أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - العالم العربي نموذجاً: الدولة حين تأكل المجتمع















المزيد.....

العالم العربي نموذجاً: الدولة حين تأكل المجتمع


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 4913 - 2015 / 9 / 2 - 11:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فرقٌ شاسع بين سلطة سياسية تعمل على توظيف آليات اشتغالها ومؤسساتها وموارد الدخل والثروة الوطنية لتمكين بنية الدولة وتأمين تطورها الارتقائي، وبين سلطة تفترس الدولة والمجتمع وتحوّلهما إلى أدوات لتمكين سطوتها القهرية. وتتموضع بين النمطين أشكال من الدول المتعددة. ففي نموذجنا العربي، تتموضع أجهزة الدولة ومؤسساتها في إطار تراتبية بيروقراطية هرمية وظيفتها الأساسية تمكين سطوة السلطة وهيمنتها على مفاصل الدولة ومراكز القرار فيها. وذلك يستدعي الإشارة إلى الصعوبة التي تكتنف عملية الفصل بين السلطة والدولة، وإن كان ذلك ممكناً، فإنه ينحصر في المستوى البحثي. ويعود السبب في ذلك إلى تماهي جوهر الدولة مع السلطة، وتجلّي الأخيرة كوجه مشوه للدولة. وهذا يدلل على أن مجتمعاتنا ما زالت تدور في إطار إعادة إنتاج السلطة المتكورة على ذاتها.
فالدولة العربية وإن اختلفت في أشكال تجلياتها، لكنها حتى اللحظة تقع تحت سطوة نزعة سلطوية فردية ـ فئوية «أوليغارشية»، توظف أجهزة الدولة لتمكين جذورها عميقاً في الدولة والمجتمع. فيتماهى في سياق ذلك الحاكم مع الدولة / السلطة، فيصبح أي انتقاد لآليات اشتغال الدولة نقداً شخصياً للحاكم وبطانته. وتضيع الفواصل بين شخص الحاكم والدولة التي تغور أبعادها وأشكال تجلياتها كافة إلى الداخل الشخصاني لـ «زعيم» يجتاف الدولة ويتقيأها سلطات قهرية. فاختصار الدولة إلى حدود سلطة الحاكم الفرد، يقــود إلى قطيعة ابستمولوجية/ معرفية وسياسية واقتصادية مع طبيعة الدولة المؤسساتية، ويحوّلها إلى سلطة ذات جوهر شخصاني ـ فئوي.
فالدولة بالتعريف الماركسي، هي أداة قمع طبقي. أو هي كما شبهها لينين عصا في يد الفئة الطبقية المهيمنة، وهذا يدلل على حالة الاندماج بين الدولة والسلطة. وهي بهذا المعنى تشكّل تعبيراً عن مصالح رأس المال الذي يعمل بدوره على تحويل رجال السياسة والدين إلى أدوات لحراسة مصالحه وتبريرها. وفي معظم الأحوال، يصبح الثلاثي المذكور أساس دولة السلطة. وكان لذلك التداخل دور كبير في تناقض الخطاب السياسي لمعارضات تداخلت أهدافها حتى تحولت إلى إشكالية يعجز بسببها زعماء تلك المعارضات عن الفصل بين النظام ـ السلطة، وبين الدولة. فاندغام الدولة بالسلطة أو تحوُّلها إلى دولة السلطة، جعل الفصل بينهما على المستوى النظري/ المعرفي والسياسي، وصولاً إلى الواقع المادي العياني، أمراً في غاية الصعوبة.
لكنَّ ذلك يجب ألا يكون سبباً في استهداف بنية الدولة، فذلك يقود إلى انهيار سلطتها المركزية، وإلى تصديع المجتمع وتفكيكه وإدخاله في سياق من التناقض والتصارع، وأيضاً يساهم في تفتيت الجغرافيا السياسية وتحويلها إلى جمّاعات بشرية وكانتونات لا رابط بينها سوى التنازع. ويتقاطع مع ذلك وإن بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة، ما حصل ويحصل في اليونان سواء من جهة تعامل الاتحاد الأوربي وحكام منطقة «اليورو»، أو فيما يتعلق بموقف حزب «سيريزا» وكيف تنكّر للاستفتاء الشعبي الذي رفض سياسات التقشف، وفوَّض مؤسسة الدولة للدفاع عن مصالح الفئات الفقيرة. لكن في مقابل ذلك فإن أليكسيس تسيبراس وحزبه اشتغلا بما يناقض ذلك. ودخلا في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول «اليورو» للحصول على قروض جديدة، وأيضاً لبحث آليات تطبيق حزمة واسعة من السياسات التقشفية التي ستفوق نتائجها السلبية ما كان سائداً قبل الاستفتاء. ومن المتوقع أن ذلك سوف يفاقم أزمة المديونية والتضخم، وسيكون له دور كبير في إعاقة التنمية الاقتصادية والبشرية، بالتالي ارتفاع معدل الفقر والبطالة. وإن دل ذلك على شيء، فعلى البنية الطبقية والوظيفية للدولة. وذلك لا يختلف في جوهره عن أشكال وآليات اشتغال سلطات عربية حوَّلت دولها إلى أدوات سلطوية، وإلى ساحات للتنافس والتصارع الدولي، بعدما تم تحويلها إلى أدوات وامتيازات لدول كبرى.
إن السياق التاريخي لتطور بنية الدولة، وأشكال تجلياتها في عالمنا العربي، كان يميل بشكل عام إلى تمكين دولة السلطة. وفي إطار ذلك كان يتم إخضاع مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أجهزة وأدوات وظيفية لتمكين نزعة التسلط القهرية. وكان ذلك يحتاج باستمرار إلى غطاء أيديولوجي وإلى الأجهزة الأمنية. وكان يندرج في الإطار الوظيفي ذاته: توظيف خطاب إسلامي رسمي لتبرير ممارسات الحاكم والدفاع عنه لتأمين شرعيته المطلوبة أمام الجمهور. ويتصل بذلك اعتماد خطاب أيديولوجي يزاوج بين ميول إسلامية رسمية، وبين خطاب قومي تجاهل رموزه كثيراً من القضايا الوطنية ـ الداخلية. ولم يكن لذلك أن يتحقق من دون سيطرة السلطة على المناخ الثقافي والأيديولوجي ووسائل القوة. فكان من نتائج ذلك انتقال التناقض بين السلطة والقوى المجتمعية من حقل الاشتغال السياسي إلى حقل الصراع المحمول على القوة المادية. إضافة إلى ذلك، فإن تضخم السلطة وتغوّلها على المجتمع ومؤسساته المدنية، كان يتجلى من خلال ممارسات سلطوية تتنافى مع الدولة بمفهومها الديموقراطي. وكان يتم في سياق مواجهة السلطة للمجتمع وقواه السياسية والمدنية، وتطويع أحزاب سياسية ومؤسسات مدنية وتحويلها إلى أدوات لتبرير ممارساتها وضمان استمرارها.
من جانب آخر، اشتغلت السلطة على نزع الدور الاجتماعي للدولة وتقليص دورها الاقتصادي التنموي، وذلك من خلال تحرير مفاعيل السوق وحركة رأس المال الذي هيمن لاحقاً على ناصية القرار السياسي والاقتصادي. وتزامن ذلك مع تضخم دور السلطة وهيمنة الأجهزة الأمنية، وكلاهما اشتغل على تأمين حرية حركة رأس المال، وتحجيم القوى السياسية والمدنية وتجفيف منابعها وضبط الحركات الاحتجاجية الناجمة عن ارتفاع مستوى الفقر والتهميش والاستقطاب الاجتماعي والاحتكار السياسي. فكانت نتيجة ذلك موات سياسي، وانتعاش حركات التطرف الأيديولوجي والعنف الأصولي ـ الجهادي.
برغم خطورة ما تخطط له دوائر صناعة القرار الدولي. إلا أن المقدمات التي ساهمت في وصول الأوضاع العربية إلى مآلاتها الراهنة ترتبط بشكل مباشر بعلاقة السلطة بالدولة والمجتمع. فالسلطة الممثلة ظاهرياً بالدولة كانت تشتغل على المزاوجة بين نهب الموارد الوطنية والتخلي عن مهامها الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، وبين اعتمادها سياسات قهرية. وكان من نتائج ذلك تراكم المال السياسي وتضخم السلطة. أما اعتمادها سياسات اقتصادية نيو ـ ليبرالية. فقد عمّق من الارتهان السياسي والتبعية الاقتصادية. في المقابل فإن عجز القوى السياسية وافتقادها إلى الحوامل الاجتماعية والمشاريع السياسية الإستراتيجية جعلها تقع بين أخطار وتناقضات متعددة: دمجها بين الدولة والسلطة/ النظام، ووقوعها في أحضان حكومات دولية وإقليمية تسعى لتحقيق مصالحها القاضية بتفكيك مجتمعات ودول وأنظمة سياسية عربية. فكان المستفيد من ذلك، قوى التطرف الأيديولوجي المحمول على مجموعات جهادية تكفيرية، إضافة إلى جهات إقليمية ودولية. وكان من نتائج ذلك وقوف مجتمعات عربية على عتبة التفكك إلى إمارات وكيانات متناقضة ومتصارعة، إضافة إلى هيمنة الخارج على ناصية القرار الذي حرم منها المواطن العربي تاريخياً.



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أوضاع الطبقة العاملة وتغيراتها البنيوية
- في مقدمات ثقافة العنف
- الدور الوظيفي ل «داعش» وأخواته
- إشكاليات الحل السياسي في سوريا
- سوريا: عتبة انهيار الأمن الغذائي
- هل ستكون اليونان بوابة للتغيير؟
- تجليات الإمبريالية الراهنة
- السباق إلى الهاوية
- حروب على الحضارة والتاريخ
- من تجليات الأزمة السورية
- المشهد السوري في سياق التحولات العالمية
- مقدمات أولية إلى نهضة
- في سوريا: دافعوا الضرائب هم الأفقر
- الترابط بين اليمن وسائر الإقليم
- تحولات عربية: اليمن ليس وحيداً
- خرائط تُرسم بدماء السوريين
- أربع سنوات من الصراع السوري: الحداثة التخلف
- سوريا: في النموذج الطائفي؟!
- في أسباب وتجليات انخفاض سعر النفط
- المرأة السورية... سنديانة في لهيب الصراع


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معتز حيسو - العالم العربي نموذجاً: الدولة حين تأكل المجتمع