أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - ابراهيم الحريري - عدنان البراك فتى الصحافة الشيوعية الجميل .. النبيل















المزيد.....

عدنان البراك فتى الصحافة الشيوعية الجميل .. النبيل


ابراهيم الحريري

الحوار المتمدن-العدد: 4879 - 2015 / 7 / 27 - 08:36
المحور: مقابلات و حوارات
    


عدنان البراك
فتى الصحافة الشيوعية الجميل , النبيل
{ لا ازعم ان هذه السطور تحيط بكل اوجه شخصية الشهيد , الغنية , المتعددة . فتجربتي في العمل معه لم تتعد العامين او الثلاثة . و لا انوي ان اكتب دراسة عنه ,مع انه يستحق ذلك , و قد انبرى غيري لها , فهو امر فوق طاقتي , انما هي – اي هذه السطور – ليست سوى خواطر و ذكريات , ساجتهد ان تكون دقيقة , امينة , قدر ما تسعفني الذاكرة , بعد 56 عاما من اول لقاء لي به , صيف عام 959 , بعد اشهر قليلة من التحاقي ب " اتحاد الشعب " , ملخصا للعرائض , ثم محررا عماليا , ثم مسؤولا للصفحة العمالية و عضوا في هيئة تحريرها حتى اغلاقها من قبل الحاكم العسكري العام ( ترجم : الشهيد الراحل عبد الكريم قاسم , اذ لا يعقل ان يقدم احمد صالح العبدي , على هذه الخطوة الخطيرة , بكل ما يمكن ان تسفر عنه من تبعات على العلاقة بين الطرفين , الحزب الشيوعي و عبد الكريم قاسم , بدون ايعاز من الحاكم بامره .
سيدفع الطرفان , الحزب الشيوعي و عبد الكريم قاسم , فيما بعد , ثمنا باهظا , دمويا , لهذا الصراع . لكن ليست هذه السطور مجالا للخوض في هذا الصراع الأليم , فقد كتبت ُ , و كتب غيري , الكثير عن هذا الموضوع , و سيظل مفتوحا للبحث و النقاش , حتى امد طويل .
لن اعتمد في هذه السطور اسلوب التوثيق و التسلسل الزمني , فانا قاصر عن امتلاك ناصية هذا الأسلوب , فضلا عن ميل لا استطيع مقاومته لأعتماد اسلوب القص . لقد حاولت ان اقدم عدنان البراك كما عرفته , صحفيا , شيوعيا و انسانا من خلال انشاطه السياسي و الصحفي , و علاقاته بالآخرين , و انا من بينهم , تاثره بهم و تأثيرهم فيه , في زمن محدد . و قد تكون فاتتني , بعد هذا الزمن الطويل . الدقة في تذكر التواريخ , و انا على ما انا عليه من بعد عن المصادر , فلعل من هو اصحى واعية مني و اقرب الى المصادر يصحح , مشكورا , لي . فليعذرني رفاقي في " طريق الشعب " , و ليعذرني القارئ .}
( أ . ح )
: - خزعل السعدي ! عبد الخالق البياتي ! حسين الهورماني ! ابراهيم الحكاك ! فيصل الحجاج ! ,,,"
كان الحارس القومي , حازم ناجي , يقرأ من قائمة طويلة في يده , تضمنت عشرات الأسماء , من الغرفة التي تكدسنا فيها , في الطابق الثاني من قصر النهاية , فيما كانت اسماء اخرى تتردد في اروقة و دهاليز و سراديب قصر النهاية : علي الوتار , ابراهيم ادهم و آخرين...
:- عدنان البراك ! جأر الصوت الكريه . نهض عدنان هادئ الخطو , تكسو وجهه مسحة من الحزن تخللته طيلة وجوده بيننا, رجل في اواسط العقد الرابع , ناحل على امتلاء ( كان بدأ يمتلئ منذ تزوج ) . غيبتهم بوابة الغرفة , الواحد بعد الآخر ..ثم لم نعد نراهم ابدا .
كان قد مضى على وجود عدنان في قصر النهاية اسبوعان او ثلاثة , دفعته يد خشنة , غليظة , الي صالة فسيحة في الطابق الثاني تكدس فيها العشرات , كنت من بينهم . صدف ان جاء مجلسه قبالتي تماما . جاست عيناه بين الجالسين و المتمددين . كان بينهم العشرات من الأسماء المعروفة , تطلع الي بعينين متسائلتين , و عنما اطرقت فهم , لم ينبس . لم اره فيما بعد يتحدث مع احد . ظلت شفتاه مزمومتين , مطبقتين , كانه كان يدرك اي مصير ينتظره , حتى غيبته البوابة ...
لعل عدنان و ابراهيم الحكاك و رفاقهما الآخرين , كانوا يخطون خطواتهم الأخيرة بينما كنت اتذكر اول لقاء لي ببعضهم و من بينهم عدنان .
كان ذلك اوائل صيف عم 959 . كان قد مضى على التحاقي بالجريدة ( كان مقرها في شارع الكفاح , في عكَد الكرد مطلع 959 ) سوى بضعة اشهر . في ذلك الوقت , اي وقت التحاقي بالجريدة لم يكن عدنان ضمن طاقم التحرير , كان ما يزال يعمل في الآذاعة العراقية , عندما كان الراحل سليم الفخري مديرا لها , كاتبا للتعليق اليومي . كان عزيز الحاج رئيسا او سكرتيرا لتحرير " اتحاد الشعب " , بينما كان الراحل زكي خيري مشرفا عليها ,
عندما انتقلت الجريدة و انتقلتُ معها الى شارع الشيخ عمر . التقيت عدنان سكرتيرا للتحرير و رحيم شريف رئيسا للتحرير , و ظل زكي خيري مشرفا , بطل علينا , في الأوقات الحرجة , رفاق من قيادة الحزب , ابو العيس , عامر عبد الله , بهاء الدين نوري و سلام عادل , بالطبع . كانت الجريدة قد دخلت مرحلة جديدة . يسودها التنظيم و تقسيم العمل , و بناء الأقسام صفا ( سافا ) اثر صف , اشك ان اي صحيفة اخرى كانت حققت , في ذلك الوقت , مثل هذه النقلة النوعية في مثل هذا الوقت القصير من الزمن , بل حتى وقت متأخر .
لم يكن لدي شك , و من مراقبتي لسير العمل , ان الشهيدين , رحيم و عدنان , كانا وراء تحقيق هذا الأنجاز الباهر , بل اني اكاد اذهب الى القول , ان عدنان اختص بالبناء - بمعونة الجهاز الحزبي بالطبع - و تقسيم العمل , و مراقبة تنفيذ البرامج التي كانت تقر في اجتماعات هيئة التحرير , فيما اختص رحيم شريف بمتابعة تنفيذ سياسة الحزب و مراجعة المواد الهامة . و قد بات هذا تقليدا متبعا في صحافة الحزب منذ ذلك الوقت .
لعل في توصيفي لتقسيم العمل بين عدنان و رحيم بعض التعسف . الا انهما كانا , من دون شك , ثنائيا رائعا , معلِّما , كان له الفضل الأكبر في تحويل الجريدة الى الصحيفة الأولى . استطاعا ان يقودا و يطوّرا فريقا منسحما , مبدعا , من المحررين و المصممين و الخطاطين – الفنانين .
تحولت قاعة هيئة التحرير . و كانت في ذات الوقت مكتبا للرفيق عدنان و الغرفة الملحقة بها , و كانت مكتبا للرفيق رحيم شريف , تحولتا الى مقر لقيادة الأركان , اكاد اقول بالمعنى الحرفي للكلمة .
لا انكر ان علاقتي بعدنان شابها , في البداية . احيانا , بعض الرهبة و التوتر . كانت ترهبني ( لم اجد تعبيرا آخر , فمعذرة ) , انا المحرر المبتدئ , صرامته , لعل ذلك يعود الى ارهاقه بالواجبات و المهام الحزبية و الصحفية . انتبه , ذات مرة , انه كان خشنا معي , لكنه سرعان ما عاد يعتذر . بينما كان رحيم يبدي مرونة اكبر وجهدا صبورا في تعليم و تربية الكوادر الناشئة , مثلي .
الا اننا , جميعا , لا حظنا , فيما بعد , ان عدنان اصبح اكثر مرونة , اكثر تبسطا . و لا عجب , كان قد تزوج...
و مع ان علاقتي بعدنان باتت اكثر حميمية . الا ان ذلك لم يمنعه من تفحص ما اكتب تفحصا دقيقا , ليس من قبيل الأعجاب , بل ربما , بالآساس , لأكتشاف ما يمكن ان اكون دسسته من" الغام " اشتهرت بها , وتّرت واحدة منها الزعيم . ( لعلي سأكتب عن ذلك يوما ...متى ؟ لا ادري ) و ما ان كان عدنان يكتشف " لغما " حتى ينفجر ضاحكا و يهتف , فرحا باكتشافه : " دساس " !
مرة , و كانت ستحل في اليوم التالي الذكرى الرابعة عشرة لتاسيس الأتحاد العالمي للنقابات , قصدني عدنان طالبا مني كتابة مادة حول الموضوع . لم اكن كتبت , حتى ذلك الوقت , مقالة في الجريدة , كنت , بالمعنى الحرفي للكلمة , اتهيب من ذلك . كان عملي يقتصر على تحرير المواد العمالية التي كانت ترد الى الجريدة ( عرائض , شكاوى , بيانات الخ... ) . اعتذرت , لكنه اصر . لم يكن ثمة بد . من يستطيع ان يرفض ؟ كتبت مقالة بعنوان " اربعة عشر عاما مجيدة " . سلمته لعدنان و هرولت خارجا .
"هالني ط ان اجد , في اليوم التالي , المقالة منشورة في صدر الصفحة العمالية للجريدة , "حياة العمال " , بقضّها و قضيضها ! من دون حذف كلمة واحدة .
من يومها , انفتحت شهيتي على الكتابة , و ما ازال ... لسوء حظكم و حظ القراء !
من غرفته . التي كانت غرفة اجتماعات هيئة التحرير كان يقود و يوجه نشاط الرفاق العاملين في الصحف التقدمية الأخرى , بل كان يوزع عليها بعض ما يفيض على الجريدة من مواد , اذكر اني كتبت مادة نقاشية مطولة ,من حلقات , بدأت فيها من بدء الخليقة ! ابتسم . لم يرد ان يحبطني , اقترح عليّ ان يجري ترحيلها الى " صوت الأحرار " . و هذا ما حصل .
كان له اسلوبه المميز الفريد في الكتابة . لم يكن ميالا للأسهاب و الأطالة ( كانت هذه طريقته في الحديث ايضا ) , و لعله كان الأسرع و الأكثر ايجازا و الأكثر دقة في كتابة افتتاحيات الجريدة , عندما يعهد اليه ذلك ,
اواخر آب من من عام 960 , صدر الأمر بأِغلاق صحيفة " اتحاد الشعب " . انهمك الطاقم ,عدنان و رحيم و بضعة محررين آخرين , مسؤولي بعض الصفحات خصوصا , كنت بينهم . انهمكنا في اصدار الصحيفة البديلة " صوت الشعب " ( او" كفاح الشعب " لا اتذكر بالضبط الا انهما صدرتا الواحدة بعد الأخرى . ) لم يكن في النية اصدار اي منهما بنفس حلّة و صفحات " اتحاد الشعب " . كانت قيادة الحزب تدرك , بحكم فهمها للتوجهات الراهنة , وقتها , في قمة السلطة , ان عمر كل منهما سيكون قصيرا .
كان العراق يخوض معركة المفاوضات مع شركات النفط . و كانت قيادة الحزب تجد من الواجب ابداء وجهة نظر الحزب فيما كان يتوجب على المفاوض العراقي ان يتمسك به خلال المفاوضات ( او ما كان يسمى وقتها " تصليب موقف المفاوض العراقي " ) حتى لو تطلب الأمر التضحية بما تبقى من صحافة الحزب العلنية . كانت قيادة الحزب تعير اهمية كبرى لما يمكن ان تتمخض عنه هذه المفاوضات , واثيرها اللاحق على مجمل الوضع السياسي في البلاد ( اثبتت التطورات اللاحقة صحة تقدير الحزب هذا ) . ويبدو ان هذا ضايق رأس الوفد المفاوض العراقي . لعله كان يعتبر ان المفاوضات هي من شانه وحده . و ان تدخلات الحزب تضيّق عليه هامش المناورة و تجعله يبدو امام المفاوض الآخر و كأنه " ينفذ " تعليمات الشيوعيين العراقيين .
لم تعش الصحيفتان اكثر من ايام معدودة . اغلقتا الواحدة بعد الأخرى
انتقلت قيادة الحزب الى محاولة الآستفادة من الصحافة الصديقة . حثّت صاحبي " الحضارة " (محمد حسن الصوري ) و" الآنسانية " لصاحبها الشاعر كاظم السماوي على اصدار صحيفتيهما .
كان عدنان البراك في قلب هذه المعركة المستعرة , اذ كان الرفيق رحيم انتقل الى النشاط السري , كما اعتقد . كلفني بالتعاون مع رأسي الصحيفتين في اصدارهما . و هما لم تعيشا طويلا . خلال ذلك كان عدنان يواصل الأستفادة من صحيفة " صوت الأحرار " و يضم اليها محررا او اثنين من محرري " اتحاد الشعب " و يبحث عن منفذ آخر .
كانت لديه صلات بالسيد / ربما الرفيق وقتها / المحامي (.... شكارة ) و هو من جملة شخصيات اخرى ( مدراء عامين و موظفين كبارا , اعتقد ان الحزب لم يزجها في اي من منظماته و اوكل امر الأتصال بها للرفيق عدنان ) كان االسيد/ الرفيق (,,, شكارة) قد استحصل ( لعله بتوجيه من الحزب ) على اجازة اصدار صحيفة باسم " السياسة " . و كان جاء الوقت للأستفادة منها .
صدرت " السياسة " و " دسّني " عدنان فيها و ربما محررين آخرين بينهم الراحل بديع عمر نظمي , اذا لم تخني الذاكرة . اشترط السسيد / الرفيق ...شكارة ان لا تكتسب الصحيفة طابعا حزبيا مفضوحا . و لقد "عانينا " , انا وبديع ,كثيرا في محاولة التعود على لغة اخرى , غير اللغة التي اعتدنا عليها في الصحافة الشيوعية .
خلال ذلك كان قد جرى ضمي الى هيئة المثقفين ( كان مسؤولها الشهيد محمد الجلبي ) ,كمسؤول لتنظيم الصحفيين . هناك التقيت , حزبيا , بعدنان و رفاق آخرين , كانو يقودون خطوطا ثقافية و مهنية عديدة ( ادباء و فنانين , اطباء , مهندسين و محامين ...)
ما يزال عالقا في ذهني نقاش احتدم في اجتماع للهيئة جرت فيه مناقشة وثيقة ايلول 959 الصادرة عن الأجتماع الموسع للّجنة المركزية للحزب ( سميت فيما بعد " وثيقة الجلد الذاتي " لما تضمنته من نقد قاسٍ لسياسة الحزب بعد ثورة 14 تموز) . قاد ألأجتماع الشهيد محمد حسين ابو العيس , اتفق اكثر الحضور على تخطئة سياسة الحزب , واعتبارها كانت يسارية في تلك الفترة , الا انا , ايّدني في ذلك الشهيد عدنان . رأيت ان سياسة الحزب كانت , في الآساس سياسة يمينية ! لأنها غفلت عن ادراك الطابع الطبقي للسلطة و رأسها , و راهنت عليه كثيرا في استراتيجيتها و تكيكاتها , و عندما تكشّفت لها , بالملموس , طبيعتها الطبقية . اتخذ رد فعل قيادة الحزب , طابعا يساريا . ابتسم ابو العيس . دهش من هذا الطرح المركب ,الغريب . و احتدم النقاش . نظر الي عدنان معتذرا وانسحب , بقيت وحدي , اصررت على تدوين رايي في محضر الأجتماع .
جرى سحبي بعد فترة قصيرة الى مجال نشاط آخر , عمالي . ثم نقلت الى الموصل حيث قضيت هناك عاما جرى بعده ( ايلول عام 962 ) اعادتي الى بغداد للأِلتحاق بالمركز الحزبي العمالي , قيد الأِنشاء , الملحق بسكرتارية اللجنة المركزية , محررا في صحيفة " وحدة العمال "السرية المزمع اصدارها .
لم يكن المركز قد بدأ احتماعاته و نشاطه , ما اتاح لي وقت فراغ استفدت منه لأعادة اتصالي بالوسط الصحفي . علمت اان الرفاق عدنان وبديع و مجيد االراضي , و ربما آخرين , لا تحضرني اسماؤهم , يصدرون بالتعاون مع صاحبة امتياز اصدار المجلة , السيدة نعيمة الوكيل . مجلة 14 تموز .
كان الرفيق عدنان , كالعادة , دينمو المجلة , هذا اضافة الى نشاطه و "عصبة الآربعة " في رفد صحيفة "المبدا " التي كان صاحبها , الراحل داود الصائغ و سلمها الى الحزب , بالمقالات و التعليقات .
كان عبد الكريم قاسم قد تخلى عن داود و حزبه " الشيوعي بشكله العلني " بعد ان استنفذ الغرض من " استخدامه " لحرمان الحزب من اجازته علنا . ارتأت قيادة الحزب ضرورة الحفاظ على القطعة المثبتة فوق باب الحزب ( بشكله العلني ! ) , لعله يأتي اليوم الذي يحتل فيه الحزب الشرعي المقر و وجريدته , و تولى الحزب السري اعالة الحزب " العلني " ! بما في ذلك دفع الرواتب الشهرية لمن تبقى من العاملين فضلا عن رئيس الحزب ! ( كان اكثرهم من الرفاق الموكل لهم العمل مع داود )
هنا ايضا كان عدنان في القلب من هذه العملية المعقدة اضافة الى مهامه الحزبية الأخرى .
لم يكن العمل في المجلة يخلو من المرح و مداعبة عدنان حد " الغمز المبطن " .
كان عدنان , و قد بات اكثر مرونة و تبسطا , يتلقى هذه التلميحات باستنكارمصطنع . كان ,بالكاد , يكتم ضحكة كانت على وشك الأنفلات ...
ثم انقلاب 8 شباط الدموي , ثم عدنان قبالتي في الصالة المتكدسة باللحم المعد للنحر بعد ان اهلك تعذيبا , ثم الصرخة المتحشرجة
: - عدنان البراك ! " , فينهض متجها الى البوابة التي غيبته و آخرين ...
بعد عدة ايام , و كنا قلقنا على مصير" المنقولين " اذ جرى استدعاؤهم مساءً , ساسأل حازم ناجي , و كان نشأ بيني و بينه نوع من العلاقة التي تنشأ احيانا بين الضحية و الجلاد , عن مصير" المنقولين " اجاب بالحرف : نقلناهم الى مكان احسن " استطرد في وصف المكان حتى بدا لي و كأنه فندق 5 نجوم ! ختم بالقول :ستلحقونهم وجبة بعد وجبة !
كانت مضت بضعة اسابيع منذ عملية " النقل" المشؤومة . نادى علي حازم . كان الوقت منتصف النهار . طلب مني ان اتهيأ للأنتقال الى معتقل آخر , ( مقر الحرس القومي للقطاع العمالي الذي كنت محسوبا عليه ) . في الطريق الى سيارة الجيب التي سيقودها جازم لنقلي فاجأني بالقول : ينبغي ان تذح ذبيحة " سألته : لماذا ؟ رد : هل تتذكر ربعك الذين نقلناهم و سألتني عنهم ؟ " توقف قليلا ليضيف مبتسما : لقد دفناهم احياءً . كان مقررا ان تكون بينهم " .صعقت . لم اسال , لهول الصدمة , لماذا جرى استثنائي , ( لا اعرف , حتى الآن , لماذا تم ذلك ) اضاف حازم مخففا علي هول الصدمة : لاتخف ! كنت قررت ان اضع رصاصة الرحمة في جبينك ( كانت المرة الأولى التي اسمع فيها هذا التعبير ) و اضاف : حتى لا تتعذب " .
هذا اذن نوع "الرحمة" الذي يوفره الجلاد للضحية الأثير لديه . لعله كان يتوجب علي ان اشكره ل " رحمته " ! لكنه فاتني ذلك .( ساستخدم , فيما بعد , بتصرف , هذا المشهد التراجو- كوميدي في رواية "الأغتيال " )
منذ ذلك الوقت و انا لا اكف عن التساؤل : بماذا كان يفكر عدنان و ابراهيم و الأخرين و هم ينحدرون , دفعا باخمص الرشاشات او بفوهتها ( لا فرق ) الى حفرتهم الجاهزة ؟ هي تنهال عليهم اكوام التراب فتتخلل عيونهم و خياشيمهم , تطوقهم و تشل حركتهم .بماذا ؟
افاجئ نفسي و بين الآن و الان , ربما كنوع من العقاب الذاتي ,و انا اتمثل تلك اللحظة ( التي فاتتني ! ) و اكاد اصرخ مختنقا :
لماذا قدر لي ان اعيش كل هذا ؟ ان اموت كل هذا ؟ الِأكون شاهدا على نفسي و على غيري ؟]
عدنان ! ايها الفتى الجميل ! ايها الفارس النبيل :
كم , في زمن تسلق التفاهات و القذارات , كم افتقدك , كم نفتقدك !
لكنك تظل , انت و الشهيد رحيم شريف و كل من عمل في صحافة الحزب , استشهد او رحل , و ظل امينا للكلمة الصادقة , النيرة , الخيرة . الحارة , الطالعة , مثل رغيف الخبز , من تنور الكادحين , يقدحه الفكر المتفتح النيّر . تظل و يظلون احياء تنهضون , فجر كل يوم , مع اصدار كل صحيفة شيوعية , سرية كانت ام علنية .









#ابراهيم_الحريري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النازحون 9
- النازحون 6 ....ليس بالخبز وحده يحيا الانسان
- النازحون كقوة منتجة 5
- النازحون 4
- النازحون 3
- النازحون قضية سياسية ايضاً وبإمتياز
- كشف حساب - على الطريق
- في عيد الصحافة الشيوعية
- تعقيب أخير
- تعقيب على تعقيب تحرير سالم الاعتراف-.... الأَخير!”
- تعقيب على تعقيب تحرير سالم
- عن -سن الذهب- ادافع لا عن مفيد !
- الى الصديق سعدي يوسف - التفسير المادي لسن الذهب !
- أزمة كهرباء... أم أزمة حكم؟
- لم يعد السكوت ممكناً
- لم يعد السكوت ممكناً .. نقطة سطر جديد
- ضد التعذيب! لم يعد السكوت ممكنا...
- نديم
- يا عين موليتي
- حوار مع الكاتب ابراهيم الحريري


المزيد.....




- مصادر تكشف لـCNN عن معلومات استخباراتية جديدة بشأن أهداف بوت ...
- المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية -فوجئت- بخبر تعيين روبيو مس ...
- تحقيق في البنتاغون بشأن مشاركة وزير الدفاع أسرار ضرب الحوثي ...
- إسرائيل تعلن شن غارة قرب القصر الرئاسي في دمشق.. ونتنياهو يع ...
- ما حاجة الكوريين إلى المشاركة في عملية روسيا العسكرية الخاصة ...
- لماذا يرفض زيلينسكي وقف إطلاق النار في عيد النصر؟
- الجيش الإسرائيلي يغير قرب القصر الرئاسي في دمشق ونتنياهو يوج ...
- طبيبة: الجلد -الرخامي- قد يكون أحد أعراض ورم الغدة الكظرية
- اكتشاف -إلهة الفجر- مخفية على أعتاب درب التبانة!
- هل أوكرانيا جاهزة لإجراء الانتخابات؟


المزيد.....

- تساؤلات فلسفية حول عام 2024 / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - ابراهيم الحريري - عدنان البراك فتى الصحافة الشيوعية الجميل .. النبيل