أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - فيروز شحرور - هل أعجبك الوطن يا أبي؟!














المزيد.....

هل أعجبك الوطن يا أبي؟!


فيروز شحرور
(Fairouz Shahrour)


الحوار المتمدن-العدد: 4919 - 2015 / 9 / 8 - 17:36
المحور: القضية الفلسطينية
    


لا زلتُ أردد أنني تعرفت على الوطن عبر صور مجزرة صبرا وشاتيلا وذلك في السفارة الفلسطينية في تونس حينما كان أبي يأخذني معه، حيث أفتقد لرائحة الكنب الجلدي ورائحة مكيف التبريد. كانت السفارة بالنسبة لي أمرًا معقدًا وذات مغزى، حيث أنني خارجها آخذ معي ما في داخلها، خصوصًا حينما يتراكم في رأسي الصور التي أراها على طول الممر من صور الشهداء لصور القادة والرموز الوطنية للعلم الفلسطيني للكتيبيات التي توثق المجازر! المجازر ومنظر الدماء والأشلاء وصور المعتقلين ومن هُشمت أعظام ركبهم بسبب سياسية تكسير العظام، كل ذلك لم يكن سهلاً، حيث كانت الأسئلة أكبر والأجوبة أكبر وأكبر وتُختصر بكلمة "لأننا فلسطينيون ولنا وطن"، حسنًا أين الوطن؟! لم لا نرحل هناك؟! كيف أتوا إلى وطننا؟! هل هربنا بسبب الضرب والقتل؟! ومع ذلك كان غالبًا أبي حريصًا على اصطحابي معه أينما ذهب، على الرغم من حجم الأسئلة التي لم أجد لها أجوبة، وبلاهتي أمام ما يحصل وما أرى، وكان يزيد الطين بلة حينما يريدنا أن نتعامل مع ما نراه وما نتعايشه على أنه جزء من هويتنا، العذاب جزء من الهوية! التناقض مع البيئة الخارجية جزء من الهوية! الوضع الطارئ هوية! وبالرغم من أن أبي وضعني في مدرسة عربية لا تونسية لأعايش الاختلاف مع الجنسيات الأخرى على أنه طبيعي، إلا أنني لم أجد مجالاً لأُعرف اختلافي فيه غير صور صبرا وشاتيلا وكوني طارئة! إن هذا التوتر الهويّاتي والمنفى، هو من خلق صورة مشتهاة للوطن وصورة متخيلة عما يجري، خصوصًا في المرات التي سنحت لنا الفرصة لزيارة الوطن عند عائلة والدتي والقصص التي كنت أسمعها منهم، وقد كانت لمة العائلة هي من أكثر الأمور التي دفعتنا للتقرب من فكرة الوطن والاعتقاد بأن الوطن هو نكهة العائلة، بالذات أختي الصغيرة والتي كانت دومًا ثائرة وتريد أطفالاً وعائلة كبيرة تلعب معهم، عائلة وحياة تختلف عن غربة المنفى.
بعد اتفاقية أوسلو عام 1994، تحديدًا عام 2001 قرر أبي العودة إلى الوطن-هكذا بكل بساطة- الوطن الذي لم يولد فيه لا هو ولا أنا، الوطن الذي رأيته على شكل زيارات أكثر منه، عاد فجأة من عمله حيث كان يعمل دبلوماسيًا في السفارة الفلسطينية، ولم نكن كعائلة مهيئين للعودة، فأمي على وشك الانتهاء من ورشة دهان البيت ونحن على أبواب المدراس، والآن على أبواب قرار لمرحلة جديدة!
نخزته سوسة الوطنية التي من أجلها ضحى بأشياء كثيرة قبل وضحى لأجلها تلك اللحظة، وسيستمر للنهاية كما يبدو.. كان يومًا بكائيًا حيث لم أستطع تركيب صورة الوطن وصورة الحياة فيه، كان شعورًا مبعثرًا وقراراً لم يكن في الحسبان، أذكر أنني حينما استلمت شهادتي، سألنا بعضنا نحن الطلبة كعادة كل نهاية فصل: رح نشوفك على السنة الجديدة؟! وكان الجواب نعم. لكننا رحلنا فجأة دون أن يكون بمقدوري حتى أن أعود لتلك اللحظة وأقول لها بكل بساطة: سنرحل! ولم أودع أحدًا، بدت تلك اللحظة من أشنع اللحظات التي مرت علي، كان بإمكاني ربما أن أحتفظ بذكريات مكتوبة منهم في دفتري، أو أدون أرقام هواتفهم أو أي شيء آخر.. لكنني فقدت كل شيء! ولم أستطع حتى هذه اللحظة الاستغناء عن عادة التعود والحسرة على كل ما لي! ورحلنا..!
أكاد أجزم أن أبي صُعق من الوطن أكثر منا، أكثر من أختي التي حملت كرسيها واختبئت تحت بيت الدرج خوفًا من صواريخ الاستعمار في الانتفاضة الثانية والتي بدأت بعد عودتنا بخمسة عشر يومًا -حيث كنا لم نستقر بعد- كأن الوطن يعوضنا عما لم نكابده! وأكثر من أختي الصغرى التي ثارت فيما مضى بما فيه الكفاية لتحصل على عائلة في الوطن، ثم نضجت باكرًا لتصاب بحالة أكثر ثورة لتعود إلى المنفى..! صعق من المشروع الوطني ومن الهيكل العام لما سنصبو إليه، صعق من الاستخفاف بالوطنيين، صعق وصعقنا جيمعًا بحسرات البعض على أيام الإدارة المدنية والسهرات في تل أبيب، من الإنحطاط الأخلاقي والقيمي الذي قالت لنا أمي عنه بأنكم: لن تجدوه في فلسطين، فلسطين بلد العزة والكرامة! أية كرامة؟! الكرامة التي استقبلتنا مستهزأة ممن عاد، الكرامة التي همشت الوطني على حساب المتسلق، الكرامة التي قسّمت الوطن كفتات خبز، الكرامة بتشويه مما ظل من وطننا وهي إنسانيتنا، تحطيم الإنسان في الإنسان، عن أية كرامة نتحدث؟!
كان درسًا قاسيًا ذاك الذي ورثناه، ذاك الصمت أمام الأسئلة الكبيرة، والتي جعلتني دومًا أوجه تلك النظرات إلى أبي، فأين وأين وأين..؟! أين الوطن الذي كنت أستشعره قريبًا في السفارة الفلسطينية، أين اختلافي الذي ضاع هنا، والذي شعرته مثل الغبار حينما ولجت الجامعة، ووجدتني محاطة ببضع طلبة يطالبونني بالقول لاجئة لا عائدة، رغمًا أن العودة أجمل نتيجة للجوء! وشعرت أنه لا وطن في الوطن، لقد جعلنا ذلك الدرس القاسي نرتّد إلى المنفى وإلى صورة الوطن الشهية فيه، فليس بإمكاني تخيل الوطن أبعد عن صورته التي تعرفت فيه عليها في المنفى، ولم يجعلنا الألم إلا تمسكًا فيه، فالوطن لا يختلف والكرامة لا تتبدل إلا من خلال ما نفعله، واليقين بأن المنفى في الوطن أشد وطأة من المنفى خارجه. إن هذا العالم ينقصه الحب لا أكثر ولا أقل، ينقصه الصدق ليصبح أجمل.. لا تنقصه خبرات مهنية ولا أدوات خارجية ولا أوهام ولا فلسفة المثقفين والسياسيين التي ضجّت جمالية العالم، ينقصه تلك السوسة التي قتلت كل شيء إلا الضمير، سوسة الوطن التي تنخر في الجسد مقولة: الموت ولا العار، وكما قال إبراهيم نصر الله في أناشيد الصباح:
سنةٌ.. واثنتان.. ثلاثونَ.. والبحرُ يأتي أليكْ
سنةٌ.. واثنتان.. ثلاثونَ.. والقيدُ أفق يديك
سنةٌ.. واثنتان.. ثلاثونَ.. كل المنافي عليك
سنةٌ.. واثنتان.. ثلاثونَ.. ماذا تبقى لديك؟
ما زلت تضحكُ، ترفع كفيك للفجر، تحلمُ!

فيروز شحرور
كاتبة وشاعرة فلسطينية



#فيروز_شحرور (هاشتاغ)       Fairouz_Shahrour#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مُبررات التَطبيع؛ حينما يُصبح الأمل خدعةً؛!
- إليكَ حسَن*..
- لو كنتُ وزيراً..
- من بيرزيت... هنا النَرويج!
- المشهد الفلسطيني ومحاولات تغييره إسرائيلياً
- أيلول الجامعي المشلول وأفق الحوار، إلى أين؟!
- أربعُ رسائل إلى زَوجي الراحل...
- اتجاهات العلوم الاجتماعية في السياق الفلسطيني
- أينكَ (منك)؟!
- 300 حَجر، أم 300 عَقل!
- نحنُ على مشارفِ الحريّة..!!!
- الدولة الحلم!!
- مساعدات أمريكية - للفلسطينيين-، أم مساعدات فلسطينية - للأمري ...
- إغتراب قسري
- إليها.. جدتي
- سيرة فيروز شحرور
- رواية -ما زال المسيح مصلوبا- ضمن قراءة تحليلية لشباب فلسطيني ...
- لننسى جميعا
- الكتابة النسوية: بين الحلم واضطهاد الواقع
- حينما تستريح الوطنية بشكل أو بآخر


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - فيروز شحرور - هل أعجبك الوطن يا أبي؟!