أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نبيل عودة - بلدة بلا خطايا...!!















المزيد.....

بلدة بلا خطايا...!!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4852 - 2015 / 6 / 30 - 08:10
المحور: كتابات ساخرة
    



ارتعب أبونا الكاهن من حجم الخطايا وبشاعتها في البلدة الجديدة التي انتدبته المطرانية للإشراف على كنيستها ورعاية طائفتها.
فما ان وصل البلدة ، واستلم مفاتيح الشقة التي سيسكن فيها، وقبل ان يبدأ بترتيب أغراضه المتراكمة داخل صناديق الكرتون ، حتى اخترق عليه خلوته شماس الكنيسة لاهثا من الجري ، رغم ان المسافة بين الكنيسة والمنزل لا تزيد عن خمس دقائق سيرا على الأقدام ، كان التوتر باديا على محيا الشماس الصبياني، فهدأ من روعه وقدم له كوب ماء.
وسأله وهو يشرب الماء :
- لماذا تركض .. وما هو سبب توترك؟.. ماذا حدث ؟
- الكنيسة ملآنة يا أبونا..
- لكنه ليس وقت الصلاة ، ترى هل قدموا للترحيب بي ؟
- لا يا أبونا .. جئن للاعتراف وطلب الغفران من المسيح .. ولا بد من وجود قداستك لقبول الاعتراف.
فهم الكاهن ان الموضوع ليس ترحيبا بقدومه وإنما نساء جئن للاعتراف . قال:
- قل لهم الخوري وصل اليوم ولم يرتب أغراضه بعد، وهو مرهق من السفر.. غدا سيتفرغ لشؤون الطائفة والكنيسة.. ويتفرغ للاستماع للاعترافات.
- لا أستطع يا أبونا... سيغضبن علي ويمتنعن عن إعطائي الإكراميات.. ينتظرن وصولك من منذ ساعتين على الأقل.
- إكراميات؟ .. وهل أنت شحاذ ؟ .. ألا تتلقى معاشا محترما .. أنت تهين كرامة رجال الدين .
- المعاش قليل ولا يكفي يا أبونا.. اعتمد على طيبة قلوب النساء .. وكتمان أسرارهن.
صعق أبونا لهذا الاعتراف.
- ومن أذنك بالإنصات لاعترافات الرعية؟
- أنا ابن هذه البلد يا أبونا وأعرف كل أخبارها وكل خفاياها.. أرجوك تعال فورا للكنيسة.. سأساعدك فيما بعد على ترتيب شقتك.
- حسنا سآتي ، ليكن الله في عوني.. اسبقني وسألحق بك ، يجب ان أغسل وجهي وأغير ملابسي.. وفيما بعد سنتحدث بمسألة الإكراميات المهينة..
هكذا بدأ الكاهن حياته الجديدة في البلدة ، وفي مهمته الجديدة.
وصل إلى الكنيسة، خيل إليه ان طائفته من النساء فقط. قال لنفسه:" ألا يوجد رجال في هذه البلدة؟" بارك جميع المتواجدين،أو الأصح المتواجدات، تمنى لهن الثبات في الإيمان ، والالتزام بتعاليم مخلصنا يسوع المسيح .. قبل ان ينهي كلمته بصلاة أبانا الذي في السموات.. همس الشماس بأذنه:
- أبونا، يسألن متى ستبدأ بالاستماع لاعترافاتهن؟
هذا الجو لم يقع حسنا في نفس الخوري. لم يتواجد أبناء الطائفة لاستقباله ، وكل ما هنالك مجموعة نساء مزركشات تملأ الأصباغ وجوههن ، يقف الشماس بمحاذاتهن ويهمس لهن بصوت يحاول ان يكون خافتا ولكنه يرن بأذن الخوري:
- أنت الأولى .. أنت الثالثة هي الثانية.. و.. أنت السابعة ، أنت تأخرت اليوم .. ربما غدا .. أنت التاسعة .. هي الرابعة .. هس بلا ضجة .. أبونا متعب ولن يقبل ان يستقبل أكثر من عشر .. ربما أنت أيضا.. ربما أنت الأخرى .. حسنا ، سأرى ما أستطيع عمله.
لا حظ أبونا أن أيدي النساء تمتد للشماس "دافشة" بيده ورقات مالية مطوية ، وفورا يضمن لهن الشماس دورا... الأمر الذي أزعجه وأغضبه، لكن هذا يومه الأول.. وعليه ان يتمهل ليعرف ما يدور في كنيسته وبين أبناء رعيته قبل ان يبدأ بوضع الأمور في مكانها الصحيح. تمنى في تلك اللحظة لو يقبض على عنق الشماس المترهل من الشحم واللحم ليكتم أنفاسه.
جر نفسه بدون رغبة إلى غرفة الاعتراف ، وقبل ان يلحق بالجلوس ، دخلت امرأة في القسم المخصص للمعترفين.
- تحدثي يا ابنتي ، ما الذي جاء بك ؟
وبدون مقدمات، وكأنها تتحدث عن وجبة طعام قالت بلا تردد:
- زنيت مرتين يا أبونا .
تيبس لسان الكاهن، غير المتعود على هذا النوع من الاعترافات وبمثل هذا الوضوح والوقاحة وأضافت المرأة بثقة:
- جئت ليسامحني الله ...
- الله يسامح كل عباده التائبين .. هل هي توبة..؟ انتبهي لنفسك ولا تخطئي مرة أخرى ..
المفاجأة لم تكن هنا .. دخلت امرأة أخرى لا تقل وقاحة عن الأولى وقالت وكأنها تقرأ نشرة أخبار:
- زنيت مع جارنا.. وقبل أسبوع مع البقال ومنذ يومين مع سائق تكسي، جئت للاعتراف ليغفر لي الله خطاياي الكثيرة.
لولا ان ضبط أبونا لسانه في اللحظة المناسبة ، لشتم وخرج غاضبا. ما هكذا تورد الإبل. احتار بعد ان ضبط أعصابه ماذا يقول لها؟
- لماذا لا تقول شيئا يا أبونا؟
- هل أنت صادقة في توبتك ؟
- هذا ما ارغب به .. ولكني ضعيفة أمام رغبات نفسي..
- الإيمان يقوى النفس ويوجهها التوجيه الصحيح . يجب ان تضعي حدا لخطاياك .. لن تحصلي على غفران المسيح كل يوم..
- لكن المسيح صلب ومات من أجلنا ومن أجل غفران ذنوبنا ؟
- على ان لا نخطئ ونحن نعرف إننا نخطئ يا ابنتي، يجب ان لا نرتكب الخطأ ونتوهم ان الغفران مضمون... لن يغفر لنا كل يوم وكل أسبوع ..طلب الغفران ليس حلا..
في تلك الليلة لم يستطع الخوري النوم ، كانت الاعترافات المثيرة تتردد في أذنيه . الشماس ادخل ما يقارب عشرين امرأة وكلهن ارتكبن نفس الخطيئة، الفرق بعدد المرات، ترى هل هناك يوم مخصص لأنواع الخطايا ؟ أم هي الصدفة ، أم ان هذا البلد يستحق الحرق؟ الغريب ان كل الخاطئات من النساء ، ألا يزني رجال هذا البلد؟ أليس أمام كل مخطئة من النساء مخطئ من الرجال؟ أم ان الرجل فرفور دمه مغفور ؟
لم يتحمل الكاهن هذا الوضع ، شعر انه سيكفر إذا استمر في هذا البلد الذي لم يسمع به خطيئة غير الزنا.. ومن النساء فقط.
في وسط الأسبوع ، سافر لمقابلة المطران ، مصرا على نقله إلى بلدة آخري.. وانه غير قادر على تحمل بشاعة الخطايا وتكرارها حتى بعد يوم أو ساعات قليلة من الاعتراف ونيل الغفران من الخوري.
- هذا البلد يحتاج إلى طوفان .. وليس إلى خوري وغفران ..
هكذا قال للمطران ، مصرا على نقله.
ولم يجد المطران مفرا إلا بإعفاء الكاهن ونقله إلى قرية نائية ، وقبل ان ينتدب كاهن جديد للبلدة قرر ان يقابل رئيس بلديتها وشخصيات البلدة المعروفين لحثهم على شطب هذا الاصطلاح الذي جعل الخوري يهرب .. مثلا بدل ان يقال " زنيت " يقال " تعثرت " وهي كلمة وقعها على السمع مريح .. ولا تربك الخوري الجديد الذي سيرسله للبلدة.
أجتمع مع رئيس البلدية ونواب الرئيس وأعضاء المجلس البلدي وشخصيات البلدة المعروفة، حثهم على ان يفهموا الخاطئات بأن يستعملن كلمة "تعثرت" بدل "زنيت" .. لكن المطران أصر على إخفاء حقيقة ان كل المعترفات ارتكبن نفس الخطيئة، وقال انه يصدف خاطئة واحدة كل عدة أشهر .. لكن الكهنة حساسون لمثل هذه الكلمات الفاحشة، يستحسن عدم استعمالها من المرأة التي زلت أو ضللت مما طمأن الحضور على سلامة أخلاق نساء البلدة .. وان أفعال كل واحد منهم مستورة !!
وصل الكاهن الجديد وكما حدث مع وصول الكاهن السابق وصل الشماس فورا ليحثه على الإسراع لأن الكنيسة ممتلئة. فبارك الخوري بسره هذه البلدة المؤمنة ، وسارع يتحرك مع شماس الكنيسة ليبدأ عمله برعاية شؤون الناس.
بدأ الكاهن يستمع للاعترافات وكانت غريبة عجيبة، كلهن نساء متعثرات، عبثا حاول إقناعهن ان التعثر ليست خطيئة، لكن إصرارهن على طلب المغفرة بسبب تعثرهن حير الخوري الذي فشل بإقناعهن ان التعثر ليس خطيئة حتى لو سبب الوقوع على الرجال، لأن السقوط لا يعني العناق مع الرجال أو لا سمح الله خطيئة أكثر بشاعة.
هذه الأخلاقيات الراقية أسعدت أبونا الكاهن لأنها أثبتت ان هذه البلدة شديدة الاحتراس على الأخلاق السليمة، وعلى ورع نساء هذه البلدة وسيرتهن الحسنة .
شوارع البلدة زادت من يقين الخوري على مصداقية نساء البلدة لأن الطريق التي تقوده من بيته إلى الكنيسة فيها ما لا يقل عن سبع حفر، قد تجعل الرجل القوي يتعثر ويقع.. فكيف مع نساء بالملابس الضيقة، والكعب المرتفع.. في شوارع أهملتها البلدية .. ربما على رئيس البلدية ان يجلس للاعتراف بقصوره بحق الناس وإهمال بلديته للشوارع وعدم ردم الحفر ومد طرقات عصرية لا تتعثر فيها النساء. على رئيس البلدية ان يراقب شوارع بلدته بدل ان يهمل وظيفته ويقضي وقته بشرب القهوة والثرثرة بينما النساء يتعثرن بالحفر على شوارع البلدة بالعشرات.
تكاثر عدد المعترفات بالتعثر، لدرجة أقلقت الخوري على صحة وسلامة أبناء طائفته خاصة النساء منهن ، طلب الخوري اجتماعا مستعجلا مع رئيس البلدية ليحثه على البدء بإصلاح الشوارع .
وصل الخوري في الموعد المتفق عليه، رحب به الرئيس والنواب والأعضاء وقدموا له فنجان قهوة بلا سكر كما طلب. بدأ بموعظة عن أهمية التزام كل مسئول بعمله الذي انتخب من أجله. مقدما مثلا عن سيرة المسيح وكيف واجه التجار في الهيكل ولم يخف ان يصارحهم بحقيقتهم ، بل قلب لهم بسطاتهم وطردهم شر طردة، لأن الهيكل لعبادة الله وليس للتجارة، هذه هي المسؤولية يا سعاة رئيس البلدية.
وقال أيضا:
- يا رئيس البلدية الموقر، يا نوابه المحترمين، يا شخصيات البلدة ووجهائها المبجلين، انا سعيد جدا بانتدابي لرعاية هذه البلدة التي لم أسمع حتى اليوم عن خطيئة بها تستحق العلاج. لكن هناك مشكلة شوارع البلدة، ان شوارع بلدكم كثيرة الحفر، الأمر الذي يسبب تعثر النساء بالعشرات، وربما بالمئات .. حتى زوجتك يا سعادة الرئيس تعثرت حتى اليوم عشر مرات!!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة مبسطة: مفهوم حقوق الإنسان
- فلسفة مبسطة: الثورة، النظام والشعب
- فلسفة مبسطة: التفكير الانديكتيفي..!!
- فلسفة مبسطة: سنة أولى فلسفة
- كل شيء يبدأ بخطوة واحدة...
- لعبة الغولف
- خطر على المؤمنين..!!
- فلسفة مبسطة: فشل التوجه الى المرجعية
- فلسفة مبسطة: فلسفة الدحض
- الحمير تعقد قمة طارئة..!!
- فلسفة مبسطة: فلسفة الدين
- فلم وثائقي يكشف: جرائم حرب إسرائيلية في حرب 1967
- من تسجيلاتي القصصية
- خبر عاجل من البي البي سي
- ابشروا يا قادة العرب: لكم ملكوت السماء!!
- فلسفة مبسطة: الفلسفة البراغماتية
- الدرجة 13
- محنة المسيحيين - محنة العالم العربي!!
- حسين الغزاوي ينتظر جائزة نوبل
- حكومة لتحضير الانتخابات القادمة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نبيل عودة - بلدة بلا خطايا...!!