أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - السماء الجرداء بلا طيور















المزيد.....

السماء الجرداء بلا طيور


احمد مصارع

الحوار المتمدن-العدد: 1355 - 2005 / 10 / 22 - 05:18
المحور: الادب والفن
    


اسطوانة الطيور
( 3 )
سوق الجمعة اليوم ، ما الذي دفعني إليه وفي هذا اليوم المغبر الشمس ساطعة والحر لافح وأشعة الضوء لا تطاق وفي السيارة التي تشبه صهريجاً صغيراً فكل ما تلمسه يشع حرارة كالمكواة ، سألت الجالس بجواري
- إنها دافئة هل تشعر بأي أثر للبرد ؟ أحد المتضايقين .
قال بانزعاج : - الله يلعن الحر والبرد .
ضحك البعض ، بينما أقسم أحدهم أن درجة الحرارة اليوم أكثر من مليون ونصف مليون فهرنهايت .
عجوز محنك قال بهزأ :
- هل هذا هو الحر ؟ ! أنتم لا تعرفون الحر ؟. أنتم في نعيم ولا تدرون !.
أحد الساكتين رد مضطراً على التهمة الموجهة للجميع فقال :
- طبعاً ، كلنا من هذه القرية ؟ وأنت لوحدك تسكن عند خط الاستواء ؟
أحدهم قال كلاماً مقبولاً :- الحر هو الحر أينما كان .
إنها المرة الأولى التي أزور فيها سوق الجمعة وبدافع الفضول وحب التعرف وحين بدت طلائعه على أطراف البلدة الريفية .
- بالله عليكم لماذا وضعوا سوق الجمعة هنا ؟
رد أحدهم – حتى لا يأتي إليه من ليس له حاجة
قال أحدهم ساخراً :- اسألوا سواق السيارات .
رد السائق – يا أخي الرزق على الله وليس على سوق الجمعة .
وقال أحدهم – لأن في السوق بضائع مهربه وهنا يتوارون عن الأنظار .
لقد اتضحت أمامي بعض معالم السوق , سلع وبضائع ملقاة بإهمال على التراب ، وليس هناك من رصيف أو حتى طريق ممهدة ، لماذا يقال عنه أصلاً سوق أنه مكان للأنقاض ويبدو كسلة مهملات ضخمة ، الرياح تذروا الأتربة وتسقها على العيون والغبار الذي يزكم الأنوف ، لذلك قررت الإسراع في الدوران حوله والخروج من هذه الضائقة حيث يصعب التنفس ، فالإنسان يستطيع فتح عيونه في مياه النهر أو البحر أمّا مع العجاج فأنه سيفتح عيونه بشكل بخيل للغاية كان منظر عيون الناس في السوق كفتحات حصالات النقود بين ملابس قديمة وأحذية بالية وبقايا أدوات منزلية متهالكة لمحت أسطوانة فيديو , تناولتها وقرأت العنوان : طيور من لبنان - بكم هذه الأسطوانة .
- بخمس ليرات .
–الثمن زهيد إذا لم تكن مستهلكة .
قال – جربها وإذا لم تشتغل فتعال الجمعة القادمة وأبدلها بشيء آخر .
دفعت له الثمن وأسمعته أمنيتي : - أظنها صالحة فالخدوش فيها قليلة .
وقررت العودة حاملاً أسطوانة فقط ، ثمنها خمس ليرات بينما كلفني الوصول لسوق الجمعة أضعاف ذلك , ولكن عنوان الاسطوانة مغر فقد سجل عليها أصوات الطيور من جبال لبنان ، فعلى قمم الجبال تتراقص أنسام البحر ، خلل أشجار الأرز الساحرة بل تمتد النشوى حتى الحناجر لتحلف الطير والنبع والاخضرار
- يا طير .... يا طائر .
ودعوت في سري:
( اللهم أجعل هذه الأسطوانة سليمة تغرد ، لأسمع أصوات الطيور في جبال لبنان العالية .. )

*********
الســــــــجن
( 4 )
ألقت بي المقادير في غياهب الجب العميق في السجن في صلب متاهات الزمن النفسي ، حيث ينعس الزمن في غيبوبة بليدة على صلابة القضبان الحديدية السوداء ، القضبان في كل مكان من بداية العالم حتى نهايته ، قضبان الحديد تسجن المكان بأسره ، ولذلك يجرجر الزمن نفسه , كما لوكان يشد وراءه عربة ثقيلة ومكسورة العجلات .
كان ذلك في عزلة أيام عصيبة , فبعد أن يهدأ صخب العنف البشري الدموي , كانت الطيور تزورنا ، ووحدها الطيور
تتسلل هاربة من خلل القضبان ، ولم أكن بشراً سوياً حيث أقدامي النازفة يشلها عن الحركة آلامه مبرحة ، أزحف على بطني ، لقد كف رأسي عن الغثيان بعد أن تحلل الفلك من الدوران .
الطيور الأنيسة تزقزق وتغرد , تنشر الأمان وتبشر بالحرية , وهي الكائنات الحية الوحيدة التي تزور السجن وتعبر القضبان بدون إذن , ولا تنتظر السماح لها بالدخول ,وهي تقترب برفق شديد ودون خوف, فهل كانت تعلم بأن السجين لا يحب اسر الطائر الحر , بل ويهفو شوقا للقائه من الصباح وحتى المساء , وكم يسر منها حين يراها تهرب غائبة عن الأنظار حين يهتز السجن من صدى مفاتيح الأبواب , وطرقات الحديد المدوية , وحين يسود الهدوء تعود من جديد لتشاركه قوت البقاء على قيد الحياة
لقد تعلمت أشياء كثيرة من هذه الطيور ، تعلمت أن أحمل في قلبي بشائر الحرية ولذلك رأيت الناس من حولي مجرد تبحث عمن يطلق في مجالها الحيوي كهرومغناطيسيا الأمان ، وموجات السلام , وكان الهدهد يكثر من الزيارة !...
لقد أخبرني الهدهد أن أكون هادئاً متدهدياً على أرجوحة الزمن وعلقت الرسالة وفهمتها لأول مرَّة وزاد ني شعور الطفولة وتجربة الحبِّ العميق في هدأة الليالي ، على وهاد طي الكثبان والأثداء .
كان الليل الطويل في أوله , حين حل علينا ( ضيف ) جديد , فمن لغة الهدهد تعلمت , أن اللغة لا تتسامى إلا في فضاء الحرية , ولذلك تكون السماء جرداء , إذا لم تحلق فيها أجنحة الطيور , والداخل علينا ليس سوى طائر مقصوص الجناحين , فلا يقدر على الطيران , بل لم تعد السماء رحبة أمام ناظريه , ومن هنا يحل علينا العبء الثقيل , الذي يصعب التخفيف من وطأته , في زمن محاصر ومكان منسي ومهجور , ويشتد العبء .
السجناء ذوي الضغط العالي لا يستطيعون الحلم ولو مرة واحدة بعبور القضبان بحرية بل حتى للحظة واحدة ، حتى في نومهم يتألمون من فجع يوم السجن البليد , فيزيد هم اليأس قيدا فوق قيد , وقد هددني الهدهد , فهؤلاء قد يموتون في أية لحظة تصلبا وانجمادا , وأي حزن يعادل حزن أن تراهم محمولون كجثة طائر هامدين بلا روح , فوق أشلاء بطانية , ورغم أن الزمن لا يتملعن ولكنه سيخلف آثاره التي لا تنسى.
أذية في غير محلها ، ولتكن صرختك المدوية .
- يا بشر ، يا عالم ، كلنا عابري سبيل ، سنعبر القضبان كما تفعل الطيور , والحياة محطات , وهذه ليست محطتنا الأخيرة , ومن لم يرسف أو ينوء تحت ثقل القيود فلن يعرف للحرية طعما , فليس من النية الحسنة ولامن البراءة , أن يراكم أي منكم اليأس القاتل , ليضعضع غيره , وينهار البناء الشاهق حجرة تلو أخرى .
ضيفنا الليلة هو أبو محمد ، سهران يضحك لأول مرة ولم أصدق ما سمعته أذني
- لقد كنا نضع الدبق على الأسلاك وحبال الغسيل فتقع عليها مئات الطيور ، من العصافير فتقبض عليها بكل يسر . نشويها على الفحم ثم نأكلها كم كان لحمها لذيذاً جداً ...
سمع صيحتي الموبخة : - حتى الطيور لم تسلم من أذى الفاشيست !.
وحين لم يفهمني رد بكل.مودة : - أمرك ، فقط قل لي ماذا تريد ؟.
- أبو محمد ..أرجو إنهم لم يحكموا عليك حكما قاسيا ..
قال بسرعة ودون تفكير - لا يا سيدي فقط أربع سنوات .
قلت له مسائلا:
– ماذا لو أنهم حكموا عليك بالسجن المؤبد ؟!.
قال ضاحكا : لا يا سيدي ... أي ذنب عظيم جنيته ؟!. يا لطيف , لماذا يااخي ؟.
قلت : لتخلص الطيور في الخارج من شراهتك . : إذا كان إفطارك بمئة عصفور فغداؤك بمائتين , أليس كذلك ؟
أجاب وقد فهم ما أردت قوله هذه المرة:
- والله يا سيدي غير معقول إنها أيام جهل ، كانت الطيور خطيئة ...
آلمني اعترافه السريع فتراجعت عن اصطناع المزاح الجاد :
- أبو محمد ... هل أنت فقير ؟.
أجاب على الفور .. دون تردد
- لا والله .... أنا ابن إمام مسجد في عمان
قلت في نفسي( وابن إمام مرة أخرى , يالها من صدفة ),
قلت ماذا تقصد أبو محمد ؟
- أنني والله لم أطعم إلا لحم الأ كباش وسمن الخرفان, وما قلته كان طيشا وجهلا بالبيئة الطبيعية والإنسانية .
قلت له ممازحا – هل تعلم ماهو أغرب من الغرابة ؟
هذه المرة فكر قليلا , ثم أجاب من وحي ظروفه الخاصة :
- أكل لحم الطيور و القرابة .
وسألته : متى نحس بالطيور ؟ وأنت حر بالإجابة .
قال بعد لأي : عندما يغرد الطائر في وحشة خرابة.
قلت له فرحا : شكرا على حسن انتباهك والى اللقاء في الحلقة القادمة .
قال : آمل أن لاتكون الحلقة طويلة .
قلت أدعو لك بالفرج القريب .

*********
المفاجــــــأة
( 5 )
دكاني مجمع للإخفاق والفشل وربما الخيبة ، وهنا أعمل ليلاً نهاراً بدون عشاء المهم أن يعيش المرء حتى القدرة على العيش صارت أمنية بعيدة وحين عدت من السوق حاملاً اسطوانتي الصغيرة ، كان كل من حولي كالطيور بلا ريش أنهم لا يقدرون على الهجرة ولا على الطيران نحو الأعالي ، ولذلك حين عدت إليهم ، كان استقبالهم لي بعبارات الفرح .
أحدهم قال – هذا حظر تجوال لا أحد يمر بالحارة .
والآخر قال بيأس : - حالة طوارئ لها أول وليس لها آخر .
وأصغرهم قال – هذه حارة ميتة لا ينقصها إلا سور لتكون مقبرة .
أما أكبرهم سناً فقد قال : - ليأتي إلينا الناس ، سنبيعهم ولو بالخسارة . المهم أن يأتوا ... قليلاً من الحركة والبركة .
دكاني اليائس حمل عبارة . أهلاً بكم – فيديوتك .
أحد الشباب أسرني مرةً حين راح يشرح لي سر فشل اسطواناتي :- المحل متخم بالأغاني والألحان الكلاسيكية ، ليس هناك حداثة
والحداثة قضت على النغم المدروس ، أم كلثوم وعبد الوهاب ... مقامات عتيقة .من المشرق والمغرب فيروز وماجدة الرومي ... سارة براتيمان وسيلين ديون ... ياني وبول موريا.. أي عنقا أي عفريتي ... المهم عفاريت اليوم . عفاريت اليوم .
( - ما قولك في الفيلم ذهب مع الريح ... أنني احتفظ بعدة نسخ منه . تمنيت أحداً يرغب بمشاهدته ولو مرة .. )
إنني استمع إليه ورغبتي عنيفة لأن أفهم ميول الناس لذلك استطرد في شرح الدرس :
- يا عمي ... افهمها فليس ما تريده أنت هو التجارة ، بل التجارة هي ما يريده الناس ...
شربنا القهوة العربية المرة والقهوة عندي معتقة ، وغادر كل إلى عمله وقد حانت لحظات الأمنية الغريبة حين هتفت لوحدي .
- لقد جاء وقت الاسطوانة .. يا طيور جبل لبنان ، غردي .
في البداية وما أصعب البداية تجشأت الأسطوانة ثم طقطقت كالرحى القديمة وصحت في قلبي .
- إلى الجحيم أيتها الإبرة الليزرية ....
القلب يخفقُ في غضب عنيف وفجأة .....
إنها الطيور ... زيد يني ... أحلفك بالله غردي أيتها الطيور ... فهاهنا الخرائب هذا هو الزر زور ، ثم الشحرور ، ثم السمن الحزين ثم الورور ، ثم الغرين ، فالحسون والحجل ، فالطرغل ينادي ...
هتفت ملاحقاً نفسي (... تطارد الوهم والهيام والهام .. فاحذر سحر الطيور . ستضيع حتماً شرّ ضياع . كفاك شروداً في مستنقعات اليأس واللا حياة . العمر يمضي ... لقد مضى حقاً .... بهذه الطريقة لن تعيش مثل كل الناس أبداً لن تعيش أيها الطائر ما أحوجك للمزيد من الوبر والريش . رحت أصرخ في صمت لئيم .
أغيثوني ، يا أولياء الله من الهيام احبسوني تحتَ الحواس .
وزاد ني على المفاجأة فجأة دخول أبي الحاج فوقفت كالهمزة فوق حرف الألف ، رماني بسهم الكلام حين قال وجلس كالناقد :
- هل تحب الطيور يا ولد ؟ ! .
أسرعت للنفي بلا تردد ، وفي أعماق الكذب دافعت عن نفسي
- لا والله يا حاج ، إنها أسطوانة . مجرد أسطوانة ... طيور في جبل لبنان تغرد . تسجيل أصوات مسجلة ، لست أحبس الطير ... أطمأن وفي قلبي قلت .
- لو كنت كجدي نفسه لعرفت كيف استغل كراهيتك لرهن الطيور ... إنني أكره اليوم أن أستغل الطيور .... ولذلك أطفأت الجهاز ، وتوقفت الطيور عن الشدو وتأكد لأبي الحاج أنني لست المستهيم في تغريد الطيور . فالطيور تغرد حرة في حديقة منزلنا المجاور .
نسمعها دون أن نراها ..... لايهم ، المهم أن تكون حًرَّة ..... تغرد كيفما تشاء ، وحينما تشاء .
*********
الأطفال أم الطيور ؟
( 6 )
الفشل الذر يع لاسطوانات الفيديو ، الصوت والصورة ، الفيلم والأغنية ُ ينبغي إحالة هذا الدكان إلى متحف التاريخ ، أشياء مضت وانقضت فهي من بقايا الماضي العتيق ولكل زمان ألعابه ، واللعبة الجذابة اليوم لكل الأطفال الصغار والكبار ، هي لعبة – الشرطي الحرامي ، الإرهابي والشرطي الأمريكي ( counter ) .
علقت مجموعة من أجهزة الكومبيوتر على خط شبكة واحد في محلي البائس فكثيراً ما يخرج الأطفال متلاعنين بشتى الألفاظ النابية
- أنا الشرطي وأنت الإرهابي .
ويصرُّ قسم كبير منهم على لعب دور الشرطي فهو كما يزعمون ، هو الذي يستطيع تحرير الرهائن وكسب النقود .
وأسواً ما في اللعبة ، المتفرجون ، كم أتمنى سكوتهم ... سكوتهم فقط يجعلني أتحمل كثرة أعدادهم المتجمهرة بدون فائدة مادية ، أنهم يصيحون أكثر من اللاعبين بكثير ، إزعاج حقيقي بدون ثمن ....
أطلق النار ، غير السلاح ، اشتر قنبلة ... هاهو فوق الجسر ، على البناء الأبيض فوق البناء الأسود . ألتفت وراءك .. هاهو أمامك خلف الحاوية ... من يسارك ، على يمينك .. إنه يحمل قناصة ، أكتب كلمات الطيران ... الدريئة ..... البصاق .....
تذكرت ، أسطوانة طيور جبل لبنان ، عسعس الليل وقد آن للأطفال أن ينصرفوا الصخب العنيف من حولي ، والثمن بخس ، بخس للغاية , كانت مكبرات الصوت مخفية وجهاز التلفزيون منطفئ ، والفيديو مخبأ داخل طاولتي ، أما جهاز التحكم الصغير فقد أخفيته في جيبي .
وغردت الطيور .
في البداية توقف الجمهور المشجع عن متابعة الإرهابي والشرطي الأمريكي وراحت آذانهم وعيونهم تفحص بدقة بالغة ، أنهم يبحثون عن الطيور المغردة ، يسمعون أصواتها ولا يرونها .
الأمر محيرٌ ، ذهول وابتسامات ودهشة ، عيون الأطفال حد قات كبيرة ومرايا تتضخم ... لم يتعودوا اجتماع الأضداد .
الحارة مع المحل والحديقة مع الغابة ... ! ؟ انتشر الأطفال في كل زوايا المحل ، حتى اللاعبين غادروا كراسيهم الهزازة .
( وتساءلت كيف انمحت براءة الأطفال واندمجت بفضول العلماء ؟ ! الشيء محير مالم يعرف له سببا )
الكثير منهم انبطح على الأرض يبحث عن الطيور ، تحت الكراسي ، تحت الطاولات ...
لم ينبسوا بحرف واحد . عيونهم الكرات المتلألأة تتساءل بدهشة .
- أين الطيور .. ؟ !
أفواههم المضغوطة صارت كمناقير الطيور ... طيور حائرة وصامتة يطير بها الفضول ويلقى بها على أغصان أشجار الليل ....
إنهم يسمعون الأصوات ؟ أصوات حقيقة ! ولكن أين الأجسام ؟
أين المناقير والريش والخفقان والاختلاج ؟ ...
أفواه الأطفال المندهشة تماماً كأفواه الطيور المغردة ...
يكبر الاستفهام ويزداد الفضول والمتاهة في أولها ، فما السر الغابي خلف الأستار .... ؟
زمن الكساد الموحش حملني لؤم ظلاله القاسية ومنحني موهبة الضحك المكتوم ، وراحت حوافز من غلِّ إزعاجهم الطويل تحدثني عن الناس المقنعين الذين يعرفون . متى وأين يضحكون وجيوبهم عامرة . الناس الذين كبروا ، وكبروا وغادرتهم مشاعر الطفولة ولحظات الإحساس الشاعري ، وللأسف ، بدون ثمن وثمن الفرح والسرور لا يمر زهيداً .
إن َّعلامات الاستفهام والتعجبُ اكتشفت من وجوه الأطفال الصغار أطفال سنوات الروضة ففي فضولهم الشديد وحيرتهم المدهشة ، كرات عيونهم اللماعه المسمَّرة وآذانهم الصاغية يتحولون إلى علامات تعجب واستغراب . أصوات رائعة من حولهم ، تسمع ولا ترى ، ولا يعرف مصدرها ... ! ؟ ....
ضحك خفي راح يدمدم بين جنبات صدري ، أقاومه بصعوبة .
- هيا يا أطفال أخرجوا ، سأطلق الطيور من الخزانة ، الطيور تنقر . ...
والطيور المحبوسة في الخزانة إذا خرجت من سجنها ، ستنقركم على أنوفكم أحدهم قال وهو خارج .
- دعنا نراها حتى لو نقرتنا فقط لنراها ....
أغلقت الباب ضحكت كثيراً وهاهم الآن يضغطون بأنوفهم على زجاج واجهة المحل ينتظرون رؤية الطيور من خلف الزجاج .
أحد الأطفال الكبار دخل مستغرباً حشد الصغار خارجاً وفوجئ بالأصوات تعثر عند الدخول ، رأى الأجهزة مطفأة ، وصحت به :
- انتهى وقت اللعب .
حين خرج اصطدم بالباب .
دخل عدة أطفال كبار ، قلت لهم على الفور ، الأجهزة معطلة ، ولا يوجد لعب .
تلفتوا ، داروا حول بعضهم ، أين مصدر الصوت ؟
سألتهم - ماذا يقول هذا الطائر .
كان الطير المغرد هو طائر الطرغل .
أحدهم قال – أنه يموء كالقط .
وقال – بل يعوى كالكلب الجرو .
بينما لفت انتباهي إجابة أحدهم .
- إنه يصدر صوتاً كالجهاز النقال .
تجادلوا فيما بينهم وتراهنوا على أنها مجرد أصوات أو طيور محبوسة في خزانة علت أصواتهم حتى غطت على الأصوات المفردة .
- هيا أولاد ، حان وقت إغلاق المحل ...
ساد الصمت إلا من صوت الطيور .
تذكرت أحراشاً كثيرة مررت بها ، في بلدان عدة ، وساعات طويلة أمضتها شارداً مع تغريدها العذب .
استمع الآن ، هذه أصوات طبيعية ، نعم .
الصمت واختلاط الأصوات .
الشباك المفتوح على حديقة المنزل وخرير الحنفية كأنه شلال ماء والهواء العليل ...
الطيور الحقيقية بريشها الملون وصدورها الدافقة ومناقيرها الحادة تغرد هنا في هذا المكان .
جهاز الفيديو يرسل أصوات قرار ، والطيور الحقيقية جواب سلم موسيقى ! مقام حقيقي !
صورة أم تقليد ؟ !
دهشتي فاقت دهشة الأطفال .
أين الفرق الآن بين الصورة والواقع والخيال ؟
في شرود وغفلة تساءلت عن سر العلاقة بين جمال الطيور ، ألوانها الغريبة خفق أجنحتها وتقافزها وتغريدها الشيء .
متعة النظر والإصغاء وتوخز الحواس .
واختلاط الجمال بالمشاعر والصورة والواقع بل الرمز والخيال .......
**********



#احمد_مصارع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطيور
- المعوقون
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
- أحفاد بدون أجداد
- لو كنت قرأت التاريخ
- ? الدنيا , اشتعلت نار
- الاهتراء
- الخروج من الحفر
- أغدا ألقاك ؟!.
- هل ستكون سوريا نموذجا للتحول الديمقراطي؟
- ?أنظمة الاستعمار الوطني الجائعة والإمبريالية الشبعانة
- الحضارة العربية والمحض هراء ؟
- رسالتي للرئيس الفنزويلي المحترم : هوغو تشافيز
- الأمير سعود الفيصل يتهم أمريكا ؟
- الحداثة العربية بدون ( ايتمولوجية ) ؟
- الإمبراطورية كارثة إنسانية ؟
- هل ستخفق منظمة الأمم المتحدة ؟
- الوجود واللا عدم ؟
- إنهم خلف الستارة
- أمريكا أضعف من الماء والهواء ؟


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - السماء الجرداء بلا طيور