أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - سعيد العليمى - لامساومة ، لامتاجرة سياسية - بقلم ويلهلم ليبكنخت - الكراس كاملا















المزيد.....



لامساومة ، لامتاجرة سياسية - بقلم ويلهلم ليبكنخت - الكراس كاملا


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 4831 - 2015 / 6 / 8 - 23:28
المحور: الارشيف الماركسي
    


لا مساومة.. لا متاجرة سياسية


ويلهلم ليبكنخت



ترجمة: سعيد العليمي
 -;-

مقدمة الترجمة الروسية لكراس و. ليبكنخت - بقلم ف. إ. لينين
ان كراس ليبكنخت الذي نقدم ترجمته الآن للقارئ الروسي، له أهمية خاصة فى الوقت الراهن، عشية الانتخابات للدوما الثانى، حيث أثارت مسألة الاتفاقات الانتخابية اهتماما شديدا عند حزب العمال وفى اوساط البورجوازية الليبرالية.
لن نسهب هنا حول الأهمية العامة لكراس ليبكنخت. فعلى القارئ ان يرجع الى تأريخ الحركة الاشتراكية الديموقراطية الالمانية، لمؤلفه فرانز مهرنج، ولبعض المصادر الأخرى التي كتبها رفاقنا الالمان حتى يستخلص فكرة واضحة عن اهميته، وحتى يفهم بدقة وصواب بعض المقاطع الواردة فيه التي قد تقبل إساءة التفسير اذا فصلت عن الوضع والزمن الذي كتبت فيه.
الشيء المهم هنا بالنسبة لنا هو ان نلاحظ طريقة ليبكنخت فى التعليل / التحليل، حينما يبين لنا كيف تناول مسألة الاتفاقيات، حتى تساعد القارئ الروسي على بلورة تناوله الخاص حلا للمسألة التي تعنينا، اى، مسألة تكوين كتلة مع الكاديت.
لا ينكر ليبكنخت على الأقل أن الاتفاقات مع احزاب المعارضة البورجوازية " مفيدة " من منظور الحصول على " مقاعد فى البرلمان " ومنظور صنع "حليف " (حليف مفترض) ضد العدو المشترك – الرجعية. ولكن الفطنة السياسية الحقيقية والنزعة الاشتراكية الديموقراطية الوفية عند هذا الجندى الاشتراكى الألمانى المحنك تكشفها حقيقة أنه لا يحصر نفسه فى نطاق هذه الاعتبارات وحدها. فهو يفحص مسألة ما إذا كان هذا " الحليف " عدوا مقنعا فيكون من الخطر بصفة خاصة ادخاله فى صفوفنا، وعما إذا كان يقاتل فعليا ضد العدو المشترك وبأى طريقة، وعما اذا كانت الاتفاقيات المفيدة فى الحصول على عدد اكبر من المقاعد فى البرلمان ليست ضارة بالأهداف الدائمة والأعمق للحزب البروليتارى.
دعنا نتناول على الأقل المسائل الثلاث التي اشرت اليها، ونرى ما اذا كان مدافع عن الاتفاقيات بين الاشتراكيين الديموقراطيين الروس والكاديت مثل بليخانوف، على سبيل المثال، يفهم ما يترتب عليها. سوف نرى ان عرض بليخانوف لمسألة الاتفاقيات ضيق للغاية. يريد الكاديت ان يحاربوا الرجعية، ومن ثم... فلنبرم اتفاقيات مع الكاديت. ولا يذهب بليخانوف ما وراء ذلك، فهو يعتقد انه سيكون من الجمود المذهبى الإيغال فى المسألة اكثر من ذلك. ولاعجب ان يجد اشتراكى ديموقراطى ذاهل عن متطلبات السياسة الاشتراكية الديموقراطية نفسه فى صحبة واحدة ومتعاونا مع اشتراكيين ديموقراطيين مرتدين مثل بروكوبوفيتش ومعلقين آخرين من جريدة تافاريش. ولاعجب انه حتى المناشفة، الذين يشاركون هذا الاشتراكى الديموقراطى مبادئه، اما يواصلون صمتا متحرجا، ولا يجرؤون على ان يقولوا بصوت عال كيف يفكرون فى بليخانوف، ويتبرأون منه فى اجتماعات العمال، او ببساطة يضحكون عليه، مثل اعضاء البوند فى جريدة فولكس زايتونج وناشا تريبونا. (1)
يعلمنا ليبكنخت ان على الاشتراكى الديموقراطى ان يكون قادرا على كشف الجوانب الخطرة عند كل حليف فى المعسكر البورجوازى وليس اخفاءها. لكن منشفيينا على اى حال، يتذمرون صارخين بأنه ليس علينا أن نحارب خطر الكاديت وانما خطر المائة السود! سوف يكون من المفيد لهؤلاء الناس ان يتمعنوا مليا فى كلمات ليبكنخت التالية: " ان الاعتداءات الغبية والوحشية التي ارتكبها سياسيي الشرطة، وانتهاكات القانون المناهض للاشتراكيين، القانون الدراكوني (نسبة لمشرع اغريقى يدعى دراكون افرط فى التجريم وفى العقاب – المترجم)، القانون ضد الاحزاب التي تروج للثورة، قد تثير مشاعر الاحتقار والشفقة، ولكن الحزب الذي يمد يده الينا لعقد اتفاقية انتخابية ويتسلل كالدودة الى صفوفنا كأخ وصديق هو العدو، العدو الوحيد الذي يتعين علينا ان نخافه ".
من هنا ترون ان ليبكنخت ايضا، يأخذ فى حسبانه اعتداءات الشرطة وقوانين المائة السود. مع ذلك يقول للعمال بجسارة: ليس هذا هو العدو الذي يتعين علينا ان نخافه، وانما الاتفاقية الانتخابية مع صديق مزيف. لم فكر ليبكنخت على هذا النحو؟ لا نه اعتبر دائما ان قوة المقاتلين تكون قوة حقيقية فقط حينما تكون قوة جمهور العمال الواعى طبقيا. لا يفسد وعى الجماهير بالعنف والقوانين الدراكونية، وانما يفسد بالاصدقاء المزيفين للعمال، بالبورجوازى الليبرالى، الذي يصرف الجماهير عن النضال الحقيقى الواقعى بجمل فارغة عن النضال. يخفق مناشفتنا ومعهم بليخانوف فى ان يفهموا ان النضال ضد الكاديت هو نضال من اجل تحرير عقول الجماهير العاملة من افكار الكاديتى المزيفة وتحيزاته عن الجمع بين النظام القديم والحرية الشعبية.
لقد شدد ليبكنخت بدرجة قصوى على مسألة ان الاصدقاء المزيفين اشد خطرا من الاعداء المكشوفين حتى انه قال: " سوف يكون فرض قانون جديد مناهض للاشتراكيين اقل شرا من التعمية على التناقضات الطبقية وخطوط الحدود الحزبية باتفاقات انتخابية ".
ترجم جملة ليبكنخت هذه لمصطلحات السياسة الروسية فى نهاية 1906: " سوف يكون دوما المائة السود اقل شرا من التعمية على التناقضات الطبقية وخطوط الحدود الحزبية باتفاقيات انتخابية مع الكاديت ". اذا كان ليبكنخت قد قال ذلك فأى نباح كان يمكن ان يطلق فى وجهه من قبل هؤلاء الذين هجروا الاشتراكية وتوجهوا لليبراليين ويكتبون الآن لجريدة تافاريش ولجرائد مشابهة لها! لطالما سمعنا كيف "أدين " البلاشفة فى اجتماعات العمال وفى اعمدة صحافة المناشفة لا نهم عبروا عن وجهات نظر تشابه تلك التي هوجم ليبكنخت بسببها (انظر ص 54 من الكراس). لكن البلاشفة لن يرتاعوا بهذا النباح وتلك اللعنات مثلما فعل ليبكنخت. ان الاشتراكيين الديموقراطيين الرديئين هم فقط من يزينون الضرر الناجم على الجماهير العاملة من الخونة الليبراليين لقضية حرية الشعب الذين يحظون لديهم بواسطة الاتفاقيات الانتخابية.
وفيما يتصل بخيانة الليبراليين هذه. فان انتهازيينا، وبليخانوف من ضمنهم يصرخون: من غير اللائق فى بلادنا، وفى الوقت الراهن، ان نقول ان الليبراليين خونة. بل ان بليخانوف قد كتب كراسة كاملة يعلم فيها الاشتراكيين غير اللبقين كيف يكونوا مهذبين مع الكاديت. لكن كراس ليبكنخت يبين بوضوح ان افكار بليخانوف مستهلكة وان عباراته قد بليت بالفعل وابانت رثاثتها البورجوازية الالمانية. لقد بات معروفا ان " الورقة الرابحة " التي كان يلعب بها بليخانوف ضد الاشتراكية الديموقراطية الثورية هى ذاتها الحكاية الخرافية الطفولية عن الراعى والذئب التي حاول بها الانتهازيون الالمان اخافة ليبكنخت. والحكاية تدور: سوف يعتاد الناس ان يسمعوك تصيح " الذئب، الذئب!" حتى انهم حينما يأتى الذئب بالفعل ما من أحد سيصدقك. وقد كانت عند ليبكنخت اجابة مناسبة على النفوس الطفولية المتعددة الحالية عند بليخانوف فى المانيا: " على اية حال، لن يحمى الحريصون مصالح الحزب بدرجة اقل مما يحميها الساخرون ".
دعونا نأخذ السؤال الثانى: هل يحارب البورجوازيون الليبراليون، أى، حزب الكاديت بالفعل ضد خطر المائة السود، واذا كان الامر كذلك كيف؟ وبليخانوف عاجز عن صياغة السؤال فضلا عن الاجابة عنه بتحليل دقيق لسياسة الكاديت فى روسيا الثورية. يستنبط بليخانوف العلاقات العينية بين الاشتراكيين الديموقراطيين الروس والكاديت من " المفهوم العام " الثورة البورجوازية منتهكا مبادئ الماركسية، بدلا من دراسة الملامح الفعلية النوعية للثورة البورجوازية الروسية لكى يحصل على مفهوم عام عن العلاقات المتبادلة بين البورجوازية، والبروليتاريا والفلاحين فى روسيا المعاصرة.
يعلمنا ليبكنخت أن نعلل بشكل مختلف. حينما قيل له ان البورجوازيين الليبراليين يحاربون الرجعية، اجاب بتحليل دقيق للطريقة التي كانوا يحاربون بها. وقد اظهر – فى الكراس الحالى وفى كتابات اخرى كثيرة – ان الليبراليين الالمان (مثل الكاديت تماما) كانوا " يخونون الحرية "، وقد وصلوا لتفاهمات مع " اليونكر (ملاك الارض) والكهنة " وقد اثبتوا انهم غير جديرين بان يكونوا ثوريين فى عصر ثورى.
يقول ليبكنخت: " حالما تبدأ البروليتاريا فى البروز كطبقة متميزة عن البورجوازية معادية فى مصالحها للبورجوازية، تكف الاخيرة عن أن تكون ديموقراطية ".
لكن انتهازيينا، كما لوكانوا يسخرون من الحقيقة، يسمون الكاديت ديموقراطيين (حتى فى قرارات مؤتمرات الحزب الاشتراكى الديموقراطى) رغم حقيقة ان الكاديت يتبرأون من الديموقراطية فى برنامجهم، ويعترفون بمبدأ ايجاد مجلس أعيان، الخ.، ورغم حقيقة انهم فى دوما الدولة اقترحوا قوانينا دراكونية ضد حق الاجتماع، وعارضوا تشكيل لجان الارض المحلية بناء على حق الاقتراع العام المتساوى السرى المباشر بدون اذن من اعلى!
لقد ادان ليبكنخت وهو مصيب فى ذلك تماما من يلوك كلمة " الثورة " بشكل مذهبى. حينما تحدث عن الثورة، فقد عناها فعلا، حيث حلل كل المسائل وكل خطوات التاكتيك، ليس فقط من منظور احتياجات اللحظة، ولكن ايضا من وجهة نظر المصالح الحيوية للثورة ككل. كان على ليبكنخت مثله فى ذلك مثل الاشتراكيين الديموقراطيين الروس ان يعاين تجربة التحولات المؤلمة من النضال الثورى المباشر الى دستور المائة السود البائس البغيض الجدير بالازدراء. لقد عرف ليبكنخت كيف يتكيف مع هذه التحولات المؤلمة، عرف كيف يعمل من اجل البروليتاريا حتى فى اشد الظروف عدم مواتاه ومعاكسة. لكنه لم يبتهج حينما خاض تجربة الكفاح ضد دستور مشين مضطرا للعمل فى ظله، ولم يسخر من هؤلاء الذين فعلوا كل شيء فلم يدخروا وسعا لمنع ظهور " دستور " كهذا. لم يقصد ليبكنخت ب " الحذر " رفس الثورة بمجرد ان بدأت فى التدهور (حتى وان كان ذلك بشكل مؤقت) متكيفا بأسرع ما يمكن لدستور مبتور. لا ، قصد هذا الجندى العريق فى الحركة الثورية ب " الحذر " ان القائد البروليتارى يجب ان يكون آخر من " يتكيف " للشروط التي خلقتها الهزائم المؤقتة للثورة، وان عليه الا يفعل هذا الا بعدما يفعل ذلك رعاديد وجبناء البورجوازية بوقت طويل. يقول ليبكنخت: " لقد اجبرتنا السياسة العملية على التكيف مع مؤسسات المجتمع الذي نعيش فيه، ولكن كل خطوة اتخذناها فى اتجاه تكييف انفسنا للنظام الاجتماعى الراهن كانت صعبة بالنسبة لنا، واتخذناها بتردد عظيم. وقد استدعى هذا سخرية غير قليلة من جهات متعددة. ولكن من يخشى ان يطأ على هذ السطح المائل، هو رفيق يعتمد عليه، على اى حال، بخلاف من ينظر شزرا لترددنا ".
تذكروا هذه الكلمات الذهبية يارفاقنا العمال ممن قاطعوا دوما ويتى. تذكروها خاصة حينما يسخر منكم المتحذلقون لا نكم قاطعتم الدوما، ناسين انه تحت راية مقاطعة دوما بوليجين اندلعت الحركة الشعبية الاولى (وحتى الآن الوحيدة، لكننا متأكدون من انها ليست الاخيرة) ضد مؤسسات كهذه. دعوا الخونة الكاديت يفخرون بأنهم كانوا اول من زحفوا على بطونهم طوعا فى ظل قوانين الثورة المضادة. سوف يكون العمال الواعين طبقيا فخورين بانهم قد ابقوا راياتهم خفاقة وان المعارك المكشوفة قد تواصلت اطول من الباقين، وانهم قد سقطوا تحت وطأة الضربات الثقيلة فى خضم النزاع، وانهم قد واصلوا جهودهم اطول من الباقين، ودعوا الشعب لا ن ينهض مرة اخرى وان يندفع للامام كرجل واحد، لتحطيم العدو.
واخيرا دعونا نتناول المسألة الثالثة والاخيرة. ألن تمس الاتفاقيات الانتخابية اعز ما نتمسك به " نقاوة المبادئ ". واحسرتاه! لقد تكفلت بالاجابة على هذا السؤال وقائع حياتنا السياسية الروسية بالحقائق التي تجعل العمال الواعين طبقيا يحمرون خجلا.
لقد اكد لنا المناشفة فى قراراتهم، وحلفوا واقسموا فى الاجتماعات انهم لن يخرجوا عن دائرة الاتفاقيات التكنيكية، وانهم سوف يواصلون الصراع الايديولوجى ضد الكاديت، وانهم لن ينحرفوا مهما كان الامر قيد انملة عن المبادئ الاشتراكية الديموقراطية، وعن شعاراتهم البروليتارية الخالصة.
فماذا كان الحاصل؟ ما من شخص اقل من بليخانوف ذهب يدق باب صحافة الكاديت حتى يقدم للشعب شعارا " وسطا "، غير كاديتى ولااشتراكى ديموقراطى، شعارا توافقيا للكل وغير معادى لا حد: " دوما ذات صلاحيات كاملة " ما ذا يهم اذا كان الشعار خداعا مباشرا للشعب، ويحثوا التراب فى عيونهم – ما دامت هناك اتفاقية مع ملاك الارض الليبراليين! لكن الكاديت صرفوا بليخانوف باحتقار، وولى الاشتراكيون الديموقراطيون وجوههم عنه، بعضهم بتحرج، وآخرون بسخط. وهو الآن يقف وحيدا، ينفس عن غضبه بالتنديد بالبلاشفة على " بلانكيتهم "، ويقف ضد كتاب جريدة تافاريش بسبب " افتقارهم للتواضع "، وضد المناشفة لقصورهم فى الدبلوماسية، ضد الجميع عدا نفسه! مسكين بليخانوف! كم هى قاسية كلمات ليبكنخت النزيهة، الواضحة، الفخورة الصريحة التي تبدو فى هذه الحالة مبررة حول ضرر الاتفاقيات من زاوية المبدأ.
اما " الرفيق " فاسيلييف (الذي اختلس النظر الى الثورة من نافذة المطبخ السويسري) فيقترح فى جريدة تافاريش (17 ديسمبر) مع اشارة مباشرة لبليخانوف، الى انه يجب علينا ببساطة حل الحزب الاشتراكى الديموقراطى وبشكل مؤقت – بشكل مؤقت فقط! -- وأن نندمج مع الليبراليين. نعم، حسنا، هذا ما قد يقوله ليبكنخت فى الحزب الالمانى، ايضا، لم يكن هناك بالكاد من اراد ان ينحرف " عن مبادئ الحزب ". لكنها ليست مسألة ما ذا يريد المرء، وانما مسألة قوة الظروف التي تدفع الحزب لا تخاذ خطوة زائفة. بليخانوف ايضا لديه افضل النوايا: السلام وحسن النية مع الكاديت ضد خطر المائة السود، ولكن كان الحاصل خزى وعارا للاشتراكيين الديموقراطيين.
ايها الرفاق العمال اقرأوا كراس ويلهلم ليبكنخت بعناية قصوى وكونوا اشد نقدية ازاء هؤلاء الذين ينصحونكم بالدخول فى اتفاقيات مع الكاديت، الذي سوف يكون شأنا خطيرا للبروليتاريا وقضية الحرية.
ن. لينين
ديسمبر 1906
----------
1 -ناشا تريبونا – صحيفة اسبوعية تصدر عن حزب البوند تطبع فى فيلنو من ديسمبر 1906 الى ما رس 1907. ظهر منها اثنى عشر عددا.
المصدر: لينين، الاعمال الكاملة، المجلد 11، ص ص 401 – 407، دار التقدم، موسكو، 1965. الطبعة الانجليزية (ارشيف لينين على الانترنت)
 -;-

مقدمة
ليس الكراس الآتى خطابا، مثلما كان خطابى الاول حول التكتيك (1) غير أنه يرتبط بخطاب القيته هذا الصيف، بناء على طلب ناخبى برلين بصدد الانتخابات التشريعية البافارية السابقة بصفة خاصة وحول المساومات بصفة عامة. لقد بذلت جهود ملحة منذ وقت مضى ومن جهات مختلفة لجعل حزبنا اقرب للاحزاب السياسية الاخرى، واقترن هذا بالطلب المتواصل للاشتراك فى الانتخابات التشريعية البروسية، وقد اثار هذا فى قسم من ناخبى برلين، وكذلك فى وسط الرفاق فى عموم المانيا، ادراكا بأنه قد توجد فى الحزب بعض الميول التي، رغم انها لا تقصد هذا الغرض، مع ذلك لا بد ان يترتب عليها، ان تؤدى للزج بالحزب الاشتراكى الديموقراطى فى مجال سياسات النهب، خالصة نقية. لقد تغذى هذا الادراك على كتاب تضمن توبة برنشتين وكفارته، وشى بارتداد تام عن مبادئ الاشتراكية الديموقراطية من قبل رفيق كان حتى هذا الوقت يعتبر حارسا لمبادءنا، وبتخليه عن الهرطقة الاشتراكية الديموقراطية وبالاعتراف بعودة ايمانه فى الفلسفة البورجوازية بوصفها وسيلة الخلاص الوحيدة. ان كتاب برنشتين فى حد ذاته لا قيمة له، ولايحتوى على فكرة وحيدة جديدة اصلية، وهو ليس سوى اقرار فحسب بصحة ما قاله اعداء الاشتراكية الديموقراطية ضدها لعقود مضت مئات المرات، مع ذلك، اذا اخذناه فى ارتباط- مع التحريض المشوش حول الاشتراك فى الانتخابات التشريعية البروسية ومع مقالات ايسيجريم التعسة ضد نظام الميليشيا ومع النزعة العسكرية، فان الكتاب بوصفه عرضا، قد حاز اهمية لا يجوز تجاهلها.
كان الحزب منخرطا فى نضال ضد قانون السجون، وضد محاولات اخرى للقسر من جانب الرجعيين المهيمنين، وكان بادئا للتو فى نسيان الشيبيلية والبرنشتينية، متوقعا من مؤتمر الحزب المقبل هزا شديدا وتنظيفا له، حين باغتتنا التقارير فجأة عن "تجارة البقر" السياسية او الاتفاقيات الانتخابية فى بافاريا. لقد اعتدنا على خصوصيات بافاريا لسنوات، ونحن نعلم ان الشؤون البافارية، وبصفة عامة الشؤون الالمانية الجنوبية، لا ينبغى ان تقاس بمقياس شمال المانيا، ومامن احد اكثر تسامحا من رفاق برلين الذين كان عليهم، امام ابواب العاصمة الامبراطورية، ان يتعاملوا مع خصوصيات وان كانت من نوع آخر، وهى صارخة بقدر الخصوصيات البافارية. نحن نعلم بصفة خاصة انه حين يتدخل العنصر الدينى فى السياسة فيعيق حزب الوسط الاكليريكى التطور السياسي الطبيعي، مما يؤدى لا ن تستغرق الوعى الطبقى بسهولة اعتبارات اخرى. وقد سمعنا ايضا خارج بافاريا عن بعض الحملات للتحالفات الغريبة للغاية. مع ذلك، فما حدث هذه المرة فى بافاريا كان ابتداعا فريدا.لقد عقد تحالف رسمى، ليس سريا، ولا من فوق رؤوس الجماهير من قبل رفاق معينين، ولكن بين حزب وحزب آخر، من قبل قادة الاشتراكية الديموقراطية فى المانيا، مع حزب الوسط فى بافاريا.
اثار هذا الحدث اضطرابا عظيما وتسبب فى خلق أشد القلق فى كل مكان فى الدوائر الحزبية.لقد اثار الدهشة، والاستهجان فى البداية، وان لم يجر التعبير عنهما. وحيث ان الانتخابات التشريعية فى بافاريا غير مباشرة، فلم يكن من الممكن لنا ان نحتج على الفور، لا ن القيام بذلك كان سيؤدى لا حراج رفاقنا البافاريين، الذين كانوا آنذاك فى خضم الصراع وربما تعرضوا لمسؤلية كبرى. وعلى ذلك، فإن المؤيدين البافاريين لتجارة البقر السياسية قد احتلوا المجال هذا الحين. من السهل ان نفهم فى ظل هذه الظروف مخاوف الرفاق التي استثيرت حتى الدرجة القصوى، فقد ظنوا انهم رأوا مؤشرات / علامات ممنهجة ومرسومة على ركود الحزب. لقد اوضحت لماذا لم تأخذ جريدة فورفارتس موقفا حتى الآن تجاه تجارة البقر البافارية، ولكنى لن ابقى سرا حقيقة ان وجهة نظرى حول المساومات لم تتطابق مع وجهة نظر هيئة التحرير، لقد كتبت مقالا، ورغم نبرته الهادئة بشكل غير عادي، فقد اعتبره الرفاق البافاريون هجوما عدائيا، وقد اوضحت وجهة نظرى فى اجتماع نادى الناخبين للدائرة السادسة الانتخابية ببرلين. هذا رغم اننى من اجل السلام الجميل منعت تصويتا على توجيه لوم رسمى لرفاقنا فى بافاريا، الا اننى مع رفاقى البرلينيين قد هوجمنا بعنف بسبب هذا الاجتماع من قبل اعضاء الحزب البافاريين، ولم يكن ذلك دائما بكلمات لا ئقة. حينما يشعر المرء انه مخطئ بصفة عامة فانه يعوض ضعف قضيته بعنف حديثه. لقد اعتدت ان اتقبل اهانات خصومى بوصفها مجاملات على غير ارادتهم، ولم ازعج نفسي بها ابدا.
حدثت فى ذات الوقت تقريبا الذي عاينا فيه تجارة البقر السياسية واقعة دخول الاشتراكى الفرنسي ميلليران الحكومة الرجعية فى فرنسا، وكان دخوله سببا فى انشقاق داخل الاشتراكية الديموقراطية الفرنسية. ان اقدر رفاقنا الفرنسيين – جيد، ولافارج وفايلان، مؤسسي الحركة الاشتراكية الحديثة فى فرنسا – احتجوا ضد دخول ميلليران وزارة الرأسمالى الرجعى، والديك - روسو وجاليفه، جزار الشيوعيين، قد انسحبوا من المجموعة الاشتراكية التي اقتنعوا بأنها قد هجرت ارضية الصراع الطبقى.
يمكننا ان نرى هنا اخطار سياسة المساومة فى حجمها الطبيعى وحدودها الكلية. وظهرت فى ذات الوقت مقالة فى جريدة فورفارتس، فى عدد 28 يوليو عنوانها التحالفات الوقتية، التي حاولت ان تبرر سياسة المساومة. لقد عزمت اذن، بناء على طلب الرفاق فى برلين ومايجاورها، ان اكتب كراسا واعرب عما اراه، وكما اعلم، فهو على اتساق مع ما تراه اغلبية الرفاق فى برلين، حول مسألة التاكتيكات، خاصة حول المساومات والتحالفات، وهكذا، وبقدرمافى سلطتى، سأمنح الحزب فرصة قبل ان ينعقد المؤتمر الحزبي لا ن يدرك العواقب فى ارتباطها الوثيق ومداها الكلى، التي قد يسببها التخلى عن سياستنا الحزبية المجربة.
عندما اتحدث هنا عن سياستنا، فاننى استعمل الكلمة دون اعتبار لا ى شيء غير اساسي ومصطنع، ولكن بالمعنى الذي توفر لدينا منذ بداية الحزب ضد كل ما عنته عند الاحزاب السياسية الاخرى – بمعنى سياسة الصراع الطبقى، التي لطالما تغيرت فى الشكل، لكنها بقيت كما هى فى المضمون – سياستنا الطبقية البروليتارية الفريدة، التي تميزنا عن كل الاحزاب السياسية الاخرى فى عالم المجتمع البورجوازى وتبعدنا عن التعامل معهم.
لقد كان الكراس مهمة اجازة، فقد كتب اثناء حركتى، بالمعنى الحقيقى للكلمة، فى البيت والحقل، والجبل، وفى العربات، هنا وهناك. وبالضرورة لا بد ان هذا قد شوه وحدته، لكنه يبين ايضا كيف اخذت الامر بجدية، حتى ضحيت من اجله بغالب اجازتى.
و. ليبكنخت
اغسطس، 1899
(نشر بناء على طلب اعضاء الحزب الاشتراكى الديموقراطى فى برلين وضواحيها)

 -;-
القسم الأول
القانون الحزبى
لقد شغلت مسألة المساومات بشكل او بآخر، اهتمام الحزب منذ ان دخل مجال العمل السياسي. ولكن لا الوقت ولا المكان يسمحان بعرض التاريخ الكامل للموضوع. الوضع الراهن للقانون الحزبى بصدد مسألة المساومات تضمنته قرارات المؤتمرات الحزبية التي عقدت فى كولونيا، وهامبورج وشتوتجارت. وقرار مؤتمر كولونيا الذي صدر فى 28 اكتوبر، 1893 ينص على ما يلى:
" حيث ان، النظام الانتخابى البروسي ذى الثلاث درجات، وهو حسب تعبير بسمارك نفسه اتعس نظام بين كل النظم الانتخابية، يجعل من المستحيل على الاشتراكية الديموقراطية ان تشارك بشكل مستقل فى الانتخابات للهيئة التشريعية البروسية مع توقع النجاح، وحيث، انه يتناقض مع المبادئ المتبعة حتى الآن من قبل الحزب فى الانتخابات ان يدخل فى مساومات مع احزاب معادية، لا ن هذا سوف يقود بالضرورة الى اضعاف معنوياته واثارة النزاعات والخلافات داخل الهيئات الحزبية، على ذلك، فقد تقرر، ان من واجب اعضاء الحزب فى بروسيا ان يمتنعوا عن الاشتراك فى انتخابات الهيئة التشريعية.
وحيث ان النظم الانتخابية فى الولايات المنفصلة تشكل عينة نموذجية من القوانين الانتخابية الرجعية وخاصة الطابع البلوتوقراطى للنظام الانتخابى ذى الثلاث درجات فى بروسيا مما يجعل من المستحيل على الطبقة الكادحة ان ترسل ممثليها للهيئة التشريعية، وبناء على ذلك يدعو المؤتمر اعضاء الحزب للبدء فى القيام بتحريض ممنهج نشط فى كل الولايات المنفصلة من اجل الترويج لا دخال حق الاقتراع العام المتساوى السرى المباشر فى انتخابات الهيئة التشريعية كما تضمنه البرنامج السياسي لحزبنا."
وبعد اربع سنوات، فى 9 اكتوبر، 1897، اصدر مؤتمرهامبورج القرار التالى:
" ان قرار مؤتمر كولونيا الذي منع اعضاء الحزب البروسيين من الاشتراك فى الانتخابات التشريعية فى ظل نظام التصويت على ثلاث درجات قد الغى. واننا نوجه للاشتراك فى انتخابات الهيئة التشريعية المقبلة فى كل مكان حيث تجعل الظروف من الممكن لا عضاء الحزب ان يقوموا بذلك. اما الى اى مدى يمكن الاشتراك فى الانتخابات، فى انتخابات المقاطعات المنفصلة فهو امر يتعين ان يقرره اعضاء الحزب فى كل انتخاب بالمقاطعة وفقا للظروف المحلية. ومن غير المسموح الدخول فى مساومات او تحالفات مع الاحزاب الاخرى."
لقد الغى قرار كولونيا ب 160 صوتا ضد 50 صوتا. وصدر القرار الكامل ب 145 صوتا ضد 64 صوتا، ولم يصوت مندوب واحد.
بعد التصويت على الاقسام المختلفة للقرار وبعد التصويت عليه بكامله، حتى نحول دون ان تثار اسئلة تتعلق بالمعنى العملى لقرار هامبورج، قام الرئيس سنجر، بموافقة صريحة من بيبل، الذي قدم القرار، ودون ان يعترض احد، وبموافقة بالاجماع، سجلت فى المضبطة، قام بالاعلان التالى:
" اننى ارغب فى ان اعلن ان المؤتمر مجمع على وجهة النظر القائلة بأن القرار الذي تبنيناه هنا يعنى اننا لن نشترك فى الانتخابات الابتقديم مرشحين اشتراكيين ديموقراطيين."
وان تصويت الرفاق فى المرحلة الاولى، لمرشحين من الحزب الليبرالى، كان، كما لا حظ بيبل، مستبعدا على الاطلاق، ويدرج تحت خانة المساومات والتحالفات مع الاحزاب الاخرى.
رغم لغة القرار الواضحة والتفسير الجلى الرسمى هنا لمسألة معرضة لتأويلات مختلفة جرى تأجيل المؤتمر بصعوبة حين بدأ التعبير عن اختلاف الآراء. وفى تناقض حاد مع الوقائع وعلى ما اثبت فى المضبطة فقد جرى انكار ان التصويت فى المرحلة الاولى من جانب حزبنا لمرشحين من الحزب الليبرالى سيكون مساومة، كما جرى الادعاء حتى بأن سينجر قد أرهب المؤتمر.
عقد مؤتمر العام الماضى فى شتوتجارت قبل الانتخابات للهيئة التشريعية البروسية مباشرة. وقد كان هناك هذا القدر من الاختلاف فى الرأى بحيث لم يكن من الممكن التفكير فى تجاهل الأمر، خصوصا وان جدول اعمال المؤتمر كان مزدحما بدون ذلك. ومن ثم لم يكن من الممكن عمل شيء سوى ترك التصرف النهائ فى الموضوع لمؤتمر تال، والاكتفاء باصدار قرار طارئ فى الوقت الحاضر.
فى 5 اكتوبر، 1898، تبنى مؤتمر شتوتجارت بالاجماع القرار التالى، الذي ووفق عليه من قبل اللجنة، ليكن معلوما:
" ان الاشتراك فى الانتخابات التشريعية البروسية فى ظل النظام الانتخابى على ثلاث درجات، كما هو الحال فى انتخابات الرايشستاج، بوصفه صفا للقوى، ليس وسيلة لا حراز تأثير معنوى بعدد اصواتنا، لكنه وسيلة فقط لا حراز نتائج عملية معينة، خصوصا تفادى خطر السماح لا شد الرجعيين محافظة باحراز اغلبية فى الهيئة التشريعية. انطلاقا من وجهة النظر هذه، يعلن المؤتمر ان الاشتراك فى انتخابات الهيئة التشريعية البروسية ليس مطلوبا فى جميع الانتخابات فى المقاطعات، فضلا عن ان قصر الوقت المتبقى قبل انتخابات الهيئة التشريعية البروسية يجعل من المستحيل تقريب الشقة بين وجهتى النظر المتباعدتين بشدة اللتين توجدان داخل الحزب حول هذه المسألة، حتى تجعل حركة الحزب بتناغم ممكنة. فى ظل هذه الظروف فان المؤتمر يترك الامر للرفاق فى انتخابات المقاطعات المنفصلة ليتخذوا قرارهم حول مسألة الاشتراك. اذا تقرر فى انتخاب احدى المقاطعات الاشتراك، واذا طرح اقتراح لمساندة ودعم مرشحى خصومنا السياسيين، فعلى المرشحين ان يتعهدوا، بأنه حال انتخابهم فى الجمعية التشريعية، ان يعملوا من اجل ادخال حق الاقتراع العام المتساوى السرى المباشر، فى انتخابات الهيئة التشريعية، كما هو قائم حاليا فى انتخابات الرايشستاج، وان تقاوم بفعالية قصوى فى الهيئة التشريعية كل الاجراءات التي تميل لا زالة او الغاء الحقوق الحالية التي يتمتع بها الشعب فى الولايات المنفصلة. سوف نعتبر ان كل المقترحات التي قدمت تحت بند " الانتخابات للهيئة التشريعية البروسية " قد جرى الانتهاء منها بتبنى هذا القرار "
كان هذا هو قرار شتوتجارت. يمكن لنا ان نرى، انه قرار مؤقت ويترك مسألة التاكتيكات تماما على اساس قرار هامبورج. بالرغم من ذلك، فقد اعتبر رفاق بعض الانتخابات فى المقاطعات انفسهم مبررين فى عمل ترتيبات مناقضة للقرار مع احزاب اخرى وقد كانت مساومات بالمعنى الذي حدده قرار هامبورج. وقد اظهرت الاحداث الاخيرة فى بافاريا، والتحالف مع حزب الوسط، الذي وصف بأنه تجارة بقر، انه حين يدق الطرف الحاد من الأسفين الانتهازى فى سياسة الحزب سرعان ما يتبعه الطرف الاغلظ.
الاشتراكية البروليتارية
هناك اساس واحد صالح لحزبنا ولتاكتيكاته: وهذا الاساس هو الصراع الطبقى، الذي انبثق منه الحزب الاشتراكى الديموقراطى والذي يمكن منه وحده ان يستمد القوة الضرورية لا ن يتحدى كل عاصفة ومعها كل اعداءه. ان مؤسسي حزبنا، - ما ركس وانجلز ولاسال – قد أصلوا فى العمال ضرورة الطابع الطبقى لحركتنا بشكل عميق حتى انه ولوقت قريب جدا لم تكن هناك اية انحرافات او ابتعاد عن المسار. لقد صدر قرار كولونيا بناء على اقتراح قدمه برنشتين، الذي كان يعيش آنذاك فى لندن، وبوصفه محررجريدة الاشتراكى الديموقراطى المكرم من اعضاء الحزب.
لم يكن هناك ابدا حديث فى العلن حتى عام 1893 حول امكان او صواب المشاركة فى الانتخابات التشريعية البروسية. ففى بداية الثمانينات جرى ترويج فكرة تعاون الاشتراكية الديموقراطية مع الديموقراطيين السياسيين بصورة سرية من جانب ديموقراطيي فرانكفورت بغرض الحصول على ممثل اشتراكى وديموقراطى فى فرانكفورت فى الهيئة التشريعية، لكن المقترح رفض ايضا بصورة سرية، وبدون ضوضاء فى الخارج. وقد كان الاعتبار التالى هو ما قلب الموازين، اى: ان الطابع الطبقى للحزب سوف يضعف بتحالف من هذا النوع، وأن ميزة الحصول على ممثل لن تعوضها لحد بعيد نقيصة التحالف فى انتخابات تشريعية مع حزب نحن ملزمون بمحاربته فى انتخابات الرايشستاج. لم يغفل احد عن اهمية وجود مقعد فى الهيئة التشريعية البروسية. ولكن ما استرعى الانتباه بوصفه الاكثر اهمية هو ان ممثلى الحزب يجب ان يعتمدوا حصريا على قوة الحزب وليس على تحالف مع احزاب سياسية قد تكون لها مصلحة مشتركة مؤقتة معنا ولكنها من ناحية تكوينها السياسي معادية لنا وسوف تظل دوما معادية لنا.
لقى اقتراح برنشتين، الذي فكر فى مسألة مشاركة الاشتراكية الديموقراطية فى الانتخابات التشريعية البروسية، استجابة ضئيلة، ولم يكن هناك مدافعين، حتى ان القرار الذي قدمه ودعمه بيبل ضد مشاركة كهذه قد تم اقراره بالإجماع.
يبدو للوهلة الاولى امرا غامضا ان تظهر مسألة المشاركة فى الانتخابات التشريعية البروسية مرة اخرى وبعد سنوات وتؤدى حتى لجدالات حية الى حد ما . لكن هذا الامر يفسره ظرفين سوف اوضحهما هنا.
اولا. تعرضت وجهة نظرالعديد من الرفاق بصدد نظام الانتخاب على ثلاث درجات للتغير عبر مرور الزمن. لقد تاه عن ذاكرة بعضهم، هنا وهناك، ان الغرض المتحقق منطقيا وبدهاء من نظام الانتخابات على ثلاث درجات هو ان تستبعد بخاتم محكم كل الافكار والمشاعر الديموقراطية، وان العهد الرأسمالى، الذي بدأ حوالى نفس الوقت بادخال " اتعس نظام بين النظم الانتخابية " قد جعل بخلقه بروليتاريا واعية طبقيا تصويت الجماهير الاشتراكية بلا قيمة اكثر من تصويت الجماهير الديموقراطية اصلا. تظهر كيفية خداع كثير من الخطباء (رجال ونساء) انفسهم بشدة فى مؤتمر هامبورج حول فعالية نظام الانتخابات على ثلاث درجات بوضوح من حقيقة ان بعضهم قد تبنى وهم ان اصلاح انتخابات الهيئة التشريعية البروسية يمكن ان يستخدم كوسيلة للتحريض الواسع وسط الجماهير. ان الابتهاج بالنجاح الذي تحقق فى ظل قوانين اخرى غير ديموقراطية تنظم الانتخابات التشريعية، خاصة فى سكسونيا، نسي كثيرون ان النظام البروسى ذى الثلاث درجات قد جعل من علنية التصويت امرا اجباريا، ومن ثم حرم من التصويت مقدما من الناحية العملية كل تابع، اقتصاديا، اجتماعيا او سياسيا، اى، الاغلبية العظمى من السكان وبهذه الوسيلة وحدها جعل من المستحيل على الجماهير ان تشارك فى الانتخابات او ان يثير اى حماس عام.
ان التفاؤل الخادع للذات بشأن القانون الانتخابى على ثلاث درجات قد بلغ حد أن رفاقا غير قليلين قد تخيلوا بكل جدية اننا نحن الاشتراكيين الديموقراطيين سنحتل موقعا بقوتنا الذاتية بدون تكتل او حتى تحالف مع الاحزاب الاخرى، لنكسب عددا، وان عددا قليلا، من المقاعد.اليوم الكل يعلم انه لم يعد احد يرزح تحت وطأة هذا الوهم. اليوم الكل يعلم اننا لا نستطيع ان نكسب مقعدا واحدا فى الهيئة التشريعية البروسية دون مساومة او تحالف. لقد كان الامر مختلفا منذ عامين مضيا حينما عقد مؤتمر الحزب، وكانت اغلبيته مصابة بلعنة خداع الذات المتفائل، التي اعلنت انها تستحسن المشاركة فى الانتخابات التشريعية البروسية. لحسن الحظ، على اية حال، ان القادة مع المجلس الاعلى للحزب قد تمعنوا فى اصل وطبيعة الحزب وسعوا بواسطة حظر كامل للمساومات والتحالفات مع الاحزاب الاخرى لا ن يمنعوا الخداع الذاتى من اتخاذ خطوات قد تؤذى الحزب وتؤدى لتوهانه فى الدروب الخاطئة.
ان قرار هامبورج قد وصف بأنه متناقض وغير منطقى. حقيقى، اذا كان الحزب قد رفض كما فى السابق كل المساومات والتحالفات مع الاحزاب الاخرى، فعندئذ لم يكن هناك معنى لسحب قرار كولونيا. يفسر التناقض، كما اشير لذلك سابقا، بحقيقة ان قسما من الحزب قد خدع نفسه او كان قد خدع بشأن طبيعة القانون الانتخابى البروسي ذى الثلاث درجات. ولكن علينا ان نستنتج من هذا التناقض، كما قمنا بذلك بالفعل، ان الحزب يخفى رغبة لا ن يشارك فى الانتخابات التشريعية البروسية اكثر منه كارها للمساومات، وانه على ذلك، بوصفه تناقضا قائما فينبغى ان يحل بترويج المشاركة فى الانتخابات بشكل تام وبسحب حظر المساومات والتحالفات الانتخابية، وسوف يقدم مثل هذا الاستنتاج دليلا على ضآلة المنطق ازاء مبادئ وتاريخ الحزب.
ثانيا. ويصل بى هذا الى السبب الثانى وهو لم كان من الممكن ان تصبح مسألة المشاركة فى الانتخابات التشريعية موضع نزاع حزبى جدى. يوجد ميل فى بعض الدوائر، او فلنقل جهدا، لهجر برنامج الحزب فى الصراع الطبقى والدخول فى الاطار العام للاحزاب الاخرى. وحيث تقوم كل الاحزاب الاخرى على اساس الدولة السياسية، لذا فإن حقل نشاطها مقصور على الفساد السياسي. وانا لا اقول ان المدافعين عن التاكتيكات الجديدة يرغبون جميعهم فى ذلك، بالنسبة لبعضهم فاننى مقتنع بانهم لا يرغبون فى ذلك. ولكن الآخرين يرغبون. وليس مجرد مصادفة ان برنشتين قد كان اول من اقترح مشاركة الاشتراكية الديموقراطية فى الانتخابات التشريعية البروسية. تتطابق هذه التاكتيكات تماما مع برنامج برنشتين الذي يسعى الى تسييس الاشتراكية الديموقراطية (المقصود ابعادها عن سياسات الصراع الطبقى الثورية – المترجم)، بينما هى غير منطقية بلا جدال من وجهة نظر هؤلاء الذين لا يرغبون فى انكار او تدمير الطابع المناضل لحزبنا فى ممارسته للصراع الطبقى.
رأسمالية الدولة
انا لا اتردد فى ان اكرر تصريحى السابق وهو ان التفريط العملى فى مبادئ حزبنا يبدو لى اشد خطرا لحد بعيد من كل الغثاء النظرى الذي طرحه برنشتين. لقد جرى الادعاء بان العصب السياسي للاحزاب قد ما ت ازاء الفساد، حتى انها فقدت روح الحرية والعدالة. ولايفتقر هذا الزعم لا ساس، ومع ذلك فليس هذا ظرفا جديدا. اذا ما تغاضينا عن فترات قصيرة فلم يتوفر للبورجوازية الالمانية ابدا ما يمكن ان يفهم من كلمة " عصب سياسي ". ولكن كيفما كان الامر، فلايمكن ان ننكر اننا نعيش الآن تحت تأثير اوضاع سياسية واقتصادية تدفع لا حتدام التطاحنات الاقتصادية والسياسية لا بعد الحدود من ناحية، ومع ذلك تدفع من ناحية اخرى لتساهل انتهازى بشأن المبادئ. اضف الى ذلك اننا ينبغى ان ناخذ فى اعتبارنا تخلف البورجوازية فى المانيا، وهو سبب حقيقة انه لا يوجد هنا بالفعل حزب ليبرالى فضلا عن حزب ديموقراطى. هذه الحقيقة يترتب عليها كنتيجة طبيعية: ان العناصر الليبرالية والديموقراطية الشريفة من البورجوازية تنجذب اكثر فاكثر نحو الاشتراكية الديموقراطية بوصفها الحزب الوحيد الذي يحارب من اجل الديموقراطية فى المانيا. لكن هذه العناصر الديموقراطية لا تصبح من ثم اشتراكية، رغم ان الكثيرين يعتقدون انهم اشتراكيون. باختصار، لدينا الآن فى المانيا ظاهرة لوحظت فى فرنسا لمدة نصف قرن وربما اكثر، وقد اسهمت كثيرا فى تشويش العلاقات الحزبية فى فرنسا، وهى ان قسما من البورجوازية الراديكالية يلتف حول الراية الاشتراكية بدون فهم طبيعة الاشتراكية. هذه الاشتراكية السياسية، هى فى الواقع نزعة راديكالية انسانية محبة للبشر فقط، وقد اعاقت تطور الاشتراكية فى فرنسا لحد بعيد. لقد ذوبت وضببت المبادئ واضعفت الحزب لا نها زجت فيه فصائل لا يمكن الاعتماد عليها فى اللحظات الحاسمة.
شخص لنا ما ركس فى مقالاته حول الصراع الطبقى فى فرنسا (2) هذه الاشتراكية السياسية.
وسوف تكون حالة فريدة من التخلى عن المسار والضياع اذا ما مالت الاشتراكية الديموقراطية، التي قدر لها ان تحقق هذا النجاح وهذا النمو المدهش بسبب انها قد انطلقت دون ان ترتعب على اساس الصراع الطبقى، اذا ما مالت للاتجاه المعاكس وانغمست فى الاخطاء،التي كان تجنبها قوة وفخر الحزب، ووضع الاشتراكية الديموقراطية الالمانية على رأس الاشتراكية الديموقراطية الدولية فى كل البلدان.
ان تلاشى الخوف والكراهية لنا فى الدوائر السياسية يدفع بالطبع العناصر السياسية داخل صفوفنا. وهذا لا يسبب خوفا ما دام هذا يجرى على نطاق ضيق لا ن العناصر البروليتارية تفوق العناصر السياسية عددا ويجرى امتصاصها تدريجيا. لكن يختلف الامر حينما تصبح العناصر السياسية فى الحزب وفيرة العدد وذات نفوذ بحيث يكون امتصاصهم عسيرا بل ويهدد بخطر اغراق العنصر الاشتراكى لا قصى حد. يهدد خطر التسييس هذا (التسييس البورجوازى الصغير – المترجم) الاشتراكية الديموقراطية من مصدرين بسبب تخلف بورجوازيتنا. اولا، العناصر الديموقراطية فى البورجوازية التي لا تجد اشباعا سياسيا فى طبقتها الخاصة، تغمرنا باعداد كبيرة اكثر مما فى البلدان التي تطورت بها بورجوازية على نحو اعتيادى، ثانيا، تميل الروح البيروقراطية لحكوماتنا ولو انها رأسمالية نحو اشتراكية الدولة، وهى فى الواقع، رأسمالية دولة فحسب، لكنها تعشى ابصار وتضل هؤلاء الذين ينخدعون بسهولة فى التشابهات الخارجية والشعارات. ان اشتراكية الدولة الالمانية او على الادق البروسية التي تجد نموذجها فى دولة عسكرية، لكبار الملاك والشرطة، تكره الديموقراطية اكثر من اى شيء آخر. ان الكانيتزيون (كانيتز منطقة فى مقاطعة ساكسونيا – المترجم) واتباعهم يزعمون انهم راديكاليون متطرفون، لكن لا علاقة لهم بالديموقراطية. الديموقراطية هى عدوهم. وهى بالنسبة لهم شيء متلازم سياسيا. ولكن كل السياسات معارضة لكل ما هو اشتراكى تماما. وهكذا من خلال هذا المنطق المخادع ننتهى الى النتيجة التي وجدت لها موضعا هنا اوهناك، حتى فى الدوائر الاشتراكية الديموقراطية، وهى ان الديموقراطية صفة للسياسة لا شيء يجمعها بالاشتراكية، بل على النقيض فهى تعارضها. يمكن تتبع اخطاء معينة، على سبيل المثال معارضة نظام الميليشيا وصولا لتلك السفسطة، وكذلك ايضا ذات مرة بشأن تعايم فون شفايتزر الزائفة. لكن الحقيقة ان الديموقراطية ليست شيئا سياسيا بصفة خاصة، ولاينبغى ان ننسي اننا لسنا حزبا اشتراكيا فحسب، وانما حزب اشتراكى ديموقراطى لا ننا ندرك ان الاشتراكية والديموقراطية لا ينفصلان.
بسمارك
حينما اراد الامير بسمارك ان يزحزح " اشيرون " * الاشتراكية، وعرض على عبر وساطة براس رئاسة تحرير جريدة نورث جيرمان جازيت، ثم عرض بعد ذلك من خلال بوخر على ما ركس رئاسة تحرير شتاتس انتسيجر، وفى الحالتين مع حرية تامة لترويج الاشتراكية بصراحة وصولا حتى نتائجها القصوى، لم يكن حب الاشتراكية او معرفة الاشتراكية هى ما دفعت الامير بسمارك لعمل هذا. فهو لم يفهم شيئا عن الاشتراكية حتى هذا الوقت، كما لم يفهم ابدا اى شيء عنها حتى وفاته، ولم يكن لديه اى مفهوم عن القوى المحركة للحياة السياسية والاجتماعية بالمرة. ومن المحتمل انه لم يعش ابدا فى اى وقت واى زمن " رجل دولة " كان اقل علمية، واقل معرفة، ومن اعتمد بشكل تام على التجربة ودهاء نصف مقامر ونصف بائع متجول، مثل بسمارك. تضع هذه العروض المقدمة للاشتراكيين تحت ضوء ساطع عدم صدق زعم الامير بسمارك بأنه قد اعتبر دائما أن الاشتراكية الديموقراطية تتعارض مع وجود الدولة. لقد اراد بسمارك ان يستخدم الاشتراكية بهدف كسر وحل المعارضة البورجوازية الليبرالية وخاصة الحزب التقدمى.هذا فى حد ذاته هو اشد البراهين اقناعا بأنه لم يكن لديه تصور عن الطبيعة الحقيقية للاشتراكية.وهكذا تكرر بالطبع قدر الفتى الساحر. القوى الجوهرية التي استحضرت نمت فوق رأس الهاوى ولم يستطع ان يهزم الاشتراكية بل ان الاشتراكية هى التي هزمته.
ظهرت مسألة التاكتيكات آنئذ فى حزبنا للمرة الاولى. هل يجب علينا من اجل تنازلات معينة للعمال، ان نساعد بسمارك ضد الحزب التقدمى والخصوم الآخرين لسياساته وبتوقع ان نصبح اقوياء بما يكفى لشن نضال ناجح ضده وضد الدولة العسكرية البوليسية لكبار الملاك التي تجسدت فى شخصه؟ ام ان الحكمة ومصلحة الحزب تتطلبان ان ننتهز فرصة نزاع بسمارك مع البورجوازية التقدمية وخصوم سياساته الآخرين، ونناضل ضد السياسات البسماركية وننظم البروليتاريا فى حزب سياسي مستقل بهدف اعداده للاستيلاء على السلطة السياسية؟
تذبذبت البروليتاريا لبعض الوقت، ولكن بعد بضع سنوات، جرى التخلى عن التاكتيكات التي روجها بصفة رئيسية السيد فون شفايتزر التي تضمنت نهج الاقتراب من السياسة البسماركية وقبلت فى كل مكان التاكتيكات التي التزم بها الحزب من وقتها وحتى الآن. وتتقوم هذه التاكتيكات فى الحفاظ على صفاء الطابع الطبقى للحزب الاشتراكى كحزب بروليتارى، وتدريبه بالتحريض، والتعليم والتنظيم من اجل انجاز الانتصار للنضال التحررى، لشن حرب منتظمة ضد الدولة الطبقية، التي تتركز في ايديها السلطة الاقتصادية والسياسية للراسمالية، وفى هذه الحرب ان ننتزع بقدر ما يمكن المزايا من منازعات وصراعات الاحزاب السياسية الاخرى مع بعضها البعض.
*اشيرون هو الجحيم فى الميثولوجيا اليونانية – المترجم
البورجوازى والبورجوازية
لم تحرز البورجوازية السلطة السياسية ابدا فى المانيا كما حدث فى فرنسا وانجلترا. ورغم ان البورجوازية الانجليزية قد ازاحت منذ اكثر من قرنين ونصف والبورجوازية الفرنسية اكثر من قرن مضى كل النفاية القروسطية، فان البورجوازية الالمانية لم تكن ابدا فى وضع يجعلها تقوم بثورة سياسية وتحقق فى الدولة ما يسمى بالحرية السياسية. خسارة التجارة العالمية نتيجة لا كتشاف امريكا، وارتباطا بذلك اعاقة نمو النشاط الصناعى، والانقسام السياسي وخراب المانيا، شلل الروح القومية لحد الموت تقريبا، ونشوء مصالح امبراطورية معادية للشعب وللتنوير، كل هذا منع نمو مواطنة قوية. عندما لا حت فرصة متأخرة فى 1848 لم تكن لدي الشعب الالمانى حتى حينئذ القوة للقيام بثورة سياسية. بعد استمتاع قصير بالحرية احنت رأسها مرة اخرى للنير القديم. خوفا من العمال، التي اشتمت منهم قوة جديدة وخطرة، فأصبحت رجعية، دون ان تكون ابدا ثورية، لقد كفرت عن احلامها الثورية، التي بدت لها وكأنها طيش شباب، والقت بنفسها فى احضان الرجعية السياسية، ولم يشغلها سوى مثال واحد باق، وهو ان تثرى. اختفى المواطن من المجال السياسي واصبح اما غير مبال من الناحية السياسية او رأسمالوى.ان تكون راسمالويا يعنى ان تعترف وتساند الحكومة بدون شروط، على ان تكون حكومة طبقية وتمثل وتروج بشكل حصرى مصالح الراسمالية.
حتى نمنع الانطباعات الخاطئة وسوء الفهم، يجب ان نكون واعين تماما بالفارق بين " السياسي" و " الرأسمالوى ". هاتان الفكرتان، اللتان يمكن ان نخلط بينهما بسهولة بسبب التباس الكلمة الالمانية " Burger "، لا بد ان نفصلهما بوضوح الواحدة عن الاخرى. فى فرنسا فان كلمة بورجوازى bourgeois "" التي كان لها فى القرون الوسطى نفس معنى كلمتنا " burger " (تعنى فى اللغة الالمانية: اهل المدينة، شخص ميسور الحال، او مواطن – المترجم)، اتخذت فى مجرى الزمن والتطور الاقتصادى تدريجيا معنى " راسمالى كبير "، بينما نستعير نحن الالمان للفكرة الاخيرة الكلمة الفرنسية " bourgeois" ولكننا نستخدم ايضا الكلمتين الالمانيتين " burger " و" burgerlich " دون ان نلاحظ الفارق. ومن ثم ينشأ التباس اللغة الذي يمكن ان يفضى لا ى شيء عدا وضوح المفهوم. نحن نتحدث عن المجتمع ال "burgerlich " ونعنى المجتمع البورجوازى الرأسمالى الحديث. ونتحدث عن الروح ال " burgerlich "، والحرية ال " burgerlich"، ونعنى الروح الديموقراطية للحرية التي كانت لدى المواطنين فى الازمنة القديمة حينما كانوا يحاربون الكهنة وامراء الاقطاع، وهى الروح التي تتعارض تماما، على اية حال، مع الروح الراسمالوية، ومن ثم الرجعية، والمواطنين الذين يدللون الكهنة وملاك الارض، او بورجوازية اليوم.
ان صواب ما يسمى بالمفهوم المادى للتاريخ، الذي يعتبر ان التطور السياسي يعتمد على الاقتصادى، لا يمكن ان يخطر فى ذهننا بشكل مقنع وصارخ باكثر مما يدلل عليه التغير الذي حاق بالبورجوازية خلال مجرى القرن التاسع عشر. يمكن لنا ان نبين باكبر قدر من الدقة كيف ادى تغير علاقات الانتاج الى تغير فى النظرات والمواقف السياسية للبورجوازية. كانت كل خطوة للامام فى التقدم الاقتصادى خطوة للامام فى تطور التناقضات الطبقية وخطوة فى اقتراب البورجوازية ناحية اعداءها القدامى، ملاك الارض والكهنة، وخطوة فى تخطى البروليتاريا الناهضة، التي لا بد لها من اجل تحقيق تحررها ان تدافع عن الحقوق المتساوية لكل البشر والمبادئ الديموقراطية التي سبق وان دعمتها البورجوازية. فى اللحظة التي تتقدم فيها البروليتاريا الى الامام بوصفها طبقة منفصلة عن البورجوازية ولها مصالح متعارضة معها، تكف البورجوازية من هذه اللحظة عن ان تكون ديموقراطية. يتحقق هذا فى بلدان القارة الاوروبية بطريقة نموذجية تماما فى فترة توصف عادة بانها ثورية بامتياز – فى فترة ثورات فبراير ومارس. والتناقض هو تناقض واضح فحسب. لقد كانت ثورة فبراير انتصارا متأخرا للمثالية البورجوازية التي اثارت المصالح المادية للواقعية البورجوازية لحد التناقض، والتعارض والرجعية. ان الانفجار السابق لا وانه للثورة البروليتارية (فى معركة يونيو 1848، فى باريس)، الذي اعقب الانفجار المتأخر للثورة البورجوازية، ساق البورجوازية الى جانب عدوها الموروث، لا نها توقعت فى انتصار البروليتاريا سقوط الراسمالية. انتخب نابليون رئيسا فى فرنسا، وفى المانيا تطلعت البورجوازية وهى فى شهر عسل ثورة ما رس الى مخلص يكبح جماح الشبح الاحمر. وهكذا فان " الرجعية السوداء " التي اعقبت ثورتنا فى 1849، كانت فى الواقع ببساطة الطابع الحقيقى لهذه الثورة، وقد نزع عنها رداءها الخادع من الجمل الرائعة المموهة. كانت البورجوازية مضطرة تحت حكم الراسمالية لا ن تصبح رجعية من الناحية السياسية بقدر ما كانت راسمالوية او خضعت للنفوذ الراسمالوى. كانت " الرجعية السوداء " التي انتشرت منذ نصف قرن مضى فى القارة الاوروبية، ضرورة تاريخية مثلها تماما مثل الرجعية الاسود لسياسة التعرج الملتوية الراهنة لقانون السجون الذي فرضته الراسمالية علينا فى نوبة يأس.
لم تمر البورجوازية الالمانية ابدا بمرحلة التطور الليبرالى
حيث تطورت البورجوازية فى المانيا بشكل متأخر عنها فى انجلترا وفرنسا، والتي لم يسبقها، كما حدث فى هذين البلدين، فترة من الازدهار الاقتصادى للبورجوازية وكذلك بعلو مكانتها السياسية، تعين على كامل التطور السياسي ان يتخذ طابعا آخر. هناك نظفت التربة من العفن والتخلف، اما هنا فنعاين الأوضاع احدث الحديثة، حديثة مثل فرنسا وانجلترا، فى وسط العفن القروسطى والتخلف، يقترن النمو الصحى مع الطفيلى الذي يمتص الحياة من كل شيء يمسكه بزوائده الذي يحيا فقط على الموت والعفن وهو ما ينبغى استئصاله وقطعه حتى نحول دون ان يضحى بالصحى والنامى لصالح الميت. ان البورجوازية الالمانية، التي كانت تغفو غفوة العجز فى وقت طبعت فيه بورجوازيات البلدان الاخرى الدولة بطابعها، لا تملك حتى الآن القوة لتنزع وتستأصل النبات الطفيلى الرومانسي الذي يحمل الموت الذي يتمثل فى طبقة كبار الملاك وشبه بربرية القرون الوسطى.
ان عجز المواطنة الالمانية فى الماضى والحاضر هو ما يميز الحياة السياسية فى المانيا عنها فى البلدان المتقدمة الاخرى، وقد القى هذا العجز على عاتق البروليتاريا الالمانية مهمة ألاتقتصر فقط على حل مهامها البروليتارية الأصلية، وانما ان تنجزايضا المهام التي لم تقم بها بورجوازيتنا. تتحدد التاكتيكات بطبيعة الظروف. بقدر ما تكون البورجوازية راسمالوية، فعلينا ان نحاربها، وبقدر ما تعارض البورجوازية الراسمالية والرجعية التي تحميها وتساعدها، فعلينا اما ان ندعمها ايجابيا او على الاقل لا نتخذ منها موقفا عدائيا، ما لم تقف فى مرمى نيراننا، مثلما هو الحال فى انتخابات الرايشستاج حينما يتنافس اشتراكى ديموقراطى مع بورجوازى.
بغض النظر عن الفصل التمثيلى للسيد فون شفايتزر، فان الاشتراكية الديموقراطية قد اتبعت بثبات وبوعى التاكتيكات الموصوفة فى البيان الشيوعى، بتوجيه هجومها الرئيسى نحو الرجعية السياسية وبمد يد العون للبورجوازية، بقدر ما تكون ليبرالية او ديموقراطية، فى حربها ضد الرجعية السياسية، ولم تلق بنفسها الى جانب الرجعية السياسية فى نضالها ضد البورجوازية. ومن الضرورى التأكيد على هذا لا ن برنشتين فى جداله المكتوب ضد الحزب الاشتراكى الديموقراطى فى المانيا، الذي جرى مدحه والايصاء به على نحومريب، قد اتهمنا بشيء هو الخرافة القديمة المفضلة لا يوجين ريختر، اى، اننا عارضنا البورجوازية الالمانية بعمى لصالح الرجعية السياسية ونفرناها وارعبناها للغاية حتى انها فى ثورة مخاوفها احتمت واستظلت باجنحة دولة الملكية العقارية الرجعية، الشرطوية، والعسكرية. لا يمكن ان نجد انكارا فظا للحقيقة اكثر مما فى هذا القول.
اخفاق الحزب التقدمى
لم يكن هناك فى زمن الصراع الدستورى الكبير فى الستينات حزب اشتراكى جدير بالكلام عنه. لم يتعد اتحاد العمال الالمان العام فى المانيا كلها فى عام 1864،فى الوقت الذي قتل فيه لا سال فى مبارزة مع النبيل الفالاشى راكوفيتز، 5،000 او 6،000 عضوا على الورق، وفى الواقع كان اقل. لم يكن من الممكن لهذه العصبة القليلة ان تخيف الحزب التقدمى حتى تفقده صوابه، رغم اننا نقيس شجاعة الاخير بالمقياس الميكروسكوبى لشجاعة الارنب التي تلائم البورجوازية الالمانية. مع ذلك فقد استسلمت لبيسمارك، وبعد نجاح الحرب الاهلية فى 1866 منحته مكافأة وخنعت لنير كودين الذي نصبه. وادعاء ان الاشتراكية الديموقراطية تلام على ذلك امر يدعو ببساطة للسخرية. حقيقة لقد هاجم لا سال البورجوازية بحدة شديدة، لكنه حين فعل ذلك لم يلق سوى تعاطف ضئيل فى اوساط العمال الالمان. وبالرغم من ان لا سال فى معارضته للحزب التقدمى ربما اقترب عرضا الى حد ما من السياسة الرجعية البسماركية، غير انه لا يجب ان ننسي انه وقف فى بداية الصراع الدستورى فى صف الحزب التقدمى وانفصل عنه فقط حينما رفض بعناد ان يواصل النضال بجدية رغم طلبه المتكرر ان يفعل ذلك.
لم يكن لدى البورجوازية الالمانية – وهذا هو مفتاح سلوكها غير المسؤول – فى عام 1862 اكثر مماكان لديها فى 1848 وماقبله، اى مقومات الثورة السياسية. لقد خشت – كما قلت لا حد قادة الحزب التقدمى مواجهة فى بداية عام 1863 -- لقد خشت الثورة اكثر مما خشت الرجعية. وبسمارك باحتقاره الساخر للبشر وبمساوماته البارعة سرعان ما حقق هذا الواقع. لم يقم بسمارك وزنا للحزب التقدمى بوصفه " ذو نفوذ " وكلما كان وقحا اكثر فى تعامله معه كلما كان اسهل عليه تطويعه. ان تعتبر الاشتراكية الديموقراطية مسؤولة عن خيانة الحرية التي قام بها الحزب التقدمى البروسي ليس اهانة فقط للحقيقة التاريخية، وانما ايضا يشير لعدم فهم كامل للدور الذي لعبته البورجوازية الالمانية منذ العصور الوسطى.
اننى اضع ببساطة واقعتين جانب بعضهما البعض: حين وقف الحزب التقدمى بكامل قوته والتف حوله الشعب فى فترة الصراع الدستورى، استطاع بسمارك الذي كان فى مستهل مساره المهنى ان يسقطه بأسهل الطرق. وفى فترة القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين، حينما كان بسمارك فى ذروة قوته ومعه كل موارد الرأسمالية وكان يمارس دكتاتورية بورجوازية، اسقطته الاشتراكية الديموقراطية بأسهل الطرق، رغم ان كل الاحزاب السياسية كانت ضده. يظهر هذا وحده من يستطيع ان يحارب الرجعية ومن لا يستطيع.
لايعفينا بؤس البورجوازية، على اية حال، من واجب مساعدتها، حيثما تعارض الرجعية بشكل جاد، شرط الا تتأثر مصالحنا بذلك. وقد قمنا بهذا بدون استثناء منذ ان دخلت الاشتراكية الديموقراطية المجال كحزب مستقل. بالنسبة لنفسي، احتاج ان اذكر فقط حقيقة اننى طردت من بروسيا لا ننى احبطت محاولة بسمارك لسحق الحزب التقدمى بمساعدة الاشتراكيين بوضعه بين حجرى الرحى. استطيع ان اقول بضمير خالص اننى فى كل نضالاتى ضد الرجعية البسماركية قد قاتلت من اجل الحرية السياسية. وفى كراسي الذي يقتطف منه غالبا حول الموقف السياسي للاشتراكية الديموقراطية اكدت على الطابع الديموقراطى لحركتنا ليس بقدر اقل مما فعله برنشتين مؤخرا، الذي يوصى لنا وكأنه ما ركة حكمة جديدة ما نمارسه لما ينوف عن ثلاثين عاما.
كراسى حول التاكتيك
لابد ان اقول كلمة هنا حول كراسي المذكور اعلاه حول التاكتيك.لقد القيت الخطاب الذي صدر عنه فى عام 1869 فى زمن الاتحاد الكونفدرالى الالمانى، وكان هذا ترتيبا مؤقتا ولم يكن من الممكن له ان يستمر وكان لا بد ان ينتهى بكسر سياسة بسمارك البروسية العظمى او بانتصارها باتحاد مع الولايات الالمانية الجنوبية عدا النمسا. كانت التاكتيكات التي فرضت علينا بمنطق الوقائع فى هذه الحالة المؤقتة او الفاصل هى تاكتياكات المعارضة بأى ثمن. ادخل بسمارك حق اقتراع عام من النموذج البونابرتى، الذي لم يكن ليؤسس لسيادة الشعب، ولكن ليحجب دكتاتوريته الاستبدادية. وكما وجه نابليون بضبطه حق الاقتراع العام الوجهة التي يرضاها، ظن بسمارك من ثم ان بمستطاعه ان يفعل نفس الشيء من خلال مستشاريه المحليين. لقد بدا له كأداة اسهل فى التعامل من النظام الانتخابى على ثلاث درجات، الذي سيطرت عليه البورجوازية، وفى درجتيه الاوليتين التي خلقت منهما حصنا منيعا.
ان تاريخ النظام الانتخابى البروسي على ثلاث درجات يثير الاهتمام لا نه يظهر بشكل غاية فى الوضوح كيف يمكن لا شد المخططات السياسية التي يضعها الرجعيين براعة ان يطاح بها بواسطة التطور الاقتصادى وتتحول بشكل مؤقت بحيث يكون لها اثر عكسي للذى قصد منها. صممت بدهاء بارع لتستبعد كل العناصر المعارضة او الديموقراطية، وقد لبت هذا الطلب تماما، لعقد من الزمان، حتى بلغنا يوم جميل بدأت فيه البورجوازية بعد ان باتت قوية اقتصاديا وبعد ان استثارتها عربدة ملاك الارض ودهاء الشرطة، بدأت تشعر بقوتها السياسية، لقد وقعت على فكرة انه يكفى ان تريد شيئا حتى تحصل على اغلبية فى الدرجتين الانتخابيتين الاوليتين، ومن ثم تحرز انتصارا فى انتخاب المندوبين. لقد جعلت الفكرة واقعا، ولعن الامير بسمارك الآلية التي رفضت ان تطيق العمل بالشكل الذي توقعوه منها، اصبح النظام الانتخابى على ثلاث درجات عندئذ " اشد نظام من بين النظم الانتخابية بؤسا "، لكن من ناحية اخرى، فان حق الاقتراع العام المتساوى المباشر، هذا الرب كن معنا لعام 1848 " العام المسعور "، والذي اظهر فى فرنسا النابليونية هذه النتائج الرائعة اشرق الآن بوصفه انعتاقا مبهرا من الدولة والمجتمع من خلال القيصرية.
وهكذا حصلنا على حق الانتخاب العام، ولسبب آخر ايضا. ان الثورة الاقطاعية الامبراطورية من اعلى التي شذبت سياسة بسمارك " القومية "، كان يمكن لها ان تظل معلقة فى الهواء اذا لم يكن قد اضفى عليها على الاقل مظهر الثورة من اسفل. لقد كان فى حاجة للشعب ولو بوصفهم دمى فقط ولم يكن هناك طعم (صيد) افضل من الانتخاب العام لسنة 1848. لقد وحد الثورة البسماركية من اعلى مع ثورة 48 من اسفل ووضع الجماهير الغافلة فى وهم ان بروسيا قد توسعت على حساب المانيا وتحولت الى دولة كبار ملاك، بوليسة، عسكرية.، وان ذلك كان تحقيقا للديموقراطية الالمانية. نحن نعرف اليوم كيف تجذر هذا الوهم عميقا، وقد تطلب الامر عقودا من الحكم السئ الفظ حتى يمكن اقتلاعه مرة اخرى.
لكن هناك شيء واحد اخطأ بسمارك فى حسابه، وهو قوة الفكرة الثورية. ما كان ممكنا فى فرنسا بعد معركة يونيو، التي دفعت البورجوازية كلها نحو اشرس النزعات رجعية، لم يكن ممكنا فى المانيا حيث كانت قوة الدولة غير ممركزة بشكل وثيق، وقد نمت حركة طبقة عاملة عفية غذاها تطور البورجوازية التي صممت على استغلال الازمة القومية والامبراطورية والصراعات فى صالح البروليتاريا لجعل الاشتراكية هى القوة الحاسمة فى المانيا ومساعدتها على احراز النصر والسيادة. لقد حظت البروليتاريا الالمانية بميزة انها قادرة على استخلاص الدروس العملية من الحركة العمالية فى الاقطار الاخرى التي كانت (ومازالت) تسبق المانيا فى التطور السياسي والاقتصادى. وكان ايضا من حظها الطيب الإستثنائي ان يقودها فى مجال العمل السياسي معلموها العظام، ما ركس، وانجلز ولاسال، بدءا من استهلال مسيرتها. وقد تفادت اخطاء النزعة الاتحادية البسيطة والخالصة من ناحية، ومن الافتقار للغرض والخطة والتآمر البورجوازى الفوضوى والصراخ من اجل الثورة بكل ما فى الكلمة من معنى من ناحية اخرى. رغم ان الطبقة العاملة الالمانية فى 1867، حينما طبق الانتخاب العام، كانت ولمدى ضئيل فقط واعية طبقيا، مع ذلك فقد كانت الطبقة الوحيدة التي رات وكان الحزب الاشتراكى الحزب الوحيد، الذي رأى بوضوح معنى التصويت وقيمة الانتخاب. بل كان هناك قدرا قليلا من المغالاة فى تقديره، لكن هذا كان مفيدا لا نه اشعل الحماس.
اذا كان الامير بسمارك قد داعبه الامل بأن الانتخاب العام يمكن ان يستغل وفق الأسلوب النابليونى وأن الرايشستاج سوف يبقى ما اسميته فى 1887، ورقة التين التي تستر جزئيا الصورة العارية للحكم المطلق، فان الاساس السياسي لهذا الامل قد اطاح به توسع الاتحاد الكونفدرالى لشمال المانيا فى الامبراطورية الالمانية. ان اقصى نجاح للسياسة البسماركية حمل داخلها بذرة سقوطها وافلاسها. ما ذا كان يمكن للروح العسكرية البروسية والبوليسية سيئة السمعة ان تمنع لزمن غير محدد ضمن نطاق الاتحاد الكونفدرالى لشمال المانيا، اى: نشوء ونمو حركة شعبية مستقلة، لم يكن من الممكن منع هذا فى المجال الأكبر للامبراطورية الالمانية. ان قوة الشعب لا يمكن ان تقهر وغيرة " الامراء الاتحاديين " ازاء السيادة البروسية ساعد قدما، حتى ان اشجار قيصرية بسمارك الاقطاعية لم تستطع ان تصوب عاليا مثل اشجار قيصرية نابليون المضبوطة.لم يكن ممكنا بأى اغراء ان ينتزع من العمال وعيهم بعدم انفصال الاشتراكية عن الديموقراطية ولاالديموقراطية عن الاشتراكية.
" السؤال " (هكذا بدأت خطابى فى 1869) " عن اى موقف يتعين على الاشتراكية الديموقراطية ان تتخذه فى النضال السياسي، يجاب عليه ببساطة ويقين اذا ما امتلكنا مفهوما واضحا عن عدم انفصال الديموقراطية عن الاشتراكية. الاشتراكية والديموقراطية ليسا نفس الشيء، لكنهما تعبيران مختلفان عن نفس الفكرة الجوهرية. وينتمى كل منهما للآخر ويحيط بالآخر، ولايمكن ان يتناقضا الواحد مع الآخر. الاشتراكية بدون ديموقراطية هى اشتراكية زائفة، وكذلك ديموقراطية بدون اشتراكية هى ديموقراطية زائفة. الدولة الديموقراطية هى الشكل الممكن الوحيد لمجتمع منظم اشتراكيا. خدمت هذه الحقيقة، اى عدم انفصال الديموقراطية عن الاشتراكية الطبقة العاملة الالمانية بوصفها دليلا موثوقا وسط الثشوش الكبير للأمور السياسية، حتى ان خطر ضحالة اشتراكية الدولة التي كانت الرجعية البروسية، تتجه اليها حتى فى الاربعينات لصالح نموذج دولة عسكرية بوليسية،قد جرى تفاديها والتي لم تكن بالطبع سوى اشتراكية عسكرية بوليسية اسميت بالتورية اشتراكية دولة. ان مغالطات فاجنر وفون شفايتزر القائلة بأن هناك شيء ما بورجوازى فى الديموقراطية، وان الاشتراكية، لا نها موجهة ضد المجتمع البورجوازى، لا بد ان تكون نتيجة لذلك معادية للديموقراطية، قد شوشت، كثيرا من الناس فى زمن شفايتزروهذا حقيقى، لكنها لم تجد قبولا بين جمهرة العمال. هذا المنطق الزائف قد طفح فجأة مرة اخرى مؤخرا بصدد الجدل المعروف حول الميليشيا، لكن لم يعد له اى معنى.
ماهى المساومة؟
قبل ان نتوغل لا بد ان نمتلك فكرة واضحة عن معنى كلمة " مساومة " والا بات كل جدل حولها بلاغرض تماما وبلا نتيجة، لا ن كل منا سوف يكون فى ذهنه شيئا مختلفا مما يترتب عليه انه ما من احد سوف يستوعب براهين الآخر. اذا فهمنا المساومة على انها تنازل النظرية للمارسة، لكان معنى هذا ان كل حياتنا وكامل نشاطنا هى مساومة وكل التاريخ الانسانى وتاريخ النوع من حياة الفرد لحياة الامم والبشرية هى سلسلة لا نهاية لها لم تنقطع من المساومات. ان مفهوم التاريخ القائل بضرورة البدء بصفحة بيضاء Tabula rasa، اى بكنس وتنظيف يجرى مؤقتا ويجب ان يجرى من اجل بدء نظام وادارة جديدين، هو امر غير علمى لا قصى درجة ويقف فى اقصى درجات التناقض المباشر مع التجربة. ان نظرية الكنس والتنظيف هى شبح يوجد اليوم فقط فى رؤوس سياسيي الشرطة الذين يتهموننا باننا نريد ان " نهدم " كل شيء لا يناسب مخططاتنا. وعلى ذلك فان هؤلاء السادة يصدرون حكما على انفسهم، لا نهم يظنون انهم من يملكون تلك القوة السحرية القادرة على " هدم " اى شيء وكل شيء نسجه وينسجه طيف الزمن الابدى، اذا ما تصادف انه صنع دون الحصول اولا على تصريح من رئيس الشرطة. يعرض واضعى القانون المناهض للاشتراكيين وقانون السجون بنشاطهم الغبى فقط جهلهم الذي لا حد له. ان القوانين العضوية التي يقوم عليها النشاط السياسي لا يمكن تغييرها بشكل تحكمى او الغاءها، الا بقدر ضئيل يساوى ما يمكن ان نفعله بالقوانين التي ينمو فى ظلها الحيوان او النبات. ان من يتدخل فيها بالعنف يمكن له فقط ان يربك ويدمر، كان هذا دائما هو الاثر الذي احدثه سياسيي الشرطة. ما ذا يقول هؤلاء السكيرون الذين يسمون انفسهم " رجال دولة " ضدنا نحن الاشتراكيين الديموقراطيين، يقولون، اننا لا نستطيع ان نخلق شيئا، انما ان ندمر فقط وهذا ببساطة هو انعكاس لتصرفاتهم وافعالهم، ليس هناك ما يتهموننا به من الذنوب والخطايا التي لا حصر لها، واحدة منها لم تكن فيهم.
وقد اضيف مثلا جديدا للامثلة القديمة، سوف اشير ببساطة الى التهمة، التي ظلت نمطية لمدة عشرين عاما، وهى، ان الاشتراكية الديموقراطية تهدف لا قامة ديكتاتورية بروليتارية.الحقيقة هى انه منذ معركة يونيو فى باريس، اى منذ واحد وخمسون عاما قامت لدينا بالفعل فى قارة اوروبا ديكتاتورية البورجوازية. ديكتاتورية مورست بالسيف والنار ضد الطبقة العاملة، التي تمخضت عن مجازر الكومونة المريعة، ومئات من المجازر الاصغر للعمال، ديكتاتورية تمتد لحرمان الطبقة العاملة من حق التصويت وحرمان الطبقة العاملة ليس فقط من التمتع بالحقوق السياسية، بل حتى من الحقوق القانونية البسيطة، ديكتاتورية عبرت عن نفسها فى دزينات من القوانين الاستثنائية والقوانين القهرية والتي علينا نحن الالمان ان نشكرها من اجل القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين، قانون السجون ومراسيم بقوانين الطبقة مثل حكم لوبيتو وحكم الحنث باليمين فى مدينة اسن. واذا قدر ل " الملك شتوم "، وهو الآن ملك فى عالم " الاصلاح الاجتماعى "، ان يحقق غرضه بابادة كل منظمة للعمال، فما يمكن ان نقارنة مع هذه الديكتاتورية سوف يكون ديكتاتورية مثل ديكتاتورية ما ريوس او سولا او الجمعية الفرنسية لا عوام 1792 – 1794؟ ان السلطة السياسية التي تستهدفها الاشتراكية الديموقراطية والتي سوف تنتصر، بغض النظر عما يمكن ان يفعله اعداؤها، ليس غرضها تأسيس ديكتاتورية البروليتاريا وانما قمع ديكتاتورية البورجوازية، مثلها فى ذلك مثل الصراع الطبقى الذي تقوم به البروليتاريا الذي ليس سوى صراع مضاد دفاعا عن النفس لمقاومة الصراع الطبقى للبورجوازية ضد البروليتاريا، وانتهاء هذا الصراع بانتصار البروليتاريا سوف يكون الغاء للصراع الطبقى فى كل اشكاله.
نحن الاشتراكيون الديموقراطيون نعلم ان القوانين التي يعمل وفقا لها التطور الاجتماعى والسياسي لا يمكن ان تتغير او توقف من قبلنا فضلا عن ان تفعل ذلك سلطات المجتمع الراسمالى. نحن نعلم اننا لا يمكن ان ندخل وفق ارادتنا الانتاج الاشتراكى وشكل اشتراكى للمجتمع اكثر مما كان بمقدور القيصر منذ تسعة اعوام مضت ان ينفذ اعلانات فبراير ضد ممثلى الصراع الطبقى الراسمالوى. لذلك كان بمستطاعنا ان نراقب ببسمات غير مبالية محاولة خصومنا لسحق الحركة العمالية بالقوة. لقد كنا ومازلنا واثقين فى نجاحنا مثل وثوقنا فى حل مسألة حسابية. لكننا نعرف ايضا ان تحول العلاقات رغم انه يجرى بلاتوقف فانه يجرى تدريجيا لا نه حركة عضوية، وهو يجرى ايضا، دون تدمير العلاقات القائمة (ازالة الميت ليست تدميرا). ان تدمير الموجود، الحى، مستحيل بصفة عامة. لقد رأينا ذلك بوضوح فى الثورة الفرنسية، التي يحتمل انها كانت الافضل تخطيطا والتي نفذت بأقصى حمية مقارنة بكل الثورانات السياسية، لكن مع ذلك بعد ان مضت " الفترة الذهبية " من تلمس طرقها الايديولوجية واوهامها الخيالية والطوباوية، كانت مجبرة على ان تأخذ الاشياء كما كانت وان تكيف الجديد للقديم. قد يكون من الممكن عرضا فى الاندفاعة الاولى ان تزاحم الحى، لكن التاريخ يعلمنا ان اشد الحكومات ثورية او رجعية تضطر فى النهاية بمنطق الوقائع لا ن تخضع وان تعترف ربما فى شكل آخر، بذلك الذي ازيل على نحو ميكانيكى وغير طبيعى. بايجاز، اذا نظرنا تاريخيا فان الحاضر، كقاعدة، هو مساومة بين الماضى والمستقبل.
وعلى ذلك فان رفض مساومة من هذا النوع هو حماقة غير علمية. وتكون حماقة عملية لحزب سياسي ان اخفق فى ان ينتزع مزايا من فرص الحياة السياسية وان يوظف لصالحه منازعات الاحزاب المتعارضة. تتطلب الحكمة ذلك، وليست المبادئ موضع مساءلة. سوف يكون من الحماقة افتراض التزامات بحيث لا يقام بما تتطلبه الحكمة. حتى اننا، نحن الاشتراكيون الديموقراطيون فى الرايشستاج نصوت احيانا فى مسألة اقتصادية اجتماعية مع المحافظين لصالح الحكومة، وفى المسائل السياسية والتجارية نصوت مع الراديكاليين ضد الحكومة، وهذا متطلب عام فى الحرب السياسية. رغم ان ذلك بلاشك مساومة بين النظرية والممارسة، فليس له صلة على الاطلاق بالمساومات التي اعلن الحزب مرارا انه يقف ضدها بوضوح وبشكل لا مواربة فيه. ما كان فى عقل الحزب وماجعله بقرارته الرسمية واجبا على اعضاءه تمثل فى تجنب التحالفات، والاتفاقات، والترتيبات، والمعاقدات، او اياماكان يمكن ان تسمى، التي قد تتضمن تفريطا فى المبادئ او بصفة عامة تغييرا فى علاقة حزبنا بالأحزاب البورجوازية بطريقة ضارة بنا. يجب ان نؤكد على هذه المسألة الاخيرة بصفة خاصة لا ن المسألة تتوقف مبدئيا على ذلك. فى الجدال حول المشاركة فى الانتخابات التشريعية البروسية كانت المسألة المطروحة على وجه الحصر هى تلك المسألة الاخيرة، لا نه لا احد من هؤلاء الذين دافعوا عن المشاركة راودته ادنى فكرة عن التضحية بمبادئ الحزب فى تحالف مع الحزب التقدمى، على انه لا ينبغى تجاهل ان مسائل التاكتيكات تتحول بسهولة شديدة الى قضايا مبدأ.
اذا تطلبت ظروف وضرورات الموقف التعاون مع الاحزاب الاخرى، يمكن تحقيق ذلك دائما بلا مساومات. آخذ على سبيل المثال بلجيكا. كان للحزب الليبرالى هناك مصلحة مشتركة مع الحزب الاشتراكى فى محاربة الكهنوتيين. اتحد الحزبان وعملا معا حتى مدى معين. كان يمكن عمل هذا حتى بدون اى اندماج. لكن ذلك جرى عبر الاندماج، فماذا كانت النتائج؟ مشاجرات ومنازعات. لقد تبين ان الاندماج زائف واصطناعي تماما. حينما تم تجاوز هذا المدى، طرحت مسألة لا ى مجموعة مصالح وجد ولمن مجموعة المصالح، كان يمكن بدون اى اندماج، حفز العمل المشترك، لكن آنذاك توقف العمل المشترك. اذا لم يكن الوعى الطبقى قويا بما يكفى وسط العمال، فانه قوى وسط سادة البورجوازية، الذين تنغرس فيهم الغريزة الطبقية بشكل اكثر فعالية مما هى فى العمال.وهذا حقيقى حتى فى الأقطار التي لديها قوانين ومؤسسات ديموقراطية. اننى اشير لا نفصال البورجوازيين الديموقراطيين والاشتراكيين فى سويسرا، وهى الدرادو برنشتين، حيث وفقا لمذهب برنشتين ينبغى ان تختفى التطاحنات الطبقية تماما على نحو دقيق، لكننا نعلم انها توجد قوية هناك تماما مثلما توجد فى اقل البلدان ديموقراطية. لكن لا يمكننا ان ننكر ان حدة الصراعات الطبقية تقللها المؤسسات الديموقراطية.
فى بلجيكا بمؤسساتها الحرة من ناحية وحكومتها التي يسيطر عليها الكهنة من ناحية اخرى، وجدت التحالفات الانتخابية بين الاشتراكية الديموقراطية والاحزاب البورجوازية حتى الآن تربة خصبة. وكيفما كان الامر، ففى كل التحالفات التي تشكلت هناك كان حزبنا فى موضع القيادة. ولم يكن من الممكن استغلاله او خداعه. ومع ذلك فقد تردد الرفاق البلجيكيون بصدد المساومات. كتب الرفيق فاندرفيلده فى جريدة فينر اربيترتسيتونج يرحب بادخال النظام النسبي فى بلجيكا بوصفه نهاية التحالفات الانتخابية. وهو يكتب " لن تدخل بعد ذلك فى المستقبل العوامل الثانوية فى الصراع الطبقى، سوف تختفى الموضوعات الجانبية المشوشة التي تجعل من العسير على الجماهير ان تدرك حقيقة الصراع الطبقى ". لقد اكتشف الصديق فاندرفلده من ثم ان المساومات، حتى عندما تحدث فى ظل اوضاع وظروف مواتية لا قصى حد بالنسبة للعمال، لها اثر ضار لا نها " تجعل من العسير على الجماهير ان تدرك حقيقة الصراع الطبقى "، بمعنى آخر، ان التحالفات بابعادها العمال عن ارض الصراع الطبقى تنتزع منهم امكان تطوير قوتهم القصوى التي يعتمد عليها. فهم قادرون على عمل ذلك استنادا لخطة الحزب فى الصراع الطبقى.
ان ضرر المساومات لا يتمثل فى خطر الخيانة الرسمية او تجنيب مبادئ الحزب. من المحتمل ان هذا لم يقصده احد فى حزبنا. حتى عندما صوت رفاقنا فى مدينة اسن فى الانتخابات قبل الاخيرة ل " مدفع الملك " من باب النكاية، لم يرد فى خاطرهم ان يفرطوا حتى فى ذرة واحدة من برنامجنا. ان خطر وجذر الشر لا يكمن هنا. انه يكمن فى التخلى عن، او ابعاد او نسيان قاعدة الصراع الطبقى، لا ن هذا هو منبع كل الحركة العمالية الحديثة. من الضرورى هنا ان نميز بشكل قاطع، والا تضللنا الشعارات، بايجاز، لا بد ان نتحرر من الجمل، كما قلت منذ عقد مضى، حين اشرت للانشاءات اللفظية الفوضوية، التي تبدو وكأنها ثورية، لكنها فى الواقع نزعة رجعية ضئيلة مضجرة، قدوم متأخر لكاريكاتير المثال البورجوازي عن الحرية والمسخرة المسرحية للمنافسة الحرة التجارية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1 – حول الموقف السياسي للاشتراكية الديموقراطية، بالإشارة خاصة الى الرايشستاج،برلين 1893، دار نشر فورفارتس.
2 – الصراع الطبقى فى فرنسا، 1848 -50، مع مقدمة انجلز، برلين 1895، دار نشر فورفارتس.

 -;-
القسم الثانى
الاشتراكية والاخلاق
الاشفاق على الفقراء، والحماس للمساواة والحرية، الاعتراف بوجود ظلم اجتماعى والتطلع لا زالته، ليس اشتراكية. ادانة الثروة وتبجيل الفقر، مثلما نجد فى المسيحية وديانات اخرى، ليس اشتراكية. ان شيوعية الازمنة الأولية، كما كانت قبل وجود الملكية الخاصة، وكما كانت فى كل الازمنة ووسط كل الشعوب الحلم المراوغ لبعض المتحمسين، ليس اشتراكية. المساواة الاجبارية التي يروجها انصار بابوف الذين يسمون المتساوين ليست اشتراكية.
هناك افتقار فى كل هذه التظاهرات للاساس الحقيقى للمجتمع الراسمالى بتطاحناته الطبقية. الاشتراكية الحديثة هى طفل المجتمع الراسمالى وتطاحناته الطبقية وبدونها لا يمكن ان يوجد. الاشتراكية والاخلاق شيئان منفصلان. لا بد ان تقر هذه الحقيقة فى أذهاننا.
ان كل من يتصور الاشتراكية بمعنى النزوع العاطفى لحب البشر والتطلع للمساواة الانسانية، بدون امتلاك فكرة عن وجود المجتمع الراسمالى، ليس اشتراكيا بمعنى الصراع الطبقى، الذي لا يمكن بدونه التفكير فى الاشتراكية الحديثة. مما لا ريب فيه فان برنشتين مع الصراع الطبقى اسميا – مثله مثل فلاح منطقة هيس الذي يناصر " الجمهورية والدوق الاعظم " معا. ان كل من توصل لوعى تام بطبيعة المجتمع الراسمالى واساس الاشتراكية الحديثة، يعرف ايضا ان الحركة الاشتراكية التي تهجر اساس الصراع الطبقى يمكن ان تكون اى شيء آخر، الا ان تكون اشتراكية.
اساس الصراع الطبقى هذا الذي قدمه ما ركس – وهذا هو فضله الخالد – للحركة العمالية الحديثة، هو موضع الهجوم الرئيسي فى المعركة التي يشنها الاقتصاد السياسي البورجوازى ضد الاشتراكية. الاقتصاديون السياسيون ينكرون الصراع الطبقى ويصنعون من الحركة العمالية قسما فقط من الحركات الحزبية البورجوازية، والاشتراكية الديموقراطية قسما فقط من الديموقراطية البورجوازية. ان السياسة والاقتصاد السياسي البورجوازى يوجهان كل جهودهما ضد الطابع الطبقى للحركة العمالية الحديثة. اذا كان من الممكن فتح ثغرة فى هذا الحصن، فى قلعة الاشتراكية هذه، فهذا يعنى ان الاشتراكية الديموقراطية قد هزمت، وان البروليتاريا قد القى بها ظهريا تحت سلطان المجتمع الراسمالى. مهما كانت تلك الثغرة صغيرة فى البداية، فللخصم قدرة على توسيعها مع يقين بالنصر النهائي. ويكون العدو فى غاية الخطر حين يأتي كصديق لحصننا، حين يتسلل تحت ستار الصداقة، ويعترف به كصديق ورفيق.
ان العدو الذي يأتينا وقد رفع خوذته نلقاه بابتسامة، ومهاجمته سوف تكون لعبا بالنسبة لنا فحسب. ان اعمال العنف الوحشية الغبية لسياسيي الشرطة وانتهاكات القانون المناهض للاشتراكيين، والقوانين المناهضة للثورة، قوانين السجن – هذه تثير فقط احتقارا شفوقا، العدو، على اى حال، الذي يمد يده الينا من اجل تحالف سياسي، ويتطفل علينا كصديق وأخ – هو وهو فقط من ينبغى ان نخافه. يمكن لقلعتنا ان تصمد لا ى هجوم – وهى لا يمكن ان تقصف كما لا يمكن ان يستولى عليها منا عنوة بالحصار – يمكن لها ان تسقط فقط حينما نفتح نحن انفسنا ابوابها للعدو وندخله فى صفوفنا كرفيق. ان حزبنا الذي نمى فى معمعان الصراع الطبقى، ما زال يرتكزعلى الصراع الطبقى كشرط لوجوده. من خلال وبهذ الصراع لا يمكن هزيمة الحزب، وبدونه يضيع الحزب، لا نه سيكون قد فقد مصدر قوته. ان من يخفق فى ان يفهم هذا او من يظن ان الصراع الطبقى موضوع ميت، او ان التطاحنات الطبقية تنمحى تدريجيا، يقف على ارض الفلسفة البورجوازية.
ان المناقشة الراهنة حول التاكتيكات فى صلتها بالاشتراك فى انتخابات الهيئة التشريعية البروسية، قد جرت مقارنتها بالمناقشة التي جرت بين اعضاء الرايشستاج الاشتراكيين الديموقراطيين فى منتصف الثمانينات فيما يتعلق بالاعانة المالية للبواخر. اذا عاين احدهم الامر بشكل سطحى فقط، ستبدو المقارنة قريبة بشكل صارخ، لكنها تكف عن ان تكون كذلك بمجرد ان نصل الى لب الأمر. لقد كنا معنيين فى هذا الوقت بتطبيق المبادئ العامة المعترف بها على حالة عينية. ان فريقنا فى الرايشستاج كان معنيا بتقدم البحرية الالمانية والمصالح التجارية كان معترفا بها عامة كما كان معارضا للسياسة الاستعمارية وكل الميول الرجعية الامبريالية الاخرى. كان السؤال الوحيد هو عمااذا كانت الاعانة المالية بصفة مبدئية فى صالح الاغراض التجارية الالمانية، التي كانت قومية الطابع، اوما اذا كانت جزءا من السياسات الاستعمارية التي تخدم فقط المصالح الخاصة لا فراد رجعيين على حساب العموم. لم يقترح احد فى هذا الوقت تغيير التاكتيكات القديمة او تبديل مسار الحزب. ان المناقشة الراهنة على اية حال، معنية بمسألة تبلغ حد التغيير التام للتاكتيكات والاهداف، تغيير فى التاكتيكات قد يعنى تغييرا فى طابع الحزب. ترتد المسألة الى الاحتفاظ بمبدأ الصراع الطبقى او هجره وهو ما يميزنا عن كل الاحزاب البورجوازية، بايجاز، فانه يتضمن الخطوة الحاسمة التي يترتب عليها ما اذا كنا سنبقى حزبا اشتراكيا، ام اننا سنعبر الحد الفاصل للصراع الطبقى ونصبح الجناح اليسارى للديموقراطية البورجوازية.
اختلافات الرأى النظرية، ليست ما دية: التاكتيكات ما دية
لايمثل اختلاف الآراء حول الامور النظرية ابدا خطرا على الحزب. وبالنسبة لنا ما من حدود لدينا للنقد، وايا ما كان قدر احترامنا كبيرا لمؤسسي ورواد حزبنا، فاننا لا نعترف بعصمة احد ومامن سلطة نعترف بها سوى العلم، الذي تتسع دائرته ويبرهن دائما على ان ما اعتنقه فيما مضى كحقائق بات الآن خطأ، ويدمر الاسس القديمة المتحللة ويخلق اخرى جديدة، ولايقف ساكنا للحظة، وانما يتحرك فى تقدم دائم بقسوة على رمس كل اعتقاد دوجماتى. قلت فى مؤتمر الوحدة الذي عقد فى مدينة جوتا منذ اربع وعشرين عاما مضت " نحن لا نعترف ببابا معصوم، ولاحتى ادبيا." وعندما اوضحت فى عام 1891 فى ايرفورت ودافعت عن البرنامج السياسي الجديد، الذي تم تبنيه بالاجماع، اعلنت لا ن برنامجنا بالضبط كان برنامجا علميا فلابد ان يتغير دائما فى الامور الصغرى حتى يتوافق مع التقدم المستمر للعلم. واننى اؤكد انه ما من احد -- ما ركس بالرغم من ذكاءه العميق والشامل لا يستطيع مثله مثل اى احد – ان يبلغ بالعلم حد التمام، ويمثل هذا الوضع بالنسبة لكل من يفهم طبيعة العلم استنتاجا مفروغا منه. على ذلك، ما من اشتراكى له الحق فى ان يدين نقد الافكار النظرية للتعاليم الماركسية او ان يطرد احدا من الحزب بسبب مثل هذا النقد. ولكن يختلف الامر كليا حينما تتضمن مثل هذه الهجمات قلبا كاملا لكامل مفهومنا عن المجتمع، كما هو الحال، على سبيل المثال، مع برنشتين. حيث يكون الدفاع النشيط الحى مطلوبا هنا.
التنصل العملى من افكارنا هو الاشد خطرا من الهجمات النظرية. تستهوى المناقشات النظرية بالمقارنة قلة قليلة فقط من عضويتنا، بينما يمس التنصل العملى من المبادئ والانتهاكات التاكتيكية لبرنامج الحزب كل رفيق حزبى ويثير انتباه كل رفيق، وحين لا تضبط وتصوب بسرعة فانها تثير التشوش داخل الحزب. لا اعتقد ان احدا سيجادلنى ممن هم ملمون بالظروف، وبالحزب، حينما اقول ان الجمهور داخل الحزب يهتم اهتماما ضئيلا بكتابات برنشتين. وهى تلقى تعاطفا فقط فى اوساط هؤلاء الذين تبنوا سابقا وجهات نظر مشابهة، وهم يثيرون احاسيسا فى خصومنا وحدهم ممن يأملون ان يروا تحقق امانيهم القديمة فى حدوث انشقاق فى الحزب، او ان يروا الاشتراكية الديموقراطية بمجملها تنتقل مع قرع الطبول لمعسكر البورجوازية. سوف اراهن على ان عدد من قرأوا كتاب برنشتين من رفاقنا لم يتجاوز عشرة آلاف، واننى ابعد من ان اعتبر هذا لوما للحزب لا نهم لم يظهروا ميلا لشغل انفسهم مرة اخرى بالشتلات التي قام مؤسسوا الاشتراكية، اكثر من جيل مضى، نعم، وفى بعض الحالات اكثر من جيلين مضيا بشق طريق الاشتراكية بازالتها. وقد نتهم رفاقنا كذلك بانهم غير علميين لا نهم لم يعودوا يقرأوا الكتابات العتيقة للسيدين شولتزه—ديليتش التي ترقد فى مكان ما فى قرى الريف مغطاة بالتراب متسخة.
انظروا لقائمة هؤلاء الذين علقوا على كتاب برنشتين. لا يوجد عامل واحد من بينهم. فقط هؤلاء الرفاق الذين يتقوم واجبهم المهنى فى ان يقرأوا ويناقشوا كتابات كهذه. وعلى النقيض باى اهتمام تابع كل الحزب، مسألة المشاركة فى الانتخابات التشريعية البروسية، او التحالف الانتخابى فى بافاريا – كم كانت المناقشة حية! اظهر هذا الاهتمام الحى نضج الحزب. لقد تجاوزنا مرحلة الجدالات النظرية حول البرامج السياسية. ونترك تأسيس، وتطوير وتوضيح برنامجنا للعلم، وهو فى مجتمعنا الراهن عمل قلة. ولكن التطبيق العملى لبرنامجنا، وتاكتيكات الحزب هى شغل الجميع، هنا يعمل الجميع معا.
ان الاهمية العظمى للتاكتيكات وضرورة الحفاظ على طابع صراعها الطبقى، هى أمر كان الحزب واعيا به جيدا منذ البداية. اذا قرأنا محاضر المؤتمرات الأولى التي عقدت فى السبعينات سوف نجد ان كل قضايا التاكتيك حوت الفكرة التي كانت تتصدر باستمرار وهى ان الحزب لا بد ان ينأى عن الاختلاط بكل الاحزاب الاخرى، فكل واحد منها، بغض النظر عن اختلاف الواحد عن الآخر او بأى شراسة حارب احدهما الآخر، يقف على ارض المجتمع البورجوازى بوصفها قاعدتهم المشتركة. هذا الانفصال بين الاشتراكية الديموقراطية والاحزاب الاخرى، هذا الاختلاف الجوهرى، الذي يتخذة الخصوم السخفاء سببا او ذريعة لا علان اننا خارجون سياسيا عن القانون هو مصدر فخرنا وقوتنا.
فى مؤتمر هامبورج، وتحت تأثير سلسلة من الظروف المشوشة، ظهر ان جمهور المندوبين بدا مصمما على ان يتنكر للتكتيكات والتقاليد القديمة، وقد استعاد الحزب نفسه فى اللحظة الاخيرة قبل ان يقفز فى الظلام واعلن انه يعارض باغلبية ساحقة كل مساومة. وقد ظل هذا القرار نافذا حتى اليوم.اذا كانت انتخابات مقاطعتين او ثلاثة قد اقتنعت بدخول تحالف مع حزب بورجوازى، فان هذا قد تم على مسؤوليتهم الخاصة وبانتهاك صريح لقرار هامبورج، ودعونى اكرر، انه لم يسحب بقرار شتوتجارت. من ناحية اخرى، فان رفاق برلين الذين جرت شكايتهم من اصدقاء المساومة بوصفهم منتهكين لقرار هامبورج، قد اتبعوا بضمير حى روحه وحرفه، وبموقفهم الصارم حافظوا على سلطة المجلس الاعلى للحزب وادوا خدمة للحزب.ان المدافعين عن تاكتيك المساومات يغالون فى قيمة النشاط البرلمانى والتمثيل البرلمانى، لكن هذه ليست غاية، ولكنها وسيلة لغاية. لا تقاس قوتنا بعدد ممثلينا، وانما بعدد الاصوات التي تقف وراءنا.
ان شعور المغالاة فى تقدير امتلاك الممثلين هو شعور بورجوازى. هناك سلطة فى التمثيل كما فى النقود – سلطة على الآخرين. ان من يضع نقاوة وعظمة حزبنا فوق اى شيء آخر، سيرى ان للممثلين قيمة فقط فى الحدود التي يخدموا فيها باعطاء تعبير لسلطة ومدى الاشتراكية الديموقراطية. ما ذا يعنى عشرة، ما ذا يعنى ما ئة من الممثلين، حين يفقد شعارنا لسانه من خلال كسبهم؟ ان قيمة الممثل ضئيلة. ولكن قيمة استقامة وتمام حزبنا لا تقاس. ففيها تكمن قوتنا. مثلما اختفت قوة شمشون بالشعر المقصوص الذي دلل على شرف رجولته. فهكذا سوف تتوقف قوة حزبنا اذا سمحنا لدليلة البورجوازية ان تنزع باطراءنا اثمن جوهرة وجذور قوتنا المنتصرة – نقاوة الحزب، وشرف الحزب.
نحن اناس من طراز فريد
قد لا نفعل مثلما تفعل الاحزاب الاخرى، لا ننا لسنا مثل الآخرين. نحن – ولايمكن ان نكرر ذلك مرارا – منفصلون عن كل الاحزاب الاخرى بحاجز لا يمكن اجتيازه، حاجز يمكن لا ى فرد ان يجتازه بسهولة، ولكن اذا ما اصبح فى الجانب الآخر منه، اذا به لم يعد اشتراكيا ديموقراطيا. نحن نختلف عن الآخرين. "نحن غير الآخرين ". ما يبدو للآخرين ضرورات وشروط الحياة هو موت بالنسبة لنا. ما الذي جعل منا فى المانيا الحزب الرئيسي، وحسب شهادة كابريفى ذات المغزى ودروس الخبرة اليومية ان نكون المحور الذي تدور حوله السياسات الحكومية؟ بكل تأكيد ليس ممثلينا فى الرايشستاج. قد يتوفر لدينا ثلاث اضعاف ممثلينا، ولن يكون لدى الاحزاب البورجوازية المتحالفة ما تخشاه منا. لا ، ان الزيادة الهائلة لمناصرينا التي تتنامى تدريجيا، بيقين القانون الطبيعى، او على نحو ادق القوة الطبيعية، من عشرات الآلاف الى مئات الآلاف، ومن مئات الآلاف الى الملايين، وتتزايد كل يوم، تتحدى خصومنا وتدفعهم للغضب العاجز. وهذه الزيادة الهائلة قد جرت، وتجرى، نتيجة معارضتنا وصراعنا مع الاحزاب الاخرى.
ان كل المرهقين المثقلين المغلولين، وكل من يعانى الظلم، كل من يعانى من فظاعات المجتمع البورجوازى القائم، كل من يحمل فى داخله شعورا بالقيمة الانسانية، يتطلع الينا، وينظر الينا آملا، بوصفنا الحزب الوحيد الذي يمكن ان يحقق الانقاذ والخلاص. واذا نحن، خصوم عالم العنف الظالم هذا، مددنا ايدي الاخوة له فجأة،وعقدنا تحالفا مع ممثليه، ودعونا رفاقنا لا ن يسيروا يدا بيد مع عدونا الذي دفعت سوء اعماله الجماهير الى معسكرنا، اى تشوش يحدثه هذا فى عقولهم! كيف يمكن للجماهير ان تؤمن بنا بعد ذلك؟ اذا كان اعضاء الحزب الاكليريكى، والحزب التقدمى، وحشود الاحزاب الاخرى هم رفاقنا، لماذا اذن الصراع ضد المجتمع الرأسمالى، وهؤلاء هم ممثليه وابطاله؟ اى سبب لدينا للوجود اذن؟ لا بد انها كانت بالنسبة للمئات والالآف والملايين التي بحثت عن خلاصها تحت رايتنا، غلطة من جانبهم ان اتوا الينا.اذا لم نكن مختلفين عن الآخرين، فمعنى هذا اننا لسنا المناسبين – ومازال على المخلص ان يأتى، اما الاشتراكية الديموقراطية فقد كانت مسيحا زائفا، وليست افضل من المزيفين الآخرين!
فى هذه الحقيقة تكمن قوتنا بالضبط، اى اننا لا نشبه الآخرين، وليس فقط اننا لا نشبه الآخرين، ولا اننا لسنا ببساطة مختلفون عن الآخرين، وانما اننا نحن عدوهم المميت، الذي اقسم ان يقصف ويزيل قلعة الرأسمالية، التي يدافع عنها كل هؤلاء الآخرين. ومن ثم فاننا نكون اقوياء حينما نكون وحدنا.
ليس معنى هذا ان ننفرد او ان نعزل انفسنا. لم نفتقد الصحبة ابدا ولن نفتقدها طالما استمر القتال. يمكن القول بأن ما هو صحيح جوهريا وما هو زائف ادبيا فى الشعار القائل ب " الكتلة الرجعية الواحدة " بأن الاشتراكية الديموقراطية لم تؤمن بها ابدا منذ ان انتقلت من مجال النظرية الى مجال الممارسة. نحن نعلم ان الاعضاء الفرادى واقسام هذه " الكتلة الرجعية الواحدة " يتنازعون مع بعضهم البعض، وقد استخدمنا دائما نزاعات كهذه من اجل اغراضنا. لقد استخدمنا خصوما ضد خصوم، غير اننا لم نسمح لهم ابدا بان يستخدموننا. وقد حاربنا فى شخص بسمارك، المزارع، الراسمالية المشخصنة والنزعة العسكرية واستخدمنا كل خصومه الراسماليين لا ضعافه، وهكذا استخدمنا الخصوصية والديموقراطية البورجوازية. لم يكن هذا مساومة على اية حال، ولاحتى هدنة مؤقتة بنفس القدر الذي لا يكون فيه الامرمساومة وهدنة مؤقتة حين نصوت فى الرايشستاج ضد المزارعين لصالح بعض اجراءات الحزب التقدمى.
انحصار الامر فى الاشتراكية الديموقراطية بوصفها معارضة للاحزاب الاخرى مطلوب منا بصفة خاصة، بسبب التطور التاريخى والاوضاع السياسية فى المانيا. ليس لدينا بورجوازية ثورية قد نتحالف معها بشكل مؤقت مثل فرنسا وبلجيكا.
ليس لدينا مؤسسات ديموقراطية تجعل من الممكن لا شتراكى ديموقراطى ان يشارك فى الحكومة جنبا الى جنب مع اعضاء الاحزاب الاخرى. قلما تتميزالحكومة فى سويسرا عن ادارة، وجرى اختيارها من الشعب لذلك. ان اشتراكيا ديموقراطيا، يشارك كعضو فى حكومة مقاطعة (كانتون) يعنى اكثر قليلا من اشتراكى ديموقراطى فى مجلس عام. وعلى ذلك فرفاقنا فى سويسرا يمكن لهم ان يصوتوا بلا تحفظ على احتكار الحكومة للحبوب والبراندى دون ان يشعروا ان الحصيلة النقدية سوف تبدد فى اغراض معادية للشعب وضارة بالمجتمع.
وحتى فى فرنسا تختلف الاشياء الى حد ما عنها هنا، رغم ان الحكومة بشكل مؤكد هى حكومة طبقية (ويصادف انها كذلك بدرجة قلما تقارن بأى حكومة اخرى)، ومع ذلك تتعزز العلاقات بقدر ضئيل واثر الديموقراطية والديموقراطية الاجتماعية عظيم للغاية الى حد ان اى اساءة استخدام دائمة للسلطات الحكومية لا غراض قمعية ورجعية لا ينبغى ان يخشى منه. وعلى ذلك كان من الممكن منذ بضع سنوات مضت للاشتراكى جوريس ان يقدم قانونا فى الغرفة التشريعية يخص تجارة الحبوب الذي كان من الناحيةالخارجية مختلفا قليلا عن القانون الذي قدمه الى الرايشستاج الكونت كانيتز من الحزب الزراعى. مع ذلك كانت الاختلافات الداخلية اعظم بما لا يقاس. لا توجد طبقة مزارعين فى فرنسا، والبورجوازية تحكم مباشرة، مع ذلك فهى فى ظروف تمنعها من جعل وسائل الحكومة – الشرطة، الجيش والقضاء الطبقى – غاية وغرض الدولة، كما هو الحال فى المانيا وهذا الامر ليس فقط ممكنا بل هو الواقع الفعلى. نلقى هنا مرة بعد مرة المصير الدرامى الذي حرم المانيا من المرحلة الليبرالية للتطور السياسي. مما لا ريب فيه، ان لدينا دولة طبقية راسمالية، وبأسوأ معانى الكلمة، غير ان الراسمالية البورجوازية تحكم بشكل غير مباشر فحسب، وعليها ان تكون راضية بان تدع الحزب الاكليريكى الكاثوليكى الخالص، حزب الوسط، يمسك بميزان القوى فى المانيا فى مجلس الممثلين التشريعيين الالمان، وبان تدع الطبقة الزراعية البروسية، طبقة متخلفة تمثل مفارقة تاريخية، التي لا وظيفة جوهرية لها يتعين عليها ان تنجزها سواء فى الحياة الاقتصادية ام السياسية، وذات وجود طفيلى خالص، تسيطر على الادارة. يترتب على هذا هو انه يتعين على الاشتراكية الديموقراطية الالمانية ان تقوم بدور بطل الحرية السياسية. ان مهمة توحيد النضال من اجل الاستقلال الاقتصادى مع النضال من اجل الحرية السياسية قد وقع على عاتق الطبقة العاملة الالمانية، بمعنى آخر، اضافة الى انجاز مهمتها الطبقية الاصلية، فعليها ان تقوم بما قامت به عادة البورجوازية منذ زمن بعيد فى البلدان المتطورة.
المنحنى المنحدر للمساومة
تعترف بنا كل الاحزاب بلا استثناء بوصفنا قوة سياسية، وبالتناسب تماما مع قوتنا. وحتى الرجعي الاشد جنونا الذي ينكر علينا حق الوجود يتملقنا وبذا فان افعاله تكذب كلماته. يستخلص بعض رفاقنا نتيجة غريبة من حقيقة ان هناك مساع تقوم بها الاحزاب الاخرى لنيل مساعدتنا، وهى ان علينا ان نقلب تاكتيكاتنا ونعكسها، ومحل سياستنا القديمة فى الصراع الطبقى ضد كل الاحزاب الاخرى، نستبدلها بالسياسة التجارية القائمة على مقايضة الاصوات، والتحرك من وراء ستار، والمساومات. ينسي هؤلاء الاشخاص ان القوة التي تجعل هؤلاء يسعون للتحالف معنا بمن فيهم حتى اشد اعداءنا سعارا، لم يكن ليكون لها وجود على الاطلاق ان لم يكن لدينا تاكتيكات الصراع الطبقى القديمة. واذا كان ما ركس، وانجلز، ولاسال قد قبلوا من برنشتين واصدقاءه المفكرين المتواضعين او غير المتواضعين تاكتيكات المساومة والاعتماد على الاحزاب البورجوازية، حينئذ لم تكن لتكون هناك اى اشتراكية ديموقراطية، كنا سنكون ببساطة ذيلا للحزب التقدمى. وحقيقة اننا نقبل كجزء من تاكتيكنا استخدام منازعات الاحزاب البورجوازية فيما بينها واضح بذاته. وقد اتبعنا هذا المسار منذ ان كانت هناك اشتراكية ديموقراطية. للاعتراف بهذا، لا نحتاج لمشورة رجال دولة الحزب الجدد. لقد اشتغلنا هنا وهناك مع حزب الوسط او مع الحزب التقدمى ضد حكومة حزبية رجعية وهو ما يمكن ان يفهمه الرفاق دون حاجة لا علان بيان حزبى خاص. وفى انتخابات مقاطعات اخرى مختلفة حصلنا على ميزات اكبر بالتعاون مع حزب الوسط بدون الاندماج اكثر من التحالف الحالى فى بافاريا. ومامن قاعدة تلائم كل الحالات.
نحن الاشتراكيون الديموقراطيون لا نجرؤ على ان نكون مثل الاحزاب الاخرى، وهى كلها مذنبة بشأن مظالم النظام الراهن ومسؤولة عنها على قدم المساواة.كل من يعانى من هذه المظالم يتطلع الينا من اجل الخلاص. كل واحد منا يأتيه ضحايا المجتمع هؤلاء بعد الاخفاق فى نيل العدالة من المحاكم، ومن الحكومة، بل ومن الامبراطور نفسه، ومن كل الاحزاب الاخرى، بوصفنا وحدنا آخر من يمكن ان يساعده. وهم لا يعرفون برنامجنا العلمى، وهم لا يعرفون ما ذا يعنى الرأسمال ولا الراسمالية، لكن لديهم اعتقاد، وشعور، اننا الحزب الذي يمكن ان يساعد حينما تتنصل الاحزاب الاخرى. هذا الاعتقاد بالنسبة لنا معين لا ينضب للقوة. لقد كان ايمانا مماثلا باليأس هوالذي انتشر اكثر فاكثر فى الامبراطورية الرومانية المنحلة وقوض ببطء العالم الوثنى حتى انهار فى النهاية. اننا نتخلى عن هذا المعين الذي لا ينضب للقوة اذا ما تحالفنا مع الاحزاب الاخرى وابعدنا الانسانية المعذبة عنا بأن نقول لها: " لسنا مختلفين جوهريا عن الآخرين " اذا ما مسح الخط الفاصل للصراع الطبقى وبدأنا على المنحنى المنحدر للمساومات، لن يكون هناك توقف. سوف نذهب حينئذ الى اسفل سافلين حتى القاع. توفرت لدينا تجارب عديدة ذات مغزى بهذا الصدد من الرايشستاج. لقد اجبرتنا السياسات العملية على تقديم تنازلات للمجتمع الذي عشنا فيه. ولكن كانت كل خطوة فى طريق التنازل للمجتمع الحالى صعبة بالنسبة لنا وكنا نقوم بها بنفور. وهناك من يسخر منا بسبب ذلك. لكن من يخشى المنحنى المنحدر هو فى كل الاحوال رفيق جدير بالثقة اكثر ممن يصب احتقاره على الحريص.
ان شعار " الثورة " حين يلاك بلا داع يثير السخرية بالتأكيد. بالتأكيد يثير السخرية – وما من احد قد عبر عن هذا بشكل اوضح مما فعلت انا نفسي – حين تلقى الكلمات من الفم فى كل مناسبة. يمكن ان تكون أغنية ميكانيكية مثل تراتيل الصلاة. لكن مما يثير للسخرية ايضا التفاخر بالإنتماء للحزب والتعبير عن وجهة نظر المرء فى كل فرصة حينما لا تكون هناك ضرورة لذلك، مع ذلك فان هذه المبالغات لا تبرر ان نلقى الجيد مع الرديء، وتاكيد ان اعلان الطابع الثورى لحزبنا هو، فى كل الظروف، امر مثير للسخرية. ان تاكيد ذلك هو امر غاية فى الجدية وشيء غاية فى الضرورة. شيء غاية فى الجدية، لا ن عضوية الاشتراكية الديموقراطية تعنى النضال، النضال السياسي تصاحبه اضطهادات شديدة الوطأة، وصراع خاص من اجل الوجود، صراع اصعب بما لا يقاس بالنسبة للاغلبية العظمى واثقل من النضال السياسي. وهو ضرورى، لا ن الشجاعة المطلوبة لهذا النضال المزدوج يخلقها الوعى بان الظلم الاجتماعى الذي يضطهد اغلب البشرية اليوم، ويفسدها ويشلها يمكن القضاء عليه فقط من قبل حركة ثورية، اى حركة سوف تستأصل الراسمالية من كل عرق من جذورها. اعلم انه قد بات موضة هنا وهناك السخرية من التحذير من المنحنيات المنحدرة. ويحيلوننا على حكاية الخراف والذئب. والمقارنة عرجاء على اية حال وترتد على من يسخر. لقد كان الذئب هناك بالفعل واقتحم الحظيرة. وفى حالتنا ايضا ليس هذا بخطر متخيل الذي نحذر منه. وفى كل الاحوال فان مصالح الحزب محروسة بعناية على الاقل من قبل المحذرين كما هى من المحتقرين. وعلى ذلك فقداعتبر عدم الثقة فضيلة ديموقراطية والثقة المغالى فيها نقيصة ديموقراطية. وهنا وهناك يوجد اشخاص يريدون ان يعكسوا هذا المبدأ الاساسي.
شعار بلوشر
تقف البروليتاريا سياسيا وكذلك اجتماعيا فى اشد التناقضات خطرا ازاء الدولة الطبقية الحالية. فعليها ان تحاربها فى كل المجالات وتصارعها حول كل القضايا سواء تعلق الامر بالسياسة الداخلية او الخارجية. ومما لا ريب فيه انه ليس من السهل دائما ان نقرر بصواب. فحين لا تكون المصالح مرئية بوضوح يمكن ان ينخدع الشعور بسهولة. ولحسن الحظ لدينا فى الامور التي يصعب التقرير حولها حد لا يخطئ نراه فى افعال خصومنا. اذا ما كانت هناك قضايا يمكن ان توحدنا معهم بشكل مؤقت فمن غير المتصور ان يكون هناك اى شيء يمكن ان يقاتل من اجله اعداءنا بوصفه ذو اهمية كبري، او اهمية حيوية بصفة خاصة لهم، يمكن ان ترغبه البروليتاريا. لن نتصرف ابدا بشكل خاطئ اذا تصرفنا بمايعارض مصالح عدونا.من ناحية اخرى، لن نصيب غالبا اذا ما امتدحنا اعداءنا.
التطور التاريخى هو تنازع دائم، تنازع مصالح، تنازع اعراق، تنازع طبقات. واذا لم يكن يعول على الصداقة فى الاعمال (البزنس) العادية، فما اقل ما يعول عليها فى حالات التنازع. ان طيب الطباع والنزعة العاطفية لا مكان لها فى السياسة. فهما لم يحرزا نصرا ابدا، لكنهما اتيا بهزائم لا حصر لها. ان شعار بلوشر القائل، " اتبع دائما قصف المدفع وارم بنفسك على العدو " هو افضل قاعدة ايضا فى الحرب السياسية.
لدى كلمة بهذا الصدد. ان غريزة البورجوازية الطبقية متطورة لحد ابعد من غريزة البروليتاريا. وتعرف الطبقة الحاكمة بشكل طبيعى مصالحها افضل من المحكومين، الذين تتاح لهم اقل الفرص ليصبحوا مطلعين او يخدعون ويضللون احيانا عن قصد واحيانا اخرى عن غير قصد بشكل منهجى عن ادراك مصالحهم. لا تقل انه الشكل الفظ الذي تنشر به الاشتراكية هو الذي يخيف البورجوازية وينغص عليها حياتها. فذلك زائف تماما. لا تكمن المسألة فى الشكل، فما يكرهونه هو المضمون، وبقدر ما يبدو الشكل غير ضار كلما ظهر المضمون اشد خطرا لدى سادة البورجوازية. ان رهافة الشكل لا تصنع فارقا معهم. وهذا واضح من الطريقة التي يحسمون بها الامور داخلهم.
اى قدر من الاساءة والحكى قد جرى حول " نادى توللك! " لم تمس مسألة " نادى توللك " اي احد كان بغير رفق. ولكن تاكتيكات النادى وجدت لعقود فى المانيا، ولم تختف كلية بعد تماما. ولكن لا العمال ولا الاشتراكيين هم من يعدهم النادى الحجة الاخيرة، والبرهان الحاسم.انها تكاكتيكات نبلاء الامة، الليبراليون القوميون، الذين نظموا فى الاقسام الوسطى والجنوبية الغربية من المانيا فرقا للشجار من ابطال النوادى، وسعوا للحفاظ على مجالاتهم السياسية من خلال الارهاب الوحشى. ولكن الاشتراكية الديموقراطية المتقدمة قد قمعتهم مباشرة تماما.
المساومات كالمعاهدات لا يبقى عليها
كيفما كان الحال فلابد ان نتيقن من ان الغريزة السياسية لخصومنا البورجوازيين، بمجرد ان تبرز مصالحهم الطبقية سوف تقودهم لا تخاذ موقف معاد لنا. وبلجيكا تقدم لنا مثالا كلاسيكيا، حيث انتهوا كما لا حظنا لعقد مساومة فى اشد الظروف مواتاة يمكن تصورها بين الاشتراكيين والليبراليين. وكان حزبنا لا ينازع فى موضع القيادة ولم يكن هناك خطر من ثم لا ن يخدع بشأن ثمار النصر المشترك. كان الهدف الذي سعوا اليه هو حق الانتخاب العام، المتساوى، المباشر. ولكن الحزب الاكليريكى يعرف صبيانه، ويعرف اتباع بوبنهايمر. يعرف ان البورجوازية لا مصلحة طبقية لها فى اعطاء العمال، الذين يشكلون فى الدول الصناعية الحديثة اغلبية السكان، حق الانتخاب العام ومن ثم امكان كسب اغلبية وتحقيق السيطرة السياسية. فتقدم بطلب مضاد لتطبيق نظام التمثيل النسبي مع التصويت الجماعى، مما يؤدى، لا عطاء اصوات اكثر للاغنياء مما يمنح البورجوازية الراديكالية حصة فى الحكومة، اذا كان ذلك سيساعد على هزيمة الانتخاب العام المباشر. ولاحظوا، ودون ادنى تردد فان سادة البورجوازية الراديكالية اخلوا باتفاقهم مع الاشتراكيين وانضموا للاكليريكيين فى حربهم ضد الانتخاب العام والاشتراكية الديموقراطية. ان من لم يقتنع بهذا المثال الدال على ان صراع تحرر البروليتاريا هو صراع طبقى فلاجدوى من تقديم براهين اضافية له.
لايوجد حزب سياسي يمكن للاشتراكية الديموقراطية ان تعتمد على دعمه الحازم. وكل مساعدة يمكن لنا ان نتوقعها من الاحزاب البورجوازية فى مجرى تعقيدات الحياة السياسية لا بد من ان تأتينا بأى حال دون مساومة، ان تصرفنا بمهارة. تتماثل المساومات والاندماجات بين الاحزاب مع المعاهدات بين الامم. انها دائما ما تراعى، حيثما توجد مصالح مشتركة فقط ودائما على اية حال حينما تكون فى صالح الاطراف المعنية. على اية حال، ما من ضرورة لا ندماج او عقد. فلنفترض، ولنقتبس مثالا فعليا، نفترض ان توفير ستة ممثلين اكثر فى الهيئة الشريعية كان امرا ذو اهمية عظمى فى بافاريا، فقد كان من الممكن مع قوة ونفوذ حزبنا ان يجد الاخير وسيلة للحصول عليهم افضل من " تجارة الماشية ". ان تقوية حزب الوسط، بعيدا عن مسألة المبادئ، كان خطأ تاكتيكيا عظيما.
وقد كان الخطأ اعظم لا نه اوقف عملية التحلل التي يعاينها حزب الوسط الآن. يتماسك الحزب طالما ان العمال الذين يأتون لدائرة نفوذه لم يمتلكوا بعد وعيا طبقيا، لم يتعلموا بعد ان يضعوا مصالحهم الطبقية فوق مصالحهم الفئوية. هذه عملية يحملها معه بالضرورة التطور الاقتصادى بنفسه، والتي نهدف الى تسريعها بدعايتنا. فى مقاطعة اوفنباخ وفى المقاطعات الانتخابية الاخرى تمكنا من تحقيق ذلك لحد بعيد ففى الانتخابات الاخيرة صوتت اغلبية الكاثوليك لمرشحينا فى الاقتراع الاول بدلا من ان تصوت لمرشحى حزبها. ليست تاكتيكات الصراع الطبقى اكثر صحة فقط من ناحية المبدأ، انها ايضا اكثر عملية وانجح من تاكتيكات المساومة.
ان وجهة نظر المنفعة، التي شدد عليها المدافعون عن المساومة البافارية، هى بالتأكيد مسألة ذات فائدة قصوى، الا ان هناك عناصر اخرى غير المنفعة يجب ان نأخذها فى اعتبارنا. نقاوة مبادئنا، مثالية صراعنا، هذه هى العناصرالتي ادت لتقويتنا وشد ازرنا، التي زودتنا بالشجاعة ومكنتنا من خوض معاركنا، واضفت على معتقداتنا جاذبية لا تقاوم لدى كل من يشعر انه مضطهد ولديه حسا بالشرف. كان التحالف مع حزب الوسط بالتأكيد فى غاية الفائدة، فقد اعطانا نصف دستة من الاصوات التشريعية، ولكن ما ذا تقول جرتشن؟
" كيف لعنت ذات مرة باحتقار
حينما خدعت فتاة بائسة!
ثرثرة لا يكفيها لسان واحد
رغبت فى مراقبة رذائل الآخرين.
بدت سوداء فزدتها سوادا
واشد اسودادا بعد هو ما اردت
وباركت نفسي وتباهيت بعظمة –
والآن خطيئة حية انا! "
نعم، كيف يمكن لنا ان نوبخ بشجاعة مقايضى الاصوات السياسيين، وخاصة السود منهم! فقد زدناهم سوادا بتلويننا. واليوم؟ لا نجرؤ ان نفعل ذلك غير ان خصومنا يفعلون. لا نستطيع ان نضحى بكل شيء من اجل المنافع.لأن ما هو منفعة لخصومنا هو سم ناقع بالنسبة لنا. يقول النبلاء عن انفسهم، النبل يفرض علينا كذا، ويمكن لنا ان نقول الاشتراكية تفرض، الاشتراكية تفرض التزاماتها.
اذا كان التاكتيك يصف لنا او يسمح بأن نلزم انفسنا بخصومنا حتى نحرز نجاحا مؤقتا بتحالف مؤقت، فمعنى هذا ان شوماخر فى مقاطعة سولينجن كان رجل تاكتيك بارع بالمعنى الانتهازى لا ندماجه مع الحزب التقدمى العام الماضى فى انتخابات الرايشستاج بهدف انقاذ الحزب منا. وهو لم يصبح بورجوازيا، لا على الاطلاق، لقد استخدم البورجوازية للاطاحة بنا فحسب، نحن الاشتراكيون المزيفون، ولمساعدة الاشتراكية الحقيقية على تحقيق النصر، بالضبط مثل ميلليران الذي يتجه لسحق النزعة العسكرية بالانضمام لجاليفه ووالديك – روسو. يمكن لشوماخر ان يقدم نفس الاسباب تماما تبريرا لا عماله مثلما يفعل ميلليران. وهو ما نسميه خيانة للحزب.
مع نمو الاشتراكية الديموقراطية ومع دخولها فى مجالات كانت تهيمن عليها حتى الآن احزاب اخرى، ومع توسع نشاطنا العملى، فاننا مرارا ما ندخل اكثر فاكثر فى اتحادات مؤقتة، او علاقات مؤقتة مع احزاب اخرى. لكن هذه العلاقات المؤقتة لا ينبغى ان تكون تحالفات مؤقتة ابدا. لا ينبغى ان نلزم الحزب. ويجب ان تكون ايدينا طليقة دائما، نستثمر الظروف، وندع خصومنا يقومون بالعمل القذر من اجلنا، وبغرض ان يكون الحزب فى ذهننا برسوخ دائما، ان نلزم منتصف الطريق، ونسير فى طريقنا، نذهب مع الاحزاب المعارضة حينما يتصادف ان طريقنا معهم واحد. لا ينبغى ان يغيب عن ناظرنا للحظة اننا نحن حزب الصراع الطبقى، ومامن شيء مشترك بيننا واى حزب آخر، بل يتعين علينا محاربة وهزيمة كل الاحزاب الاخرى، من اجل تحقيق هدفنا.
ميلليران
فيما يتعلق بقضية ميلليران، ووحدة الحزب، كتبت بناء على دعوة الرفاق الفرنسيين، بمناسبة المؤتمر السنوى الاخير لحزب العمال ( الماركسيون ) فى ابرناى، الخطاب التالى :
" الاصدقاء الاعزاء : تعلمون اننى قد اتخذت لنفسي قاعدة وهى الا اتدخل فى شيءون الاشتراكيين فى البلدان الاخرى. لكن بما انكم ترغبون فى معرفة رأيى فى المسألة الملحة التي تشغل انتباه القسم الكادح والاشتراكى من فرنسا، وواقع ان كثيرا من مواطنيكم، الذين يتبنون وجهة نظر مختلفة كليا فى هذه المسألة عن وجهة نظركم، قد اتجهوا الى طالبين الرأى، فلم يعد لدى اى سبب لا ن احجب وجهة نظرى. ان الوضع الذي يشغلكم الآن فى فرنسا ليس فى اصله شأنا اجنبيا بالنسبة للالمان.
" ان اممية الاشتراكية باتت حقيقة تصبح يوما بعد يوم اشد وضوحا واشد دلالة. نحن الاشتراكيون نمثل امة واحدة بالنسبة لنا – امة واحدة اممية فى كل اقطار الارض. والرأسماليون مع عملاءهم، وادواتهم والمخدوعين هم بالمثل امة دولية، وهكذا يمكن لنا ان نقول بصدق، ان هناك اليوم امتان عظيمتان فقط تتقاتل الواحدة منهما مع الاخرى فى صراع طبقى كبير، وهو الثورة الجديدة – صراع طبقى يقف على جانب منه البروليتاريا التي تمثل الاشتراكية، وفى الجانب الآخر البورجوازية التي تمثل الراسمالية.
" بينما يستمر عالم الراسمالية البورجوازى وتحكم البورجوازية، على ذلك فان كل الدول بالضرورة هى دول طبقية، وكل الحكومات هى حكومات طبقية، تخدم اغراض ومصالح الطبقات الحاكمة، ومقدر لها ان تقود الصراع الطبقى للبورجوازية ضد البروليتاريا، للراسمالية ضد الاشتراكية، لا عداءنا ضدنا. تلك حقيقة ابانها منطق الفكر والحقائق ما وراء امكان الشك من منظور الصراع الطبقى الذي يمثل اساس الاشتراكية المناضلة. ان الاشتراكى الذي يدخل حكومة بورجوازية اما ينتقل لصفوف العدو او يضع نفسه تحت سلطة العدو.
على اية حال فان الاشتراكى الذي يصبح عضوا فى حكومة ورجوازية يفصل نفسه عنا، نحن المناضلون الاشتراكيون. يمكن له ان يدعى انه ما زال اشتراكيا لكنه لم يعد كذلك. قد يكون مقتنعا باخلاصه، لكن فى هذه الحالة هذا يعنى انه لم يدرك طبيعة الصراع الطبقى – ولايفهم ان الصراع الطبقى هو اساس الاشتراكية.
" فى هذه الايام، فى ظل الراسمالية، فإن اى حكومة حتى ولوإمتلأت بمحبى البشرية وحركتها افضل المقاصد، لا يمكن ان تفعل شيئا له قيمة حقيقية يفيد قضيتنا. لا بد ان نتحرر من الاوهام. قلت منذ عقود مضت : " اذا كان الطريق الى الجحيم مفروشا بالنوايا الطيبة، فإن الطريق الى الهزيمة مفروش بالاوهام ". فى المجتمع الراهن، فإن وجود حكومة غير راسمالية يمثل استحالة. ان الاشتراكى تعيس الحظ الذي يضع على عاتقه هذا العبء بدخوله الحكومة إن لم يخن طبقته فانما ينذر نفسه للعجز فحسب. تقدم البورجوازية الانجليزية افضل الامثلة على اضعاف المعارضة بالسماح لهم بالاشتراك فى الحكومة. لقد صارت السياسة التقليدية لكل الاحزاب فى انجلترا هى ضم عضو المعارضة الاشد راديكالية الساذج الذي يقبل مكانا فى الحكومة. يخدم هذا الرجل كدرع واق للحكومة وينزع سلاح اصدقاءه الذين لا يستطيعون ان يطلقوا النار عليه – مثلما نكون فى المعركة ولانستطيع ان نطلق النار لا ن العدو قد وضع رهائننا فى المقدمة ليحتمى بهم.
" هذه هى اجابتى على السؤال المتعلق بدخول الاشتراكى الحكومات البورجوازية.
" والآن، بالنسبة الى السؤال الثانى : مسألة الوحدة والاتفاقيات. تملى على مصالح ومبادئ الحزب الاجابة. اننى مع وحدة الحزب – اننى مع وحدة الحزب القومية والاممية. لكن الوحدة ينبغى ان تكون وحدة الاشتراكية والاشتراكيين. الوحدة مع الخصوم – مع اناس لهم اهداف ومصالح اخرى ليست وحدة اشتراكية. لا بد ان نسعى من اجل الوحدة بأى ثمن وبكل التضحيات الممكنة. لكن بينما نتحد وننتظم، لا بد من ان نتخلص من كل العناصر الغريبة والمعادية.ماذا يمكن لنا ان نقول عن الجنرال الذي سعى وهو فى بلاد العدو لا ن يضع فى صفوف جيشه مجندين من صفوف العدو؟ الن يكون ذلك قمة الغباء؟ حسنا، ان نضم لجيشنا – وهو جيش الصراع الطبقى والحرب الطبقية – خصوما، جنودا ذوى اهداف ومصالح تختلف كليا عنا – سوف يكون جنونا، سوف يكون انتحارا.
" حينما نكون على ارض الصراع الطبقى فاننا لا نقهر، فإن تركناها ضعنا، لا ننا لم نعد اشتراكيين. ترتكز قوة وسلطة الاشتراكية على حقيقة اننا نقود الصراع الطبقى، وان الطبقة الكادحة مستغلة ومضطهدة من قبل الطبقة الرأسمالية وان الاصلاحات الفعالة داخل المجتمع الراسمالى التي تضع حدا للحكم الطبقى والاستغلال الطبقى مستحيلة.
"لانستطيع ان نتاجر فى مبادءنا، ولايمكن ان نجرى اية مساومة، لا اتفاق مع النظام الحاكم.يجب ان نقطع مع النظام الحاكم ونقاتله حتى النهاية. فلابد ان يسقط حتى تقوم الاشتراكية، ولايمكن ان نتوقع بالطبع من الطبقة الحاكمة ان توجه لنفسها ولسيطرتها ضربة الموت. ان جمعية العمال الاممية قد بشرت وفقا لذلك بأن " تحرر الطبقة العاملة يجب ان يكون من صنع العمال انفسهم "
" مما لا شك فيه ان هناك بورجوازيون ينحازون انطلاقا من شعورهم بالعدالة والانسانية لجانب العمال والاشتراكيين، ولكن هؤلاء استثناءات فقط، ان جموع البورجوازية لديها وعى طبقى، وعى بأنها الطبقة الحاكمة والمستغلة. بالفعل فإن جموع البورجوازية، لا نها الطبقة الحاكمة بالضبط، لديها وعى طبقى اكثر حدة واقوى من البروليتاريا.
" وانتهى : لقد سألتمونى رأيى، وقد ابديته لكم. الأمر متروك لكم لتقرروا ما تتطلبه مصالح الحزب ومبادئه.
"تحياتى الاخوية للمؤتمر المنعقد فى ابرناى. عاشت فرنسا الاشتراكيين والعمال! عاشت الاممية الاشتراكية!
" فايمار، اغسطس، 10، 1899 – و. ليبكنخت "
ليس لدى ما اضيف لخطابى. وقد بررته الاحداث منذاك. ان وجود الاشتراكى فى الحكومة لم ينجز شيئا ولم يمنع شيئا مما كان يمكن ان ينجز او يمنع فى غير وجوده. من ناحية اخرى، الى الحد الذي اسهمت فيه الاشتراكية الديموقراطية او صادقت على دخول اشتراكى الى الحكومة فقد اصبحت جزئيا مسؤولة عن كل خطايا ما اغفلته او ارتكبته الحكومة فى الوقت الذي كان فيها الاشتراكى عضوا فيها.
الوضع فى فرنسا
قد يقال اعتذارا او تبريرا انهم قد تصرفوا تحت ضغط ظروف استثنائية – من اجل انقاذ الجمهورية، التي كان يمكن ان تضيع ان لم يفعلوا ذلك. ولن يصمد هذا العذر امام البحث والتقصى. لا يسند جمهورية فرنسا قلة من الرجال فى الحكومة، بمن فيهم الاشتراكي، وانما العمال الفرنسيين الذين يساندهم القسم الاعظم من الفلاحين والبورجوازية الصغيرة، وايضا اغلبية الشعب الفرنسي، الذين لا يسمحون لا نفسهم ان يقودهم الكهنة الى الضياع، ولا ان يقمعوا من قبل الراسماليين الرجعيين. والنزعة العسكرية فى فرنسا هى ولحد بعيد اقل قوة وخطرا منها فى المانيا، والجيش الفرنسي لحد اعظم هو جيش الشعب مقارنة بالمانيا. الجيش كبير مثله ما هو عليه الحال فى المانيا، رغم ان عدد السكان اقل خمسة عشر مليونا، وعلى ذلك فهو يضم نسبة اعظم من العدد الكلى للسكان. وفرنسا بالفعل عند الموضع الذي ينبغى عليها فيه ان تقطع مع النظام العسكرى البروسي الالمانى الذي تبنته بعد حرب 1870 – 71، فهى اما ان تفعل ما أوصى به وزير الحرب الجنرال جاليفه اى بأن تحل محله حرس امبراطورى مدرب تدريبا عسكريا جيدا – او ان تدخل على الفور على نظام الميليشيا، وتسلح كل شخص قادر على حمل السلاح. ان الانقلاب coup d,etat مستحيل بجيش كهذا. بغض النظر عن احتمال رجعية جزء من الضباط، لا ن جمهرة الجنود قريبة جدا من الشعب ولايمكن ان تستخدم فى مثل هذه الاغراض.
اذا كان الامر، كما عرض علينا، يتقوم فى ان التشكيل الفعلى لوزارة والديك روسو كان ضروريا لحماية الجمهورية ضد الانقلاب، فقد كان الشعور الجمهورى للبروليتاريا الفرنسية ضمانا كافيا للحكومة – وقد كان ذلك ومن جميع الوجوه ضمانا افضل لحد بعيد من دخول اشتراكى الى الحكومة.
ابان الوضع ان رئيس هذه الحكومة كان بصفة خاصة راسماليا واضح السمات، وان وزير الحرب كان واحدا من اشهر " فرسان " نابليون الصغير ومن اشد قتلة الشيوعيين تعطشا للدماء مما كشف بجلاء ان تصرف ميلليران غير ملائم. ولكن حتى لو كان مكان والديك روسو ديموقراطيا حقيقيا، مثل، بريسون، وفى مكان جاليفه جندى شريف لم يتلوث بدم العمال، لم يكن اعتراضنا على تلك الخطوة سيكون اقل من وجهة نظرنا، رغم انها لم تكن لتجرح مشاعرنا كثيرا.
ان التناحرات الطبقية التي يصاحبها الصراع الطبقى هى الآن حقيقة واقعة. والدولة، ما دام التناقض الطبقى والصراع الطبقى موجودان فيها، هى دولة طبقية بالضرورة، وحكومة هذه الدولة، بضرورة مماثلة، هى حكومة طبقية. ان الاشتراكى الذي يسمح لنفسه ان يصبح عضوا فى حكومة كهذه سرعان ما يفقد وعيه الطبقى، ان لم يكن قد وضعه خارج الوزارة بالفعل مثلما يضع المسلم حذاءه خارج المسجد، الااذا واتته الشجاعة فانتهز اول فرصة طرأت فتنازع معها وتركها.
لست معنيا بالمسألة المدرسية الصرفة حول ما إذا كان من الممكن ان تظهر حالة معينة حيث يتعين على اشتراكى ان يدخل عضوا فى حكومة غير اشتراكية. قد تنشأ حالة كهذه فقط عقب اطاحة كارثية بالدولة على سبيل المثال، خلال حرب عالمية، حينما تنكسر حكومة دولة طبقية دون ان تكون العناصر الضرورية لتكوين دولة اشتراكية قائمة.
لم تظهر مناسبة كهذه فى فرنسا بعد، وربما كان آخر اشخاص يمكن ان تكون مهمتهم " انقاذ الجمهورية " هم امثال والديك روسو وجاليفه. انه الحزب الاشتراكى الذي كان ويكون ويبقى الحزب الوحيد الذي تتقوم مهمته فى ان يكون منقذ وحافظ الجمهورية، بميلليران او بدونه.
ان جيد ولافارج، الممثلين القياديين للاشتراكية العلمية فى فرنسا قد بينا فى نقد مرير للاشتراكية الانتهازية " الاستيزارية " الفرق الذي يميز نشاط عضو هيئة شعبية منتخبة عن نشاط مسؤول تنفيذى فى هيئة تنفيذية فى الحكومة نفسها فى الدولة القائمة. ان الموظفين الرسميين والحكومة هم ادوات الحكم الطبقى، ولابد لهم بحكم طبيعتهم من ان يتصرفوا وفق مصالح الطبقة الحاكمة. ان الاشتراك فى هيئة شعبية منتخبة ( الرايشستاج، الهيئة التشريعية، المجلس العام، الخ ) هو على النقيض تعبير عن السيادة الشعبية، الذي، بالرغم من انها تخضع لتأثيرات الحكم الطبقى فانها بالفعل فوقه، والقوة الوحيدة التي تستطيع ان تضع حدا له. (تراجع مقدمة انجلز لكتاب ما ركس : الصراع الطبقى فى فرنسا لفهم حدود هذا الموقف فى شرطه التاريخى، وكذلك موضوعات حول الاحزاب الشيوعية والموقف من البرلمانية – الاممية الثالثة – المؤتمر الثانى 1920 – المترجم ). ان ممثلى الاشتراكية الديموقراطية فى مثل هذه الهيئات الشعبية يشبهون كتل البازلت، التي دفعت لا على من باطن الارض واخترقت طبقتى الحجر الرملى والاردواز : - فهم يصعدون من قلب الشعب، وهم جزء من الشعب، ولهم فى انفسهم حق وسلطة السيادة الشعبية التي تعلو وتهيمن على كل الشؤون السياسية والاجتماعية. وهم ليسواهناك بنعمة السلطات القائمة، بل ضد ارادتها، وبالرغم من سلطتها – ولاريب انهم خدم، ولكنهم خدم شرفاء، خدم، ليس لمالكى السلطة، وانما للشعب، الذي اختارهم لضمان تحقق ارادتهم السيدة. وعلى ذلك فمن الخطأ جوهريا ان نصف نشاطنا فى الرايشستاج والهيئات التمثيلية الاخرى كمساومة مع السطات الحاكمة. مما لا شك فيه ان علينا ان نعمل هناك مع اعداءنا، ولكن كقوة مستقلة، ممارسين التفويض الذي تلقيناه من الشعب. وأنه ما من تعاون على اساس وجود اهداف ووجهات نظر مشتركة، فهو عمل معركة – صراع متبادل، قياس للقوى، واثره، واتجاهه وكثافته وفقا للقانون الابدى حول التوازى يتمخض عن التشريع والحكم.
انه لمن طبيعة الاشياء انه من خارج هذا التناضل والصراع لا بد ان تنشأ المجموعات المتغيرة والاتصالات الوقتية وتسمية تجمعات كهذه مساومات هو تشويه للمصطلح. التقارب نتيجة للاوضاع، والعمل والكفاح فى ذات الاتجاه بسبب الظروف يمكن ان تعتبر عقدا، او تحالفا او مساومة ببالغ التعسف، مثلما نعتبر التلامس التبادلى لا جزاء الزجاج فى الموشور عقدا اوتحالفا او مساومة. وبغض النظر عما اذا كانت قوة الاهتزاز ميكانيكية، او قوة القانون المنظم فلافرق. مثل هذه التقاربات لا التزامات فيها، وهى نتاج لحظى، تولد من اللحظة وتمضى معها.
وليس اقل خطأ ان نقارن التعاون فى تصويت ثانى درجة بتحالفات كهذه كما اقترح بالنسبة للانتخابات التشريعية البروسية وكما جرى بالفعل بالنسبة للانتخابات البافارية. ان تعاونا كهذا هو فصل فى المعركة فقط عند صندوق الانتخابات التي يخوضها الحزب ككل.
واننا فى هذه الانتخابات اللاحقة فى المقاطعات الانتخابية حيثما لا نستطيع ان نقدم مرشحا، فلابد ان نصوت لمرشحى المعارضة هؤلاء الذين يقدم انتخابهم افضل المزايا لحزبنا، وهو متطلب للذكاء الاولى. لقد دعوت لهذا قبلا كشيء تبدو الرغبة فيه واضحة بذاتها فى الوقت الذي اتهمنى فيه بعض هؤلاء الذين تحمسوا اليوم للاشتراك فى الانتخابات التشريعية البروسية بنصف خيانة مبادءنا. اذا ما حدث فى وقت ما ان وجد قانون استثنائي، اوعلى وشك الصدور، فإن لم نعط اصواتنا فى هذه الانتخابات الخاصة لواحد من هذين المرشحين البورجوازيين الذي كان معارضا للقانون الاستثنائي، فاننا يجب ان نكون بغالا تستحق الهراوة. ولكن هذه ليست مساومة.
لن نرتهن لشيء، نحن لا نضحى بمبدأ، ولانضحى بمصلحة، على النقيض، نحن نتصرف وفق مصلحتنا وحدها، التي كان يمكن ان ننتهكها اذا ما تصرفنا خلاف ذلك. تترتب الالتزامات على خصومنا. هذه التاكتيكات بسيطة للغاية وطبيعية حتى انها تعرضت للتساؤل فقط لبعض الوقت بواسطة هواية ركوب المبادئ غير الواضحة، فبمجرد ان توقف قادة الحزب عن التوصية بهذا التاكتيك لكوادر واعضاء الحزب، اتبعوا غريزتهم السليمة ونفذوه فى كل الاحوال من فوق رؤوس هؤلاء القادة. ومن وقت لا خر تقررت خطوط العمل وفق كل حالة نوعية. لا متاجرة، ولاعمل خفى، نحن نهاجم العدو علنا وبشكل مكشوف، وحين يقف خصمان احدهما فى مواجهة الآخر ان كان لا حدهما ان يكسب تفويضا، فاننا نضرب الاخطر فيهما حتى يسقط.هذه سياسة القتال وهى التي تلائم حزبا مقاتلا.

فى الانتخابات الاصلية للرايشستاج، نحن حزب مقاتل يكسب حصته بقوته فى التمثيل الشعبى. نحن نقدم جبهة معركة لكل الاحزاب، ولانستثنى هؤلاء الذين قد نصوت لهم فى الانتخابات التكميلية كما تتطلب مصلحة حزبنا. ولكن فى الانتخابات التشريعية البروسية من المستحيل ان نكسب ممثلا واحدا بقوتنا وحدها، من اجل ان نكسب واحدا او اكثر فمن الضرورى ان نتوجه لحزب بورجوازى ونتاجر معه سياسيا. فى انتخابات الرايشستاج نحن اقوى حزب فى المانيا، ولكن فى الانتخابات التشريعية البروسية فاننا اضعف من الجميع، وبالفعل عاجزون تماما، لا نه فى ظل " أسوأ القوانين الانتخابية " لدينا صوت، لا شك فى ذلك، لكن احالوه باطلا، ولايمكن تأمين تفويض الا تحت شرط ان نصبح ما شية تصويت غبية للحزب البورجوازى.
فى الانتخابات التشريعية البافارية الامور مختلفة الى حد ما . لا تجعل قوانين الانتخابات فى بافاريا من المستحيل تامين تفويض.
ولايقدح هذا فى رفض المساومة، وانما على النقيض، يضع " تجارة الماشية " التي جرت هذا الصيف فى ضوء اسوأ بعد.
لن ادخل هنا فى اسس معارضة الاشتراك فى الانتخابات التشريعية البروسية. ان اضعاف المعنويات من خلال تغيير الجبهة فى انتخابات الرايشستاج والانتخابات التشريعية، تشوش العقول، ترخى الانضباط، وفوق كل شيء تطمس طابع الصراع الطبقى لحزبنا الذي اعلنته قبلا ومن ضمن آخرين فى معظم الاحيان وبشكل مشدد ولن اتعب من تكرار ذلك للقارئ.
هناك شيء واحد بعد.
اذا ما كان لدى الاحزاب البورجوازية قدرا من الحيوية فلن يحتاجوا معونتنا فى تأمين النصر فى الانتخابات التشريعية البروسية. ولايمكن لا حد أن يسرق منهم الاغلبية اذا لم يتخلوا هم عنها. كيف يمكن ان نساعدهم اذن؟ هل يمكن لا حد ان يجعل الكسيح او المخمور يمشى؟ يمكن مساعدتهم على الوقوف، ولكن اذا ما تركتهم سرعان ما يقعوا مثل زكيبة فارغة. لا نستطيع ان نتجاوز هذه المعضلة، اما ان البورجوازية ما زال لديها حيوية سياسية.- وفى هذه الحالة لا تحتاج مساعدتنا، او ليست لديها حيوية، وفى هذه الحالة لا فائدة فى مساعدتنا. هل يمكن لا حد ان يتوقع تحالفا مع جثة؟
العمل المستقل هو الشيء الوحيد العملى
هناك من وجد خطأ فى جانبى لا ننى قلت فى الجريدة ان صدور قانون جديد استثنائى مناهض للاشتراكيين سيكون اهون شرا من طمس التناحرات الطبقية وخط الحزب والاندماج مع الحزب البروسي التقدمى فى الانتخابات التشريعية. كلما تأملت فيما قلت كلما ازددت اقتناعا بصواب هذا الموقف. لا ى شيء سيتحول حزبنا اذا ما سمحنا لا نفسنا ان نبعد عن مسار مبادئنا بحجة الاخطار التي هددتنا وتهددنا وفقداننا بعض المنافع؟ الخوف فى الأمثال هو محدد بائس للفعل الانسانى، ويعنى بالنسبة للحزب الدمار. لقد سبب الخوف من الحركة العمالية والاشتراكية السقوط السياسي للبورجوازية الالمانية، وسوف تكون ايام الاشتراكية الديموقراطية معدودة بمجرد ان تجد صيحة الخوف استجابة فينا. لا ينبغى ان نتحدى، ولكن لا يجب علينا ان نطلق الانذار وأن يضلنا الخوف لاتخاذ خطوات لا تتفق مع المبادئ، ولا طبيعة وشرف الحزب. لا يمكن لنا نزع سلاح العدو بالرقة والجبن، فذلك ببساطة تشجيع له. وليس معنى هذا ان نسعى لخبط رأسنا بالجدار. نحن نرغب فى ان نكون ويجب ان نكون " عمليين ". لكن هل انكرنا هذا ابدا او وضعناه موضع مساءلة؟ لقد كنا دائما " عمليين " على الرغم من مناقضة برنشتين. لقد اسسنا جهودنا دائما على الظروف القائمة وعملنا بشكل منهجى واعيننا على الهدف. فى المدن، والولايات، والامبراطورية، ساندنا كل التحسينات الضرورية، ان لم تكن قد اقترحت اصلا من قبل الاشتراكية الديموقراطية. فكروا فقط فى الاصلاح الاعظم من بين كل الاصلاحات، اصلاح الشر الاجتماعى، حيث الحكومة، ان لم ترغب فى بناء الاطلال او قصور الهواء يجب ان تعتبر المطالب التي طرحناها منذ ما يزيد على عشر سنوات مضت.
يمكن لنا ان نقول عن انفسنا، ليس فقط اننا عمليون، وانما اننا الحزب العملى الوحيد – العملى بمعنى المعقول. ان من يدركون قوانين التطور العضوية ويكافحون بشكل منهجى فى تناغم معها نحو هدف محدد هم العمليون فقط. وهذه هى الطريقة التي نعمل بها. وخصومنا اما لا يعرفون هذه القوانين، او يدركونها ويسعون لحرفها او كسرها. ان من يسعى لدفع الماء جبرا نحو الهضاب ليس عمليا بالتاكيد، وهذا هو الهدف الغبى لخصومنا. مما لا ريب فيه انه قد قيل ان العمال وحدهم لا يمكن ان يؤمنوا تحرر الطبقة العاملة، وان العناصر المثقفة الذكية من الطبقات الاخرى لا بد ان تتعاون معهم. يوجهون عنايتنا للاجراءات المتعددة المفيدة للطبقة العاملة التي سنتها قانونا او ساندتها الاحزاب البورجوازية. لكن هذا تعليل سوفسطائي. لا نه ( وفى هذه المسألة فإن برهان بسمارك غاية فى الوضوح ) ما من واحد من اجراءات الاصلاحات الاجتماعية هذه، وهى بالتأكيد قليلة للغاية، لم تكن لتسن بدون مبادرة وضغط البروليتاريا والاشتراكية الديموقراطية.
يزعم برنشتين ان الاشتراكية هى الناتج النهائى لليبرالية. ويعنى هذا الزعم الانكار المطلق لوجود أى تناحرات طبقية.
لقد عكس هذه الجملة ميكيل، رفيقى السابق فى جريدة " ان كوميونيسمو " والمستشار الحالى فيما يتعلق بها، وهكذا يقرأها، ليبرالية فى الناتج النهائى للشيوعية. وأن ليبرالية ميكيل تقترب بشدة من النزعة المحافظة، بالمعنى الالمانى، اى، المثال الزراعى القروسطى للرابطة الشخصية، ويعرف ذلك كل من له اذن تسمعان وعينان تريان.
لا، يجب ان تظل الاشتراكية الديموقراطية لنفسها، يجب ان تسعى من اجل / وأن تولد قوتها من داخلها. اى قوة خارجنا نسعى لا ن نتكأ عليها هى بالنسبة لنا ضعف فحسب. فى الوعى بقوتنا، فى ايماننا بمهمة الاشتراكية فى غزو العالم يكمن سر نجاحنا الاستثنائى وتقريبا العجائبى.
لم يكن الاسلام قابلا للهزيمة طالما وثق فى نفسه فقط ورأى عدوا في كل من هو غير مسلم. ولكن من اللحظة التي دخل فيها الاسلام مسار المساومة واتحد مع غير المسلمين، ما يسمى بالقوى المتحضرة ( يقصد الرأسماليات الامبريالية – المترجم ) فإن قوته القاهرة قد تبددت. لم يكن الامر مع الاسلام ليكون غير ذلك. لم يكن العالم الحقيقى ليخلص الايمان. على اى حال فالاشتراكية هى هذه، وهى لا تستطيع ان تقهر العالم او تخلصه اذا ما كفت عن ان تؤمن بذاتها فحسب.
وعلى ذلك، فلن نلتفت عن التاكتيكات القديمة، ولا عن البرنامج القديم. سنتقدم دائما بالعلم والتطور الاقتصادى، نحن ما كنا وسوف نظل ما نحن عليه.
او – ان تكف الاشتراكية الديموقراطية عن الوجود.



#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكيل لجنة القتال وفق اتفاقية الاحزاب المناضلة من اجل الانتف ...
- اتفاقية مناضلين من اجل الانتفاض ف . إ . لينين
- هل ينبغى علينا ان ننظم الثورة ؟ ف . إ . لينين
- ثورة من نمط 1789 او من نمط 1848 ؟ ف .إ . لينين
- اشتراكية المحامين ف . انجلز ( مقتطف )
- الماركسية والتجربة التاريخية للثورات – ملاحظات عارضة -- 1
- حول المحاكمات السياسية وتاكتيكات الدفاع ف . إ . لينين
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 8 ، 9 ( الاخير ) ...
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 7 - ويلهيلم ليبك ...
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 6 - ويليلم ليبكن ...
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 5 - ويلهيلم ليبك ...
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 4 - ويلهيلم ليبك ...
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى -3 - ويلهيلم ليبكن ...
- لامساومة لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 2 - ويلهيلم ليبكنخ ...
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - القسم الثانى - 1 - ويلهيلم ليبك ...
- لامساومة ، لا متاجرة سياسية - 9 - ويلهلم ليبكنخت
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - 7 ، 8 - ويلهيلم ليبكنخت
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - 6 - ويلهلم ليبكنخت
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - 5 - ويلهلم ليبكنخت
- لامساومة ، لامتاجرة سياسية - 4 - ويلهلم ليبكنخت


المزيد.....




- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - سعيد العليمى - لامساومة ، لامتاجرة سياسية - بقلم ويلهلم ليبكنخت - الكراس كاملا