أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!















المزيد.....

إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4866 - 2015 / 7 / 14 - 00:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!
خلافا لما هو سائد بيننا ، ليس هناك معتقدٌ من بين جميع أنواع المذاهب الفكرية والدّينية ، التي لو اعتنقه الإنسان يحوله إلى ملاك ، ولو تركه يحول إلى شيطان أو العكس، لذلك نرى مجرمين لا أخلاقيّين من جميع المذاهب الفكرية والدّيانات السماوية والوضعية ، ومن المعتقدات الخاطئة المنتشرة أيضا اعتبار أنّ شخصية الإنسان وطباعه وسلوكه هي مجرّد نتاج فلسفته أو أيديولوجيته أو معتقده الدّيني فقط ، بينما الإنسان هو نتاج تركيبته الشخصية بالإضافة إلى ظروفه الخاصة وطبيعة المجتمع الذي نشأ وتربّى وعاش فيه ، بمعنى آخر، أن الدّين هو مجرّد عامل ضمن عوامل أخرى ، يساهم في رسم شخصية الإنسان ، وليس هو العامل الأوحد في تشكيل السّلوكيات الأخلاقيّة للإنسان ، لأنها تنبع أولاً من جيناته وطريقة تربيته وظروفه الشخصية، الاجتماعية، التّعليمية، الثقافية والاقتصاديّة، قبل أن تنبع من معتقده الدّيني، سواء كان ذلك سلبًا أم إيجابًا. موجب هذه المقدمة هو تصرف أحد "كفار" فرنسا معي في هذا الشهر المبارك الكريم الذي جعله الله من أفضل الشهور الإيمانية المتميز عن باقي الشهور من حيث فضله وأجره وحرمته ، و الذي قررت أن أقضيه - هذه السنة أيضا – منطقة هادئة من الديار الفرنسية ، حيث تعيش الجاليات المسلمة أيامه الكريمة المباركة ، نفس طقوسه الرمضانية ، وكأنهم بين أهليها في بلدانها الأصلية ، يعمرون مساجد الله المبثوثة في كل المدن ، للتقرب إلى الله والتوجه إليه سبحانه وتعالى بالعبادة بالليل والنهار ، والتطلع إلى توبته ومغفرته سبحانه .
وهذه قصتي مع "الكافر" الفرنسي الذي سما وعيه إلى مرتبة الفهم الحقيقي لجوهر هذا الشهر المرتبط عندنا بالمعاني السامية.
حدث أن استرعى انتباهي ذات عشية يوم من أيام رمضان ، عند عودتنا من التسوق قبيل المغرب ، منظر أحد ساكنة العمارة الشباب ، الذين يشاركوننا يوميا المصعد ارتقاء وهبوطا نحو الطابق السادس حيث شقتنا ، وهو معقوف العنق بصفة مثيرة.. ملأتني رغبة عارمة لمعرفة سبب إشاحة الشاب بوجهه عنا للجهة المعاكسة ، إلى درجة التواء عنقه ، وكأنه مصاب بورم يعيق استدارته نحونا .. ودفعني الفضول إلى سؤاله عن إحجامه عن الحديث معنا ، كعادته ، كلما التقينا صدفة في المصعد ، حيث كنا نتجاذب الأحاديث .
ترددت برهة ، لكني حزمت أمري وسألته هل أصبت بوعكة في عنقك ؟ ابتسم وأجاب بلطف وبلباقة ، وهو يحرك عنقه ذات اليمين وذات الشمال ليرني أنه غير مصاب بأي توعك ، وأن عنقه سليمة ، وشكر لي اهتمام بحاله ، وشكر ربه على ما متعه به من صحة وعافية ، وأردف قائلا : ما فعلت ذلك لتوعك في عنقي ، لكن خشية من أن أفسد عليكم صيامكم بروائح السيجارة التي دخنتها سيارتي قبل أن أدخل المصعد بقليل ، وفضلت أن أستدير للجهة الأخرى حتى لا تصيبكم أنفاسي المشبعة بالنيكوتين العالقة بثيابي ، فأسبب لكم إحراجا دون قصد ، وأنتم صائمون ، لأني أعرف أن هذا الشهر هو من أعظم الشهور عند المسلمين ، وعلينا أن نشارككم فرحتكم به ، ونسهل عليكم صيامكم أيامه الكريمة قدر الإمكان ..
هالني ما رأيت من طيب تأدب هذا "الكافر" وسمو أخلاقه رغم أنه لا ينتمي إلى الإسلام ، وربما ليس له دين أو لا يعترف بأي دين أصلا .. انعقد لساني وشرد خيالي ، حتى أني لم أنتبه لتوقف المصعد في الطابق الذي أقصده ، إلا على تنبيه الشاب الخلوق ، الذي شكرته وأثنيت علي خلقه وحسن تصرفه ، والذي رد قائلا : هذا واجب علينا لأننا نعيش في بلد واحد ومجتمع واحد وعلينا أن نساعد بعضنا البعض .
..
خرجت من المصعد شاردا الذهن ، تطوف بي الأفكار وتدفع بي للمقارنة بين الكافر الفرنسي الذي قدر حالنا في شهرنا المبارك هذا ،ومحاولته تجنيبنا ما يمكن أن يسيء لصيامنا كما قال ، وبين ما أصبح عليه اليوم في المسلمين من قلة الالتزام بما أمر به الله من احترام الغير في هذا الشهر وفي غيره من الشهور ، كما في الحديث النبوي الشريف الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما :فلا يرفت ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل "إني صائم ، إن صائم ، تم تردني إلى شريعتنا السمحاء ، وأعرافنا وما جبل عليه أسلافنا، من مكارم الأخلاق، والعزة والتعاون احترام الغير في كل شيء – الذي ما تخلفوا عنه يوما-على أنه الأصل في روح التآخي والتقارب ، وما آلت إليه أحوالنا اليوم. حيث تقلصت الأخلاق الحميدة ،وتمددت السلوكات البشعة، وأخذت مكانة المكارم، ودفعت بالصفات الحسنة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، إلى التواري والاندحار في مجتمعاتنا ، حتى أضحى الخلوق القوي الأمين غريباً منبوذاً ، لا يؤخذ له رأي، ولا تسند إليه أمانة ..
سيطرت علي فكرة كتابة ما حدث لي مع هذا "الكافر" تقديراً لموقفه المشرف
من الإسلام والمسلمين ، لكني ترددت ، لمعرفتي المسبقة ، بل وليقيني بأن من سيقرأ ذلك من المتطرفين ، سيخوض -كالعادة-في انتقادي ، وسيقسمون بالأيمان المغلظة ، أن دوافعي لذلك ، لم تكن إلا بإيعاز من الامبريالية العالمية الأمريكية والصهيونية الشوفينية والرجعية الانتهازية العالمية والميكافيليكية الانطوائية الفلشفية ، وسيبيحون تقريعي ويدعون زبانيتهم المغيبة العقل للدعاء ضدي بكل ما لُقنوه من أدعية لا يعلمون عقمها وقلة جدواها ..
تحدثت مع أهلي بذالك الأمر الذي قدروه وثمنوه ، رغم انه جاء من رجل ليس له دين أو لا يعترف بأي دين أصلا ، إلا أنه يحمل بين جنبيه خلقا ساميا يفوق ما يحمله بعض المسلمين بألف مرة ، ما جعله يحترم غيره والمختلف عنه في كل شيء ، لأن الدين كله خلق ، ومن فاقك في الخلق ، فاقك في الدين ، كما قال ابن القيم ، فالقضية إذن ليست قضية معتقد أو ديانة ، كما أسلفت ، وإنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول ..أي أن الخلل الحقيقي يكمن في الأخلاق التي لم تعد موجودة ، والضمائر المغيبة التي تعد تؤمن بها ، وإنه لا حل لمواجهة كل ذلك إلا بتخلص الناس من وهم أن الدين هو أداء الصلاة في مواقيتها وصيام رمضان والزكاة وذبح الأضحية في العيد وقراءة القران –والذي ننكره لأنه صلب الدين- لكن الدين هو المعاملة والالتزام والضمير وهو احترام حقوق الآخر ، الحل هو إعلان الحرب الحقيقية ، والجماعية ، ضد كل ذلك ، والقيام بثورة حقيقية لاستعادة كل الأخلاق الضائعة ولإحياء الضمائر الميتة ، التي تكتفي بترديد ما ورد في القرآن والحديث النبوي الشريف من ذكرلـ"الخلاق الفاضلة" دون فعل ملموس ، يجسدها في سلوكياتنا اليومية ، فستظل غامضة في الأذهان ، بل وتقلص ، وتتقوض الأمم والشعوب بانحسارها ، وتذهب ريحها ، لأن : الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .كما قال شوقي ..كم كنت ولازلت أود أن أدعو أمثال هذا "الكافر" الفرنسي بالتوفيق والرحمة ، لأنهم ارحم من قومنا بكثير!! لكني خشيت أن أأجج من سعار من يخالفني الرأي غير المتخلقين ، فيرتفع منسب سبابهم ، ومزيد شتائمهم ، لأنهم لا يقبلون الرأي الآخر مهما كان وجيها ..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشابه الفكر الظلامي واختلاف طرق تصريف المواقف..
- ليس محض صدفة انتشار المرجعية الفكرية الظلامية على امتداد الب ...
- مقابرهم ومقابرنا ؟؟ -المقابر المَشَاهد-cimetières paysage نم ...
- ظاهرة التطوع لنشر حب المطالعة وثقافتها..
- شياطين الإنس أشد ضررا من مردة الجن ..
- على هامش تكريم مولاي مسعود
- رحيل نقابي متميز ..
- الجنين إلى الطفولة !!
- الاعتذار للأقوياء الذين يتحملون مسؤولياتهم ...
- استديو -باب جنان السبيل طالع وهابط- بفاس الجديد ..
- مراسلة عاجلة تكريم المقاوم مولاي مسعود اكوزال
- قصص سائقي الطاكسي بباريس 2 ..
- مسلكيات مجتمعية مناقضة للفطرة السليمة والذوق الرفيع ..
- قصص سائقي الطاكسي بباريس ..
- إلغاء منصب الوزير من الحكومات .
- صبيحة يوم جميل في إحدى ضواحي باريس .
- الاسقالة (2)
- الاسقالة (1)
- ما أبشع طعم الديمقراطية في البلاد العربية ، 4
- فاتح ماي وذكرى مقتل إبراهيم بوعرام !!


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!