أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس كما هي في المشهد اليومي8















المزيد.....

القدس كما هي في المشهد اليومي8


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


الأربعاء 31 / 1 / 2007
جاءت إلى بيتي امرأة من هونغ كونغ ومعها زميلها المصوّر. تعمل المرأة في محطّة فوينكس بصفة كونها مقدّمة برنامج تلفزيوني أسبوعي. لم أسمع بها ولم أقابلها حينما كنت في هونغ كونغ قبل عامين. أرسلت لي رسالة وصلت إلى بريدي الإلكتروني تقترح فيها عليّ، أن تجري معي مقابلة لبثّها في برنامجها التلفزيوني. كان اسمها الصيني: تشانغ تسياوين. ولها اسم غربي هو شارون، وتلك عادة اتخذتها لنفسها الأجيال المتعلّمة في المستعمرة البريطانية السابقة، لإراحة الأجانب من عبء التلفّظ بالأسماء الصينيّة الصعبة. أعرف أنّ ثمة ممثّلة جميلة تحمل هذا الاسم، وهذا الاسم يطلق على المذكّر والمؤنث في إسرائيل. لكنه ظَلّ اسماً ثقيل الظلّ وغير مهضوم بالنسبة لي، لسبب قد لا يخفى على من يتابع المآسي التي تعرّض وما زال يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، وتمنّيت لو أنّ هذه المرأة اختارت لنفسها اسماً غربياً آخر، يتساوق مع جمالها الآسيوي ولا يثير في النفس أيّة ردود أفعال سلبية منفّرة.
جاءت تشانغ إلى بيتي، وشعرتُ منذ اللحظة الأولى بأنها صبيّة ظريفة ذكية. سألتني عن اعتقالي مرّتين في السجون الإسرائيلية وعن إبعادي من وطني مدة ثمانية عشر عاماً. قدّمت لها وللمشاهدين من بَعد، موجزاً عمّا وقع لي. سألتني عن أسباب كتابتي للقصة القصيرة جداً، وعن قصصي القصيرة الساخرة، فأجبتها عن ذلك. سألتني عن الهويّة الفلسطينية ومدى قدرتها على الصمود في وجه العسف الإسرائيلي الذي يهدف إلى تبديد الكينونة الفلسطينية، فأجبتها. سألتني عن معاناة الشعب الفلسطيني من الغزوة الصهيونية منذ مطلع القرن الماضي، أجبتها ورويت لها بعضاً مما ورد في كتاب المؤرّخ الإسرائيلي إيلان بابيه الذي يرى أنّ ما جرى للفلسطينيين من تهجير قسريّ من وطنهم العام 1948 ، إنما هو عملية تطهير عرقي سافرة.
أكملت تشانغ مقابلتها لي على قمّة جبل المكبّر المطلّة على القدس. قالت إنها ترغب في إنهاء المقابلة فيما القدس تظهر في خلفيّة الصورة. أخذتها هي وزميلها المصوّر في سيارتي وصعدنا إلى قمّة الجبل (في الطريق إلى هناك، توقّفنا عند مستوطنة إسرائيلية جديدة يجري بناؤها ليس بعيداً من بيتي. قام المصوّر بتصويرها لكي تظهر أثناء المقابلة).
كان الطقس بارداً جداً، وثمة هواء بارد يلفح وجوهنا والغيوم تتراكض في السماء. وأنا وتشانغ تسياوين نسير ببطء على قمة الجبل، والمصوّر يتابعنا ويصوّر حركات أيدينا التي تشير إلى بعض المواقع في البلدة القديمة من القدس.
تنتهي المقابلة. أمضي في سيارتي ومعي تشانغ تسياوين وزميلها إلى فندق الأميركان كولوني في القدس. أودّعهما عند مدخل الفندق، ثم أعود إلى البيت والمطر ينهمر مدراراً من السماء، والمساء قاتم حزين إلى حدّ ما.

الأحد 25 / 2 / 2007
هذه المدينة تُشعرني بالأسى، تجرح قلبي وأنا أراها مثل طفلة يتيمة. نتحدّث عنها كثيراً ولا نتوقّف عن ذكرها، نذكرها في نشرات الأخبار، نتشدّق باسمها أثناء ظهورنا على شاشات التلفاز. نلهج باسمها في المساجد والكنائس والمدارس ومكاتب الأحزاب وصالونات السهرة ومطابخ البيوت، ولا نفعل لها سوى القليل القليل.
تحت مسجدها وتحت بيوتها القديمة، تجري الحفريّات على قدم وساق. هناك يجري استثمار القوّة المتغطرسة والمال الوفير والخبرة العلميّة، لتغيير معالم المدينة من فوق ومن تحت، ونحن نعلن غضبنا. وأنا لست ضدّ أن نعلن غضبنا، فهو أفضل ألف مرّة من السكوت. ولست ضدّ أن نذكر اسمها صباحَ مساء، فهو أفضل من تجاهل أمرها برمّته، وكأن لا شيء يتهدّدها.
ثمة سعي حثيث لتهويد المدينة بمختلف الوسائل والأشكال. لذلك، أشعر بالأسى، لأنّ الحال إنْ ظلّ على هذا المنوال، فسوف يأتي زمان تكثر فيه الوقائع الماديّة التي ستقلب جوهر المدينة ومظهرها، وستضفي سمات أخرى على فضائها وعلى أصغر التفاصيل فيها، ولن نرى سوى وجوه غريبة ومعمار غريب، ومدارس وكنس ومتاجر ومكاتب ومؤسسات ودروب لا تمتّ إلى طابع المدينة الذي نعرفه بصلة، فكيف سيكون حالي آنذاك وأنا أمشي في المدينة الأليفة لي، الساكنة في قلبي مدى الزمان، فإذا هي غريبة عني، وإذا أنا فيها غريب الوجه واليد والقلب واللسان؟

الجمعة 29 / 6 / 2007
أذهب إلى المدينة عصراً.
ثمة عرس لابن صديقي في قاعة الفندق الوطني في شارع الزهراء. أتناول طعام الغداء في القاعة. أبارك لصديقي بعرس ابنه وأمضي خارجاً.
تعيش القدس يوم عطلتها الأسبوعيّة، وليس ثمة إلا محالّ قليلة تفتح أبوابها. أتّجه إلى المكتبة العلميّة التي لا تبعد إلا عشرات الأمتار من قاعة الفندق الوطني. تفتح المكتبة أبوابها طوال أيام الأسبوع. أشتري الصحف اليوميّة وأشتري كتاباً باللغة الانجليزية عن فلسطين كتبه كاتب أمريكي اسمه جو ساكو. أشتري كتاباً آخر باللغة الانجليزية من تأليف الفلسطيني محمود الهواري، عن فنّ العمارة كما تجلّى في القدس في زمن الأيوبيّين.
أغادر المكتبة وأمشي في شارع صلاح الدين. ليس ثمة سوى قليل من الناس في الشارع، والمدينة تبدو موحشة لقلّة الخلق فيها. أمشي في شارع الزهراء. أبحث عن صيدليّة لشراء دواء للصداع. أنا لست مصاباً بالصداع الآن، لكن، لا يدري المرء متى يدهمه الصداع في مثل هذه الأوضاع! لم أعثر على صيدليّة إلا بالقرب من مبنى سينما الحمراء. لم تعد السينما تعمل منذ سنوات لأسباب عدّة. في الصيدليّة فتاة شابّة تبيع الدواء. ترتدي ملابس شرعيّة، وقد استغربت دخولي عليها للوهلة الأولى، ربما لأنّ الشوارع شبه خالية من الناس.
أمشي في شوارع المدينة لأنني أجد في المشي رياضة لا بدّ منها، ولأنني أتأمّل حزن المدينة وأنا أمشي في شوارعها. أواصل المشي وأنا مشفق عليها من هذا الخواء. وأواصل المشي وأنا مشفق على نفسي من هذا الخواء الذي يندلع في الصدر دون ميعاد.
أعود إلى البيت بعد ساعتين من التجوال في شوارعها، وهي تستقبل المساء بأرصفة خالية من الناس تقريباً، وبشوارع تضمحلّ فيها حركة السيارات، وهي تعيش عطلتها في صمت، وأهلها يقضون عطلتهم في بيوتهم، فأين يذهبون وهم يحيون أيّامهم في حالة حصار؟



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس كما هي في المشهد اليومي 7
- القدس كما هي في المشهد اليومي/ 6
- القدس كما هي في المشهد اليومي/ 5
- القدس كما هي في المشهد اليومي/ 4
- القدس كما هي في المشهد اليومي/ 3
- القدس كما هي في المشهد اليومي/ 2
- القدس كما هي في المشهد اليومي/ 2
- القدس كما هي في المشهد اليومي/1
- القدس في السير والشهادات واليوميات
- القدس والنص السردي الغائب
- الفنان عادل الترتير/ البدايات كانت في القدس
- فنان مقدسي اسمه فرنسوا أبو سالم
- القدس والثقافة والتراتب الاجتماعي المقلوب
- القدس وتبدلات شارع صلاح الدين
- ثقافة معزولة في مدينة محاصرة
- تبدلات شارع الزهراء
- العمران وضواحي القدس الآن
- القدس الشرقية تذوي والغربية تزدهر
- مقاهي القدس التي تتناقص باستمرار
- ترييف القدس المعزولة عن ريفها


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - القدس كما هي في المشهد اليومي8