أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - أحفاد بدون أجداد














المزيد.....

أحفاد بدون أجداد


احمد مصارع

الحوار المتمدن-العدد: 1345 - 2005 / 10 / 12 - 10:41
المحور: الادب والفن
    


كان عمي الحاج صورة مصغرة عن نظام الحكم في بلادنا, فحيث يجتمع الناس في البلدة الكبيرة , حتى وإن كان اللقاء هذه المرة في خيمة عزاء ، وكعادته حين يجلس وسط الخيمة متكئاً على الوسائد العالية فلا هو متمدد للنوم ولا هو معتدل للجلوس ففي رأيه أن على المرء أن يتكلم بشكل معقول ، بينما من غير المهم سؤاله عن كيفية وأصول الجلوس في المناسبات العامة والخاصة ؟ فالصواب هو للكلام وليس للجسم المتهالك , وتعريف الصواب عنده كل تدبير ينمي الثروة التي حاز عليها بطريقة التأميم وادعاء العمل , حين كنا جميعا صغارا , ولكن وجدنا أنفسنا ورثة تقسيم ليس فيه عدالة , فقد حاز على معظم وسائل الإنتاج ,ولم يترك لأخوته الأصغر سوى النزر اليسير , وصار بطلا للمناسبات , وهو يلعب دور مؤسسة التامين التي لا تدفع إلا عند حلول المصائب , ومن النادر أن يحرك ميزانية في الأفراح , وشعاره المقيت : اتعب تلعب .
كان عمي صامتاً طوال الوقت إلا إذا تكلم أحدنا ، حينذاك يستنفر ليربط الأحصنة وراء العربة ، ليظهر أمام الملأ أن صمته الطويل يخفي قوة من الحزم .
شبان القرية يبدأ ون في بسط سُفَرْ الطعام ، تبادل الحاضرون مواقعهم ليجلسوا متقابلين في صفين متوازيين .
كان محمد يعطي أوامره للشبان –ضع هذا هنا ... إلى هنا .. هناك –
عدل حين رفع صوته الجهوري ليلطف من زحمة الحركة وأصوات الطرقعة للملاعق والصحون .
- هل تدري يا عمي الحاج ؟
لم يكلف نفسه عناء الرد , طالما لا يوجد كلام له معنى حسب رأيه , فمن الخسارة أن يضيع صوته هباء ,
- علي .....أي علي ؟.
– علينَا ....
- ما به هذه المرة ؟
رفع محمد نبرة صوته ليسمع الحاضرين منطق عمي الرزين :
– إنه في المستشفى الآن .
عمي جازما وبكل برود :
- والله ما به كل شيء .
أحد الأحفاد بلهجة مستنكرة , والجميع يسمع :
– هل يوجد أحد يذهب إلى المستشفى ولا يكون مريضاً ! ؟
عمي يتكلم آمراً :
- قلت لكم والله ما به أي شيء . .فمن كثر أكله للحم بالعجين .... اللحم بالعجين هو مرضه .
وتدخل احد الأحفاد شارحا :- يقول الطبيب أن لديه أعراض احتشاء في العضلة القلبية .
شيء من الرفض الخفي , رد عمي مستفزا , وقد عدل من طريقة جلوسه .
– أنتم عناد يون .... وهاأنتم تقولون حشو ! حشو بطن ؟ من أين ؟ من حشو بطنه باللحم العجين ,قولوا له أن يرحم نفسه من أكل اللحم بالعجين .
تبادل حشد المعزين نظرات الاستغراب , وحانت لحظة الطعام , فاعتدل عمي بكل روية , ليعلن لحظة انطلاق السباق نحو الأكل , ولكن محمد لم يتوقف عن التصعيد , ولكن هذه المرة :
– سالم لم يخرج من المستشفى بعد ! ؟
بديهيات عمي لا تنتهي فقال باستهجان :
– من؟! سالمنا ؟! ... أنه لا يشبع من الحلويات ، يفطر حلويات ويتغذى حلويات ويتعشى ... !
أحد الأحفاد موضحا :–انه يعاني من ارتفاع الضغط السكري ...
كل خيوط الأحاديث يقبض عمي الحاج عليها ولا يدعها تفلت من بين يديه أبداً وهاهو يهتف متفاخراً لاكتشافه الأسباب الدقيقة :- هاهو البرهان . من السكر ... ! من أين يأتي السكر ! ؟ أليس من الحلويات ؟.... أربع وعشرين ساعة يأكل حلويات ماذا جرى لعقله ... ؟ ليل نهار لا يتعب ولا يمل .!.
كانت أصوات المعارضة خافتة ، توشوش لتختلط مع الجلبة التي يحدثها تناول الطعام ، وكنت قد جلست بجوار جدي الشيخ ، كان سمعه ثقيلاً ولكنني شرحت له ما يقوله عمي عن أحفاده بعد أن ضممت يديَّ حوله أذنه على شكل بوق وهزَّ رأسه مبتسماً, وفي صرخة استعجاب :
:- هو يقول هذا الشيء ؟!
جدي هو رئيس الهيئة الدستورية في قريتنا الصغيرة وقد تعطل دورها مع شيخوخته ، وسمعه الثقيل وقد كف منذ زمن بعيد عن التدخل لحماية الحريات العامة لأحفاده , فتوقف الجميع مندهشا من ثورة جدي وصرخته رغم شيخوخته : أنت تقول هذا الكلام ( يوال جاسم ) ؟ أنسيت نفسك ؟ لم أرى احد أبدا في مثل شراهتك , أنت كالبئر تبلع ولا تكف عن طلب المزيد , كل من هنا يتكلم وأنت تسكت بالمرة .
ساد المكان صمت , فالجميع يصغي السمع لجدي , وهو يجهد نفسه في رفع صوته مستنكرا :
- يا وال جاسم , أنت أما كنت في الصباح الباكر تفطر بالمحشـــي ، والظهر تتغدى كباب مشوي .. حتى عند النوم ... كنت لا تنام إلا بعد أن تلقف ثريد البامياء ... انظر إلى نفسك اليوم , والى حالتك كيف صرت .
كان عمي فيما مضى عملاقاً بحق ، حتى قيل في وصفه ، أنه يدخل من الباب بصعوبة ، واليوم صار طويلاً نحيلاً معوج الرقبة ، نظرة خفيف لا يبصر على البعد , فكان جدي يقصد أن تحوله من شـــــــخص ضخم الجثة إلى هيكل طويل ونحيف كان سببه كثرة أكل اللحم ....
سكت عمي قليلاً وعلى مضض حتى يتناساه جدي وهذا ما حدث حين التفت إلينا معلقاً ومستفزاً البعض وأنا في أول القائمة .
- أنتم فارغون من الأشغال . ابحثوا عن أعمال تنفعكم خير لكم من المعارضة على الفراغ .
أحدهم – فارغوا أشغال نعم .... بما ذا نشتغل إذا لم تكن هناك أشغال ؟
عمي – الذي يريد عمل شيء والله لا أحد يمنعه .
أحدهم – يا عمي لم تتركونا( نشتغل) شيئاً ، فالقوانين .... قوانينكم يا عمي لا تترك أحداً يعمل شيئاً, وكأننا نعيش حياة عسكرية لا تنتهي أبدا .
أحدهم – حين لا يدعوننا نشتغل فهم كمن يدعونا لأن نشتغل بهم .
عمي متوعداً – اليوم كلوا وأشربوا وغداً سنرى ماهي أخرتكم ؟
أطال الله في عمر جدي ، لقد نفق فرسه العربي الأصيل منذ عشرين سنة فشاخت معه روح الفروسية والشجاعة وبفقده لجدتي رمز العاطفة الوطنية لكل الأحفاد والآن بعد أن شاخ واعتزل العمل السياسي لم يبق لنا سوى أن ندعو الله أن يعوضننا عنهم ، حقاً , فلا بحبوحة في عيش الأحفاد , مالم يكبروا في كنف الأجداد .
احمد مصارع
الرقه -2005



#احمد_مصارع (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كنت قرأت التاريخ
- ? الدنيا , اشتعلت نار
- الاهتراء
- الخروج من الحفر
- أغدا ألقاك ؟!.
- هل ستكون سوريا نموذجا للتحول الديمقراطي؟
- ?أنظمة الاستعمار الوطني الجائعة والإمبريالية الشبعانة
- الحضارة العربية والمحض هراء ؟
- رسالتي للرئيس الفنزويلي المحترم : هوغو تشافيز
- الأمير سعود الفيصل يتهم أمريكا ؟
- الحداثة العربية بدون ( ايتمولوجية ) ؟
- الإمبراطورية كارثة إنسانية ؟
- هل ستخفق منظمة الأمم المتحدة ؟
- الوجود واللا عدم ؟
- إنهم خلف الستارة
- أمريكا أضعف من الماء والهواء ؟
- النفط مقابل الدستور
- الحضارة الرومانية , حضارة عالمية ؟
- الأنظمة الشمولية محكومة بالتوسع والعدوان
- ?المدرسة العلمانية وبيان حقوق الإنسان والإرهاب


المزيد.....




- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - أحفاد بدون أجداد