أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - المدينة الحديثة














المزيد.....

المدينة الحديثة


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 14:14
المحور: الادب والفن
    


#نص من (تفاحات إيروس)#
**************************
العقل يصلّي في مكتبة المدينة
ينكبُّ على الأوراق
بخشوعٍ دنيويٍّ..

كان الوهم كحشرةٍ تمشي على (شريط موبيوس)* بلا نهايةٍ، ظنّ أنّها لابثةٌ في الخارج ولمّا التفت رآها تسخر منه في الداخل. توّهم أنّ المكتبة هي ملجأه الأخير، وملاذه الآمن من هوج الجهلة وهوس القتلة.. استتر بالموسوعات واندسّ بين المجلّدات ولكنْ.. لا جدل هيجل نفعه ولا مطْلقه أنقذه من فِخاخ الظلال وشُرُك المتاهات.. داهم الجند الغِلاظ القاعة وراحوا يقلّبون الرفوف وينتفون ورق الكتب العزلاوات. سحبوا ذراعيه إلى الخلف وقيّدوا معصميه بقيدٍ بلاستيكي، وغطّوا رأسه بالكيس الأسود وسحبوه كالخروف.. كانت التهمة قبلةً كان قد نسيها ذات يوم على شفةٍ جائعة..

أنت في المدينة
أنت متورّط في الشأن العام إذن..
في المدينة حتى القبلة تغدو سياسيةً!

(الصخب والعنف)** على أشدّهما في الخارج. بين حقبةٍ وأخرى تجتاح المدينةَ الجائحةُ ذاتها. بعد انقشاع الغبار الأحمر وغسْل الشوارع من الأتربة والدماء ورفع الأنقاض والجثث.. تنحني المدينة على نهرها لتغتسل من آثار الهياج والاجتياح.. وترى في مرايا الماء ما خلّفته الأحداث على وجهها من خدوشٍ وتجاعيد.. وتمشّط شَعرها المجعّد.. تختلط أغنيتها الحزينة بهمهمة الأمواج..

كانت الحداثة قد سكنت الطوابق العليا للمدينة
تغنّتْ بالإنسان- المفهوم
وأغفلت الضواحي المهمّشة وأحزمة الفقر
كان الفرح هشّاً في قلب الحداثة
والصروح كانت من هياكل الجروح..

كانت الحشود تغادر الريف الفسيح صوب المدينة الجديدة، الأفواج من كلّ الاتجاهات تسرع نحو المركز. كلّما اقتربوا أكثر، تخلّصوا من بعض وحولهم ولمّعوا أحذيتهم أكثر. كانت الجمـوع تتسابق للوصول إلى المركز. تسـاقط الكثير منهم في الطريق. تزاحموا وتصادموا لم يعد المركز يسعهم كلهم واشتدّ التدافع، فارتفعوا عن الأرض وأخذوا يفورون إلى الأعلى كالنوافير حتى كادوا أن يلامسوا السماء. تجمّدت تلك النوافير وصارت لها نوافذ زجاجيةً لامعة. قليلون هم الذين نجحوا في الولوج إلى قلب تلك النوافير. صعدوا عالياً وسكنوا خلف تلك النوافذ الزجاجية، وشخصوا بأبصارهم بعيداً بعيداً.. نحو الريف المهجور. في الأسفل رفع الطفل الممسك بيد أبيه نظره إلى الأعلى وهتف متسائلاً: هل هذه هي التي يسمّونها ناطحات السحاب؟!... ابتسم الأب وهو يجيب: نعم يا بني.. ولمْ يبقَ لنا فيها أيّ مكان. استدارا وابتعدا باتجاه الضواحي حيث يسكنان..

صمتت الحداثة أخيراً
فانْبرتْ ما بعد الحداثة للحديث
عن الدروب الخلفية والأحياء المنسيّة
لكنّها لم تبْرأ من (ما) بعديتها
وظلت تسكنها سَورة النفي
ولمْ تنْفِ نفيها
فظلّتْ أسيرةَ المدينة متعدّدة الطبقات؟!

أطلقوا سراح العقل بعد شقاءٍ عظيم، بعد أن تعهّد لهم أنْ يحسن التدبير والتبرير، وأنْ يخفّف من غُلُواء الشرِّيرين من سكّان الضواحي.. خصّصوا له مكاناً فخماً هناك خلف إحدى النوافذ الزجاجية اللامعة. وفي طريقه كان عليه المرور بالضواحي.. ها هو! هتف أحد شبّان الضواحي.. أحاط به الناس بأسئلتهم النارية الغاضبة. كان وسْطهم وحدس أنّ أيّة أجابةٍ منه قد لا ترضيهم ستعرّضه للبطش.. ومن هناك من مركز المدينة العالي لمح (اليد الخفية) تشير إليه وتحثّه على القيام بواجبه. شعر بحيرته وعجزه الشديدين أمام الأخطار التي تتهدّده من كلّ الجهات وكلّ الأطراف. ترسّخ في أعماقه يقين أكيد.. عند حرب الجميع ضد الجميع، فإنّ رأسه يظلّ مطلوباً من الجميع!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) شريط موبيوس مصنوع من ورقة مستطيلة تعقف نهايتها 180 درجة وتلصق بالنهاية الأخرى. فإذا قامت حشرة بالزحف على طول هذا الشريط، فإنها ستمر على كلا السطحين (وقد صارا سطحاً واحداً) وستعود إلى نقطة البداية إلى ما لانهاية، وكأنّه طريق واحد لا ينتهي.
(**) عنوان رواية لوليم فولكنر



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفاحة افلاطون
- توهّم
- العودة إلى البيت
- رهافة
- الساعة
- أيائل
- ضفاف
- سرب الجمال
- الجثة
- ليلة موحشة
- قطط فيرونا
- طريق الحرير
- قراءة في ديوان (ريثما...) للشاعرة المغربية سعيدة عفيف
- زيارة سرية
- قمر إنهيدوانا
- أنتي فالنتين!
- هجوم إبليس بباريس
- وجه مكسيم
- شتاء آخر
- من يحلّق ليلاً؟


المزيد.....




- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - المدينة الحديثة