أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فيصل القاسم - محاكمة صدام على جريمة من وزن الريشة















المزيد.....

محاكمة صدام على جريمة من وزن الريشة


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 04:40
المحور: حقوق الانسان
    


لقد شعرت بإحباط شديد وأنا أصغي للبيان الذي تلاه المدعي العام العراقي ضد الرئيس السابق صدام حسين أثناء مداولات المحاكمة الأخيرة، لكن ليس تضامناً مع صدام بل مع الشعب العراقي الذي،على ما يبدو، صام ثم صام ليفطر على بصلة كما يقول المثل الشعبي. فقد قزّموا مظالمه إلى جريمة عادية جداً بالمقاييس العربية "الغراء".

كنت أتوقع أن تكون لائحة الاتهام بحق النظام العراقي السابق أطول من ملحمة جلجامش فإذ بها هزيلة هزالة المحكمة ذاتها. أين اختفت التهم الرهيبة التي كان يعلكها الإعلام العراقي الجديد ابتداء بالأنفال مروراً بحلبجة وانتهاء بالمقابر الجماعية؟ لماذا اختزلوا لنا كل الجرائم المزعومة بحادثة الدجيل؟ هل كانت مجرد هلوسات؟ هل اقتصر الظلم الذي ألحقه النظام العراقي السابق بالشعب العراقي على قتل مئة وثلاثة وأربعين شخصاً تآمروا لاغتيال صدام وتدمير المزرعة التي انطلق منها الرصاص على موكب الرئيس؟ ألم يتعرض الشعب العراقي المسكين إلى سلسلة فظيعة من الإرهاب النفسي والجسدي منذ جاء النظام إلى الحكم قبل أكثر من عشرين عاماً كما كان يزعم المعارضون؟ لماذا اختزلوا معاناة شعب بأكمله بحادثة بعينها؟ ألم يحدثنا العراقيون كيف كانت تتفنن السلطة الحاكمة بتعذيب العراقيين وإرهابهم؟ هل انتظر الشعب العراقي المغبون كل هذا الوقت كي يعاقبوا حكامه على جريمة من طراز خمس نجوم؟ فإما أن هناك تواطئاً أو أن العراقيين كانوا يخترعون جرائم من بنات خيالهم ثم ينسبونها للنظام زوراً وبهتاناً؟ وهذا ما تؤكده مجريات المحاكمة واقتصارها على حادثة يتيمة!! يا للدجل..عفواً.. يا للدجيل!

هل يعتقد الأمريكيون وأزلامهم في العراق بأنهم يستطيعون الضحك على الشارعين العراقي والعربي بمحاكمة صدام؟ لقد أدرك أبسط إنسان عربي بعد سماعه لبيان الإدعاء العام أن المحاكمة ليس هدفها أبداً معاقبة النظام السابق على جرائمه الفظيعة بحق الشعب العراقي، بل هي مجرد مسرحية استعراضية للاستهلاك الداخلي والخارجي وللتغطية على توحل المشروع الأمريكي في بلاد الرافدين وتخبط الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية، فهم لم يستطيعوا حتى الآن أن يؤمنوا للمواطن العراقي المسحوق لقمة خبز أو حتى ليتر بنزين في ثاني أغني بلد نفطي في العالم، ناهيك عن تأمين الأمن لأنفسهم قبل أن يؤمنوه للشعب العراقي، خاصة إذا ما علمنا أنهم محبوسون في المنطقة الخضراء، بينما ترفل عائلاتهم في نعيم لندن وباريس بعيداً عن مجازر بغداد اليومية وأنـّات معذبيها.

قد يستطيع الأمريكيون إرضاء غرور بعض الشيعة والأكراد العراقيين من خلال هذه المحاكمة الممسرحة والمدبلجة، لكنهم بالطبع لن يستطيعوا اقناع السواد الأعظم من الشعب العراقي أو الشارع العربي الذي يحلم فعلياً بأن يرى حكامه وراء القضبان عقاباً لهم ليس على جرائم هزيلة كتلك التي يُحاكم عليها صدام بل على كل جرائمهم التي تنوء بحملها الجبال.

كما أصبح معلوماً حتى لتلاميذ المدارس فإن الهدف من الغزو الأمريكي للعراق لم يكن بأي حال من الأحوال معاقبة النظام السابق على حكمه الطغياني وجرائمه الفظيعة بحق العراقيين وإنما جاءت المحاكمة كنوع من الإلهاء للشعب العراقي، فليس من المعقول أن يقوم صانعو الطغاة بالانتصار للشعوب المظلومة. بعبارة أخرى فإن المحاكمة ليست الأصل في المشروع الأمريكي بل هي مجرد فرع هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع أو مجرد جائزة ترضية من النوع السخيف. ولعل أحد أهم أسباب تركيز الإدعاء العام على حادثة الدجيل دون غيرها كان الهدف منه التغطية على جرائم النظام العراقي الضخمة التي اقترفها بمباركة وتواطئ أمريكي وإقليمي متورطة فيها شخصيات أمريكية وعربية على أعلى المستويات، وهي الأخطر والأكبر. فجريمة حلبجة إذا تأكد أن العراق اقترفها وليس إيران تدين ألمانيا التي جاءت منها المواد الكيماوية كما تدين فرنسا وأمريكا اللتين زودتا صدام بمصانع الأسلحة الكيماوية. أما المقابر الجماعية التي نتجت عما يسمى بانتفاضة الجنوب فقد كانت بمباركة أمريكية حيث غضت القوات الأمريكية الطرف وقتها عن طائرات الحرس الجمهوري العراقي التي ضربت المنتفضين. ولو أعُطي صدام الفرصة لتوضيح هذه الجرائم وغيرها لكان سجانوه أول المدانين ولانقلب السحر على الساحر.

إن أي طاغية عربي من وزن الريشة والذبابة يحترم نفسه سيهزأ بالتهمة الموجهة لصدام في حادثة الدجيل. فهل كل هذه الضجة العالمية على مئة وثلاثة وأربعين نسمة من القتلى؟ أليس قتل مئات الأشخاص هو عبارة عن "لعب عيال" بمقاييس الطغاة والمستبدين العرب أو أشبه بـ"فكة" بلغة الفلوس؟ إن قتل هذا العدد الضئيل من الناس لا يقبلها أي طاغية مبتدئ وهاو, فهذا إجحاف حقيقي وغير مقبول بطغاتنا الذين هم من فئة المحترفين دولياً ولا يرضي غرورهم إلا الأرقام الستالينية الفلكية من القتلى والضحايا. ثم يأتون في آخر النهار ليقولوا لك مائة وثلاثة وأربعين قتيلاً فقط لا غير، فهذا الرقم ممكن أن يكون وجبة "سناك" لعريف عربي, وليس لجنرال.

هل صدام حسين، بعد أن رست المحاكمة على قضية قتل واحدة، هل هو الزعيم العربي الوحيد الذي أزهق أرواح مائة ونيف من مواطنيه ودمر بعض المزارع كي يقف وراء القضبان؟ ألا تقوم أجهزة الأمن العربية في بعض البلدان بحرق مئات المزارع والبساتين بحثاً عن مشتبه بهم؟ ألا تتبع سياسة الأرض المحروقة التي تقوم على حرق المزراع والغيطان التي يختبئ بها المطاردون؟ ألا يدمرون مباني بكاملها فوق رؤوس أصحابها؟ لماذا لم نسمع عن ضرورة محاكمة الزعماء العرب الذي يعطون الأوامر لأجهزتهم الأمنية كي تحرق الأخضر واليابس تحت أقدام معارضيها والمتآمرين عليها؟ ألم يقم بعض الأنظمة بقتل مئات المساجين بدم بارد في أكثر من سجن عربي؟ ألم نسمع عن تدمير بلدات بأكملها فوق رؤوس أهلها في أكثر من بلد عربي؟ أليس ذلك أخطر بكثير من مجرد قتل بعض المتآمرين على النظام العراقي في بلدة الدجيل وغيرها؟ أليس هناك مقابر جماعية في أكثر من دولة عربية في المشرق والمغرب؟

كم قتل الحزبان الكرديان الديموقراطي والوطني من أبناء جلدتهما بشهادة نشطاء أكراد ثم انتهى الأمر بالطالباني رئيساً للعراق؟ ألا يتهكم العراقيون على فيلق "بدر" التابع لآل الحكيم المحضونين أمريكياً بتسميته بفيلق "غدر" لكثرة ما تلطخت أيادي عناصره بدماء العراقيين؟ هل يستطيع أحد أن يحصي الجرائم والبشاعات التي تقترفها ميليشيات القتل التابعة للأحزاب والعصابات العراقية الطائفية بحق معارضيها وخصومها العراقيين هذه الأيام، يتساءل آخر؟

ألم تتبع الأنظمة العربية الحاكمة سياسة جهنمية تقوم على ضرب المعارضين والمتآمرين على نظام حكمها بكل ما تيسر لها من همجية وبطش وتنكيل وتعذيب؟ ألم يقم أحد الزعماء العرب "المؤمنين" بتذويب معارضيه بالأسيد؟ هل هناك نظام عربي رحيم مع معارضيه؟ أين انتهت الجماعات التي حاولت اغتيال بعض الزعماء العرب؟ أليس وراء الشمس؟ هل نظام صدام هو الوحيد الذي بطش بخصومه وأذاقهم الأمرّين وبنا حكمه على أكوام من الجماجم والعظام؟ أم أن سحق "المتآمرين" على الأنظمة عن بكرة أبيهم "شيمة عربية أصيلة؟"

ثم هل يختلف الأمريكيون "حماة الديموقراطية وحقوق الإنسان" في العالم عن نظرائهم الحكام العرب من حيث البطش والتنكيل بمقاوميهم؟ إنهم يحاكمون صدام على معاقبة قرية الدجيل وتدميرها بسبب تآمر بعض سكانها على نظام حكمه. لكن ألم يفعل الأمريكيون أخطر منها بمئات المرات في العراق؟ ماذا فعل الجيش الأمريكي وأزلامه العراقيون في الفلوجة عندما تصدى لهم أهلها وحاولوا مقاومتهم؟ لقد سوّوها بالأرض، والله أعلم كم من المئات إن لم نقل الألوف قتلوا من سكانها؟ وكما هب سكان الدجيل ضد نظام الطغيان الصدامي هب سكان الفلوجة في وجه الطغيان الأمريكي ورأينا النتيجة.

لكن الأمريكيين تفوقوا بمرات على نظام صدام في التدمير والانتقام لما توفر لهم من قوة نارية جهنمية صهرت الناس والبيوت وحولتهم إلى سوائل كما شاهدنا على الانترنت. ماذا فعل الأمريكيون بالذين قاوموهم في تل أعفر والقائم والنجف وغيرها من المدن العراقية المقاومة؟ لقد وصل بهم الأمر إلى تدمير الصحن الحيدري والعبث بعشرات المساجد ناهيك عن تدمير مدن بأكملها فوق رؤوس أهلها لمجرد أن بعض سكانها "تآمر" ضد الغزاة؟

كنت أود أن أرى لائحة اتهام أطول بكثير ضد النظام العراقي السابق كي نصدق أن الأمريكيين وأتباعهم في "العراق الجديد" صادقون وجادون فعلاً في القصاص من صدام حسين وأمثاله، لكنهم، بتركيزهم على واقعة هزيلة كواقعة الدجيل، جعلونا نسخر من هذه اللعبة الدرامية المفضوحة كما جعلونا نطالبهم بأن يعاقبوا كل من قام بمثلها ويضعوهم في أقفاص أمام أنظار العالم لسهولة توفر الأدلة والمجرمين. لكنهم لن يفعلوا بالتأكيد لأنهم لن يجدوا ما يكفي من الأقفاص نظراً لكثرة المتهمين من عرب وأمريكيين.

وإذا كان هناك من رسالة في محاكمة صدام حسين بتهمة قتل مئة وثلاثة وأربعين متآمراً على نظام حكمه فإنها رسالة للحكام العرب الآخرين بأن يستمروا في جرائمهم بحق شعوبهم والله يرعاهم إذا كانت جرائمهم ستـُختزل في نهاية المطاف إلى قتل بعض المتآمرين. فإذا كانت جرائم صدام الديكتاتور الأكبر قد تم اختزالها بقتل مائة ونيف من معارضيه فإن لائحة الإدعاء العام (الأمريكي) بحق بقية الحكام العرب، في حال محاكمتهم، ستقتصر على اتهامهم بقتل ست نملات وصرصور وأبو بريص وأربع فراشات وثلاثة صيصان وتدمير أعشاشهم. وسلامتكم!



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يقلد الحاكم العربي ذكر النحل؟
- أمريكا والشارع العربي: متى تأثر الرعيان بثغاء القطعان؟
- إلى الأمريكيين: إذا أردتم تحسين صورتكم لدينا فلا تصغوا لأزلا ...
- هل يحق للسعودية أن تتباكى على العراق؟
- كاترينا... من صنع أيدينا!
- ديكتاتورية الخبز
- لماذا البكاء على عراق مُقسم منذ خمسة عشر عاماً؟
- سامحكم الله يا آباءنا الطيبين!
- ليس دفاعاً عن الانفصاليين...ولكن
- لماذا أصبحت العروبة شتيمة؟
- عندما ينقلب العُربان رأساً على عقب
- الغوبلزية الجديدة
- اللعبة الإعلامية من فيتنام إلى العراق
- لماذا أصبحت القاعدة اتهام -القاعدة-؟
- يا زمان الوصل!
- هل تحتاج المرأة العربية إلى تحرير؟
- فتش عن إسرائيل!
- اضغطوا بالمقلوب كي يتحقق المطلوب!
- نكاية بأمريكا سنبقى متخلفين!
- أنسنة الإعلام العربي


المزيد.....




- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فيصل القاسم - محاكمة صدام على جريمة من وزن الريشة