خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4883 - 2015 / 7 / 31 - 13:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"افغانستان للمسلمات وليس اوروبا! مقال للكاتبة مكارم ابراهيم ونشر في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 29 يوليو 2015, والمقال يناقش واقع المسلمات اللاتي تستضيفهم بلدان اوروبا ثم ينتهين إلى الضرر بمجتمعهم الجديد, كما هو واقع مجموعة الفتيات اللاتي أعتدينا على الفتاة الفرنسية, إلى أن المقال لم يميز بين التيار الواسع للنساء المسلمات في اوروبا واللاتي يمثل البعض منهن كضحايا لمجتمعهم الاسلامي ذاته, وبين مجموعات نسوية متطرفة دينيا واجتماعيا, ودلالة التحامل تتجسد في عنوان المقال ذاته, فالعنوان يختزل المرأة المسلمة في اوروبا بنموذج متطرف, علما أن النساء المسلمات في اوروبا متابينات في خلفياتهم الاجتماعية الدينية وطرق عيشهم وتفسيرهم للاسلام ذاته, وهن عادتا من خلفيات اجتماعية مختلفة, لدى جاء تكريس نمطية التخوف من ما هو اسلامي مصاحبا لاسقاط التطرف على النساء المسلمات في اوروبا.
"نعم انتم المسلمون جئتم ضيوف الى فرنسا واوروبا هربا من ديكتاتورية حكامكم المسلمون العرب وهربا من الفقر والقحط في دولكم العربية الاسلامية انتم المسلمون هربتم من اوطانكم الاسلامية وبعتم الغالي والنفيس لتاخذو اقامة في اوروبا التي تعلمون مسبقا بانها دول علمانية مدنية وملحدة ليس دول طائفية كالدول العربية الاسلامية لكنكم اليوم تعتدون على ابناء تلك الاوطان التي رميتم انفسكم في عمق البحار للوصول اليها واخذ لجوء فيها واليوم تعتدون على بنات تلك الاوطان التي حفيتم من اوطانكم لتاخذو اقامة فيها تخليتم عن اوطانكم الاسلامية لتاخذو لجوء في اوربا الدول العلمانية التي احترمتكم رغم لبسكم الحجاب قبلت لجوئكم فيها وقلت ان تعملوا بين ابنائها وتجلسوا مع ابنائها على مقاعد الدراسة لكنكم تعتدون على شعوبها وبناتهم وابنائها لانهم يتصرفون كما اعتادو ان يتصرفوا قبل مجيئكم الى اوطانهم وطلبكم الاقامة فيها من المؤسف والمخجل ان نقرا مرة تلو اخرى عن الارهاب الاسلامي في فرنسا خاصة وهولندا قتل رسام فرنسي يهزئ من نبي المسلمين يقتل مخرج هولندي يخرج فيلم عن اضطهاد نصوص القران للمراة المسلمة رغم ان سيناريو الفيلم كان من كتابة امراة مسلمة من الصومال تعلمت القران منذ نعومة اظافرها وطبقت نصوص القران علىى جسدها فالفيلم كان فكرتها نحتت فيه معاناتها كامراة مسلمة عانت نصوص القران. !(1)
وقد سردت الأستاذة مكارم ابراهيم ما تقدم وأكدت أن المسلمين ياتون إلى اوروبا وهم في حالة معاناة انسانية وترفعها عنهم بلدان اوروبا, واتفق في ذلك معها وهو حقيقة تاريخية اسهمت في حفظ نفس الملايين من المسلمين وغيرهم والذين حلوا على هذه البلاد في حقب زمنية ولا زالوا في طريقهم إلى أوروبا, ولأجل الهجرة إلى أوروبا فعلا بدل الكثير من المسلمين وغيرهم بغية الالتحاق بالفردوس الأوروبي والعيش فيه, كما أجزم أن هناك أعداد كبيرة من المسلمين وغيرهم الساخطين على الواقع الأوروبي ومع ذلك يتمسكون بالبقاء فيه, في حين أن هناك مجاميع لم تستطيع أن تتكيف اجتماعيا مع الثقافة الأوروبية وعادت أدراجها نحو بلاد المسلمين وبلاد أخرى.
إلى أن قضية عدم التكيف الاجتماعي مع الآخر ليست حصرا على مسلمي أوروبا فقط, بل أنها تمثل أمرا ماثل بقوة في ثقافة الكثير من الأوروبيين الغير مسلمين من أبناء القارة الأصليين, والذين يظهرون بوضوح لرفضهم في أن يمارس المسلمين في هذه البلاد ثقافتهم فيما بينهم وفي الفضاء العام في اطار ما هو مشروع لهم في نطاق قيم المواطنة, ولدرجة أن هناك برامج منهجية تعمل عليها باستمرار العديد من المؤسسات الثقافية والاجتماعية الأوروبية في سبيل تذويب هؤلاء المسلمين وليس في اتجاه إدماجهم في بلادهم الجديدة, وفي المحصلة فإن ممارسة مثل هذه السياسة شكل من التطرف تجاه الآخر المختلف ثقافيا والسعي للقضاء على شخصيته وهوايته الثقافية المتعددة الأبعاد, إلى أنه لايكمن تحميل المجتمعات الأوروبية وزر تلك الممارسات العائدة إلى بعض النخب الثقافية والإدارية, وهو ما يستوجب في الحين نفسه تفهم واقع ومواقف الجانب المسلم ايضا.
لدى أرى أن يشتغل الكثير من المسلمين وغير المسلمين في أوروبا على كيفية استيعاب الآخر انسانيا وفي سبيل خلق تلاقي لاسيما وأن جميعهم يمثلون مكونات مترابطة للمجتمعات الأوروبية بفعل عقد المواطنة الجامع, والعمل المشترك للمحاصرة دعوات التطرف من قبل المنتمين لطرفين المسلم والغير المسلم, وقدر العيش المشترك يحتم سياق المواطنة ولاسيما وأن التيار الواسع من المسلمين سيعيشون هم واجيالهم القادمة في أوروبا وسيموتون فيها, وتلك المسؤولية والحرص عليها منوط على عاتق الجميع ولايمكن حصرها في الدائرة المسلمة تحديدا.
أما تناول حوادث العنف والتي يقوم بها أفراد مسلمين في أوروبا وتعميمها أو تحميل مسؤوليتها لكل المسلمين فذلك صورة تطرف في حد ذاته, وشخصيا لا أجد حكمة من رسوم السخرية تجاه الرسول الكريم محمد, غير العمل على استفزاز المسلمين وبغض النظر عن ردود فعل بعضهم تجاه هذا الموقف, شخصيا لا أجد اشكالية في أن يتناول كاتب ما أو مخرج سينمائي الدين الاسلامي ورموزه وينتقدوا هذه المنظومة الفكرية وسيرتها التاريخية مثلا, وأن يظهروا عدم قناعتهم بها وأن يكون الرد من الطرف المسلم في تقديم تصوراته من خلال الأدوات ذاتها, فهذه المواقف يجب أن تكون قائمة في اطار رؤى فكرية جدلية بغض النظر عن الاتفاق معها أو الاختلاف معها, وهنا ستجاوز موقف الكاتبة الصومالية أيان حرسي مجن, لكوني أعلم هشاشة أبعاد موقفها ذو الدافع الشخصي وذلك تجنبا لسيرتها الاجتماعية والتي تمثل الدافع وراء كتابة سيناريو الفيلم المشار إليه علما أن المذكورة قد غادرت الاسلام.
وإن أشرت من جانبي لرؤيتي لتعاطي مع الرأي الآخر, إلى أن الاجتماعي العام يتطلب ما هو أبعد من ذلك, وهو تكريس أعراف قانونية في البلاد الأوروبية لكفالة قدر واضح المعالم لتعاطي الغير استفزازي لثقافة الآخر والمسلمين منهم في هذه الجغرافيا السياسية, فالمسلمين ليسوا أقل قدرا من اليهود الذين لايمكن أن يشكك أحد في كيفية حدوث المحارق النازية وأعداد ضحاياها.
والاشارة إلى أنه ورد "في صحف عديدة يذكر بان الدين هو سبب الاعتداء على الفتاة الفرنسية من قبل تلك المسلمات والدين هو سبب العنف هذا لكن الحكومة الفرنسية لم تبالي بهذا الشان".(2)
اضيف بدوري أنه أن جزء واسع من البنية الفكرية الفقهية الاسلامية تمثل كخلفية تاريخية لما تم ذكره من قبل هذه الصحف الأوروبية ويؤكدها الكثيريين من الجانب الاسلامي, إلى أن معالجة أثر ذلك على الواقع الأوروبي تمر من خلال المقاربة التي كنت تحدث عنها فيما مضى, أما الحكومة الفرنسية فهي جزء من المشكلة وعليها أن تعالج أبعاد التطرف والذي تؤكد التجليات الواضحة أنه ذو أبعاد اجتماعية واقتصادية تقف سياستها التاريخية خلفه, وهو ما يفرض عليها في عدم ممارسة التمييز تجاه مواطنيها والمقيميين على أراضيها ولاسيما وأنها تشكل القلعة العلمانية التاريخية.
نعم أنه من"المخجل ان المسلمون عامة يتوسلون لكل المنظمات الانسانية والامم المتحدة لقبول لجوئهم واقامتهم في الدول الملحدة الاوربية وعندما تقبل اقامتهم ولجوئهم في الدول الاوربية يبدؤون باعطاء محاضراتهم عن الشريعة الاسلامية ويبدعون في الفتاوي الاسلامية هذا حرام وهذا حرام ويريدون تغيير سلوك اهل البلد.....(3)
إلى أن التيار الواسع من المسلمين وغيرهم من أهل الأديان والذين ينتقلون إلى أوروبا يتجهون جميعا إلى ممارسة طقوسهم الدينية وتشريعاتهم فيما بينهم كما هو ماثل في البلاد التي غادروها في قارتي آسيا وأفريقيا تحديدا, وهؤلاء لايسعون إلى فرض معتقداتهم على البلاد التي حلوا عليها, رغم وجود متطرفين منهم يسعون للقيام بذلك دون كلل, وإن تم معايرة هؤلاء الاجئين بالتوسل لدى المنظمات الانسانية والامم المتحدة, فهذا يستدعي تقديم المشهد العام والاشارة إلى دور سياسات بعض هذه البلاد الأوروبية في تكريس أن ينتهي الملايين من البشر كمتسولين, هنا يستدعي الأمر الموضوعية واستحضار أدوات البحث والتحليل لفهم الظواهر وسيمكن من المساعدة لخلق قراءة موضوعية مفيدة انسانيا ولتجسيد مقاربة علمانية تخدم الجميع أكانت في أوروبا وبلاد المسلمين وغيرهم في آسيا وأفريقيا, وبمعزل عن خطاب حشد الكراهية وتعميم الاتهام في حق مسلمي أوروبا, وحتى نتفادى إعادة لغة التخوين والاتهام والتعامل مع المواطنيين من منظور هوياتهم الدينية والعرقية, كما هو معمول به في بلاد شرق أوسطية وأفريقية.
- هوامش:
1- مكارم ابراهيم,افغانستان للمسلمات وليس اوروبا!,الحوار المتمدن,29 يوليو 2015.
2- نفس المصدر
3- نفس المصدر
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟