أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - الاهتراء















المزيد.....

الاهتراء


احمد مصارع

الحوار المتمدن-العدد: 1341 - 2005 / 10 / 8 - 09:23
المحور: الادب والفن
    


اكلما افترقنا تواعدنا على اللقاء .
- سنلتقي غداً في الحديقة وقت الضحى .
نمت قليلاً وصحوت ، كانت كمية الضوء الساطع تمنعني من مواصلة النوم لماذا يضحك هذا الصباح الربيعي ؟ ! شمسه تشع مخترقة ٌ غمض العيون كيف أنام وعيوني الناعسة تهيجها أنوار منعكسة على مرايا البحيرة الفراتية .
زقزقة العصافير بصخب يهيج الأعصاب تواطأت هذه المرة مع ضحكات الضوء ، فالطيور تصادق الظلال الراقصة بين الأشجار الخضراء ، ربما كانت النسمات العليلة مع الدفء الهارب من برودة الليل ،قد خدع الطيور ، فراحت تطلق زقزقات شرسة للغاية ...
( غريبٌ هذا التواصل والانسجام بيني وبين الطبيعة ! .... )
- دعوني أنام فالوقت فجر ... لن تنام وأنت على سطح المنزل ، اترك هذا المكان .. نم في غرفة مغلقة لوحدك فنحن قد صحونا ... لقد جاء دورنا باللهو ..
صرخت بقلبي يائسا :أطفال ... انتم أطفال ، ولا سبيل ! . . كيف تفهمون ؟ ! بأي لغة ؟ ! ... لوكنت صيادا لهربتم يا ملاعين ؟
هجرت الفراش لاعناً تلك الساعة واللحظة التي جمعتنا معاً الضوء والعصافير والنسمة الربيعية , قررت الصحو رغم المسافة البعيدة التي تفصلني عن الضحى , وبين الرفض والأمر الواقع قررت الذهاب إلى الحديقة باكرا .
نظرت ساخطاً فيما حولي ، فالكل ينام ، مررت بالمطبخ المهجور وخامرني شعورٌ باليأس .
- أيُّ شاي ؟ ! أيُّ قهوة ؟ في هذا الزمن الباكر ... ؟
شربت كأس ماء فراتي بارد , ورحت أحدو بحماسة فلاح يذهب نحو جني موسمه الوفير:
- الحقيقة في الحديقة ... الحديقة فيها الحقيقة ..أي فرق بين ساعة ودقيقة ..
لم تزل تصفعني الحيرة حتى تفاجأت بلقاء صديقي وهكذا التقينا في وسط الحديقة ، كنا اختلفنا في النقاش ليلة أمـــــــس ، ولكننا تلاقينا في صباح ٍ مبكرٍ ضاحكٍ منا .. أو علينا بينا تواعدنا وقت الضحى ... !
لقد دخلت إلى الحديقة كما لوكنت قد تلقيت مجموعة من الصفعات ومن الباب الغربي ، بينما كان هو قد جاء من الباب الشرقي فكيف تصادف لقاؤنا في منتصف الحديقة عند نافورة الماء العريضة ، كنا نضحك من هذا اللقاء من غير موعد ! .
- أهلاً محمد
- صباح الأنوار أحمد
لا أحد منا سأل الآخر عن موعد اللقاء ، لأنَّ ما أَرقَّه وأرَّقني , ربما كان مختلفا , والشمس أشرقت ,ولم يعد بمقدور النوم أن يظللنا ثانية , حتى في غرف مظلمة .
سحبنا علب السجائر ، قدحنا الولاعات بدأنا نقصف المكان بزوابع الدخان وابتدأنا النقاش والحوار من حيث انتهينا :
- أنت قلت بأنَّ الأسلوب ، النكهة والمذاق في الكتابة لاتكون إلا َّ مع النص الأوَّل وأنت في هذا تركز كثيراً على الشخصية الفطرية الأولى وفي الفن صناعه ... لابد من إعادة الكتابة .. النص العفوي ضعيف ..
تذكرت انزعاجي من ضوء الشمس الباهر ، وحدة زقزقة العصافير ورقة النسمة الربيعية وصحت بصوتٍ عال
- اعتبرني يا صديقي لم أقل هذا ...
أجابني مستغرباً ثم مبتسماً .
- ليس هذا من عاداتك في الحوار .
- نعم ليس من عادتي الصحو المبكر أيضا , وأنا صاح بالرغم عني , ولم يوقظني احد سوى الطبيعة الربيعية , بل الضوء الساطع وزمامير العصافير اللاهية , والنسمة العليلة , فهل كان صحوي طبيعيا أم مصطنعا ؟ وكان موعدنا قبل الظهيرة ولكننا التقينا فجرا ؟ فما العمل ؟
لكل نهار شخصيته المميزة يا صديقي , هل شمس اليوم مثل شمس الأمس ؟
- لا ..
- هل ظلال الأشجار اليوم في الحديقة مثل ظلال الأمس ؟
- لا ..
-العصافير يا صديقي .؟. والنسمة ؟..
لم تتطابق رؤيته لي من خلال نظارته الطبية , فراح يحركها وهو يتأملني كصورة تحتاج إلى التدقيق وإمعان النظر , وربما ليتأكد من استيقاظي الناقص , قائلا :
-كل شيء يجري ويتغير يا صديقي أحمد , ولكن هناك اصل وفرع , أصل وصورة ,شكل ومضمون , محتوى وغلاف ..
- يا أخي محمد ...... سيبقي النص الأول ...... كالحب الأول .........كالميلاد الأول .... كـ ... كـ ...
التدخين والحوار لساعات طويلة على الخواء ورقة الهواء وطراوة الصباح ، كلها مجتمعة تقض مضاجع الجوع ، الجوع المنسي ، وحين تحرك لم تعد مرارة التدخين وحدها تكفي للنسيان .
- أليس المشي أفضل ... ؟
بكل تأكيد يا صديقي .... لولا أن الحقيقة في الحديقة
- خارج الحديقة أحس بشيء ناقص .... لا أدري ما هو ؟
- ألسنا أبناءً للطبيعة ؟ .
تمشينا في حارات المدينة وفجأة رأيت شيئاً يستحق التنبيه .
- انظر ... انظر للأعلى .
هتف – ياإلاهي ... هذه أضخم شجرة توت رأيتها منذ بدء حياتي قلت له متحيراً .
- إنها ليست شجرة واحدة ...
أجاب على الفور – إنها واحدة
قلت – انظر التوت من عدة ألوان
أحمر وأسود ، وأبيض وأصفر ....
- غريب .... ! ...
سألته – ما وراء هذا السور الشاهق يا محمد ......أنت خبير بالبلدة ..
أجاب العرافة :
- أظنها خرابه .... خرابه يملكها أيتام .
قلت ضاحكاً
- أخي محمد ، ألسنا أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام .
أجاب بثقة – بلى والله ....
قلت – هل ندع هذه الشجرة تعيش بسلام ؟ ...
قال - لنفكر ، فأهلها بعنيزة ونحن في الديلم ..
قلت بسرعة – لنقصفها ؟
أجاب هو الآخر – بمه ؟ ......
قبل أن ينتبه لما عنيته بالقصف بالنعال ، كانت إحدى نعالي ترتفع بعيداً لتسقط خلف السور ولم تتساقط علينا أيُّ حبة توت ، وألقيت بالثاني فعلق ما بين الأغصان ولم يعد يرى ، وكنت قد أصبحت الحافي الأول ، وبينما غضب صديقي لغضبتي ، راح نعلاه يختفيان في ومضه وراء الجدار فأضحينا حفاةً معاً .
غلت الدماء في عروقه فاندفع نحو الجدار ليتسلقه وخلال لحظات كان يقف منتصباً شامخاً فوقه , واختفي عن ناظري للحظات.
قلت في نفسي :
- سنسترد أحذيتنا وسنشبع من التوت الملون وفجأة قذف صديقي نفسه من أعلى الجدار ، حطَّ كالطائر هاتفاً بي .
- لنهرب ... أسرع .... لنختبئ ..
عبرنا عدة حارات بسرعة فائقة ، ركضنا مع الجوع حفاة فوق الحصى والتراب وتوقفنا نسترد الأنفاس .
وبعد صمت قلت :
– خيراً أخي محمد ..... !
أجاب - أللعنة على الجسارة والخسارة , ، والثقافة والسخافة , والأدب وقلة الأدب .
سألته – ما لعلاقة بين الاثنين ؟
قال – كل العلاقة لو رأيت ما رأيتْ .
قلت – أخبرني ..
قال – يا أخي ، كانت امرأة وطفلتها الصغيرة ، رأتني الصغيرة وصرخت مفجعة .
- أماه انظري إلى (العجي ) الولد ألحرامي ,هاهو يتعر بش على الشجرة .
وقبل أن تراني الأم ، كنا معاً هنا .
قلت مشجعاً له : أحسنت يا صديقي .
وتركته يستجمع أنفاسه من الجري , بعد قليل قال مستاء :
- يا أخي .... امرأة وأطفال يتامى ونعالنا الصفيقة ..شيء لا يحتمل .
اختلفت فيما مضى كثيراً مع أخي محمد ، إلاَّ أنني هذه المرة ,أتفق معه أكثر فالرجل الفارس لا ينبغي أن يراه الناس مثل الصعلوك .... تحركه غريزة الجوع والحفاء ... حتى لو كان التوت شهياً والجوع مريراً ...توت ملون ... أو عادي لا يهم ..بل حتى الاهتراء من جوع وحفاء وعراء..
الطبيعة مازالت خلابة ، ساحرة ، حين تواد عنا على أن نلتقي مساءً ، افترقنا جياعاً وحفاة
فقد نشبع من الطعام بينا جوعنا للكلام لن ينته أبدا , رغم الاهتراء .
احمد مصارع
الرقه - 2005





#احمد_مصارع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج من الحفر
- أغدا ألقاك ؟!.
- هل ستكون سوريا نموذجا للتحول الديمقراطي؟
- ?أنظمة الاستعمار الوطني الجائعة والإمبريالية الشبعانة
- الحضارة العربية والمحض هراء ؟
- رسالتي للرئيس الفنزويلي المحترم : هوغو تشافيز
- الأمير سعود الفيصل يتهم أمريكا ؟
- الحداثة العربية بدون ( ايتمولوجية ) ؟
- الإمبراطورية كارثة إنسانية ؟
- هل ستخفق منظمة الأمم المتحدة ؟
- الوجود واللا عدم ؟
- إنهم خلف الستارة
- أمريكا أضعف من الماء والهواء ؟
- النفط مقابل الدستور
- الحضارة الرومانية , حضارة عالمية ؟
- الأنظمة الشمولية محكومة بالتوسع والعدوان
- ?المدرسة العلمانية وبيان حقوق الإنسان والإرهاب
- المعتقل السياسي السوري المنبوذ ؟
- بدون نهاية نحو اللانهاية
- أسئلة في العشق لا , ثم لا ؟


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد مصارع - الاهتراء