أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جدعون ليفي - الجنازة الثالثة في دوما















المزيد.....

الجنازة الثالثة في دوما


جدعون ليفي

الحوار المتمدن-العدد: 4924 - 2015 / 9 / 14 - 08:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جدعون ليفي واليكس ليبك


شُيّعتْ يوم الثلاثاء الموافق 8/9/2015، جنازة رهام دوابشة، الضحية الثالثة في عمليّة حرق بيت العائلة قبل شهر، بجوٍّ مُكهْرب، وبحضور الآلاف، شُيِّعت من المدرسة التي سُمّيَتْ على اسم ابنها علي. خلف المدرسة برز البيت الذي عاشت فيه مع زوجها سعد وابنيهما علي وأحمد الذي تيتّم، ولا يزال يرقد في المستشفى في حالة خطرة، وعلى حيطان البيت لا زالت صورة العائلة التي أبيدت معلقة.
المدرسة الوحيدة في العالم التي سُمِّيت على اسم طفل عمره سنة ونصف، خرجت من ساحة المدرسة الجنازة الثالثة خلال ستة أسابيع، كانت هذه المرة جنازة أمّ الطفل الذي على اسمه سميت المدرسة،مدرسة الشهيد علي دوابشة، أعطي اسمه للمدرسة قبل أيّام، لافتة التخليد معلّقة على جدار المدرسة، امتلأت الساحة بالمعزّين، عندما كان الجثمان يُشرّح في معهد الطب الشرعي في نابلس، وصلت سيارة الإسعاف بعد الظهر وفيها جثمان رهام دوابشة المحترقة – الزوجة، الأمّ، المعلِّمة، والتي بقي من عائلتها على قيد الحياة ناجٍ واحدٌ، أحمد ابن الأربعة أعوام، الراقد في مستشفى شيبا في حالة خطرة، ماتت رهام بسبب حروقها في عيد ميلادها الـ 27، زوجها سعد لفظ أنفاسه قبلها بأربعة اسابيع، في الذكرى السنويّة لزواجهما، ابنهما الأصغر ابن السّنة والنصف مات بعد أن شبّت بجسمه النار التي أشعلها المجرمون في البيت.
لا زالت رائحة النار تملأ البيت الذي يقع على بعد خطوات من المدرسة التي سمِّيت على اسم علي، كأن النار لا زالت تلاحقه لتشتعل من جديد، بيت على شكل مكعب، بسيط وصغير، جدرانه الخارجية رماديّة، عليها آثار الّدُّخان الأسود، من النار التي اشتعلت فيه، غرفة استقبال ومطبخ وغرفة أولاد، فيه ربّى الزوجان ابنيهما، وحلموا بالحياة، الزجاجة الحارقة التي أُلْقيَت على غرفة الأولاد المُحدّدة قطعت حلم العائلة البسيط، وبقي الآن منه الرماد وثلاثة قبور.
لا زالت تقف في وسط الغرفة عربة الطفل علي، يغطّيها علم فلسطين، نصب تذكاريّ للطفل، كل ما تبقى احترق كليّا، جهاز التلفزيون، جهاز الميكرو المفحم، الستائر الممزقة، الشبابيك المحطّمة، السجاجيد المترمِّدة، حتّى أكياس مواد الغسل وزجاجات الصابون تحوّلت إلى رماد، يقدِّس قليلا أبناء عائلة دوابشة.
"غابة مكشوفة –مغلقة/ جوفها بالٍ/ حلقاتها مُحْكَمَة/ رمادها مقليّ/ ليس فيها حجر على حجر/ أو غصن للهشيم/ ولا فيها موقد رماد/أو خبز/ أو نار/ أو ماء/ بها حفنة / فقط من رماد." (" يوم الانصهار" موشي طبنكين)
البيت مظلم، بدون كهرباء، الغرفة مغطاة بطبقة كثيفة من الرماد، هدوء ثقيل، مخيف يملأ فراغ الغرفة، من الصعب البقاء فيه هادئا نفسيّا لدقائق معدودة، كان يمكن أن يكون هذا البيت قِبلة للإسرائيليين، أمس (يوم الثلاثاء)، عند تشييع الجنازة لم يحضر يهودي ابدا، باستثناء صحفي واحد أو اثنين، جلس بعض الشبان الفلسطينيين عند مدخل البيت، كأنهم يحمونه من كارثة أخرى، صورة جديدة في الممر، مع نجمة داود زرقاء تشعل النار بسرير طفل، والطفل محاصر بجماجم سوداء، بعد قليل عند خروج الجنازة يردد الشباب في الخارج هتافات بإيقاع معيّن "إسرائيل دولة إرهاب، إسرائيل دولة إرهاب" وتردد المدرسة صدى أصواتهم.
عُلِّقت فوق عربة الطفل صورة العائلة بالأسْود والأبيض، الأب والأمّ والطفل، صورة عاديّة، في كل بيت تقريبا يوجد مثلها، على كلّ براد، مات كلّ الذين في الصورة، بكاء طفل يعلو من بيت الجيران، دوما تنتظر فقيدتها بتوتر شديد، سكانها يحتشدون على السطوح وفي الشرفات، قرية فلسطينيّة نائية، على خط هوائي مع تل ابيب باتّجاه غور الأردن المُحْتل، قلة سمعت عنها قبل مقتل هذه الثلاثيّة.
في ساعات الظهر وقف عشرات الشباب، وعلامات الغضب والاحباط بادية عليهم، احتشدوا عند زوايا الطرقات المؤدِّية إلى المدرسة، فجأة ظهر حاجز لجيش الدفاع الإسرائيلي، مع قوّة متزايدة على الشارع، منع الجنود الإسرائيليين من السفر على الشارع بحجة إلقاء الحجارة، لم نر لذلك أية علامة، كان الجوّ متوترا في القرية، انتظرنا قريبان للمتوفاة وقادانا إلى البيت.
هناك، على إحدى الهضاب جلس قتَلَة عائلة دوابشة – يضحكون، حتى الآن لم يُعْتَقَلوا، وربما لن يعتقلوا أبدا. غيل-عاد شاعر، نفتالي فرنكل، وأيال يفراح، قادوا فرع الأمن بشكل آخر تماما: بدأت عمليّة "عودوا أيّها الإخوة"، أحد الموقوفين في حينه الشيخ حسن يوسف خليل جاء أمس لحضور تشييع جنازة ريهام دوابشة.
الشيخ حسن من قادة حماس، ووالد "الأمير الأخضر" ( عميل الشاباك الإسرائيلي الذي تنصّر وهاجر) جلس في الصفوف الأولى في فناء المدرسة، أكْثَرَ من اللقاءات مع وسائل الإعلام الفلسطينية. قَتَلَة طلاب المدرسة الدينية اليهودية اعْتُقِلوا وقُتِلوا. في دوما أرادوا ان يروا نتيجة مماثلة بالنسبة لقَتَلَة عائلة دوابشة.
كُتِب على لائحة مرفوعة في ساحة المدرسة "الاحتلال هو المجرم" وكُتِب في أسفلها "قتلوا العائلة"، وفي دوما يسير الحزن مع التطوّر، يدا بيد، طالبات وطلاب المدرسة المختلطة هذه سيذكرون عند مجيئهم وعند ذهابهم هذه العبارة، تنبعث آيات حزن قرآنيّة من مكبر الصوت في مسجد القرية، تضيف جوّا من الحزن، رفع حَمَلَة أعلام فتح في قضاء نابلس أعلام منظمتهم، ومعهم اثنان أو ثلاثة من أعلام حماس، وعلم أحمر للجبهة الشعبيّة، ساروا معا فلسطين متحدة، يُعْلَن أن الجثّة خرجت من نابلس، وفي طريقها إلى دوما.
وصلت سيارة الإسعاف بعد نصف ساعة، فارتفعت هتافات الشباب، وزاد الغضب، "بالروح بالدم نفديك يا شهيد" أخِذت جثة رهام أوّلا إلى والديها، حيث أقيمت هناك صلاة قصيرة، ثم إلى ساحة المدرسة التي سُميت على اسم ابنها، رهام معلمة علمت في مدرسة في قرية جوريش المجاورة، تقول التي زارتها في قسم العناية المكثفة في مستشفى شيبا، حيث كانت مُنَوّمة وتتنفس بواسطة أجهزة تنفس اصطناعيّة،إن وجهها لم يُشوّه، وتعابيره هادئة، وأن 90% من جسمها احترق بأكبر درجات الحروق.
حملها ستة جنود فلسطينيين، مسلحين ببنادق قديمة،غُطي النعش بفراء بني، فوقه علم الوطن، ووضع في ملعب كرة الطائرة في مدرسة دوما، بعد صلاة الجنازة نُقِلَ النعش إلى مقبرة القرية القريبة والمُهْملة، بين بيوت لم يكتمل بناؤها، تمر الطريق إلى المقبرة بين الأشواك، تبدو قبور كثيرة كأنّها متروكة، بعد دقائق ستُدْفن رهام بجانب زوجها وابنها، في قبر العائلة الذي لم يخططه أحد، احتشد مئات الأشخاص حول القبر، وكثيرون آخرون راقبوا من البنايات المجاورة، عندما أبّن مسئولون فلسطينيون بكلمات بليغة، رغم الغضب، ورغم أن الجنازة هي الثالثة، ورغم أن إسرائيل لم تعتقل المجرمين، حافظ الجميع على ضبط النفس ولم يبدُ أن الغضب سيسيطر.
على كرسيّ من البلاستيك جلس الجدّ حسين، أبو الفقيدة، بفضل وجهه الملتحي ولغته العبرية أصبح شخصية معروفة في إسرائيل، لم يترك سرير ابنته وحفيده في مستشفى شيبا، بان عليه آثار تعب الأسابيع الأخيرة، وظهر أمس (يوم الثلاثاء)، منهكا ومصدوما، يشرب ويصمت، وفاة ابنته التي كانت في حالة خطرة كانت أمرا متوقعا، ومع ذلك بدا الرجل منكسرا، كانت هذه الجنازة الثالثة لأيوب هذا الزمن، في البداية حفيده، ثم صهره، والآن ابنته، كان عليه الإسراع للعودة إلى جانب سرير حفيده الثاني أحمد ابن الرابعة، طفل محروق لم يبق له في حياته سوى جدِّه، كان مقتنعا أمس ان أحمد يدرك في أعماقه أن أمّه قد ماتت.


// - هآرتس
(ترجمة: أمين خير الدين)



#جدعون_ليفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطنون الأمريكيون من أصل فلسطيني يُهانون عند دخولهم إلى إ ...
- القائمة المشتركة بصيص ضوء في هذه الانتخابات
- أب وابنه لم يلتقيا ولن يلتقيا
- أربع رصاصات خاطئة، وصفر اعتذار
- ليس عيبًا: الدم اليهودي يساوي أكثر!
- زوجته وابنه
- يمكن أن نفهم حماس
- السيئون للطيران(*)
- المرحلة القبيحة
- يوم ميلاد بيرس التسعين: احتفال مليء بالكذب والتضليل والخداع
- انقضى زمان القصف
- رسالة رد من -مساعد ارهاب-
- حقيبة اكاذيب الجيش الاسرائيلي
- اسرائيل 2011: ليس من الشرعي الدفاع عن حقوق الانسان
- دولة ال لا - لا
- إزاء هذه العنصرية كلها
- استفتاء شعبي غير أخلاقي
- من هو الضحية الحقيقي
- جُبْن صفدي عفِن
- زمن فك الارتباط


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جدعون ليفي - الجنازة الثالثة في دوما