أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - جذور المعرفة الصوفية















المزيد.....

جذور المعرفة الصوفية


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4928 - 2015 / 9 / 17 - 23:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اختلفت تعاريف الصوفية للتصوف، وتنوعت حقائقهم عن مذهبهم، حتى قال السهروردي: وأقوال المشايخ في ماهية التصوف تزيد على ألف قول. فمن ناظر فيه إلى المنهج جزيئا، أو شاملا، إلى ناظر في الثمرات، والغايات. أو بتعبير آخر، منهم من نظر إليه باعتبار المقدمات،( المجاهدات) ومنهم من نظر إليه باعتبار النهايات،(المذاقات) ومنهم من تأثر بومضة الوجدان، ونفحة الأذواق، ومسكة الأرواح، ومنهم من تكلم بإشارة المقام، ولغة أهل الحال. وكلها تفصح في حقيقتها عن أحوال أصحابها، ومقامات أهلها، وتبين منازل السير، والسلوك، ومراحل الصعود، والعروج، وتقدم لنا جُماع التجربة التي نتعرف من خلالها على التصوف منهجا، وموضوعا، وغاية. وسر هذا الاختلاف يمكن توضيحه في أمور آتية:


أولا: إن المصطلح عموما لا يكشف عن الطبيعة الجوهرية للماهية، لأن المصطلح ومهما كان دقيقا في حدوده، ورسومه، لا يعدو أن يكون ألفاظا مقيدة للماهية كما تصورها الذهن، أو العقل، أو الحس، أو قوانين معيارية لا تدل على كلية الحقيقة التي تناءت عنا معرفتها كما، وكيفا، بل تدل على جزء مرتبط بها في عالم الماهويات، ومتعلق بما هو مقدور للبشر أن يفهمه في حدود قدرته من سر التجارب المنفصلة عن الذات، والمتصلة بعالم الروح. ولذا، فالحقيقة المصورة في أذهاننا، لا نعرفها إلا بما تجلت به في ذواتنا، ولا نرسمها إلا كما نتخيل وصفها في أذهاننا. وذلك مما لا يتم إلا بألفاظ لغتنا التي يقع فيها الاسم على المسمى، والوصف على الموصوف، وقد يكون ذلك حقيقة أو مجازا. لكن هل صياغتنا لمصطلح التصوف من باب ذكر الجزء، وإرادة الكل.؟ أم هو من باب إطلاق الوصف، وإرادة الموصوف.؟ إنني لا أخال اسم التصوف دالا على الحقيقة في بعدها الميتافيزيقي، وإن دلت على تجربة تتغيى إدراك حقيقة ارتباط الإنسان بالمطلقات، سواء في عالم الإله، والنبوة، والرسالة، أو في عالم الوجود، والكون، والطبيعة، والحياة. ومن هنا، فإن التصوف في إطلاقه، له بعدان: روحي، ومادي، والروحي منهما، هو المتصل بعالم الحقيقة، والمادي منهما، هو المتصل بالمعرفة، وكلاهما يفسران ذلك السؤال الجوهري الذي انطوت عليه الذوات في علاقتها مع الأشياء الموجودة في وجودها، وفي طبيعتها، وفي حياتها، وفي كونها.
إذا أدركنا أنه لا يمكن أن يكون لفظ التصوف دالا على جوهر الموضوع وحقيقته الميتافيزيقية، فإننا لا نستكنه في تشخيص حقيقته الوضعية إلا أنموذجا معينا في الحقيقة، والمعرفة، له طرقه في إدراك ما وراء العالم الطبعي من مطلقات، ووسائله في تنزيل ذلك على الحقائق المدركة بمباشرة الحس، والعيان. ولذا، فإن التصوف بهذا المعنى له معنيان: معنى مرتبط بالمعرفة. ومعنى مرتبط بفلسفة الأخلاق. فالمعنى المرتبط بالمعرفة، تتغيى كسب اليقين في الإدراك الكلي للمعاني الإلهية، والمعنى المرتبط بفلسة الأخلاق، يتغيى سمو النفس، ورقي الذات. وكلاهما يمتزجان في التجربة الصوفية، فيكون كل واحد خادما للآخر بما يقتضيه الكمال الذي يسعى إليه الإنسان في تاريخه الروحي، وعلاقته بتجربته المادية.
ونخلص من هذا إلى أمور نجملها فيما يلي:
1-إن حقيقة الشيء هو ما تقع عليه ماهيته. وهذا الشيء إما أن يكون حاضرا بصورته في خيالنا، وإحساسنا، وهو ما ندركه بالحس، والعيان، وإما أن يكون متخيلا بصورة لا حدود لها، ولا قيود، وما هو ما يصعب علينا إدراكه فيما هو ماثل بين أعيننا، ولكننا نرسم له رسوما ونقوشا توحي إليه، وقد يكون ذلك مما لا يجوز تحديده بعقولنا، لعدم نهائيته، أو مما لا يمكن أن نجد له صورة في الذهن، ولو كانت موجودة بين الحقائق. وكلا الأمرين يندرجان في عالم الروح، والوجدان، والإحساس الباطني. والتصوف من هذا النوع، لأنه ليس علما حتى يقيد، بل هو تجربة قائمة على الاختبار المادي، والاستسلام الروحي.
2-إن الإدراك لهذه الحقائق مختلف باختلاف صفاء حواسنا الباطنية في الإدراك، ومتعدد بتنوع مناهجنا في استكناه ما هو جوهري مما هو ثانوي في الحقائق المدركة. ولذا لا يمكن مطابقة ذلك المصور لما هو عليه في هويته، لأن تطابق الاصطلاح مع محتواه، ومعناه، لا يتم إلا في دائرة العقل بالاختبار كما قال المناطقة. لكن ذلك مرتبط بالحقيقة العلمية الموضوعية، لأنها تستجلى بالنظر العقلي، لكن الحقيقة الروحية، الغيبية، الوجودية، لا يمكن استكشافها ولا استظهارها إلا بالذوق، والكشف، والمشاهدة الباطنية. ومن ثم، فإن الحقيقة المنطقية، ولو تطابقت مع الواقع، لا تخرج عن مفهوم التجريد، بينما الحقيقة الغيبية، لا يتحقق مناطها إلا بالكشف.
3-إن التصوف في ارتباطه بالمطلق، هي تفسير للبعد الروحي للوجود، وفي ارتباطه بالمقيد، هو تحقيق للصورة الإلهية في سمو الإنسان. ومن هنا، فإن التصوف في حقيقته نظرية من نظريات المعرفية، لها مناهجها، وتجاربها، وهي مختلفة باختلاف الاستعدادات، والطاقات، والإرادات، ومتنوعة بتنوع طرق استجلاء الحقيقة، والسفر الروحي في خضم الكون، والطبيعة، والحياة. ولا غرابة إذا تعمق الصراع بين أهل الظاهر، والباطن، لأن رحلة الصوفي بين الأحوال، والمقامات، هي التي تحدد سيره، ووصله، ووصاله، لكن أهل الظاهر، قد اكتفوا بالصورة الآدمية، والحقيقة البشرية، فحاولوا تطويعها لأنظمة خاصة تحقق الحاجات المادية في الحياة. فكان كلامهم موئلا للأحكام المختلفة، بينما الصوفي يعيش الاغتراب عن الأكوان، ما دامت روحه لم تتصل بينوع النور الذي أفاض على الكون بالوجود.
ثانيا: إذا كان المقصود من التعريف هو إفادة العلم بالمعرف، واستحضار صورة الموضوع في الذهن، فإن تعريف التصوف ليس من هذا النوع الذي يحدد ماهيته، وهويته. فقد عرف بمئات التعريفات كما مر معنا، ولكنها لا تستجلي حقيقته، وإنما تبحث في ظواهره، ومقاماته، وأحواله. وهذا ما جعل المنكرين للتصوف يعارضون قدم أصليته، لبعد حقيقته، وغور معناه.
وسر هذا التعدد في التعريف، لا يمكن فك لغزه إلا بتفكيك الباحث لبنية التصوف، لعله يستظهر تلك الكليات التي تنتهي إليها كل الجزئيات المحددة لموضوعاته في التجربة البشرية. ومن ثم، فإن التصوف حركة في مجالي القلب، والروح، قبل أن تنزل إلى المستوى الأدنى، فتكون علاجا للنفس من أمراضها المعنوية، والتكليفية. وهذه الحركة موقعها ومضمونها هو الفرد، أو الجماعة، وتنطلق أفقيا في خط تصاعدي، وتنتهي عموديا إلى ذات الإنسان الباحث عن عوالم نفسه، والناقب عن موارد النقص
في تجربته الذاتية، ومواطن القوة في تركيبة مبادئه، وقيمه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التصوف إذا كان موضوعه الإنسان، بكل مكوناته الفيزيولوجية، والسيكولوجية، فإن معناه يشمل أيضا حركة كل علاقاته الخارجية المرتبطة باستظهار حقائق تجليات الأسماء والصفات في الوجود، والكون، والحياة، والطبيعة، والإنسان. ومن هنا، ارتبط التصوف بالروح، على اعتبارها صلة موصولة بعالم الأزل، كما أنه ارتبط بالذات، على اعتبارها ماهية يحددها الجسم، والجسد، وما كمن فيهما من لطف التكوين الإلهي، وجمال التدبير الأزلي. ولذا يكون الروح معراجا نحو السماء، والذات براقا ينقل خطوات الجسد بين رغباته المحددة، وغير المحددة، وينطلق به نحو السمو والكمال في المعرفة، والذوق، والسلوك.
إذا كان التصوف حركة يمتزج فيها ما هو روحي، بما هو مادي، فإن الغاية منه، هو إخضاع كل الكليات التي تتكون منها الذات لذلك الكل الأزلي. وذلك ما لا يطيق العقل إدراكه، ولا اللغة إظهاره. لأنه انفعال باطني، ووجداني، ومحله عمق تجربة فلسفة الإنسان في بعديها المادي، والمعنوي. وعلى هذا يعسر على العقل أن يجد له تعريفا محددا، لأنه من عالم خفي، لا جلي، وهو عالم الروح الذي لا يدرك كنهه إلا الله عز وجل. وطبعي أن يفسر كل شيء في حدوده المكنونة لذاته، وجوهره. وما لا حدود له، وهو المطلق الذي لا يقيده العقل، فلا يجوز لنا أن نفسره بالمقيد. وهنا تاهت العبارة التي استوجبت قتل السهروردي، والحلاج، وابن سبعين، وضاعت العبارة التي كفرت أهل المعاني لبوحهم بسر لا تطويه اللغة، ولا الفكرة. وحقا، فإن المنهج العلمي يقتضي أن تدرس كل مادة بقوانينها في الطبيعة، فما هو من عالم المادة، فيدرس في المادة، وما هو روحي، فلا يجوز أن تجرى عليه أحكام المادة. وإلا، عسفنا على المرتب، وطالبنا تفسير ما هو وجداني وعاطفي بما هو محدود للإحساس الذهني، والعقلي، والفكري. وإذا قلنا بتعذر ذلك في مجال التصوف، فإننا نقوله فيما كل ما يعتمد اللغة الباطنية من حكمة، وفلسفة، وشعر، وخاطرة، ورسم، ونقش. فدراسة هذه الأشياء في حدودها المادية المرتبطة باللغة، ورمزيتها، وإشارتها، لا تمنحنا جلاء الصورة كما هي مركبة في الذات. ومهما زعمنا أننا قد بلغنا كنهها، وحقيقتها، فإننا نختلف في ذلك اختلافا يجعلنا ننطق بالأحكام المرتبطة بسماتنا النفسية، وخاصياتنا العقلية. فنحكم بما هو غالب على ظننا، لا بما هو مفيد لليقين الذين يزيل الاختلاف، والالتباس.
وهكذا، تصير اللغة في منطوقها إشارة إلى المعنى المفهوم منها تبعا لذات الباحث عن حقيقتها، لا هو ذلك المراد المقصود حقيقة بدلالتها. وهنا يكون المعنى الحقيقي للغة، هو ذلك الفهم المستكنه في الذات إلهاما، لا تحريرا، وتكون الحقيقة المدركة هو ما تستلزمه من التصديق، أو التكذيب، ويكون الأثر هو ذلك الرضا المحدد في الذات اعتقادا، أو إنكارا، ويكون جماع التجربة هو معنىً لقوله تعالى: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا." فالروح من عالم الله التي هي أمر من أموره، أو أمر من أوامره، وحقيقتها لا تستفاد بالحواس المدركة، ولا تنال بالوسائط المتصلة. وكل ما انتهى إليها من تجارب، لا يمكن فهمه إلا في دائرة استفراد علم الله عز وجل به.
ومن المعهود عند المناطقة أن المحسوسات لا تنال إلا بالمشاهدة، والمعقولات لا تنال إلا بالوسائط، وهما مادة المعارف (العلوم) النظرية التي يكتسبها العقل بوسائل أنظاره، وأذواقه. لكن العلم بالروح مقاما، وحالا، ليس من مقدور العقل أن يحده، ولا أن يرسمه، لخروجه عن حدود مدار تحليقه، وتهويمه. يقول الجرجاني في تعريفاته: "الروح الإنساني، هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الراكبة على الروح الحيواني، نازل من عالم الأمر، تعجز العقول عن إدراك كنهه." وبناء على هذا، فالروح نازلة من عالم الملك المقتضي للجبروت، ومرتبط بكينونة كن الإلهية ، ومتصل بعالم الملكوت المقتضية للرحموت. وهي التي عناها القرآن بالأمر في قوله تعالى: "قل الروح من أمر ربي." ولهذا، هل في قدرة العقل أن يدرك سر هذه اللطيفة بجهوده المضنية.؟ وهل في مكنة اللغة بقدراتها الدلالية أن تعبر عن سر امتزاجها بالذات.؟ أو هل في محمول ملكة اللغة أن تصف تجلياتها على النفس، والعقل، والقلب.؟
إن العقل كما قلنا لا ينفذ إلا إلى المحسوسات، واللغة لا تحدد إلا المعقولات. ولذا، لا سلطان لأحد منهما على اختراق مدار الروح، واكتشاف عوالمها الباطنية. إذ مرتبة العقل في المعرفة دون مرتبة القلب. ولولا القلب، لما أيقنا بكثير من العلوم المرتبطة بالغيب. وهكذا، فإن العقل في عالم الشهادة، إما أن يكون مرتبطا بحواس النفس، وإما أن يكون مقيدا بإدراكات القلب. وهنا أخطأ كثير ممن جعلوا العقل دليلا مستقلا في إثبات كل الحقائق الدينية، لأنه ومهما كان قويا في إدراك النافع، والضار، والسعادة، والشقاوة، والحب، والكره، فإنه لا يطيق أن يتجاوز حدود ما هو مرئي إلى غير المشاهد في حواسه، وإلا، فإن الدليل عند تجاوزه لحدوده، ليس من ذاته، بل من أدلة أخرى يُعد النقل واحدا منها في الدلالة. وإذا امتلك العقل خيط النور في عالم الروح، واستطاعت اللغة التعبير عن مكنون الباطن، فهناك يمكن لنا أن نرسم صورة ذهنية للتصوف، وتخطيطا عقليا لحقيقته، وحقيقة لغوية للشعور به. وذلك مما لا يستطيع العقل الوصول إليه، ولا البلوغ إلى دائرته، لأنه محصور في إدراكه بالمعقولات، أو الماديات، بل عجزه عن تحديد الميتافيزيقيات، هو الإدراك عينه. ولله در الرازي حين قال:
نهاية إقدام العقول عقال +++ وأكثر سعي العالمين ضلال
فما ينتهي إليه العقل من حدود، ورسوم، هو بداية المعرفة القلبية. وإذا حصل الفقه بالقلب، وفيه، كان سببا لمرافقة الذات لروحها في عوالمها الباطنية. وإ ذاك، يكون الدليل متفاوتا بين المراتب. فلأهل الظاهر ما سبقت إليه العقول في المعرفة، ولأهل الباطن ما انتهت إليه القلوب في عالم الروح الأزلية. ولكل واحد منهما مدار خاص به في دائرته العرفانية. ولولا ذلك الاختلاف في المراتب بين الحقائق، لما نعى الكليم ما خرج عن دائرة شريعته في فعل الخضر. لكن الخضر في وضوح رؤيته، لم يكن إلا دليلا رمزيا على وجود معرفة لها حدود أخرى، قد تتجاوز الشرائع في نصها الظاهري، ولكنها حقيقتها في النص الباطني. وهنا أخطا من ظن الفرق بين المرتبتين، لأنه لم يطق أن يعرف سر ارتباطهما، ولا خيط اتصالهما. وهما في كليتهما من معين واحد، وإن كان لكل واحدة منهما أهلها، وخاصتها.
ومن هنا، فإن تعاريف المتصوفة الموجودة في كتب التصوف، قد آثرت الإشارة على العبارة، والذوق الوجداني على الإحساس الذهني، فكل يعبر حسب قدرته على تطويع الدلالة لذلك الإحساس الذي يقرب صورته بعبارته، ويبدد به عوالم اللغة، لكي تكون ألفاظها المحدودة قادرة على حمل هذه المعاني المتناهية في الخفاء. وهذا الاختلاف في التعاريف، كان سببا في تأليب خصوم الحياة الروحية على التصوف، وتبخيس المنكرين لمقاماته، وأحواله، فهل يعني الاختلاف في التعريف، أن التصوف حادث في الملة.؟ أو بعبارة أخرى، هل التصوف معنى هلامي لا يمكن دركه.؟
لن أجيب عن هذا السؤال في هذا المقال، ولنا إجابة عنه فيما سيأتي، لكن قبل أن أغلق باب ما جادت به اللحظة من كلام، لا بد أن أشير هنا إلى خلاصات أجملها فيما يلي:
1- إن التصوف في حدود الحصر، والقصر، لا يعني أكثر مما تعارفنا على تسميته بالتجربة الروحية. وكلُّ ما علق بها من تربية، وتزكية، وتصفية، ما هو إلا وسائل تستكنه هذه الحقيقة. ولهذا يصعب تحديد معنى التجربة في الروح، ولكن يمكن استجلاءها من سيرة الإنسان المرتبطة بعالم الربوبية، وبعالم البشرية.
2- يعسر تحديد التصوف بتعريف يكون مناطا لحقيقته، ويعتبر جامعا لجزئياته، ومانعا لمحترزاته. لأنه مرتبط بتجربة الباطن في الباطن، لا في الظاهر.
3- إذا كان التصوف هو التجربة، فهل نعني ذلك اليومي الذي يعيشه الصوفي. أي المشاهد في حركاته الظاهرية.؟ أو نعني ذلك المدار الروحي الذي يحلق في شاعريته ناي المتصوفة المحلق في تغريده بجناح العشق، والسياحة، والسماع.؟ لو عنينا بالتصوف المعنى الأول، فإننا نعني دور فلسفة الحقيقة في تحقيق التكليف بالشريعة. وذلك ما يقصده كثير من الباحثين في التصوف العملي، لا الفلسفي. بل جامل به بعض الصوفية -من أهل السلوك، لا من أهل المعاني.- الخصوم، ونافح عنه من سمى معاني الصوفية شطحا، لا لأنها غير مدركة بأحد وجوه الإدراك، بل لكونها صعبة التصور، فكيف بتصديقها. وكأنهم في الاعتداد بهذا الفهم الذي يمزج بين الحقيقة، والشريعة، يقتصرون في التصوف على فلسفته المرتبطة بالتعايش مع الحياة، وفق نظام تشريعي، وتكويني. وذلك مما يضطر معه بعض الصوفية إلى التقسيم والتجزئة بين الشيء الواحد، فيكون ذا تصوفا، وذاك شطحا، وهو الخطأ عينه في التحديد، والتقييد، لأن سبق التصور على التصديق، لا يعتبر رأيا وجيها في بناء المعرفة كما سنبين فيما بعد. وإن عيننا المعنى الثاني، فإننا نقصد تلك التجربة التي يخوضها الصوفي في عالم الروح. وذلك خاضع لمنهج خاص يحصل بالالتزام به التحليق والتحويم حول المعاني الروجية المخزونة في لغة الكون الأزلي.
4- إن التجربة الروحية تختلف باختلاف الأفراد، والاستعدادات، والطاقات. ولذا يمكن تجزئتها إلى قسمين: الأول: الانطلاق من عالم فهم الذات المادية إلى فهم حقائق الروح، وتجلياته، وإشراقاته. الثاني: الانطلاق من الروح بعد الإيقان بالعجز عن درك ماهيته إلى الذات، من أجل فهم أسرار النفس، والعقل، والقلب. وكل ذلك له موارد عند الصوفية، وهو ما عناه بعضهم بالمريد، أو المراد، أو ما عناه بعضهم بالسير والسلوك على طريقي المراقبة، والمشاهدة.
يتبع



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تلتبس المفاهيم
- ناسك في دير الحرف 1
- ناسك في دير الحرف 2
- مقالات في التصوف
- حقيقة المجرم
- مفهوم الحقيقة
- إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس
- أفكار مسوقة (الجزء السادس)
- أفكار مسروقة (الجزء الخامس)
- أفكار مسروقة الجزء الرابع
- أفكار مسروقة (الجزء الثالث)
- أفكار مسروقة (الجزء الثاني)
- أفكار مسروقة (الجزء الأول)
- صرخة براءة صغير
- همم الحكماء، وذمم السفهاء
- تعدد الزوجات بين فحوى النص، وفوضى اللص.
- دموع الجمعة
- رسالة حب إلى أوشو
- تأملات في خلفية داعش


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - جذور المعرفة الصوفية