أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الحرس القديم .... يادادا















المزيد.....

الحرس القديم .... يادادا


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1192 - 2005 / 5 / 9 - 07:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثر في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح «الحرس القديم» خاصة في الدول العربية التي تحاول الإصلاح والانتقال من عهد إلى آخر. والمقصود بهذه التسمية كبار المسؤولين الذين شبّوا وشابوا في العمل السياسي وقيادة الدولة ولا يريدون التزحزح من مناصبهم كي يعطوا الجيل الصاعد من السياسيين فرصة للنهوض بالبلاد. ومن أكثر التهم التي توجه إلى أولئك المسؤولين أنهم "دقة قديمة" تحاول عرقلة الإصلاح والإبقاء على الوضع الراهن. وقد غدا هؤلاء في الكتابات الصحفية رمزاً للتحجر وإعاقة التحديث بمختلف أشكاله الإدارية والسياسية والاقتصادية. لا بل إن البعض يحمـّلهم المسؤولية عن حالة الجمود التي تلف البلاد.

لا أريد أن أقول إن "الحرس القديم" في أي بلد عربي متهم زوراً وبهتاناً بوضع العصي في عجلة التطوير، فهو مسؤول إلى حد ما عما وصلت إليه الأوضاع من تدهور وانهيار من خلال تواطئه مع صناع القرار الحقيقيين، لكن، بعد أن نعرف مدى ضعفه وعدم تأثيره سابقاً ولاحقاً، نجد أنه بالتأكيد مظلوم إلى حد كبير ولا يتحمل إلا قسطاً بسيطاً جداً من المسؤولية عن الفساد السابق والحالي ومن ثم تعثر وجمود الحركة الإصلاحية. وأعتقد أن وسائل الإعلام وربما الجهات التي تعرقل الإصلاح فعلاً هي التي تحاول تركيز الأضواء على المسؤولين الذين شاخوا في مناصبهم وتحملـّهم مسؤولية المراوحة في المكان كي تبعد الأنظار عن نفسها وتخلط الأوراق "وتضيع الطاسة"، هذا إذا كان هناك أصلاً طاسة، بحيث يصبح الحديث عن معوقات الإصلاح وشجونه أكثر تداولاً من الإصلاح نفسه.

لقد درجت الأنظمة العربية على تحميل الأنظمة التي سبقتها كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي وأن الجيل الجديد من الحكام يصارع جاهداً لإعادة الأمور إلى جادة الصواب وإصلاح الخراب الذي ورثه من الفاسدين السابقين أو القدامى، حتى لو كان قسم كبير من الجيل القديم عاد ليخدم تحت إمرة الجيل الجديد، مع العلم أن التاريخ علـّمنا مثلاً جميلاً وهو "ما بتعرف خيرو حتى تجرب غيرو". فما الفائدة أن تستبدل فاسداً قديماً بفاسد جديد؟ إنها لعبة مكشوفة وسخيفة لا يمكن أن تنطلي على أحد ولا أعتقد أن مثل هذه الهمروجات المبتذلة يمكن أن تنجح في تلميع صورة القادمين الجدد، وهو الهدف الأول والأخير من تداولها أصلاً. ويجب ألاَّ تفاجأوا إذا قلت لكم إن ما يُسمى بالحرس القديم في هذا البلد العربي أو ذاك هو مجرد كبش فداء ولا يتمتع بتلك الأهمية أو ذلك التأثير اللذين يريد البعض أن ينسبهما إليه كي يحمـّله وزر الانهيار السياسي والاقتصادي الذي حل بالبلاد وإبقاء الأمور على حالها.

نحن نعلم أن الزعيم العربي في كثير من الدول هو الكل بالكل. هو راعي الرياضة والرياضيين والفلاحة والفلاحين والزبالة والزبالين والصناعة والصناعيين والنحت والنحاتين والكهرباء والكهربائيين والفن والفنانين والشحاذة والشحاذين واللحم واللحامين، إلى آخر الأسطوانة المعروفة. وهو كذلك فعلاً بحيث لم يترك لأحد أن يدلو بدلوه في أسخف القضايا. ولا تغرّنك الألقاب الكبيرة التي يحملها كبار المسؤولين المحيطين بالزعيم في ذلك النوع من الدول العربية، فهي ألقاب فارغة في كثير من الأحيان. وأستطيع أن أؤكد أن هؤلاء المسؤولين "العظام" يخافون من ظلهم ولا يستطيعون أن يعترضوا أو يشاركوا في أي قرار يتخذه القائد "التاريخي" وربما لا يستطيعون التحكم بوظائفهم الفيزيولوجية كما كان يحدث لأزلام صدام حسين وأمثاله عندما يكونون في حضرة الرئيس. وقد نجح عادل إمام نجاحاً باهراً في تصوير هؤلاء الإمّعات في مسرحيته الشهيرة "الزعيم" التي يظهر فيها كبار المسؤولين أمام الزعيم مرعوبين، لا بل إن بعضهم بلل سرواله من شدة الخوف من "سيادته". بعبارة أخرى فهم ليسوا أكثر من "كومبارس" بلغة التمثيل أو "شناكل" أو "عليـّقات" كالتي نضع فيها مفاتيح السيارة في اللغة الدارجة، وليسوا مساهمين في صناعة القرار السياسي والاقتصادي وحتى الفني أو الزراعي أو الصرف الصحي إلا بنسب قليلة جداً كي لا نـُتهم بالتعميم والمبالغة. إنهم تماماً كأحزاب المعارضة الشكلية السخيفة التي تخلقها أجهزة المخابرات في الدول العربية كي تعطينا انطباعاً بأن البلد فيه ديموقراطية وتعددية حزبية. فكلنا يعرف أن ما يُسمى بالهيئات الشعبية والأطر القيادية والمؤسسات الحزبية المزعومة في الكثير من البلدان العربية ليست أكثر من هياكل فارغة حتى لو حملت أفخم التسميات والأوصاف. وقد اعترف أحد "كبار" القياديين الحزبيين أن صدام حسين مثلاً اتخذ قرار الحرب مع إيران وغزو الكويت دون أن يستشير ما يُسمى بالقيادتين القطرية والقومية. وقد حدثني أحد العارفين ببواطن الأمور في إحدى الدول العربية أن "القياديين الكبار" المزعومين كانوا يلتفون حوله كالملهوفين عندما يزورهم في مقرّهم ويستجدونه كي يخبرهم إن كانت هناك تغييرات قادمة في البلد وكأن على رأسهم الطير كالأطرش في الزفة. وقس على ذلك! لا قيمة في الكثير من البلاد العربية الشمولية إلا للقائد الأوحد الذي يبتَّ في كلَّ شيء من شراء البسطار إلى تعيين الطيار. وبالتالي فإن الذين يعزون تعثر الإصلاح في بعض الدول العربية إلى "الحرس القديم"، حزبياً كان أو عسكرياً أو عقائدياً، هم كاذبون وأفـّاقون.

كما أن إعطاء كبار المسؤولين المحيطين بالقائد ألقاباً وتسميات فخمة كان أمراً في غاية السهولة فإن تجريد هؤلاء "العواجيز" من مناصبهم وإحالتهم إلى التقاعد أمر أسهل من شرب الماء هذا فيما لو كانوا مسؤولين فعلاً عن تعكير الأجواء على الإصلاحيين المزعومين الجدد. لكنهم بالتأكيد لا قيمة كبيرة لهم. بعبارة أخرى فإنهم لم يكونوا مؤثرين في العهد السابق كي ينتقل تأثيرهم إلى العهد الجديد. وقد وصفهم أحد المتهكمين ذات مرة بأنهم أشبه باللازمة الشعرية في الأغاني الشعبية. أي أن لا محل لهم من الإعراب إلا ربما في محل مجرور أو مفعول به، فهم لضرورة القافية كي ينتظم الوزن الغنائي. ولعل الأغنية الشهيرة "رف الحمام" توضح ذلك، إذ تقول الأغنية: "رف الحمام مغـّرب يا دادا، مجوز ولاّ فرداوي يا دادا." إن الحرس القديم أشبه بلازمة "يا دادا" في الأغنية المذكورة.

لقد اعتادت دوائر الاستخبارات كما هو معلوم ومحسوس أن تستعمل مايسمى بالحرس القديم كشماعة مسبقة الصنع لتلميع صورة القائد الرمز الذي لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من أمامه بإظهاره بصورة من الورع والطهر والاستقامة وأنه لولا الحاشية والبطانة لكانت الأمور على مايرام، أو حين حلول الأزمات ووصول الأمور إلى مراحل الكوارث والنكبات، فيما رضي هؤلاء بالقيام بدور الكومبارس السياسي مقابل إطلاق الأيادي والسيقان في ماراثون نهب الأوطان واستباحة مؤسسات القطاع العام. لكن أفراد ذلك الرهط ليسوا أكثر من شهداء زور عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاستراتيجية والقيادية الحساسة، فلتلك القضايا أناس غير أولئك الذين نشاهدهم على شاشات التلفزيون وهم يقصّون الشريط الحريري. بعبارة أخرى فإن الأقوياء الحقيقيين الذين يأخذ الزعيم برأيهم وتوجيهاتهم ونصائحهم وتقاريرهم هم رجال الظل أو بالأحرى رجال الأمن والاستخبارات والأقرباء المقربون، فهم رجال الدولة الحقيقيون في العديد من الدول العربية. ولا داعي للقول إن أصغر رجل أمن في بعض الدول العربية العتيدة يساوي من حيث القوة والنفوذ تسعين وزيراً وخمسمائة وثمانية وعشرين عضواً في الحزب الحاكم ومئتي قيادي ناهيك عن ألوف الموظفين ورجال الشرطة. هل يـُعقل أن "كبار" المسؤولين السياسيين في بعض الدول العربية يهرولون مسرعين لتهنئة ضابط يرأس قسماً بسيطاً في وزارة الداخلية على ترقيته إلى رتبة أعلى وهم يحملون باقات الزهور والبخور؟ كيف لا والمسؤولون عن الأجهزة هم الذي يختارون الوزراء "والأعضاء القياديين الظاهرين" بينما لا قيادة في الواقع إلا للقائد "الضرورة" والقوى الخفية والمقربة التي يحضنها وتحضنه.

إن المشكلة إذن لا تكمن في وجود أربعة أو خمسة مسؤولين مسنيّن ينتمون إلى العهود السابقة في حكومة أوقيادة أي بلد عربي، بل في طبيعة النظام السابق واللاحق ذاته. بعبارة أخرى فإن الحرس القديم ليس اثنين أو ثلاثة أشخاص فوق السبعين يحتلون مناصب رفيعة في أعلى النظام، بل هو ذلك المحفل المصغـّر الحاكم الذي ظل يعمل بنفس الطريقة القديمة مع تغير فقط في الواجهة. إنه نظام تحالف الحرسَين القديم والجديد في ائتلاف الاستبداد والنهب والفساد والمافيات. إن القيد الذي يمنع الإصلاح ويشله إذن ليس اثنين أو حتى عشرة من الجماعة الهرمين في أعلى الهرم، بل الأمر يخصّ النظام ذاته والدائرة الضيقة جداً التي تديره والتي تستخدم بعبع ما يسمى بالحرس القديم كستار لإبعاد التهمة والأضواء عن نفسها. فالطلاق لم يحصل قطّ بين النظامين القديم والجديد في الكثير من البلدان التي تدّعي الإصلاح كي يكون هناك حرس قديم وآخر جديد، بدليل أن بعض الأنظمة رفعت شعار "الاستمرارية" والبناء على الموجود للتأكيد على أن لا انفصال عن العهود السابقة. وقد قرأت أن أحد الحكام العرب يصر على حماية بعض كبار الفاسدين المتنفذين لأن الزعيم السابق قد أوصى برعايتهم قبل مماته ليصبحوا أمانة في عنق العهد الجديد. والأنكى من ذلك أن ذرية الحرس القديم المزعوم في بعض البلدان بدأت تلعب نفس الأدوار التي لعبها آباؤها في الماضي والحاضر، أي دور الكومبارس السياسي والعسكري، مما يعني أن بعض الأنظمة "الجديدة" راحت تعيد انتاج الأنظمة السابقة وتسنتنسخها حتى بأشخاصها. وهذا ينفي نفياً قاطعاً نظرية الحرس القديم الذي يعرقل الإصلاح.

إن المؤسسة الحقيقة الوحيدة التي صنعتها أنظمتنا العربية وباستطاعتها الصمود والبقاء، جاء من جاء وذهب من ذهب، هي مؤسسة الديكتاتورية والفساد، فهي التي تعرقل الإصلاح وتشد البلاد والعباد إلى الوراء خدمة للمتحكمين والمسيّرين لتلك "المؤسسة" والممسكين الحقيقيين بزمام الأمور وليس الحرس القديم المزعوم الذي اعتاد أن يخرَس ولا يحرُس. وإذا كان يحرس فعلاً فهو حارس ذليل يخدم عند مستأجريه أصحاب الشأن الأصليين. بعبارة أخرى لا يوجد حرسان متصارعان، هناك فقط حارس وحيد أوحد (جل مقامه)يقف على بوابة الأوطان المنكوبة يسمح بالتنعم لمن يشاء، ويمنع نعيم السلطان عمن يشاء، وهو يرفع ويذل من يرضى عنهم من الرعايا البؤساء. يا دادا!



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحاكم العربي وعُقدة كوريولانوس
- تدويل العرب!
- بلادي وإن جارت علي لئيمة!
- فيفا أوكرانيا...فيفا أوكرانيا!
- الصفر الوطني والصفر الاستعماري
- باي باي إصلاحات
- متى نتخلص من عقدة القائد التاريخي


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الحرس القديم .... يادادا