أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - ابراهيم الحريري - 80 عاما صحافة شيوعية عراقية / بديع عمر نظمي: شمعة متوهجة انطفأت قبل الأوان















المزيد.....

80 عاما صحافة شيوعية عراقية / بديع عمر نظمي: شمعة متوهجة انطفأت قبل الأوان


ابراهيم الحريري

الحوار المتمدن-العدد: 4904 - 2015 / 8 / 22 - 02:11
المحور: مقابلات و حوارات
    


كان رواد مقصف اتحاد الادباء ليلة 7/ 8 شبط 1963 يتهيأون لشد الرحال , فقد قارب موعد الأغلاق , من بين هؤلاء كان ثمة ثلاثة : بديع عمر نظمي , خالد السلام, و ابراهيم الحريري . خطونا نحو البوابة تستخفنا بنت الحان , انشد خالد مقاطع من المارسيلييز ( نشيد الثورة الفرنسية ) دندن بديع مقاطع من السمفونية السابعة " لنينغراد " , للمؤلف الموسيقي الروسي الشهير , شوستاكوفتش , بينما كنت اردد مقاطع من انشودة ايطالية مترجمة ( ترجمها رئيف خوري من بين ما ترجم ,( نشيد الأممية) كان يرددها خالي , القائد الشيوعي اللبناني , و المقطع هو " لن نؤدي الضرائب , للفاشست الثعالب , و نبيت الدجى جائعين "
اتفقنا انا و بديع ان نلتقي صباح اليوم التالي , الثامن من شباط , عند بوابة المركز الثقافي السوفييتي , لأعيد كتاب : بطل من هذا الزمان : للروائي الروسي " ليرمنتوف " و ليعرّفني على مدير المركز , الشاعر الراحل بلند الحيدري .
صر ّ بديع و هو يودعنا , اسنانه , فتح ذراعيه , كور قبضتيه , ثم اطلق , متلذذا , كأنه انتهى , توا , من تناول وجبة شهية , ضحكته الحسّية الشهيرة .
صباح 8 شباط لم التق بديع . كان الفاشست العراقيون بدأوا انقلابهم . هرع كل منا الى مكان . قاوم كل منا الفاشست بطريقته حتى التقينا ليلة 19 / 20 شباط , ليلة دهم اهم المراكز الحزبية , بينها بيت القائد الشهيد سلام عادل و عشرات البيوت الحزبية الأخرى , بسب انهيار هادي هاشم الاعظمي .
لم التق بديع عند بوابة المركز الثقافي السوفييتي , بل بعد ذلك باسبوعين , في الصالة الفسيحة من الطابق الثاني لقصر الرحاب ( اشتهر فيما بعد باسم " قصر النهاية " ) . استطعت , من خلال عصبة عيني المرخية , ان اعاين الى العشرات من قادة و كوادر الحزب بينهم سلام عادل ,محمد حسين ابو العيس , عبد القادر اسماعيل , رحيم شريف , بديع عمر نظمي والعشرات غيرهم , يقتعدون ارضية الصالة . ادركت على الفور انها ضربة على الرأس , و من الراس !
جرى اقتيادنا الى سرداب القصر ( واحد من سراديبه ) على بعد امتار مني كان الشهيد سلام عادل , يليه محي خضير ثم بديع عمر نظمي . في قاطع غير بعيد من السرداب كان ثمة أبو العيس , رحيم شريف و عبد القادر اسماعيل .
و بدات "الحفلة" ,,,
بدات " اوركسترا " التعذيب العمل . لم يكن ثمة ايقاع آلات موسيقية , بل ايقاع الكابلات , و عواء هستيري , و حشي , منتقم , اقرب الى عواء الذئاب ..
لا ادري كم طالت الحفلة . لكني عندما التقيت بديع في واحدة من غرف التحقيق , كان مجرد مضغة مدمّاة داكنة الزرقة, عارية ,,,
ساعرف فيما بعد ان بديع كان من بين المقبوض عليهم في مركز شرطة المأمون , و انه جرى امامهم , في ساحة المركز , اعدام الشهيد متي الشيخ , و هو يهتف بحياة الحزب الشيوعي العراقي .
لم تكن لي سابق معرفة ببديع حتى التقيته في مبنى صحيفة " اتحاد الشعب " في الشيخ عمر . كان قد جرى تنسيبه لتحرير صفحة " شؤون دولية " في الصحيفة " كان يحرر كلمة الصفحة ( لا اتذكر باي اسم كان يوقع , اذا كان ثمة اسم ) و تتضمن تحليلات و متابعات اصيلة ,تعتمد على متابعة و ثقافة المحرر, و هي امور لم تكن تعوز بديع , بحكم تمكنه من اللغة الأنكليزية و اطلاعه على المجلات و الصحف الأجنبية التي كانت تصل الجريدة , هذا فضلا عن متابعته لما كانت تزودنا به وكالتي تاس و نوفوستي السوفيتيّتين , و شينخوا الصينية , و ادن الألمانية الديمقراطية .
و من بين متابعاته المشهودة , تغطيته للصراع العسكري بين الصين و الهند على اراض متنازع عليها على الحدود بين البلدين و انحيازه الى الموقف الصيني في الصراع , طبعا ( علمنا , فيما بعد , ان الموقف السوفييتي لم يكن الى جانب التصعيد الصيني , و لعل هذه كانت واحدة من النقاط المختلف عليها بين القيادتين السوفييتية و الصينية التي انفجرت بشكل علني فيما بعد , و اتخذت طابعا مسلحا على قضايا حدودية , ايضا ! و قد اتخذ الامر طابعا مؤسفا لدرجة ان رسام كاريكاتور تصور ماركس يهبط بجناحين من السماء محاولًا الفصل بين الطرفين هاتفا : يا عمال العالم ... تفرقوا ! ) .
يضاف الى ذلك , افتتاحية طويلة لوكالة " شينخوا " الصينية بعنوان " تحيا اللنينية " , اعادت صحيفة " اتحاد الشعب " نشرها بشكل متتابع , ثم اصدرتها دار " بغداد " التابعة للحزب , على شكل كراس مستقل جرى التثقيف به . الأمر الذي لم يكن موضع ارتياح القيادة السوفيتية .
و مع انه ليس هنا المجال للدخول في تفاصيل هذه الخلافات داخل الحركة الشيوعية العالمية , الا انها شكلت مصاعب لبديع و لصفحته المعنية باخبار الأحزاب الشيوعية , (نشاطاتها و مؤتمراتها الخ...)
بعيدا عن السياسة و مشاكلها كانت لنا , انا و بديع , لقاءاتنا الخاصة . كان يدعوني لتناول الغداء في دارة اخيه الراحل كمال (كانت على شاطئ الوزيرية قرب الجسر الحديدي* ) و هو كان يقيم فيها . كانت تتخلل هذه اللقاءات جلسات استماع موسيقية فقد كان مولعا بالموسيقى الكلاسيكية , التي كنت انا أيضا منجذبا اليها . كانت تستهويه الأوبرا الروسية , اوبرا " بوريس بوغدانوف " خصوصا , للمؤلف الموسيقي الروسي الشهير " موزورسكي " , و موسيقى فلم " ايفان الرهيب " للمؤلف الموسيقي الشهير الآخر , " بروكوفييف " . و انا مُدين لبديع و للصديق علي الشوك , بالكثير فيما يتعلق بتوسيع و تعميق ثقافتي الموسيقية, الكلاسيكية .
اكتشفت خلال هذه اللقاءات كم هو موسوعي الثقافة و المتابعة . كان بامكانك ان تسأله عن مخرج و ممثلي اي فلم منذ الأربعينات , ليقدم لك , على الفور , لائحة مكتملة مضافا اليها الدار الذي عرضت فيه و تاريخ العرض . كذلك الأمر فيما يتعلق بالكتب و المجلات بما فيها بعض الأنكليزية منها . كانت حياته تتلخص في الموسيقى و الكتب و السينما . بدا لي كأنه لم تكن له حياة اخرى . و مع انه تخرج محاميا , الا اني اشك انه مارس مهنة المحاماة .الا انه كان يتردد على نقابة المحامين صباح كل يوم , لعلّه لمتابعة الحياة السياسية في البلد . سألته مرة اذا كان خاض مغامرة عاطفية ؟ فروى ضاحكا : لاحظت و انا انتظر باص الأمانة ( كان الموقف قبالة دار والده في شارع عبد العزيز في الصليخ ) فتاة تنتظر الباص صباح كل يوم . تصعد فاصعد خلفها . تجلس فاجلس بالضبط خلفها . تكرر الأمر لأسابيع , حتى قررت ان ابدأ خطوتي التالية في التقرب منها , نزلتْ في باب المعظم فنزلتُ وراءها . داست فدست . اسرَعت ْ فاسرعتُ . , حاذيتها فتمهلت . وصلت جنبها ( حبستُ انا انفاسي منتظرا الذروة الرومانسية للمغامرة ) فاستأنف ضاحكا : و جنت ادوس ! " فانفجرنا ضاحكيْن معا !
افترقنا بعد قصر النهاية . انا هارب الى الكويت و هو الى نقرة السلمان . و عندما قدر لي ان التقيه خلال تردّدي على العراق بعد ال968 , افتقدت فيه ذلك الأقبال على الحياة و تلك الضحكة الحسية المجلجلة التي اشتهر بها المقترنة بحركة يديه , كانه يريد ان يحتوي العالم و يضمه الى صدره العريض .
بدا لي ان تجربة قصر النهاية خلّفت في روحه جرحًا لا يندمل و مرارة لم يكن يستطيع اخفاءها , كأن شيئا في داخله قد انطفأ . كان الحزب و الحركة الشيوعية نسغ حياته , بل حياته كلها , و عندما وجد نفسه بعيدا عنها , اخذ يذبل ...
حتى رحل رحيلًا فاجعًا في حادث سيارة اليم ...

ابراهيم الحريري
كندا – هاملتون
20 / 7 / 1915

*يروي الصديق مهدي – ابو صلاح مدّ الله في عمره ( اخو الشهيد سلام عادل ) نقلا عن الراحل كمال عمر نظمي , اخ الراحل بديع , ان الشهبد ابو ايمان قضى ليلة الرابع عشرمن تموز 958 في دارة كمال . استطلع , يرافقه كمال بسيارته , بعض المواقع المهمة في بغداد : الدفاع , مرورا ببيت نوري السعيد في كرادة مريم , ثم معسكر الرشيد . عندما عادا اخبر الشهيد سلام عادل مضيفه : غدا الثورة ! سأل كمال ضيفه : هل اخبر بديع ؟ اجاب ابو ايمان : لا باس . شرط ان لا يغادر البيت ! ثم توجه الى فراشه . يقول ابو صلاح نقلا عن الراحل كمال : لم ينم بديع ليلتها . ظل يتنقل بين الصالة و سطح الدار حتى سمع البيان الأول للثورة .( كتبت عن ذلك في خاطرة بعنوان : " ذلك الرجل ...تلك الليلة " نشرت في "طريق الشعب " ثم في كتاب " فتى السبعين " .



#ابراهيم_الحريري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصديق ابو حسين
- لا رجعة! لا للوقوف في منتصف الطريق! الى الأمام! الى الأمام!
- الجبناء
- جامعة الحسن
- إدامة التحرك الشعبي وتعظيمه ضمانةُ انتصاره
- سيناريوهات محتملة
- حكم الأغلبية والنظام الرئاسي ...ام التمهيد للدكتاتورية المال ...
- 80 عاما صحافة شيوعية عراقية / انباء الموصل - العدد الأخير
- عدنان البراك فتى الصحافة الشيوعية الجميل .. النبيل
- النازحون 9
- النازحون 6 ....ليس بالخبز وحده يحيا الانسان
- النازحون كقوة منتجة 5
- النازحون 4
- النازحون 3
- النازحون قضية سياسية ايضاً وبإمتياز
- كشف حساب - على الطريق
- في عيد الصحافة الشيوعية
- تعقيب أخير
- تعقيب على تعقيب تحرير سالم الاعتراف-.... الأَخير!”
- تعقيب على تعقيب تحرير سالم


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - ابراهيم الحريري - 80 عاما صحافة شيوعية عراقية / بديع عمر نظمي: شمعة متوهجة انطفأت قبل الأوان