أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - جلسة ممتعة بأحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس














المزيد.....

جلسة ممتعة بأحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4883 - 2015 / 7 / 31 - 13:34
المحور: المجتمع المدني
    


جلسة ممتعة بأحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس
المقهى في صورته العامة المتعارف عليها في كل بقاع العالم ، هو ذاك الحيز المكاني المتسع والمريح ، الذي يرتاده الناس للاستراحة من متاعب اليومي ومشاغله ، والاستلذاذ بقدر من الكسل ، أو للتسامر وتجاذب الحديث في مختلف الموضوعات الخاصة والعامة ، تماما كما عرفه الأقدمون وكتب عنه المعاصرون ، ولم تكن قط ، طقسا يوميا عتيدا لقتل الوقت في "التبركيك" والنميمة وأشياء أخرى أسوء - كما هو حاله في بلادنا- وخاصة هنا في مقاهي الحي اللاتيني الذي اشتهر بمقاهيه بارتاد كبار المثقفين والكتّاب والفنانين لها ، وتناوبهم في خمسينيات القرن الماضي وستينياته ، على طاولات التي شهدت نقاشات حادة بين الكتاب والصحافيين والقادة الطلابيين ، تحولت إلى نافذة للحركات التحررية التي ترجمت عام 1968 في أيار الشهير، بانتفاضة شبابية خالصة، قاد انطلاقتها رواد الفلسفة الأوروبية حينها، من مقاهي وبارات الحي اللاتيني الصغيرة والتي كانت تُحصى بالمئات ، فغيّرت وجه فرنسا ثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً ، وهزت الديغولية سياسيا، تم عمت أوروبا كلها ومن ثم العالم ..
أمس الأحد ، خرجت وزوجتي ظهرا للتفسح في منطقة StGermain وبالضبط بالحي اللاتيني "حي النخب والمثقفين"، كما كان يعرف قبل التغيير الذي أصاب باريس بشكل عام والمناطق التاريخية فيها بشكل خاص ، وقبل أن تختفي منه المكتبات ، والمقاهي ، والمطاعم الصغيرة ، والحانات "براسوري" Brasserie التي كانت تفتح أبوابها طوال الليل ، وكل المحال التاريخية ، التي صنعت شهرة الحي التي ملأت العالم ، تاركة المكان المتاجر الشهيرة المتخصصة ببيع الألبسة والعطور والمجوهرات والأحذية ومحال الوجبات السريعة الفرنسية والأميركية والأسيوية .
طال بحثنا عن كرسي فارغ في أحد مقاه الشوارع الجانبية لشارع سان مشيل ، التي صمدت أمام زحف المطاعم الأنيقة التي تلائم أصناف السياح العابرين ، المأخوذين بدهشة الأبنية القديمة المزخرفة ، التي تترك رائحة القرون في الذاكرة ، وذلك لأن هذا النوع من المقاهي في هذه المنطقة من باريس تعرف في هذا الوقت من النهار ، تزايد الحجوزات المبكرة من قبل مرتاديها ، إلى جانب تزامن هذا اليوم مع نهاية سباق الدراجات الدولي.. عثرنا مؤخرا على كرسي شاغر بأحد المقاهي ، يحتل موقعا على ناصية أحد الأزقة المتفرعة عن أحد الشوارع بالحي اللاتيني ، حيث الهواء لطيف للغاية .. تهلل وجه زوجتي وأشرقت عيناها ، وألقت بجسدها المنهك على الكرسي المريح فوق رصيف ظليل ، والنسيم العليل داعب الأستار من فوق روس الزبائن في جو بارد منعش .. حضر النادل بلباسه الأسود الأنيق ، قبل أن نستقيم في جلستنا ، وسلم بلباقة فرنسية ، تناولت زوجتي الكبوتشينو والكاكاو والبريوش ، وتناولت أنا فنجان القهوة المرة التي أتلهف لاحتسائها في مثل هذه المقاهي الراقية ، لإتقانهم تحضيرها وتقديمها ، كم انتشيت رائحة القهوة الفواحة ، وزال تعبي قبل رشفها ، يا لها من لحظة سعيدة .
بدأت عيناي تجوب ملامح الموجودين في المقهى حولنا ، وتتابع مشاهدة المارة أمامنا من عباد الله الذين ساروا في موج متحرك من كل جنسيات وألوان البشر ، من كل بلاد العالم ، رجالا ونساء وشيوخا وشبابا ، سياحا وطلابا وعمالا علت وجوههم مسحة الهم والتعب ، ممن رمت بهم الأقدار للكد والشقاء في بلاد الغربة ، كل مسكون بهواجسه حتى الثمالة ، يسعى بجد ومثابرة إلى مقصده ، لا احد يلتفت لأحد ، أو يضايق أحدا ، أو يتحرش بغيره من السائرين أو الجالسين ، كل يفعل ما يشاء في نطاق ما يسمح له به القانون ، الذي يثق به ويحترمه الجميع ، ما يبرز الاختلاف الثقافي بين مجتمعات هذا العالم .
كانت جلسة هناء وسعادة غامرة ، لم يعكر صفوها المتسولون الذين لا تكاد تقتعد كرسيا في أي مقهى من مقاهي بلادنا ، حتى تتناوب على ابتزازك جحافلهم ، ولا يضعف هناءتها فيالق الباعة الجائلين الذين يقلقون راحتك بإلحاحيتهم المقيتة ، بل كانت جلسة معطرة بطيب المارة وعبير لباقتهم ، والجو الصيفي الهادئ والرائق العبق بالبهجة والسرور، الذي لم تؤثر فيه روائح سجائر المدخنين –النساء على الخصوص-حوالينا بشراهة..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجالس الحشيش الرمضانية. مقهى اسطنبولي بفاس الجديد نموذجا
- ثقافة الانتماء السياسي !!
- الكفتة أكثر الأكلات المستهلكة بشراهة
- آيات القرآن الكريم نغمة للهواتف المحمولة !!
- الاعتياد على الشيء يفقد الشعور بوجوده !!
- ذكريات العيد التي لا تبلى ..
- إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!
- تشابه الفكر الظلامي واختلاف طرق تصريف المواقف..
- ليس محض صدفة انتشار المرجعية الفكرية الظلامية على امتداد الب ...
- مقابرهم ومقابرنا ؟؟ -المقابر المَشَاهد-cimetières paysage نم ...
- ظاهرة التطوع لنشر حب المطالعة وثقافتها..
- شياطين الإنس أشد ضررا من مردة الجن ..
- على هامش تكريم مولاي مسعود
- رحيل نقابي متميز ..
- الجنين إلى الطفولة !!
- الاعتذار للأقوياء الذين يتحملون مسؤولياتهم ...
- استديو -باب جنان السبيل طالع وهابط- بفاس الجديد ..
- مراسلة عاجلة تكريم المقاوم مولاي مسعود اكوزال
- قصص سائقي الطاكسي بباريس 2 ..
- مسلكيات مجتمعية مناقضة للفطرة السليمة والذوق الرفيع ..


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - جلسة ممتعة بأحد مقاهي الحي اللاتيني بباريس