أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم حبيب - نظرة مفعمة بالحزن والألم في رواية -يا مريم-، للروائي المبدع سنان أنطون















المزيد.....

نظرة مفعمة بالحزن والألم في رواية -يا مريم-، للروائي المبدع سنان أنطون


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 14:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


الكتاب: رواية "يا مريم"
الكاتب: سنان أنطون
دار الطبع والنشر: منشورات الجمل
مكان الإصدار: بيروت – بغداد
سنة الإصدار: 2012
عدد الصفحات: 160 صفحة
ما أن تنتهي من قراءة رواية "يا مريم" حتى تنتابك مشاعر متدفقة يتشابك فيها الحزن مع الألم والغضب لتتحول في لحظة معينة إلى كآبة وإحباط شديدين، ولكنها في الوقت ذاته مشاعر متناقضة ومتصارعة، مشاعر تهيمن على وجدانك وتهز ضميرك من الأعماق. تشعرك بالحيرة، بالحزن، بالألم وبالغضب في آن. تعود بك الأحداث التي يرويها شخوص الرواية، شئت أم أبيت، لتشارك معهم في النقاش وفي إبداء الرأي والاتفاق أو الاختلاف معهم، إنها تضعك أمام ديالكتيك الأحداث ومسيرتها ونتائجها أو عواقبها على الإنسان الفرد والجماعات والمجتمع، إنها تعود بك إلى قرون وقرون خلت وتضعك أمام التاريخ بحركته السائرة بخط عام مستقيم إلى الأمام، ولكن بخطوط خاصة بهذا البلد أو ذاك ذات تعرجات حادة وتدميرية وعودة إلى الوراء بعيداً عن حضارة العصر الحديث. إنها حركة زگزاگية مريعة وكثيرة، صاعدة قليلاً وهابطة كثيراً وفي غالب الأحيان. تجد نفسك في بلد دُفع مجتمعه بإصرار إلى الوراء، إلى قعر مستنقع عميق لا تجد له قراراُ ولا نهاية فيه، بعد أن كان المجتمع يجهد ليبقى على مقربة من سطح المدنية والحضارة ليرى ويتمتع ببعض النور المشع حوله ولو بقليل منه. القعر الذي حط به العراق لا نهاية له، يسوده الظلام والظلم ووباء الأيديولوجيا الدينية والمذهبية المتخلفة وغير المتنورة والقاتلة، وتنتشر فيه البرودة والرطوبة المنهكة للإنسان ووضعه النفسي وأعصابه وكل عظامه وأحاسيسه. تشعر أن الإنسان والمجتمع قد أصبحا أو وصلا إلى نقطة ما تحت الصفر بكثير وكأنهم عاجزون عن الخروج من هذا المستنقع الذي وضعوهم فيه مع سبق الإصرار. إنها زگزگات التاريخ الخاصة بهذه الدولة أو المنطقة وليس بالعالم كله، ولكنها تترك أثارها وعواقبها على كل العالم والمجتمعات بنسب متفاوتة وصور مختلفة، عواقب وجروح لا حصر لها تترك ندباً قوية على وجه التاريخ وجسم الإنسان العراقي في آن. إنها حركة التاريخ الخاص ولكن بدعم وتعاون إقليمي ودولي ليبقى العراق لا يراوح في محله فحسب، بل ليعود إلى ما قبل التاريخ الصناعي، هذا ما قاله وعبر عهن وفعله جيمس بيكر وإدارته الأمريكية في العام 1991 وتكرر مرة أخرى وبشكل أكثر عنفاً وتدميرا وقتلاً في العام 2003 وما بعدها. ولنتذكر هنا ما حصل في سجن "ابو غريب" لندرك طبيعة الثقافة والتعامل الذي أدخلته إدارة بوش الأبن المهووس بالحرية الأمريكية والدين ورسالته الإلهية إلى العالم جورج دبليو بوش.
رواية "يا مريم" لا تبعث على الحزن والألم فحسب، بل تحرك عقل الإنسان للتفكير بما جرى ويجري بالعراق، بما واجهته وتواجهه تلك المجموعات البشرية التي هي من أصل أهل العراق من عواقب على أيدي الدخلاء الذين فتحوا العراق واستعمروه باسم الإسلام وأصبحوا هم أهل البلاد ويعملون بإصرار على طرد أهل البلاد الأصليين. إنها المأساة الحقيقية التي ينفذها الحكام وليس أبناء الشعب وبناته الأحرار من مسلمين سنة وشيعة. ولكن هناك الكثير من الراكضين خلف الحكام الجدد، خلف الحاج أبو إسراء ورهطه، تماماً كما ركضوا ودشاديشهم في أفواههم وبين أسنانهم خلف "القائد الضرورة" والجرذ الذي لم يجد مكاناً له إلا في حفرة تحت الأرض. وهكذا سيكون مصير الكثير من الجرذان الحاكمة لا بالعراق فحسب بل وفي كل مكان يهان فيه شعب ما وتنتهك كرامته ويطرد سكانه الأصليون لأنهم من قومية أخرى أو دين أو مذهب آخر!!!
رواية "يا مريم" صرخة مدوية كتبت باللهجة العربية الموصلية المحببة للنفس والتي يتحدث بها عموماً مسيحيو الموصل في ما بينهم بشكل خاص. وقد أعطت الكلمات العامية وقعاً مؤثراً وقريباً من مشاعر وأحاسيس الإنسان، لهجة تلمس الجروح العميقة مباشرة وليس في مقدور اللغة الفصحى التعبير عنها والولوج بها إلى عقل وقلب الإنسان بالقوة والانسيابية العالية ذاتها. لقد أحسن سنان أنطون في استخدامه اللهجة العامية الموصلية للتعبير عن الكارثة التي يعاني منها المسيحيون والمسيحيات بالعراق وأعطاها الوقع والدفع، وكذلك التأثير المنشود لأحداث الرواية الكارثية.
قرأت للكاتب والروائي سنان أنطون رواية "شجرة الرمان" وأعجبت بها كثيراً وبراويها المبدع وأعدت القراءة وحاولت الكتابة عنها ولكن الأحداث جرفتني معها إلى ما كان وما يجري بالعراق. فحوارات رواية "شجرة الرمان" تجسد نبض الحياة المتحركة وواقع هذه الحياة العراقية الراكدة التي جعلت من حياة الناس جحيماً لا يطاق. ثم قرأت له "إعجام" فزاد إعجابي بها وبالراوي. وها أنا قد انتهيت لتوي من روايته " يا مريم". والروايات الثلاث من إصدار دار الجمل. ووجدت نفسي انتقل إلى الكومبيوتر لأعبر عن حزني وألمي الشديدين وإعجابي بهذه الرواية والتزامي الإنساني بالدفاع عن الضحايا وعن كل من يطلق عليه بالأقليات القومية والدينية بالعراق وبمنطقة الشرق الأوسط، فهل هم أقليات حقاً أم إنهم من أصل أهل البلاد؟ إنهم قوميات وأتباع ديانات أخرى وليسوا أقليات في كل الأحوال.
ما الذي تبحث فيه وتتحدث عنه رواية " يا مريم "؟ وما الهدف من كتابتها؟
الرواية تلخص لنا باختصار شديد مأساتين في آن واحد: مأساة العراق، كل العراق، ومأساة مسيحيي العراق أبناء وبنات حضارة وادي الرافدين القديمة والعملاقة وأحد مهود الحضارة البشرية، وهي في الوقت ذاته تضعنا أمام حقيقة المأساة التي تواجه كل الأقليات القومية والدينية والمذهبية بالعراق والتي وقعت حقاً بعد كتابة هذه الرواية أحداث وفواجع وزلزال اجتياح الموصل وسبي واغتصاب النساء وخطف الأطفال وقتل الرجال من مسيحيين وإيزيديين وشبك وتركمان تلعفر وشيعة الموصل بل وسنتهم أيضاً. وتطرح كل هذه المآسي عبر حالة نموذجية لعشرات الآلاف من الحالات المماثلة بالعراق، لمأساة شخصين رجل وامرأة عراقيين مسيحيين، لعائلة مسيحية تشردت وتوزعت على بقاع الأرض وفي كل الاتجاهات، في الشتات العراقي، أو قُتل بعض أفرادها على أيدي قتلة محترفين من ميليشيات قوى الإسلام السياسي الطائفية المسلحة، التي وصلت إلى الحكم في العام 2003 بدعم مباشر ووقح من قوى الاحتلال الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومارس الجميع، المحتل ومن معه من حكام العراق، كل الموبقات واغتنوا بالسحت الحرام، وجلبوا معهم كل المآسي والآثام التي يعيش تحت وطأتها شعب العراق منذ أن قضي على النظام الدكتاتوري الدموي ليحل محله نظام لعين وبشع وفر كل مستلزمات قتل المزيد من البشر ونشر الخراب والرثاثة في كل مكان من هذا العراق المستباح بالطائفية والفساد والإرهاب والرثاثة الفكرية والاجتماعية. لقد ترك الاحتلال والقوى التي جلبها معه آثاراً وجروحاً ما زالت تنزف دماً ودموعاً ويبابا ورثاثة ولن تنتهي إلا بندب لا تمحى ولا تنسى. والكتاب صرخة إنسانية نأمل أن لا تكون في وادٍ يضيع صداه في خضم المآسي المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط.
الرواية تضعنا أمام مسألة مركزية وتجعلنا نتساءل: ماذا حل بالعراق ولماذا حصل ويحصل كل ذلك وإلى أين يسير هذا العراق، وما العواقب اللاإنسانية والتدميرية التي تتحملها الأقليات القومية والدينية بالبلاد؟ لِمَ كل ذلك؟
رواية "يا مريم" تضعك دون رتوش وبلغة سلسلة وواعية أمام حقيقة ما يجري بالعراق، أمام النظام الطائفي الذي يحكم البلاد، أمام المحاصصة الطائفة الحاكمة، تضعك أمام جملة من التناقضات والصراعات التي تعصف بالعراق، تناقضات وصراعات أحزاب الطوائف السنية والشيعية على السلطة والمال والجاه، على النهب والسلب لأموال الشعب، تناقضات وصراعات ورؤى الأجيال المختلفة ووعيها لما جرى ويجري، تناقض وصراع في دواخل كل فرد بين الحلم الذي كان يسعى إلى تحقيقه والواقع المرَّ الذي يعيش فيه ويتفاقم كل يوم. صراع بين المبادئ والقيم الإنسانية التي حملها هذا الإنسان أو ذاك منذ الطفولة، وبين الواقع الخرب الذي سقطت فيه كل المبادئ والقيم وماتت ضمائر الذين يحكمون البلاد. صراع بين جيل لا يريد أن يرى الواقع ويعيش بالماضي ويتلفع به ويعتقد بقرب خلاصه، وجيل يعيش الحاضر بكل ثقله المريع وتفاصيل أحداثه يوماً بيوم ولحظة بلحظة ويعاني من عواقبه اللئيمة ويشهد ما يجري حوله بعين ثاقبة واعية ولكنها بنفس محبطة وكئيبة في آن.
رواية "يا مريم" تروي حكاية عائلة مسيحية من الفئة الاجتماعية المتوسطة كالكثير من العائلات المسيحية التي تعمل وتنتج وتريد أن تعيش بأمن وسلام وكرامة. وفي هذه العائلة، كما في الكثير من العائلات العراقية، فيها المتعلم والمثقف والعامل والموظف والمتدين باعتدال والغارق في ظلمات الدين وغيبياته والمستكين لها والملحد أو من يحمل التساؤل الأبدي، كما حمله گلگامش وقام برحلاته لمعرفة سر الحياة والخلود، والسكير واللامع في اختصاصه والسياسي واللبرالي واللاأدري. كلها كانت تعيش علاقات إنسانية مع أفراد المجتمع من أتباع بقية الديانات والمذاهب. وهذا لا ينفي وجود تمييز أو تهميش أو حتى إقصاء، ولكن بالحدود التي كانت تسمح باستمرار العلاقات بين البشر في مجتمع متعدد القوميات والديانات والثقافات والمستويات التعليمية والفكرية والسياسية والاقتصادية. ومع ذلك فذاك القليل، الذي لم يكافح، هو الذي نما وتراكم بفعل الجهل والأمية وفساد الحكام وغياب الوعي والعدالة والاعتراف المتبادل والتسامح لتخلف المجتمع اقتصاديا والتربية الدينية غير السمحة وغير المتنورة، ليصبح العامل المحرك والمفتت لوحدة الشعب. إنها الهويات الطائفية الفرعية القاتلة التي أجهزت على هوية الوطن والمواطنة وأجهضتهما. إن التمييز والتهميش الديني لأبناء الوطن تحت ستار مكشوف ومعلن، ستار الطائفية المقيتة، هما اللذان قادا البلاد والمجتمع إلى المستنقع الراهن.
في هذا العائلة التي أجبرتهم ظروف الحياة والمآسي التي مرّوا بها والتهديدات من شيوخ دين يجأرون بدفع الجزية من على منابر الجوامع ببغداد وغيرها من المدن وتحت سمع وبصر الحكومة، أو برسائل تُدس من تحت أبواب دور المسيحيين أو الصابئة المندائيين، أو التهديد بالقتل مع رصاصة محشوة في ظرف يسلم باليد دون خشية من أحد، جعل هذه العائلة وآلاف العائلات الأخرى تترك دورها وما فيها وتهرب من المنطقة إلى كردستان العراق أو إلى الخارج، وهو الغالب الأعم. إنهم "أهل ذمة"، يا للعنة على هذا المصطلح القبيح الذي أتى به المستعمرون الفاتحون إلى العراق منذ مئات السنين ليميزوا بين الإنسان وأخيه الإنسان بسب دينه ويفرضون عليه ما لا يفرضونه على غيره ويدعون بأن دينهم أفضل من دين الآخرين! أي نرجسية هذه وأي سادية تلك التي تسمح بإهانة الآخر غير أن تكون رؤية عنصرية وفاشية مريعة. لقد أُجبر الألوف من المسيحيين ومن الصابئة المندائيين من بغداد ومن بعض مدن الجنوب والوسط على الهروب من البلاد والهجرة القسرية إلى بلدان أخرى، إلى كندا وأمريكا وأوروبا أو النزوح إلى إقليم كردستان العراق والعيش في أربيل وعنكاوا.
الأفكار والآراء التي طرحتها شخصيتا الرواية يوسف ومها والأحداث التي عاشاها تروى بأسلوب سلس ممتع وحزين وغاضب في آن فتجعل القارئ أو القارئة يتعاطف أو يختلف معهما ويستعيدان معهما أحداث الماضي أو الرأي حول العهد الملكي وأحداث ثورة تموز والأوضاع الراهنة. وهما يتحاوران بذهنية جيلين مختلفين، تطحن ماكينات الطائفية والفساد والإرهاب الإنسان والمجتمع وتفجر الكنائس وتقتل البشر وهم يتعبدون لإلههم والرب ويرجون النجاة مِن مَن لا قدرة له على إنقاذهم! فالإله الآخر يسكت عن أفعال أتباعه الوحوش الكاسرة!
القارئة أو القارئ يشاركان في النقاش المحتدم أو يتابعان الحوارات عبر الرواة الرئيسيين والثانويين وهم يطرحون الآراء والتصورات التي تدور في هذا المجتمع وعبر شخصيات الرواية وتمنحهما القدرة على المشاركة في النقاش واتخاذ الموقف الذي يعتقدان به من جهة، كما تمنحهما الفرصة ليريا كيف يغوص الفرد في الدين والغيبيات والخرافات والسحر والقصص غير المنطقية عن المعجزات وكرامات الأولياء الصالحين حين لا يجد الإنسان ملاذا آمناً يحفظ كرامته وإنسانيته، إنه السراب، إنه الحلم والأمل بالخلاص من واقعه المرّ ويتمنى أن يساعده تدينه وتعبده اليومي للنجاة من قسوة ومرارة الحياة التي يعيش تحت وطأتها. هكذا سقط المجتمع بأسره في فترة حكم البعث وصدام حسين في هاوية الدين بعد أن عانى من القمع والإرهاب والاضطهاد والجوع والحرمان والحروب والموت اليومي الأمرين، وها هو من جديد يسقط في غياهب الدين وشيوخه ومشوهيه ولا يجد مخرجاً له غيرهما، فتباً لكل حكم يطحن البشر ويميتهم قبل موتهم باسم الدين أو المذهب!
مها شابة تدرس الطب بجامعة بغداد, متزوجة حديثاً، أسقط لها طفلها بسبب تفجير إرهابي قرب دارها. أصيبت بالكآبة، التي يعاني منها أكثر من ثلثي الشعب العراقي، دفعها الإحباط والكآبة إلى الغوص في التدين الشديد وقراءة الإنجيل والمزيد من الأدعية الحزينة التي تتحدث عن المسيح ومأساته وأمه مريم دون أن تجد فيهما راحة نفسية، رغم رغبتها الشديدة بذلك. تسعى لإنجاز دراستها والسفر إلى خارج العراق إذ لا ترى بالعراق بيتها الدائم، فقد سرق منها. يوسف الرجل المختص بالنخيل الذي تجاوز سن التقاعد ولم يتزوج وكان مخلصاً في عمله أميناً على وطنه ومحباً لشعبه ولم يكن سياسياً. خذل في حبه وعاش أعزباً وغاص في عشق النخلة والغناء الحزين القديم وصديق قديم ويرفض مغادرة العراق، إنه وطنه. في نقاشهما حول الواقع المرير والتمييز الديني يتبين لمها إن يوسف لا يعيش الحاضر بل يهرب منه ليعيش براحة بال في الماضي الذي لا يريد أن يتخلى عنه أو لا يرى الحاضر بعيون مفتوحة وعقل منفعل قادر على تحليل الواقع كما هو وليس كما يرغب أن يراه ويتجاوز الحاضر ليسقط في الماضي. وعلى عكس ذلك تعيش مها التمييز والإساءة اليومية لكرامة المسيحي من موظفي الدولة أو من الطلبة معها أو في الشارع المغرق بصور المناهضين للمسيحية والمسيحيين والداعين إلى "تخليص" العراق منهم! تفاجأ بحقارة هذا الموظف حين يسألها عن اسم أبيها لتخبره بأن اسمه جورج، يستعيذ هذا الأغبر بالله من هذا الاسم الغريب ليسيء إلى كرامة مها، إنها محاولة الإذلال التي أصبحت جزءاً من تفكير الجهلة بسبب تلك التربية الدينية المشوهة التي ترى تدين الآخر ودينه ومذهبه أو حتى الأسماء فإنها أقل شأناً من الإسلام والمسلمين وأسماء المسلمين، إنها الطامة الحاصلة، إنها الكارثة القائمة التي يعيش تحت وطأتها الشعب العراقي، ولكن وبشكل خاص أتباع الديانات الأخرى.
إن وصف مها لمجزرة كنيسة سيدة النجاة تدمي القلوب وتؤكد شيئاً أساسياً ومهماً وصادقاً ودون رتوش: إن المُفجرَ شخص إرهابي من تنظيم القاعدة أو من غيرها من قوى الإرهاب. ولكن الذي يقف خلف هذا الإرهابي ويسمح له بتنفيذ تلك العمليات الإجرامية عملياً هو الحكم الطائفي، إنها المحاصصة الطائفية، أنهم الطائفيون السياسيون، إنها الهويات الفرعية القاتلة، إنه التمييز الديني والمذهبي، إنه الفساد الذي أصبح نظاماً سائداً يمارسه الحكام والحكم والمجتمع، إنه الطامة الكبرى.
لقد سقط يوسف مضرجاً بدمائه في كنيسة سيدة النجاة ومعه عشرات النساء والأطفال والرجال ودمرت الكنيسة ونجت بأعجوبة مها لتكون شاهدة على ما حصل في بيت الرب وما يعاني منه المسيحيون والمسيحيات في هذا العراق الذي هو بيتهم ومهد الحضارات الرافدينية. إنه مات ولم يستطع التخلص من تفاؤله المستند إلى الماضي، وعاشت مها لتروي لنا حكايتهما الحزينة، حكاية كل المسيحيات والمسيحيين في عراق اليوم.
أتمنى أن تُقرأ هذه الرواية لا من العراقيات والعراقيين فحسب، بل من كل قراء العربية وأن تترجم إلى عدة لغات ليعرف العالم ما يجري بالعراق ويتحرى عن مسؤولية العراق والإقليم والعالم في كل ذلك. شكراً للروائي المبدع سنان أنطون وشكراً لمن أرسلها لي.
13/7/2015 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية مراقب عن أعمال المؤتمر السابع لاتحاد الجمعيات المندائية ...
- رؤية مراقب عن أعمال المؤتمر السابع لاتحاد الجمعيات المندائية ...
- الواقع والتحديات التي تواجه شعب كردستان العراق في المرحلة ال ...
- تحية وتهنئة الى المؤتمر السابع لاتحاد الجمعيات المندائية في ...
- اعتداء مسلح اثم على الاتحاد العام للأدباء والكتاب بالعراق
- أنا أتهم: المالكي طائفي مهووس ومناهض لوحدة الشعب بالعراق!
- هل، وكيف، يمكن الانتصار على تنظيم داعش الإجرامي عراقياً؟ من ...
- في الذكرى السنوية الأولى لاجتياح الموصل وعواقبه!
- تحية اعتراف وتقدير إلى أتباع جميع القوميات والديانات والمذاه ...
- عودة إلى فكر البعث والإسلام المتشدد: أياد السماوي نموذجاً - ...
- لتندحر قوى القتل والسبي والاغتصاب والتدمير ولتتطهر أرض العرا ...
- عودة إلى فكر البعث والإسلام المتشدد: أياد السماوي نموذجاً -ا ...
- لتتوحد صفوف القوى الوطنية والديمقراطية وكل الطيبين بالعراق ض ...
- عودة إلى فكر البعث والإسلام السياسي والطائفي المتشدد: أياد ا ...
- هل من جديد في الصراع على السلطة ببغداد؟
- ماذا يجري بالعراق، وإلى أين تتجه المسيرة؟
- لنتحاور بهدوء ونناقش أفكار وملاحظات السيد أياد السماوي بموضو ...
- لنتحاور بهدوء ونناقش أفكار وملاحظات السيد أياد السماوي بموضو ...
- لنتحاور بهدوء ونناقش أفكار وملاحظات السيد أياد السماوي بموضو ...
- كيف يمكن تحقيق حلم الكرد بإقامة دولتهم الوطنية في إطار دولة ...


المزيد.....




- رصدته كاميرات المراقبة.. شاهد رجلًا يحطم عدة مضخات وقود في م ...
- هل تعلم أنّ شواطئ ترينيداد تضاهي بسحرها شواطئ منطقة البحر ال ...
- سلطنة عُمان.. الإعلان عن حصيلة جديدة للوفيات جراء المنخفض ال ...
- في اتصال مع أمير قطر.. رئيس إيران: أقل إجراء ضد مصالحنا سيقا ...
- مشاهد متداولة لازدحام كبير لـ-إسرائيليين- في طابا لدخول مصر ...
- كيف تحولت الإكوادور -جزيرة السلام- من ملاذ سياحي إلى دولة في ...
- محاكمة ترامب -التاريخية-.. انتهاء اليوم الأول دون تعيين مُحل ...
- حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في عمان يتقبل التهاني ...
- كاتس يدعو 32 دولة إلى فرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات جديدة على إيران ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم حبيب - نظرة مفعمة بالحزن والألم في رواية -يا مريم-، للروائي المبدع سنان أنطون