أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد برقان - مانفع المهرجانات














المزيد.....

مانفع المهرجانات


رشيد برقان

الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


لست ضمن جوقة الرفض لكل مظاهر الحداثة، ولو كانت شكلية، ولكني أدافع دوما عن النظر العقلاني غير المتحيز للظواهر، وعن ضرورة التعامل مع الظواهر بمنطق الربح والخسارة. ومن هذا المنظار أدعوكم إلى طرح السؤال معي. في ماذا تفيدنا المهرجانات.
نظريا تعتبر المهرجانات ظاهرة احتفالية واكبت النزوع نحو الاحتفال بإنجاز تفوق ما على الطبيعة أو على الآخرين، وهي بهذا الاعتبار إثبات للهوية، ودفاع عن تصور للعالم يضع الذات في مركزه، ويدافع عن الذات باعتبارها قوية فاعلة تستحق الريادة والتتويج. وهكذا نجد في ذاكرة المهرجانات حكايات وأساطير تتوّج بإبداع أشكال احتفالية تشع الفرح والحبور، وتعزز تقدير الجماعة لذاتها.
ومع تنامي مجتمع الاستهلاك، وضرورة خلق مناصب شغل، ولو كانت ثانوية، ومع تنامي ظاهرة التسييح كذلك، وإيجاد فضاءات للاستهلاك والجري وراء المتع والعيش الرغد، بدأت تتسابق مجموعة من المؤسسات والمدن والدول في خلق فضاءات تلبي حاجات هذه الفئات، وتتسارع نحو اجتذابها، ولعل المهرجانات أحد عناصر الجذب والاستقطاب في هذا المجال.
وعمليا أحدثت ظاهرة المهرجانات في المغرب وفق رهانات متعددة ومختلفة بحسب تصورات القائمين عليها أو المتعاطفين معها أو الرافضين لها، وقد تراوحت بين الرغبة في إشاعة الفرح الساذج وإلهاء العموم، من وجهة الدوائر القائمة عليها. وبين التطلع إلى ترسيخ قيم الحداثة والمواطنة من وجهة بعض المثقفين المتنورين الذين يحملوأ من الأحلام أكثر مما يتأبطون رؤى واقعية، على اعتبار أن الموسيقى والرقص ومجمل أشكال التعبير الحداثية لها فعل قوي في ترسيخ قيم المواطنة وتعزيز قيم الحداثة والانفتاح وسط الشباب.
والآن، وبعد أربع عشرة سنة من المهرجانات القائمة على حساب المال العام، والمقتطعة من ضرائب عموم المغاربة، ماذا ربحنا من هذه المهرجانات؟
لاشيء. لا تزال القيم المهيمنة داخل المجتمع هي التي تحمل مسحة محافظة بشكل صارخ، ولاتزال قيمة التسامح مهجورة عندنا، ولاتزال أشكال التعبير عندنا هجينة ومفتقدة لكل هوية.
قديما أحرقت كتب ابن رشد لأنه يروج لنمط من التفكير اعتبره الفقهاء دخيلا من شأنه إفساد الشباب والعموم، وبعد الاستقلال منعت سيرة محمد شكري "الخبز الحافي" لأن فيها خدشا للحياء، وتمردا على القيم الدينية والأخلاقية، واليوم وبعد أربع عشرة سنة من المهرجانات لازلنا محافظين في أفكارنا، لنا من التسامح القدر الذي يشعل فينا حمى منع فيلم لأنه يخدش تصورنا عن الحياء، ولازلنا لانتصور ذواتنا أفرادا مستقلة لايحق للآخر اقتحام حرمتها، بل نحن نصر على كوننا ذاتا جماعية يحق للبعض أن يشرع للآخرين مايفعلونه ويحرم عليهم الخبائث ويحل له لهم الطيبات، وفق عقل قاصر يسكن جسدا مهووس بالشهوة واللذة.
إذن ما جدوى هذه المهرجانات إذا لم تخلق شخصية منفتحة تعزز ذاتها باختلافها عن الآخرين وتقديرها لاختلاف الآخرين، ماجدوى هذه المهرجانات إذا كان الفضاء العام على وشك الانتقال من المحافظة إلى الدفاع العنيف عنها عبر فرض منطق أبوي يسمح للبعض بالتدخل عمليا وفعليا وبشكل عنيف لردع تصرفات لاتؤديه مباشرة، ولكنها تستفز ذات متخلفة داخله توهمه بحق غير مشروع في فرض تصوراته على الآخرين.
أتصور المغاربة الآن ذاتا ممزقة بين عقل يعقل، بمعنى يعرقل، كل شيء، وجسد جامح يكاد ينفلت من قبضة سيدنا العقل؛ خصوصا مع موجة المهرجانات وتصاعد نسبة روادها والدعاية الصارخة والصاخبة لنجاحاته، وبموازاتها تصاعد موجة الدفاع العنيف عن تصورات محافظة لاأساس مشروع لها إلا وهم كوننا ذاتا جماعية موحَّدة. هم العقل المستنير فيها، ونحن الجسد الخبيث الذي يجب كبح جماحه لكي لا يعدينا ويصيبنا بالعار والفضيحة.
وأمام هذه الحالة الشاذة لامدخل للمهرجانات العامة ولا لمظاهر احتفاء زائف، ولكن الحاجة تلح على المدخل التربوي، غير الأبوي، لتعزيز قيم المواطنة بما تعنيه من احترام حقوق الذات والآخر على حد سواء، وتقدير قيمة الحوار المجتمعي المنتج المستند على العقل بوصفه أعدل قسمة بين البشر، وإقرار قيمة التسامح التي لا سند له إلا تقدير الاختلاف. وقبل هذا ذاك الإلحاح القوي على نبذ كل أشكال العنف كيفما كانت ومن أي طرف صدرت. وإذانة قيام أي سلطة كيفما كان نوعها خارج سلطة القانون.
وأمام هذه الحالة الشاذة دائما تحتاج البلاد إلى تصرفات رزينة وإجرءات تدبيرية تقلل من حجم الحقد المجتمعي الذي يطال الفئات التي لم تنل حظا من موارد البلاد، ولم تتح لها فرصة الفعل والإنتاج داخل المجتمع بكرامة، وليس أقلها إلأ أبعاد المال العام عن المهرجانات وتفادي مظاهر الصخب الكبير الذي يغزو حتى الشاشات الوطنية ويستفز المحرومين في قعر ديارهم، لأن هذه المظاهر لا تكون وعيا زائفا فقط بل تعزز الحقد الاجتماعي وتدفع المحرومين نحو ابتداع أشكال من الانتقام التي تبدأ بالسخرية والاستهزاء ولا تقف إلا عند حدود العنف المقدس.
وأخيرا أقول إن ظاهرة المهرجانات جواب خاطئ على سؤال غير مطروح، ومالم نحسن طرح الأسئلة وتقديم الأجوبة الملائمة لها سنبقى داخل دوامة فأر التجارب نبذل الكثير من الوقت والجهد ولا نراوح مكاننا فقط، بل نتراجع إلى الوراء.



#رشيد_برقان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسريب الامتحانات أو فن صناعة الأبطال
- الزين اللي فيك أو جرح الكرامة
- لكل مقام نفاق مناسب
- الزين اللي فيك محروق
- من أجل 20 فبراير ثقافية
- حول 20 فبراير و المثقف
- عودة إلى المشهد الثقافي بالمغرب
- من أجل مشهد ثقافي هادف
- المثقف و الممانعة
- وصفة خارقة للريادة الثقافية
- من أجل ثقافة بديلة


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد برقان - مانفع المهرجانات