فنجان قهوة

ايمان محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4915 - 2015 / 9 / 4 - 21:03
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

فنجان قهوة
زقاق ضيق من أزقة بغداد القديمة ,مزدحم بالناس من بائع ساعات إلى الإسكافي الجوال شحاذ يتلو القرآن بلهجة
ملعثمة يسرق شفقة الناس بتلاوته كلمات الله ,عند ركن الشارع مقهى قديم يجلس صاحب المقهى على كرسي
من خشب بيده سيكارة مشتعلة ولكنه لا يدخنها ,يبدو شاردا يأخذ نفسا عميقا"ثم يطلقه كما لو أنه يلفظ حجرا من صدره يبدو عليه الكدر والحزن ..
توقفت عنده فملامحه تخفي سرا وفضولي يتوق لمعرفة سر ذلك الرجل الخمسيني ..
بدأت حواري بالسلام ثم تدرجت بالاسئلة حتى ضيفني بفنجان قهوة ,إرتشفت منها رشفة ..الله ما ألذ قهوتك يا حاج ,من علمك صنع هذه القهوة ؟
فتنهت و قال إنها قصة طويلة ..يسدل رأسه كما لو أنه يخفي شيئا مؤلما" لكن فضولي طلب منه رواية تلك القصة
-بالعشرينيات من عمري ,كنت شابا ارعنا" اشرب الخمر ..والداي صالحان لطالما سمعتهما يدعوان لي بالهداية
_ولدك كبر يا عبد الله ,فلنزوجه لعل الزواج يصلح أمره
كانت إمرأة جميلة وصبورة ..تركت الخمر لأيام معدودة أول ألأمر لكن عدت إليها بشراهة .
المسكينة صدمت حين شمت رائحة الخمر وهي تنبعث من فمي وانفي وكأس الخمر بيدي ,كان
ذلك في سطح البيت ,كادت تفقد وعيها لكنها تجلدت.
سمعتها تدعو لي عند الصلاة تحملت ضربي لها وعنفي معها حين اكون مخمورا ,كانت والدتها تزورها أحيانا
عند وقت الضحى ,تسألها :اين زوجك ألا يزال نائما ,والدك يقول انه كسول هذه الأيام ويتثاؤب كثيرا .
كنت اعمل مساعدا لوالدها الحداد ,قبل الزواج كنت نشطا ولكن بعده اصبحت كسولا احيانا .
تأتي اليّ وتيقظني
-اسماعيل ,استيقظ امي هنا تسأل عنك
وتسقيني قهوة لذيذة كي اصحو ,ذات يوم سألتها كيف تصنعين هذه القهوة ؟
فعلمتني سر قهواها التي كانت ألذ من الخمر التي أحتسيها كل يوم إثنين وخميس
ذات يوم إستيقظت عند الظهيرة في سطح البيت ,أحسست أن البيت خالي من الحياة كأنه بلا روح ,بارد ,
ساكن وموحش حتى الدجاج صامت والديك حزين...نزلت السلالم لأبحث عن فاطمة فوجدتها ملقاة
على أرضية الحمام ممسكة ببطنها بقبضة يدها اليسرى واليد الأخرى ممدودة على الأرض وكأنها تستنجد
...تذكرت وقتها كالحلم أنها كانت تشكو من ألم في بطنها ليلة أمس ولكن أنا ..
نعم أنا كنت مخمورا في وقتها ..قلت في نفسي فلتحل عليك اللعنة يا اسماعيل لقد قتلت زوجتك المخلصة .
تقرير الطبيب الشرعي عز الوفاة الى تسمم نتيجة انفجار المصران الأعور وعدم ذهابها الى المستشفى لإجراء العملية .
ادركت وقتها أن الكأس الذي يسليني هو نفسه قاتل زوجتي .
تركت الخمر وتبت الى الله و بدأت اعمل بائعا" للقهوة ومرت بضع سنوات و تزوجت مرة أخرى...
و ألآن انا اعامل زوجتي واولادي بما يرضي الله ولكن كلما امسكت بفنجان قهوة اتذكر
فاطمة التي وهبتني الدنيا والآخرة بينما انا سرقت منها حياتها فإنا لله و إنا إليه راجعون

#ايمان_محمد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل