرام.
محاولة الترتيب الثانية والتي سلطت عليها الأضواء أكثر كانت على عهد المولى عبد العزيز، مع مطلع القرن العشرين سنة 1900 و1901م، والتي جاءت متأخرة عن العهد الذي كان ينبغي أن تكون فيه، أي أنه كان على المصلحين المغاربة سلاطين وخبراء وإصلاحيين وعلماء أن يقترحوها ويسنوها في زمن المغرب المستقل خاصة الممتد منذ الانتصار التاريخي لـ"معركة وادي المخازن" إلى كارثة و"قعة ايسلي".
لم يقم المغرب منذ هاتين المحاولتين اليتيمتين بضريبة "ترتيب" جديدة ثالثة تكون "ثابتة" كما في المثل الدارج المغربي. أساسها توحيد كل الضرائب في "ضريبة مواطنة واحدة" حسب مداخيل المواطن المغربي الإجمالية وتكون لأجل التلفاز والبحث العلمي والتسلح والبنية التحتية والنظافة والنقل وصعود القمر أو المريخ ووو. وفي المقابل يطالب المواطن المغربي بعد تأديته لواجبه الضريبي الوطني بتحسين جودة القنوات الإعلامية والصحة والتعليم والبنية التحتية والمرافق العمومية وفرص الشغل...
إلى ذلك الحين "خلص عاد شكي"..!

8- العملة:
إلى اليوم وكحمولة تاريخية أروبا ب 26 دولة توحدت على "اليورو" والسانت ونحن في المغرب لا زلنا على البسيطة و الريال الداخلي والريال الشمالي، والدورو الريفي والوجدي في الشرق...
من شدة البلقنة التي تركنا عليها الاستعمار والتي زكاها الاستقلال كلها يلغي بلغاه في سوق أشبه ما يكون بلغة أهل برج بابل وسوق عكاظ. إنها رواسب العهد الاستعماري التي لم يستطع ماء وصابون الاستقلال تنظيفها وإزاحتها.



#هشام_عابد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية التي نريد..!
- ثقافة -الحملة- بالمغرب..؟
- العرب واللباس التقليدي..!
- البترول المغربي..!
- الملك داز.. جمعوا الطريق..!
- المغرب العميق...
- الساحات العمومية بالمغرب..؟
- شخصية المدينة المغربية..؟
- واقع المدينة المغربية..؟
- النظام السوري سقط..!
- حديث النخلات...
- التهمة: حرية التعبير..!
- الفايسبوك أوصحابو حتى دولة ما غلباتو..!
- المواطن الصحفي..؟
- المغرب أجمل بلد في العالم..!
- البورجوازية المغربية؟
- إيران في الأفق...
- الثورات العربية: الثابت والمتحول؟
- مغرب الزمن الضائع...
- الحرب عند كارل فون كلاوزفيتز من خلال كتاب -في الحرب-


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام عابد - المغرب البلقاني (الجزء الأول)