أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - نكاية بأمريكا سنبقى متخلفين!















المزيد.....

نكاية بأمريكا سنبقى متخلفين!


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1234 - 2005 / 6 / 20 - 06:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتحجج بعض الدول العربية التي تتعرض لضغوط داخلية وخارجية من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي تتحجج بما يُسمى "السيادة الوطنية" كي تتهرب من الإصلاح. ولعل أكثر ما يثير السخرية والضحك وحتى القرف في مواقف تلك الدول أنها مستعدة لإبقاء مجتمعاتها في حالة من الشلل والتخلف والتدهور والتفسخ فقط نكاية بالأمريكيين!! ومن أكثر ما يثير التهكم في الآونة الأخيرة أن بعض الأنظمة العربية رفضت مثلاً تحديث نظام الحكم وإدخال تعديلات ديموقراطية عليه وجعله عصرياً يتماشى مع الثورة الديموقراطية في العالم بحجة أن ذلك مطلب أمريكي. إن مثل تلك الدول كمثل الذي ينتحر كي ينتقم من عدوه أو كمثل الزوج الذي يقلع عينه كي يغيظ زوجته أو كمثل الجندي الذي يطلق النار على رجليه كي يثأر من قائد الكتيبة.

متى تدرك الحكومات العربية أن الإصلاح والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة ليست مطالب خارجية بل داخلية بامتياز وكان حرياً بها أن تتبناها وتضعها موضع التنفيذ قبل أن تستخدمها الدول الكبرى كفزاعة ترهب بها الأنظمة التي لا تسير على الصراط الأمريكي المستقيم. لا أدري لماذا نعطي الحجج لقوى الهيمنة كي تتدخل في شؤوننا ثم نبدأ بالشكوى من الضغوط الخارجية! لا أدري أيضاً لماذا نتشدق دائماً بمبدأ "سد الذرائع" الشهير في ثقافتنا العربية والإسلامية ثم نفتح الفجوات كي يتسلل منها القاصي والداني للعبث بقضايانا المختلفة؟ ألم يسمع حكامنا بالمثل الشعبي البسيط: "الشباك الذي يأتيك منه الريح سده واستريح"؟ أليس من السخف الشديد أن نتذرع بهمروجة القرار الوطني المستقل كي نزيد الطين بلة ونبقى نراوح في مكاننا؟

أليس من المحتمل أن تكون دعاوى الإصلاح التي ترفعها أمريكا وغيرها في وجه بعض الدول العربية حقاً يراد به باطل، أي أن تلك القوى المهيمنة تحاول أن تصور ضغوطها على بعض الدول على أنها متماشية ومتوافقة تماماً مع الضغوط والمطالب الشعبية الداخلية؟ لكن الهدف من ذلك التكتيك هو في واقع الأمر إجهاض الإصلاح. فبعض الأنظمة العربية التي تتحسس من الضغوط الأمريكية بشكل مفرط ستفعل في هذه الحالة العكس تماماً، أي أنها ستفرمل خطواتها الإصلاحية على اعتبار أنها مفروضة من الخارج. وبذلك يكون لأمريكا وغيرها ما أرادته ألا وهو وضع العصي في عجلة التطوير والتحديث. وهذا ما يجب أن تتنبه إليه الدول العربية التي تسير خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء على طريقة قائد الثورة البلشفية فلادمير لينين.

إذا كانت الأنظمة العربية المتخوفة من الضغوط الخارجية تريد أن تحبط التدخلات الأمريكية عليها أن تنفذ مطالب البيت الأبيض المزعومة في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي بحذافيرها، أي عكس ما تبتغيه الإدارة الأمريكية على مبدأ:"إلحق العيّار لباب الدار". وكي لا يظن البعض أننا نشكك في النوايا الأمريكية بخصوص الإصلاح في العالم العربي زوراً وبهتاناً أود أن أحيلهم إلى ما قاله أحد الاستراتيجيين الأمريكيين قبل فترة في تحذير موجه إلى إدارة الرئيس بوش حيث ذكرّها بمثل صيني شهير يقول: "إحذر! قد تحصل على ما تريد". بعبارة أخرى فإنه يشكك في نوايا البيت الأبيض حول الإصلاح:"هل أنت متأكد تماماً أنك تريد تحديث الدول العربية ودمقرطتها؟" ومن ثم يحذره من أن مطالباته بالديموقراطية في العالم العربي قد تتحقق إذا أصر عليها، لكن آثارها ستكون وخيمة جداً على الأمريكيين لأسباب يعرفها القاصي والداني وأولها أن صناديق الاقتراع قد تحمل إلى سدة الحكم أحزاباً وجماعات تكره الأرض التي يمشي عليها الأمريكيون.

لقد بات الوضع ملحاً جداً كي تفصل الحكومات العربية بين الضغوط الخارجية والضرورات الوطنية. ألا تتوق الشعوب العربية وتصلّي ليل نهار كي تتخلص من نير الأنظمة الشمولية التسلطية التي دمرت الزرع والضرع وحولت الأوطان إلى "سكراب" سياسي واقتصادي؟ أليس التحرر السياسي والاجتماعي مطلباً شعبياً عربياً بامتياز؟ إن الإصلاح حاجة وطنية داخلية، ضرورية وملحة، لم تعد تقبل التأجيل، ولا يُختزل إلى عمليات ترميم وترقيع جزئية ومحدودة الأثر في هذا القطاع أو ذاك، ولا يجوز النظر إليه والعمل في سبيله بدلالة نقيضه: إما مع أمريكا وإما مع الاستبداد التي تفصم العلاقة الضرورية بين الديموقراطية والوطنية، فتضع الديموقراطية في صف أمريكا والوطنية في صف الاستبداد. أليست معادلة مؤلمة وغبية جداً فى آن معاً؟ لقد آن الأوان لأن نخرج من هذه التوليفة السخيفة التي ألحقت ببلداننا أضراراً فادحة ومواجهة الواقع بموضوعية وذكاء متى تدرك تلك الدول التي ترفض التحديث إغضاباً للأمريكيين أنها لا تزعجهم قط بل تنال من نفسها وتجعل أنظمتها وبلدانها عرضة للانهيار أمام غطرسة اليانكي؟ إن كل يوم يمر من دون إصلاح حقيقي يزيد في تفاقم الأوضاع ويعجل في تصدّع الأنظمة والأوطان معاً. ولا أعتقد أن أمريكا ستكون منزعجة فيما لو حصل الانهيار خاصة وأنها ساعدت على حدوثه في العراق.

إن الطريقة المثلى لإغاظة الأمريكيين لا تكمن في التشبث بالسلطة من أجل السلطة وإبقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية العربية المتردية على حالها بل في تصحيحها وإصلاحها. وصدقوني فإن أنجع وسيلة للنيل من "الأعداء" تتمثل في عمليات الإصلاح المستدام وتحديث الأوطان بشكل دائم كي لا تبقى في مؤخرة الأمم كما تـُظهر معظم تقارير التنمية البشرية الدولية. إن الديموقراطية أفضل وسيلة لمقارعة أمريكا وأن الاستبداد أفضل هدية نقدمها لأعدائنا.

إن "أعداءنا" لفرحون جداً عندما يرون أن هذا النظام العربي أو ذاك يركب رأسه ويرفض الإصلاح ويقوم بمجرد عمليات ترقيع سخيفة لأحواله السياسية والاقتصادية. إن أكثر ما يزعج المتربصين ببلداننا هو أن نقوم بنهضة سياسية واقتصادية واجتماعية صادقة وشاملة. ولعلكم تذكرون عبارة رئيسة وزراء إسرائيل الشهيرة غولدا مائير عندما قالت: "إنني سأخشى على إسرائيل من العرب عندما أراهم يصعدون إلى الباصات كل حسب دوره". واعتقد أنه من الضروري جداً ألا ننظر إلى مقولة مائير على أنها مجرد انتقاد بسيط لفوضوية الإنسان العربي بل على أنها تلخيص عميق لمحنة الشعوب والأنظمة العربية. فالذي تقصده رئيسة وزراء إسرائيل السابقة أن معظم الدول العربية تسير بلا نظام. وكل ما يتراءى لنا من هيئات ومؤسسات ومجالس عربية ما هي إلا ديكورات فارغة لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون.

إن استبدادنا وتخبطنا السياسي والاقتصادي وفشلنا في ضبط مواردنا وصيانة ثرواتنا وتثقيف شعوبنا هو أحد وجوه غياب النظام الذي قصدته مائير. وإذا كان هناك من نظام في بلادنا العربية فإنه نظام اللانظام باستثناء الجهاز الأمني، فهو المؤسسة الوحيدة التي تعمل بنظام وانتظام رائعين. أما بقية المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية والاجتماعية فهي تسير بنفس الطريقة التي يتدافع فيها العرب للركوب في الحافلات. بعبارة أخرى طالما أن أنظمتنا تحكم بلدانها خبط عشواء على مزاج هذا الزعيم أو ذاك أو هذا الحزب أو ذاك وتقود أوطانها كالقطعان فإن الأعداء القريبين والبعيدين لن يخشوا على أنفسهم منها وهم سعيدون بوجودها.

إن ما يحصن الأوطان ليس العسس والجلاوزة وجحافل الأمن والجلادون ولكن سيادة قيم المواطنة والحرية والعدل وتكافؤ الفرص والمساواة والكرامة الإنسانية. وبالتالي بدلاً من التحسس الهستيري من الضغوط الأمريكية المزعومة على أنظمتنا الحاكمة أن تبادر إلى تنظيم مجتمعاتها وإنقاذها من ربقة التسلط والقمع والأخذ بملاحظات الآخرين لا بنبذها على أنها إملاءات خارجية وذلك كي تجعل غولدا مائير وشركاءها يحسبون ألف حساب لتلك المجتمعات بدلاً من التندر بتخلفها وفوضويتها. وإذا كانت أمريكا تريد لنا الإصلاح فعلاً فأتحداها أن تضغط على حكوماتنا بالمقلوب، أي أن تحضها على التمسك باستبدادها وشموليتها البغيضة لعلها تفعل العكس من منطلق "حماية القرار الوطني المستقل"، هذا إذا كانت بعض أنظمتنا صادقة فعلاً في تعللاتها وحججها ولا تستخدم همروجة "السيادة" للتهرب من الإصلاح والتشبث بالسلطة حتى لو دمرت البلاد وداست العباد. وهذا هو موضوع مقال الأسبوع المقبل.



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنسنة الإعلام العربي
- السلام الدائم شعارٌ يصلح لأبواب المقابر
- السلاميون العرب الجدد:مغفلون أم يستغفلون؟
- باي باي مناشير
- إعلام تدجيني Counter-Revolutionary
- الروتين تنكيل منظم بالشعوب العربية
- عندما يصبح -الشعب- خطراً على الديموقراطية والعالم
- تنازل أكثر تحكم أطول!
- كم أنتِ ناكرة للجميل أيتها الصهيونية!
- الانطفاش الإعلاماواتي الحنكليشي
- الحرس القديم .... يادادا
- الحاكم العربي وعُقدة كوريولانوس
- تدويل العرب!
- بلادي وإن جارت علي لئيمة!
- فيفا أوكرانيا...فيفا أوكرانيا!
- الصفر الوطني والصفر الاستعماري
- باي باي إصلاحات
- متى نتخلص من عقدة القائد التاريخي


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - نكاية بأمريكا سنبقى متخلفين!