|
الكارثة السورية سياسية بامتياز
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 4920 - 2015 / 9 / 9 - 23:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحتفل الرئيس أوباما في هذه الأيام بالذات بانتصاره السياسي الباهر بعد أن ضمن لنفسه عدد الاصوات المطلوبة في مجلس الشيوخ لمنع التصويت ضد الاتفاق النووي مع إيران. رغم أن الأغلبية في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري المعارض تقف بشدة ضد الاتفاق، واستطلاعات الرأي العام تشير إلى أن غالبية الشعب الامريكي يعارض أيضا هذا الاتفاق إلا أن أوباما يمضي في طريقه لإتمام ما يعتبره أكبر إنجاز في سياسته الخارجية وهو منع إيران من امتلاك القنبلة النووية. ربما سيحقق أوباما هذا الهدف ولكن الثمن سيكون غالياً جداً وأكبر دليل على ذلك هو الكارثة الانسانية التي نشهدها هذه الأيام والمتمثلة بتدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا. ففي نفس الوقت الذي يحتفل فيه أوباما بإنجازه الكبير يبكي العالم برمته وهو يشهد صورة إيلان الكردي مرمي على شاطئ البحر التركي، إيلان الطفل أيقظ بموته ضمير العالم الذي بقي غير مبالٍ أمام الصور التي تُبث يومياً من سوريا، صور الدمار، الموت، التعذيب، التهجير، البكاء، البرد القارس والحر الحارق. هذه الكارثة من صنع بشار الأسد، إيران وروسيا. ولكن لهم شركاء أيضاً، وهم كل هؤلاء الذين امتنعوا بحجج مختلفة عن التدخل في سورية من أجل وضع حد للمذبحة الرهيبة التي أودت بحياة بربع مليون مواطن سوري واضطرت سبعة ملايين إلى اللجوء. ولم تكن موجة الهجرة الحالية من باب الصدفة بل إنها تتزامن مع إتمام الاتفاق مع إيران الذي يبيح للحرس الثوري الإيراني أن يستمر في حربه في سورية ويسمح للأسد أن يستمر في المجزرة دون معاقبة. وقد سبق الاتفاق مع إيران اتفاق مع روسيا حول السلاح الكيماوي الذي استخدم من قبل النظام في المجزرة الرهيبة في الغوطة الشرقية قبل سنتين من اليوم وقد مهد هذا الاتفاق المشؤوم الطريق نحو الاتفاق النووي مع إيران. وجاء اتفاق الكيماوي قبل سنتين ليكون بديلاً عن هجوم أمريكي بريطاني على النظام بعد أن وعد أوباما بالتدخل العسكري في حال اجتاز الأسد الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيماوي. وكانت النتيجة المباشرة لهذا الاتفاق بروز داعش على الساحة السورية الأمر الذي خلط كل الاوراق وأصبحت الغول الجديد الذي يتخوف منه الجميع بعدما استطاع أن يحتل مدينة الموصل ووصل إلى مشارف العاصمة بغداد. ولم تكتفِ أمريكا بإنقاذ الأسد بل إنها قامت بشن حرب على "الدولة الاسلامية" بالتنسيق مع الأسد ومع إيران وذلك ضمن تفاهم مع الروس. وها نحن أمام تطور جديد، فأوباما يحتفل واللاجئون السوريون يقومون برحلتهم الطويلة نحو أوروبا هرباً من الموت الأكيد. يستغل بوتين الفرصة ليصعّد الموقف وهو يتدخل بشكل مباشر في سورية ويتحدى الغرب مثلما فعل عندما احتل شبه جزيرة القرم ومن بعدها شرق أوكرانيا. وقد نقل برجاً للمراقبة الجوية إلى القاعدة الجوية قرب اللاذقية خدمة لسلاح الجو الروسي الذي سيقوم بطلعات هجومية لمحاربة الإرهاب. لكن "الإرهاب" بالنسبة لبوتين لا يقتصر على داعش فقط إنما يشمل كل القوى المعارضة التي تحارب نظام الأسد. وكل ما قامت به الولايات المتحدة هو الاتصال مع دول مثل اليونان وبلغاريا لمنع عبور طائرات النقل الروسية من أجوائها ومكالمة هاتفية من قبل جون كري إلى نظيره لافروف للتعبير عن القلق الأمريكي من هذه الخطوة الإستثنائية. إن التدخل الروسي يدل على موقف الروس من الأمريكان ومن الغرب بشكل عام، إن الزحف الغربي نحو إيران، الحرب على داعش دون الاكتراث بما يقوم به نظام الأسد يومياً من قصف بالبراميل المتفجرة على السكان العزل، النقاش الدائر اليوم في أوروبا حول اللاجئين السوريين واستعداد المانيا لاستيعاب نحو نصف مليون لاجئ دون أن يناقش الوضع في سورية بتاتاً، أو أن يحمّل بشار الاسد المسؤولية عما يحدث يشجع الروس وإيران على مباشرة حربهم ضد الشعب السوري وإنقاذ النظام المجرم بذريعة الحرب على الإرهاب. وما يدفع للدهشة هو الموقف البريطاني والفرنسي، الدولتين التين قررتا التدخل العسكري في سورية ضمن الائتلاف ضد داعش وكأن داعش هي من تتحمل المسؤولية عن تهجير وقتل الشعب السوري وليس النظام. فأمام هذا الموقف المتخاذل لا يبقى أمام بوتين إلا أن يستغل الفرصة وأن يوسع الامبراطورية الروسية ومثلما رأينا لا أحد مستعد لأن يتصدى له. إلا إن الموقف الأمريكي ومعه الأوروبي قد يعقد الأمور أكثر، فالتدخل الروسي في سورية إضافة إلى التدخل الإيراني من شأنه أن يزيد من الفوضى التي ستستفيد منها المنظمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة. إن التطرف الإسلامي هو نتيجة مباشرة لثلاثة عوامل أساسية، وحشية النظام وإجرامه ضد الشعب، التدخل الإيراني ولا مبالاة الغرب تجاه مصير سورية وشعبها. واليوم مع دخول الروس دفاعاً عن النظام سنرى مزيداً من التراجع الأمريكي ومحاولات لإرضاء بوتين من خلال مفاوضات شبيهة بالمفاوضات التي تمت حول القضية الأوكرانية والتي تم الاعتراف خلالها بضم شرق أوكرانيا إلى الفلك الروسي رغماً عن كل احتجاجات الغرب وأمريكا. إن الحل للسوريين مثلهم مثل العراقيين، اليمنيين، اللبنانيين، الليبيين وكل الشعوب العربية التي تعاني اليوم من حروب أهلية وتدخل روسي إيراني غير متوفر في المانيا الغنية أو في كندا، إن المشكلة ليست مليون لاجئ سوري بل 300 مليون مواطن عربي، وليس بمقدور أوروبا حل مشكلتهم ولكن من الممكن أن تساهم مع بقية المجتمع الدولي في إعادة بناء حياتهم ومجتمعهم على أرضهم وأوطانهم. إن الكارثة الإنسانية ناتجة عن فقدان للنظام الديمقراطي واقتصاد يخدم الشعب وليس الطغمة الحاكمة، إن الشعوب العربية قامت بثورة عارمة من أجل تغيير حياتها وما نراه هو رد فعل عنيف من كل أعداء الديمقراطية في العالم العربي وخارجها، بداية من إيران، وروسيا، وأمراء الخليج بتحالف مع الطبقة الحاكمة في كل بلد على اختلاف تركيبتها الإثنية. فالسعودية تقف مع السيسي في مصر في الوقت الذي تقف فيه إيران مع الأسد في سورية ولكن القاسم المشترك واضح: إغراق الربيع العربي ببحر من الدم. إن المطلوب هو نقل التجربة الديمقراطية إلى العالم العربي بدلاً من نقل السكان إلى أوروبا، ربما يتحجج البعض بأن الديمقراطية لا تصلح للعرب ومجتمعهم المحافظ ولكن آلاف الشهداء، المعتقلين والمشردين هم أكبر برهان على التوق إلى الحرية، والعيش بكرامة والطموح إلى بناء مجتمع عصري، متقدم، ديمقراطي يضمن لكل إنسان حرية الرأي، والعمل والتنقل بحرية والرفاهية الاجتماعية. فإذا استمر الغرب في حصر القضية في داعش كهدفٍ أول دون الدخول في الأسباب التي أدت إلى ظهور داعش والتطرف الديني وهو وجود أنظمة طائفية قمعية كما في العراق وسورية فالكارثة الإنسانية ستتفاقم وسنرى مزيداً من اللاجئين يتدفقون على أبواب أوروبا. لا بد من معالجة المشكلة من أساسها ولا يمكن اجتثاث التطرف الإسلامي دون استئصال أسبابه الرئيسية وهو نظام الاسد في سورية والنظام الطائفي الشيعي في العراق. الحرب على داعش من ناحية واستيعاب اللاجئين دون حل سياسي في سورية والعراق هو ليس خطأ فادحا فقط بل إنه بحد ذاته إجرام بحق الشعب السوري والعراقي في آن.
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحزن يغمر الرياض وتل ابيب
-
غزة تودع الضفة الغربية
-
فلسطين عالقة بتغيير جذري على الساحة العربية
-
اليمن تتمزق بين السعودية وإيران
-
نتنياهو يعرّي ابو مازن
-
الحرب على الإخوان
-
قطر تنضم الى محاصري غزة
-
وحدة عربية يهودية لهزيمة العنصرية والتطرف
-
انتفاضة الحجارة ردا على إنعاش مخطط الحكم الذاتي
-
شتّان ما بين الإيبولا وداعش
-
حزب دعم العمالي - وثيقة سياسية: الحرب على غزة وتفكك النظام ا
...
-
غزة تعمّق الانقسام في اسرائيل وفلسطين
-
نتانياهو يغرق في بحر غزة
-
-داعش- والفوضى المدمرة
-
قدسية التنسيق الامني
-
95% للدكتاتور
-
دولة إسرائيلية أم يهودية؟
-
المصالحة مناورة فاشلة
-
مهزلة التفاوض حول الأسرى الفلسطينيين
-
ما سر حب نتانياهو لبوتين؟
المزيد.....
-
احتمال الصراع الأهلي في سوريا يزداد
-
الجالية الروسية بعمّان تحتفل بيوم العمال
-
نائب وزير الخارجية التركي لبي بي سي: -حرب غير مسبوقة تُشنّ ض
...
-
إقالة أم استقالة؟ مستشار الأمن القومي يغادر منصبه على وقع تس
...
-
قاضٍ أمريكي يفرج عن الطالب الفلسطيني محسن مهداوي ويؤكد حقه ا
...
-
سوريا: أنباء عن اتفاق بتسليم السلاح الثقيل ودخول الأمن إلى ا
...
-
مركبة فضاء سوفيتية ضلت طريقها وتعود إلى الأرض بعد نصف قرن
-
السودان.. الدعم السريع تقصف العاصمة وسط تحذيرات أممية
-
مفوض أممي: الرعب في السودان لا حدود له
-
سلطات رومانيا ترحل مراسل RT إلى تركيا
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|