نمر سعدي
الحوار المتمدن-العدد: 4892 - 2015 / 8 / 10 - 01:59
المحور:
الادب والفن
طوال حياتي لم أكن مرتعباً إلا من فكرة واحدة.. وهي فكرة فقدان أمي.. كانت تجعلني هشَّاً كعصفورٍ صيفيٍّ صغيرٍ يواجه عاصفةً ثلجيةً لا ترحم..
أمي كانت لي أكثر من أم.. كانت بقوة شخصيتها تشكِّلُ إحدى السماوات العظيمة التي كنتُ أتكأُ عليها وأنظرُ إلى الأعلى ساخراً من كلِّ العواصف وأوجاع الحياة. كانت جذور النور التي أستمدُّ منها عنفواني وفرحي.
شكرا يا الله أنك استجبت لي وأنا أدعوك في السرِّ أن تمدَّ لي بحياتها.. إلى صباح ذلك اليومِ المشؤوم.. حينَ تحوَّلت هذه الفكرة من المجرَّد إلى المحسوس وانقضَّت عليَّ بكل ما فيها من قسوةٍ وفظاظةٍ مثل كابوسٍ ينهشُ الروحَ في أيلول 2009.
**********
كانَ يجدرُ بي أن أتحدَّثَ عن الفرنسيةِ (سين) التي التقيتها صباحَ الأحد في مكتبة الجامعة فلم ننبس بحرفٍ رغمَ معرفتنا العميقة لبعض.. عن صلتها برسائل أرتور رمبو وحبِّ بودلير لجال ديفال.. عن جمالها الذي لا يهرم أبداً بل يزداد نضارةً وصباً وتوهجاً.. عن جدائلها الذهبية التي تهتاج وتتموَّجُ في نهاري الربيعيِّ العاشق منذ عام الفين.. والتي تغسلُ آلاف النوارس في الفضاءِ الأزرقِ برذاذ الحنين.. (سين) هذه ربما تكون احدى حفيدات إلزا.. كانَ يجدرُ بي أن أحدثكم بإسهاب موجع عنها لولا غيابُ أحد الأصدقاء صباحَ الثلاثاء.. ممزَّقاً بينه لعنة امرأتين.. مشرداً منبوذاً.. متمرداً خاسراً.. كانَ يجدرُ بي منذ سنين طويلة أن أكتب رثاءً لشخصٍ مات مظلوماً.. لغارسيا لوركا أو تشي جيفارا مثلاً أو المهدي بن بركة أو حتى سيد قطب ولكنني لم أستطع لذلك سبيلا.. كلَّ ليلة عندما آوي لفراشي أفكِّر بهؤلاء.. لم أتحدَّث عن سين ولم أكتب قصيدةَ رثاء لأحد ولم أصف علاقتي بمدينةٍ زرتها ونسيتُ قلبي فيها. ولم أتأسَّف لشاعر صديقٍ خاصمني قبل سنوات رغمَ حُبِّي له لأنني صارحته بحقيقةٍ أوجعته.
***********
#نمر_سعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟