أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - متى يقلد الحاكم العربي ذكر النحل؟















المزيد.....

متى يقلد الحاكم العربي ذكر النحل؟


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 05:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد وضع محمد حسنين هيكل يده على الجرح عندما قال في أحد تعليقاته الأخيرة ما معناه إن الحد الأقصى الذي يمكن لأي زعيم في هذا العالم أن يمضيه في الحكم يجب أن لا يتجاوز العشر سنوات لأن للبشر قدرة محدودة على التحمل فيزيولوجياً. فبعد هذه الفترة يكون القائد قد استنزف جسدياً وعقلياً من الناحية الصحية ولن يعود قادراً على الانتاج السياسي." مش معقول يعني حرام، حرام" أن يستمر على رأس السلطة رأفة بحاله وحال البلاد.

ولا أدري ماذا كان سيحصل للولايات المتحدة الأمريكية مثلاً لو لم تكن دولة ديمقراطية تتناوب فيها الأحزاب والرؤساء على السلطة. فكلنا يعرف مثلاً أن الرئيس الأمريكي الشهير رونالد ريغان قد أصيب قبل خروجه من السلطة بمرض "ألتسايمر" الذي يُفقد الإنسان ذاكرته ويحوله إلى شخص خرٍف يهذي طوال الوقت. وهذا ما حصل للرئيس بالضبط عندما بدأ يقول أشياء ثم ينسى أنه قالها قبل دقائق. ولو لم يكن هناك تناوب على الحكم في أمريكا لظل الرئيس ريغان حاكماً شاء من شاء وأبي من أبي حتى لو كان يعاني مرض الخرف ولا يعرف " كوعو من بوعو" ولاستطاعت حاشيته أن تتستر على خرفه وأن تحجب مرضه عن أنظار ومسامع الشعب الأمريكي لأعوام وأعوام. وهذا أمر في غاية السهولة في البلدان العربية. فكم من الزعماء الذين نفد زيتهم وماتوا وشبعوا موتاً لكنهم ظلوا يحكمون.

هل ننسى أن أحد القادة العرب كان يوقع بعض القرارات والمراسيم وهو على فراش المرض. وقد روى بعض وزرائه أن زعيمهم كان يبلل ثيابه معظم الوقت بعد أن فقد القدرة على التحكم بوظائفه الفزيولوجية بحكم المرض والتقدم الشديد في العمر. لكنه مع ذلك أبي إلا أن يسّير الدولة ويحكم إلى آخر قطرة من.....

لقد أدرك العالم الديمقراطي والمتقدم تلك الحقائق الفيزيولوجية البسيطة منذ زمن بعيد وراح يؤكد لا بل يصر على تداول السلطة وتجديد دمائها كل أربع سنوات أو على الأكثر كل خمس سنوات، فإدارة الدول ليست هواية أو تسلية أو ضربة حظ أو ودع، بل مهمة في غاية الخطورة والمسؤولية. ونظراً لذلك فهي يجب أن تكون محكومة بقوانين وأقانيم علمية وزمنية محددة. لا عجب إذن أن أخضع الغربيون العملية السياسية للتجربة والبرهان. لقد راح الغرب يلجأ إلى الحلول والتطبيقات العلمية حتى في السياسة. فالعمل السياسي عندهم مثل البحث العلمي تماماً يجب أن يبقى حياً وأن لا يتوقف ويتحجر عند حد، لا بل ينبغي أن يخضع لمزيد من البحوث والتطوير والتبديل والتغيير، فالتجارب العلمية تتقدم دائماً ولا تثبت في مكان.

وبما أن السياسة في الغرب هي علم قائم بحد ذاته وليست مجرد اجتهادات عسكرية ومذهبية وقبلية وعشائرية وبدوية وتجارب شخصية صبيانية فإنها متطورة دائماً. ولعل أبرز مظاهر التطور والتجدد فيها البرامج الانتخابية المستدامة التي تتقدم بها الأحزاب المتنافسة على الحكم والتداول على السلطة وتغيير نواب الشعب ووضع استراتيجيات جديدة لكل دورة حكم بحيث يكون النهوض بالبلاد مستداماً أيضاً. وهناك قوانين لا تسمح للحاكم الغربي أن يتجاوز فترتين رئاسيتين على أن لا تتجاوز الواحدة أربعة أعوام وعلى الأكثر خمسة. وقد عمد الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى تقليل مدة الرئاسة مع العلم أن الزعيم الغربي ليس أكثر من عزقة في آلة كبيرة اسمها الدولة المؤسساتية التي تسيّر ذاتها بذاتها ولا يتمتع القائد فيها بذلك النفوذ الخرافي الذي يتمتع به الزعيم العربي، بينما يصدر "قادتنا المحمّضون" الفرمان تلو الآخر كي يحكموا إلى ما شاء الله.

ولو كان لدينا دولة مؤسسات تسيّر نفسها بنفسها بدون تدخل وجهد كبيرين من رئيس الدولة لقلنا له لا مانع من أن تبقى في السلطة عشرين عاماً بدل عشرة كاستثناء، لكن المشكلة أنه ليس لدينا دولة مؤسسات، فكل عجلات الدولة مربوطة إما بالبلاط أو "المخزن" أو القصور الجمهورية بما فيها مصلحة الصرف الصحي والمزابل الوطنية.

ليس لدينا أدنى شك بأن بعض الزعماء العرب جاء إلى السلطة بأفكار وبرامج ومشاريع ورؤى يريد تطبيقها. لكن المشكلة أنهم أخذوا وقتاً فلكياً لتنفيذ برامجهم السياسية التي كان معظمها وبالاً على الشعوب. ومعروف أن الأحزاب التي تحترم ذاتها تضع لنفسها فترة حكم واحدة لتطبيق برامجها لا تزيد على أربعة أعوام ثم يأتي غيرها لينفذ برامج أخرى. أما عندنا فلا مانع أن يأخذ الحاكم خمسين عاماً كي ينفذ مشروعه السياسي هذا إذا كان لديه مشروع أصلاً، وإذا لم ينجز المشروع فلا مانع من التمديد، وإن مات فيكون قد اختار مسبقاً وصياً على مشروعه السياسي كي يكمل المشوار من بعده. وهلم ما جرى.

متى تدرك دولنا أن أي زعيم لديه قدرة محدودة على انتاج الأفكار والإبداع السياسي، فبعد خمسة أو عشرة أعوام يكون قد بدأ يكرر نفسه إن لم يكن قد دخل مرحلة الخرف السياسي وبالتالي لا بد أن يفسح المجال لدم جديد كي يعيد الحياة إلى الدورة الدموية للبلد والدولة. لكنه لا يفعل، مما يجعل كل عجلات الحياة في البلاد تتوقف عن العمل عند حد معين. هل من العجب إذن أن كل أمم الأرض تتطور بينما نحن نقبع في مؤخرة القافلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؟

لماذا لا تهتم بلادنا العربية مثلاً بالبحث العلمي ولا تنفق عليه سوى الفتات بالمقارنة مع إسرائيل التي تخصص نسبة مئوية هائلة من دخلها القومي للبحوث العلمية؟ لأن النظام السياسي العربي قائم أصلاً على عدم التجديد والبقاء في المكان. فلو كانت أنظمتنا ديمقراطية وتعمل بمبدأ التناوب والتداول لاهتمت بالبحوث العلمية المستقبلية ودعمتها، لكنها للأسف أنظمة متحجرة وتعمل كالدجاجة التي تنظر لمسافة سنتمتر واحد أمامها لأنه لا يهمها إلا الآن وليأت من بعدها الطوفان طالما أنها موجودة لخدمة نفسها بالدرجة الأولى.

وقد حدثني أحد المقربين من بعض الأنظمة العربية أن الزعيم رفض أن يُدخل أجهزة استقبال فضائية أو تركيب صحون في مقر الحكومة لمشاهدة القنوات الفضائية. كما رفض السماح بإدخال الانترنت لأنه لا يفهم فيها. لا بل رفض رفضاً قاطعاً أن يغير سجاد القصر، لكن ليس من باب التوفير والحفاظ على المال العام بل لأنه لا يحب أن يغير أي شيء. ولا أدري كيف سيتعامل هذا الزعيم مع العلماء والباحثين الذي يريدون استكشاف المستقبل وسبر أغواره. لا شك أنه سيقول لهم: "مش ضروري!" لأنه ليس في أقنوم العديد من الحكام العرب أي نزوع للبحث ولتجديد والتطوير. وكم من المشاريع التحديثية الكبرى انتظرت في كواليس الحكومات العربية عقوداً بأكملها احتراماً "للزعيم الأب" وعدم القفز فوق "توجيهاته الكريمة" حتى يموت!!

وبما أن الناس على دين ملوكهم عادة فإن بقية مكونات المجتمع تسير على هدي النظام الحاكم الذي اتخذ من التحجر شعاراً له. فرؤساء أحزاب المعارضة العرب يتوارثون رئاسة أحزابهم أباً عن جد تماماً كالزعماء الحاكمين. وما حدا أحسن من حدا. وحتى مديرو المدارس الابتدائية يشيخون وهم في وظيفتهم ناهيك عن رؤساء البلديات فهم يشبون ويشيبون في نفس القرية أو المدينة. أما رؤوساء النقابات فيبقون إلى الأبد.

وأرجو أن لا يقول لي أحد إن الدول العربية تغير وزاراتها بسرعة البرق، فهذا ليس نوعاً من التطوير أو تجديد الدماء بل مظهر خادع لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون. فكما هو معلوم فإن رؤساء الوزراء في الدول العربية "رجل كرسي" كما يقول المثل الشعبي ولا يأتون إلى السلطة ببرامجهم الخاصة بل كي ينفذوا توجيهات الزعيم رئيساً كان أو ملكاً الذي تكون صلاحية أفكاره قد انتهت منذ أكثر من عشرين عاماً على أقل تقدير.

ويسألونك بعد كل ذلك لماذا نحن متخلفون؟ آه لو قام بعض زعمائنا بتقليد ذكر النحل الذي يتوارى عن الأنظار (يموت) فوراً بعد الانتهاء من وظيفته المتمثلة بتلقيح النحلة ليفسح المجال لمملكة النحل كي تنتج العسل. ليتهم يقلدون نوعاً آخر من النحل الذي يتلاشى مباشرة بعد أن يلسع. أما معظم حكامنا فهم لا ينتهون من لسعنا حتى يحضرّوا أنفسهم كي يعيدوا الكرة مرات ومرات، هذا إذا لم يقوموا بتقليد القطط، فالقط، بحجة أنه يريد حماية صغاره من الحيوانات المفترسة الأخرى، يقوم بالتهام أبنائه!! أوليس الجثوم فوق صدور العباد كالجبال الراسيات لعشرات السنين التهاماً من نوع آخر؟



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا والشارع العربي: متى تأثر الرعيان بثغاء القطعان؟
- إلى الأمريكيين: إذا أردتم تحسين صورتكم لدينا فلا تصغوا لأزلا ...
- هل يحق للسعودية أن تتباكى على العراق؟
- كاترينا... من صنع أيدينا!
- ديكتاتورية الخبز
- لماذا البكاء على عراق مُقسم منذ خمسة عشر عاماً؟
- سامحكم الله يا آباءنا الطيبين!
- ليس دفاعاً عن الانفصاليين...ولكن
- لماذا أصبحت العروبة شتيمة؟
- عندما ينقلب العُربان رأساً على عقب
- الغوبلزية الجديدة
- اللعبة الإعلامية من فيتنام إلى العراق
- لماذا أصبحت القاعدة اتهام -القاعدة-؟
- يا زمان الوصل!
- هل تحتاج المرأة العربية إلى تحرير؟
- فتش عن إسرائيل!
- اضغطوا بالمقلوب كي يتحقق المطلوب!
- نكاية بأمريكا سنبقى متخلفين!
- أنسنة الإعلام العربي
- السلام الدائم شعارٌ يصلح لأبواب المقابر


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - متى يقلد الحاكم العربي ذكر النحل؟