أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حمدان - انتِ حُلْمي البعيد .. وأنا العاشق القريب !!















المزيد.....

انتِ حُلْمي البعيد .. وأنا العاشق القريب !!


مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)


الحوار المتمدن-العدد: 4828 - 2015 / 6 / 5 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


انتِ حُلمي .. إِن بقيْتُ غافِياً تحت شجرةٍ عارية مِن الوَرَق قطَفَ الغُرباء ثَمَرها على حدود مرفأ بعيد عن وجه هذه الأرض
انتِ الكابوس .. حين أُفَتِشَ عن رايّتي ، بين أعلامِ الدِوَل ، ولا أجِدَ سوى علَمٌ مؤقت لدولة ربما تَصْلُحُ أن تَنْضَم لباقي الدول ، على مكان في هذه المساحة الضَيْقة
أنتِ الغَريبة .. حين لا أجِدُ نشيداً أتغَنى به لوطنٌ أعرِفُ حدوده على خارطة تَعْتَرِفُ به باقي الأُمم
وأنا الغَريبُ المَهْجور عن نفسي وعن المكان ، حين لا أجِدُ ميناء يسْتَقبلني .. يأخذني كالطِفل المُدَلل بين يديه ، وحين تَرْفضني كل الموانئ ، كالبِضاعة الفاسِدة .. مُنْتهية الصلاحية
ولأني لا أحْمِلُ هويةً لهذه البلاد ، سوى وثيقة قديمة ، وشهادة ميلاد ، تُثْبت مَن أنا ومَن هو جِدّي ، واسمُ أبيه ، وصِلَتي بهذا المكان .
تَضيقُ بيّ الأرض .. وتَصْغُرُ المسافات مِن حوْلي .. وترتَبِك خُطايا أمام الطُرق المُغلقة ! إِلى طريقٌ واحدة تأخُذني إِلى طريق العودة إِلى الوطن ، لأخْتَصِر رحلة البحث عن مَن أنا ؟ ومِن أين أنا على هذا الكوكب المُزدَحم
وأي بُقعة أرضٍ املُكها .. أُنْسَبُ إِليها .. وأيُ نشيدٍ حفِظته منذ الصِغر لمَجْد بلادي التي أنا منها ، وإِليها يكونُ الرُجوع .
أجمَعُ حقائبي وأشيائي ، لرحلة الرُجوع ، أُمزِق جنسيتي المُزدوجة ، أتلِفُ أسماءً تَبَنيْتُها في غرف التَفتيش في المطارات ، أحرِقُ وثائق اللجوء ، وأحذِفُ صِفة لاجئ مِن وثيقة السَفَر
يُوقفني جندي على الحدود ! يسألني ويطلُب جواز السَفَر ، مِن أنتَ ؟ وما سبَب الزيارة ؟
* أنا مِن هنا .. ولِدتُ هنا .. وأعرِفُ كل شيء عن هذا المكان .. وأنا عائدٌ إِلى مكاني ، حِصَتي على هذه الأرض .. حِصَتي مِن التُراب .. حَصَتي مِن الشجر .. وحِصَتي مِن الهواء !
أنا مِن هنا .. وهذه بلادي .. ولم أعرِف بلادً سمَيْتُها وطن غيْرَها
بيْتي ليس بعيداً عن هنا .. خلْفَ تلك التّلة .. لا زالَ بيْتي قائم يتَنَفس مِن تراب الحقلِ خلف البيْدر
وهذا أنا وهذا إِسمي .. وهذه الصورة القديمة .. صورة عائلتي .. الصغيرُ هذا أنا .. وهذه الصَبيْة .. أُمي ، والشابُ هذا .. يكون أبي ، وهؤلاء كُلهم أخوتي
وخلْفَنا شجرُ التين والعِنب .. في حديقة بيتَ جدّي .. وهذا بيْتُنا .. وأنا مِن هذا المكان .. ! هل هذا يكفي للتَعْريف عن مَن أنا .. ومِن أين جئت ؟
- ولماذا أتيْتَ بعدَ هذه السنين ؟ بعدَ هذا الغِياب ؟ ولماذا صحَوْتَ مِن غفوَتَك .. لتأتي هنا تَطْرُقُ باب .. ليس باب بيْتِك ؟
أنتَ غريبٌ عن هنا .. ولا أحد يعرِفُ مِن أنتَ .. مِن أين أنتَ ! هل رأيتَ أحدٌ يشبَهُكَ .. يحمِلُ اسماً كاسمكَ هنا ؟
* هذه الطريقُ .. الى مدرَسَتي .. وكُنتُ الْعَبُ تحت هذه الشجرة .. وهذا بيتُ جدّي .. وهنا كان ينامُ الفَرَس .. وهنا جُرِحَتْ يدي أول مرة .. يوم قطَفْتُ ثمَرَ الصبار عن هذه النَبْتة
وهنا كنتُ أختبئ .. خلف ذلك الحائط .. حين كُنا نلعَبُ لُعبة البحثِ عن بعضِنا .. وهذه شجرة الزيتون المُفضلة عند أُمي .. وهنا كان مطبخها الصيفي .. وهنا كنتُ أستحِمُ على حَجَر
وأعرِفُ مِن أين يطلع القمر .. وأول ضوء في القرية يُشعل .. هذا المكانُ أعرفه .. والمكان يعرفني .. خلف ذلك السور .. وهناك أول قِبلة طفولية .. عفوية عرِفتها
ولِدَ أبي وجدّي وأبيه هنا .. وأخوتي وأنا ولِدنا هنا ! فأيُ معجزة إِضافية تريدُها .. لأثبِتَ لكَ مَن أنا .. واني مِن هنا ؟
- ولماذا خرَجْتَ مِن هنا .. ما دُمتَ أنتَ مِن هنا ؟
* خرَجْتُ مع اسراب السنونو .. في هجرة نحو الشرق !
خرَجْتُ حين أطلَقوا الرصاص العشوائي على الشجر .. ليقتلوا كُل الطيور !
خرَجْتُ مع أول دُفعة للاجئين .. حين فَجَروا باب القرية .. وصَلَبوا الرِجال على الحائط .. وأطلقوا عليهم الرصاص
خَرَجتُ عند أول دمعة .. سالَت على وجه أُمي .. خرَجتُ مرعوباً مِن صوتِ الرصاص .. خرجتُ حين رأيتُ الجندي القادم لقَتلِنا .. وقفتُ خلف أُمي أشُدُ ثوبها .. وأبكي .. هكذا أخذَتنا أُمي .. وهكذا خرَجنا !
الجِسر يزدَحِم بالمارين .. بالعابرين .. عبر الحدود ، يحملون أمتِعتهم .. أحزانهم .. وقصص الخوف ! هكذا المارين فوق الجِسر يمضوا في دربهم .
كانت الرحلة الأولى خارج القرية .. خارج المكان المعروف لذاكرتي .. وجوه غريبة ..كثيرة ..كئيبة ..تعبُر المكان ، شيوخاً ..نساءً ..أطفال ..أمتعة ..صناديق خشبية ..وأغطية
إِلى أين يذهب المارين مِن على الجِسر ؟ إلى أين يذهبُ المهزوم ..المطرود ..المُجَرَد مِن المكان والهوية ..إلى أين يذهبون ؟
وهل يتسِعَ هذا الجِسر .. كل هذا العبور المُكتظ ..برحيل شَعْبٌ كامل عن أرضه .. وإلى أين يذهبُ الغرباء ..وهل يتسِع هذا المكان ..لكل هذه البشَر ؟
تبحثُ الأُمُ عن ابنتها .. والأبُ يبحثُ عن أبيه في فوضى العبور إلى المجهول ، هي طريق واحدة فقط ..لا رجوع إلى الخلف ..يعبرون الجسر وينتظرون في المكان ، قالوا لهم اذهبوا إلى أين شئتم ..إلا الرجوع إلى هذا المكان
تَصرُخُ الأطفال جوعاً.. والشيوخ تتعب وتتألم ..وحزيران قاسي الحرارة ، ترفعُ الغرباء أيديهم نحو السماء ..كُن رحيماً بنا ..فلدينا كثيرٌ مِن العذاب ..وارْفِق بنا ..لنعبُر الجِسر ..لنذهب خلف هذا الأفُق .
يا رّبُ الناس .. يا اله البشرية ..اسرِع في مرور الأربعينية مِن سنواتنا ..لنَدخُل الأرضَ بعد رحلة التيه والعذاب ..لا تقسوا على جُرحنا ..على بُعادنا !
لفد صبرنا ..تألمنا ..وانتظرنا الكثير ..وحفِظنا الوصايا كلها ..وأسماء الأنبياء .. لم نتْبَع سِمسار باع أرضنا باسمنا ..ولم نبكي على رحيل الغرباء !
قاتَلْنا ..وجُرِحنا ..وسقطنا على تلك الأرض ..وتعذبنا بعيداً عنها ، وحان الوقت لرجوعنا ..نحن لا نملُكُ سوى هذه الأرضُ ونملكُ الحُبَ لها ..وعليها تَعَلمنا كيف نحرُثُ التُراب ..نزرَعُ الحُبِ والحَبَ ..ونقطِفُ منها الثَمَر
لم نتعلَمْ أن نمشي بعيداً عن قدَرِنا ..فالأرضُ علَمَتْنا كيف نواجه القَدَر .
ألَم يحينُ وقت رجوعنا بعْدْ ..ألَم يحينُ وقت وقف دموعنا بعْدْ ؟ وبعدَ هذا التيه والبُعاد ..ألَم يحين الوقت لنأخُذَ مفاتيحَ بيوتنا ..نعبُرُ البلادَ ..نمُرُ عن كل الحدود اليها ..نفتَحُ الأبواب ..لنكمل ما تبقى لنا مِن هذه الحياة ، في وطنٍ ضاع
فلَتَ مِن يدينا ..وأصبحنا عنه غُرباء !؟
لقد تعَلَمنا ..وتُبنا ..وصحَوْنا (أن نموتَ في الأرضِ ورقة صفراء ..أفضلُ مِن أن نحيا شجرة خضراء خارج الأرض)
مصطفى حمدان




#مصطفى_حمدان (هاشتاغ)       Mustafa_Hamdan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا بَعْد !!
- الثالوث المُحرّم
- نشيدُ المِعْوّل
- ملحمة السجن والسجان
- موانئ بعيدة عن الوطن
- القصيدة .. الشاعر .. والوحي
- أحزان الأرض الغريبة
- حرية القلم ... وبيع الذمم!!؟
- سأفعلُ أشياءً أخرى لو إستطعت
- طوبى لمن يبني على الأرض طوبة
- إلى إمرأة لا تختصر وجودها


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حمدان - انتِ حُلْمي البعيد .. وأنا العاشق القريب !!