أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى حنكر - القول الفلسفي في العلمانية ج2















المزيد.....

القول الفلسفي في العلمانية ج2


مصطفى حنكر

الحوار المتمدن-العدد: 4880 - 2015 / 7 / 28 - 09:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فلسفة الأنوار ضد سلطة الكنيسة
كان المجتمع الأوروبي في القرن الثامن عشر ،و هو القرن الذي وصل فيه التنوير أوجه في صراعه ضد الكنيسة ، مازال يعيش طبقيته القديمة .حيث يتربع النبلاء على رأس هرم المجتمع ثم يليهم طبقة رجال الدين ممثلة و منظمة بمؤسسة الكنيسة، ثم طبقة ثالثة في التراتبية هي الطبقة البورجوازية ، و هي طبقة في طور الصعود و التوسع . ستكون لها مكانتها و قوتها في المجتمع الأوروبي آنذاك ، لأنها كانت تتمتع بامتيازات اقتصادية قوية و نفوذ اجتماعي بما يجعلها تخوض صراعها بقوة ضد النظام الإستبدادي الملكي و حلفائه الممثلين في طبقتي النبلاء و رجال الدين ، كما أنها تقوت بمشروعها الفكري و الفلسفي و النهضوي (و هذا موضوع هذه المقالة) الجديد. و في أسفل الهرم طبقة الفقراء و الفلاحين ، و هي طبقة بدون نفود و وزن اقتصادي و اجتماعي و تنظيمي تتموقع خارج الصراع وقتئذ حيث يعيشون بؤسا مدقعا و استغلالا ممنهجا من الطبقات العليا .كانت هذه هي الوضعية الطبقية للمجتمع الأروبي في القرن الثامن عشر .بيد أن الوضع الطبقي سيكون أحد العوامل الأساسية في تحريك الصراع القائم آنذاك و التأثير فيه بشكل كبير .
لقد غدت البورجوازية أكثر قوة أكثر من أي وقت مضى في خضم هذا الصراع .ليس بحضورها الإقتصادي فحسب ،و لكن بأيدولوجيتها الفلسفية الجديدة و الفتية . فأحدث فلاسفة الأنوار قطيعة ثورية مع الأفكار السائدة و القديمة ، و القيم الرجعية و القروسطوية التي كانت مرجعية دينية تستمد منها الكنيسة شرعيتها و سلطتها كأيديولوجية لطبقة النبلاء و النظام الملكي الحاكم .
نظرية الحق الطبيعي ضد الحق الإلهي
كان النظام الملكي في فرنسا تحديدا يستمد شرعيته من الله . فالملك صاحب الحق الإلهي هنا ،يعتبر نفسه المفوض من السماء لحكم الأرض حيث توكل له الكنيسة (رجال الدين ) الحق الإلهي المطلق في الحكم و تبرره بمقتضى الدين ، و واجب الشعب أن يطيع الحاكم كظل لله على الأرض. لذلك تصبح أية معارضة لهذا النظام السياسي معارضة لله ذاته ، فتعتبرها الكنيسة عصيانا و خطيئة بحق الله يستتبعها عقاب دنيوي من الحاكم ذاته مدعوما من الكنيسة بوصفها حالة من التمرد و اللاطاعة تجاه ولي الأمر . نورد في هذا الصدد رسالة للرسول بولس لأهل رومية :" لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطانا إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لانفسهم دينونة. فإن الحكام ليسوا خوفا للاعمال الصالحة بل للشريرة. أفتريد ان لا تخاف السلطان.إفعل الصلاح فيكون لك مدح منه. لأنه خادم الله للصلاح.ولكن إن فعلت الشر فخف.لانه لا يحمل السيف عبثا إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر"
تفتق ذهن مفكري الأنوار لمعضلة الحق الإلهي و خطورتها و استبدادها المطلق. إذ غدا بإمكان الحاكم/الملك تبرير حكمه المطلق و المستبد بها ، بكونه إرادة من الله ، بكونه إستبدادا مقدسا . و بالتالي يكون محرما استيجابه للمعارضة و الرفض من قبل الرعية . لذالك واجه فلاسفة الأنوار الحق الإلهي المدعى من طرف الإكليروس بشراسة كما فعل فولتيرو ديدرو، ثم مونتيسكيو بأسلوب أكثر مهادنة و مساومة . و وجهو نقدا جدريا لأسس النظرية الإلهية في الحكم . فلم يعد الحكم السياسي شأنا دينيا إلهيا/سماويا بقدر ما أصبح شأنا بشريا/أرضيا صرفا ، خاضعا لمنطق العقل النسبي بحيث يغدو بإمكانه تصحيح ذاته باستمرار دون ربطه بعالم الغيب .مات الله بصيغة سياسية في فلسفة الأنوار، و لم يعد مرجعا في الحكم .لأن الحق الإلهي يمنح الحاكم ،و هو صاحبه ، إطلاقية الحكم السياسي .مما قد يبرر أي شكل من أشكال الإستبداد و يتعارض مع حاجات الإنسان و حقوقه . لذلك نزعت البورجوازية الحكم من سلطة سماوية (الله) مدعاة من طرف الكنيسة بكونه معارضا للحقوق الطبيعية، و أودعته للإنسان كحقه الطبيعي في تقرير مصيره بنفسه بما أنه مخول بعقله لذلك .
ما البديل الذي طرحه فلاسفة الأنوار إذن ؟
يقول توماس هوبز :" إن الحق الطبيعي الذي يسميه الكتاب عادة بالعدل الطبيعي معناه، حرية كل واحد في العمل بكامل قوته، وكما يحلو له، من أجل الحفاظ على طبيعته الخاصة، وبعبارة أخرى على حياته الخاصة، وبالتالي القيام بكل ما يبدو له، حسب تقديره الخاص وعقله الخاص، أنه أنسب وسيلة لتحقيق هذا الغرض"
يؤسس توماس هوبز للحق الطبيعي كحالة عدل يجب أن يوفرها النظام الحاكم للإنسان الفرد بعد أن تعرض هذا الأخير لتعسف و ظلم ممنهجين على مر العصور الوسطى باسم الله . كما يشير هوبز إلى أن الإنسان كائن حر بذاته ، و له حق التصرف في حياته والحفاظ على طبيعته الإنسانية و شروط بقائه دون ممارسة تدخلات خارجية عليه .كما أنه يحذر من حالة عودة الإنسان إلى حالته الطبيعية الأولى ، و التي يصفها بالحالة الوحشية للإنسان ، يكون فيها العنف مبررا لنزع حقوقه الطبيعية . لذلك يبدو هوبز أكثر تخوفا من مجتمع تسوده حقوق طبيعية بدون سلطة تردع تطرف الإنسان و وصالحة الذاتية و نزعة السيطرة في داخله .إنها حالة الحرب الكل ضد الكل كما يصفها هوبز بدقة. أصبحت السلطة كما يؤكد هوبز هي الخط الفاصل بين حالة الإنسان الهمجية و حالته المدنية المتحضرة ، و أن القوانين المشتركة التي يسنها المجتمع لحماية علاقاته من الهمجية هي وحدها التي يجب أن تكون مصدر هذه السلطة ، و هي سلطة تؤسس لنفسها بما يوافق مفهوم الحق الطبيعي ، و أي سلطة تعارض الحقوق الطبيعية للإنسان يمكن اعتبارها من منظور الحق الطبيعي استبدادا مطلقا .
العقد الإجتماعي و التأسيس للحق الطبيعي
يقدم جون لوك مشروعا مكتملا في الفلسفة السياسية كمرجعية يستمد منها المشرع البريطاني في القرن السابع عشر أصول حكمه و قوانينه المنظمة .و هو مشروع إيديولوجي و سياسي ساهم على نحو أكبر في اندلاع ثورة بريطانيا المجيدة سنة 1688 و أسس بديلا سياسيا قويا لفترة ما قبل الثورة التي وسماها الإستبداد الملكي المطلق . لقد كان جون لوك منظر هذه الثورة بامتياز ، فأسس مع هوبز أيضا لمفاهيم جديدة ك نظرية العقد الإجتماعي و نظرية سيادة القانون .لقد كان لوك يطمح خلافا لهوبزالذي دعم سلطة الملك المطلقة ، لحكم مدني يسوده القانون في توافق تام مع حرية الإنسان و حقوقه الطبيعية .رفض لوك بشكل قاطع سلطة الملوك الأبوية ، أصحاب الحق الإلهي ، و أدان حكمهم الثيوقراطي بشدة .لذلك ارتأى إلى طرح بديل مدني في الحكم ، و أن الإنسان بقوته العقلانية و الفكرانية يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه بمنأى عن سلطة الله و إرادته . ينظر لوك إلى الحالة الطبيعية للإنسان ، و ذلك خلافا لهوبز الذي وصفها بالحياة القاسية التي لا تقبل التحمل ،بكثير من الإنفتاح .إذ يقول بأنها تتسم بالحرية و المساواة و اللاتمييز بين الأفراد . إنه يعتبرها حالة إجتماعية بحد ذاتها ، و لكن عيبها أنها تفتقر إلى التنظيم ( الهشاشة) ، فالإنسان غير قادر على حماية حريته و مصالحه الشخصية و حقه في الملكية ما دام يعيش حالة الطبيعة المفتقرة للقوانين .قد يكون للناس فيها أعراف تنظم جماعتهم و لكنها لن ترتقي إلى قوانين منظمة كما في المجتمع السياسي المرغوب . تفترض الضرورة من الإنسان في حالته الطبيعية الأولى لهشاشتها و لا تنظيمها المحكم ، أن يعبر إلى حالة أخرى أسماها لوك بالحالة السياسية للمجتمع حيث ستحكمها سلطة قوية بموجبها سيحمي الإنسان حريته و حقوقه الطبيعية ، و هي سلطة مدنية تنبثق من عقد إجتماعي يفوض فيه المحكومون لشخص مؤهل(الحاكم) لحكمهم أن يحرص على تطبيق القانون .يشترط لوك في القوانين المدنية التي ستضعها السلطة التشريعية في الحالة السياسية توافقها مع القوانين الطبيعية الأولى ، و ينبغي على الدولة كسلطة تنفيذية حماية هذه القوانين و تطبيقها المساواتي على الجميع دون استثاء .
من الواضح مما عرضته بشكل مركز جدا ، أن فلسفة الأنوار ركزت اهتمامها على الإنسان و حياته و علاقته بالمجتمع و الدولة ، ليس من منظور ديني و لاهوتي ميتافيزيقي ، و لكن من منظور كونه كائنا ينتمي إلى الأرض ، إلى ال هنا ، يستوجب اهتماما يحترم إنتماءه الأرضي وينبعث منه . لذلك نأت البورجوازية الأوروبية بنفسها بعيدا عن سلطة الكنيسة و علائقها القديمة ، لتؤسس مقابلها إيديولوجية فلسفية علمانية جديدة تتعامل مع الإنسان من حيث هو ذات عارفة و مستقلة و غير قاصرة معرفيا ، يستحق أرقى و أفضل الخيارات ليعيش وفقها و يستمد منها وجوده الإنساني ، فوجد في الثورة البورجوازية بحمولتها الفلسفية المتراكمة بديله الحياتي و كينونته الحقيقية و تحرره من الظلم و الإستغلال و الإضطهاد الممارس عليه إدعاءا لسلطة عليا تفوق مقدراته و قواه المحدودة .سيلاحظ القارئ أني لم أتطرق لقضية فصل الدين عن الدولة كنتيجة لفلسفة العلمانية الأنوارية ، و لكني عالجت مفهوم العلمانية في جوهره الأساسي , بكونها فلسفة تركز اهتمامها بالإنسان هنا ، و ليس ال هناك ..



#مصطفى_حنكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القول الفلسفي في العلمانية
- شبح الجنون _1
- دين ودنيا
- يوميات متشرد _3
- يوميات متشرد 2
- إنجذاب غير مرغوب
- حوار الفلاسفة __الجزء الأول
- خطبة كازانوفا في البار
- يوميات متشرد
- الإنسان بين فرويد و أدلر
- حينما نفكر على نحو مغاير


المزيد.....




- “من غير زن وصداع مع” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على نا ...
- فيديو خاص:كيف تسير رحلة أهالي الضفة إلى المسجد الأقصى؟
- الشريعة والحياة في رمضان- سمات المنافقين ودورهم الهدّام من ع ...
- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى حنكر - القول الفلسفي في العلمانية ج2