البحث عن فضيحة

محمد مسافير

الحوار المتمدن-العدد: 4812 - 2015 / 5 / 20 - 13:57
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

إن أغلب الصفحات الفايسبوكية، والمواقع الاليكترونية، أو حتى الورقية، تعتمد عنونة مثيرة لمواضيعها، وتعتمد في ذلك على تحليل لنفسية المستهدف، وإن أي ملاحظ لما تنشط فيه هذه المواقع، التي تهدف جني الأموال من خلال نسبة المشاهدة أكثر مما تعنيها المعلومة بحد ذاتها، سيجد أن أكثر مواضيعها تعنون بـ: فضيحة....
بهذه الطريقة فقط، يتمكنون من تجاوز التوقعات، فما أدراك إن أرفق الموضوع بصورة إباحية ! والحقيقة أن الأمر لا يدل بشكل مباشر على فساد الإعلام، وإنما يدل أساسا على فساد العقلية الجمعية لشريحة واسعة من مجتمعاتنا، ولا يفعل ذاك الإعلام سوى تذكية ذاك الفساد.
"البحث عن فضيحة"، عنوان حياة شعوبنا الراكدة في وحل القهر المادي والنفسي، إنهم يتربصون خلف الفضيحة، ليس فضولا بل ترويحا عن النفس، إذ أن الإنسان الذي يعيش ازدواجية في الحياة، ازدواجية في الشخصية، التي يفرضها المجتمع المتخلف بقوة، يكون أكثر انجذابا إليها، لأن أساس حياته كواليس لا يظهر منها إلى ما استدعته الضرورة المهنية أو الطبية أو العرف الاجتماعي، وما دون ذلك يعيشه متسترا، خائفا من أن يفتضح أمره، خائفا من الفضيحة التي طالما يركد خلفها إن تعلقت بغيره.
كل شخص يدرك أن غيره يمارس الجنس قبل الزواج، ومعظم الناس تخون بعد الزواج، إلا أن العرف والقانون له منطقه الخاص الذي به يفرض التستر أكثر مما يحارب "الرذيلة"، لأنه يدرك جيدا أن لا مفر منها، أو لأن القائمين على القانون متفهمون... لأنهم أول مخترقيه. وبذلك يستحسن القانون والمجتمع حياة الكواليس: افعل ما تشاء، اسكر، اسرق، ازني، لكن إن فضحت، أدَِي...
كذلك فإن نسبة 100 بالمائة من غير المتزوجين يمارسون العادة السرية، وتتقلص قليلا هذه النسبة عند المتزوجين دون أن تلغى، كما أن اغتصاب القاصرين والحيوانات هي ظاهرة مستترة، الكل في الهوى سوى، لكن العيب فقط إن فعلت فعلتك أمام الملأ، لأن الفعلة في الأساس مقبولة، ولا تصبح مذمومة إلا في العلن، ولأننا أمم متخلفة ومكبوتة، نربى على الحرمان الجنسي وعلى الفصل بين الجنسين منذ أن ندرك الكلام، فإننا نمارس هذه العادات بلهفة واشتياق، ونحرص كل الحرص على الخفاء، نكره النور ونعشق الظلام، الظلام الخاص بالحوادث السيئة، ثم نتشفى من المفضوح أمرهم، نعاتبهم أمام الملأ، نشمئز من سلوكهم حتى نتظاهر بالحكمة والنبل، وننجح في ذلك، وحَسْبُ المهتم أن يتفحص تعاليق المشاهدين، الملأى بآيات قرأنية، وعبارات الشتيمة، حتى يدرك مدى صحة قولنا... إن أولئك المنتقدين، هم شر المبتلين.
على هذا الأساس، نحلل الظاهرة، ونخلص ياقنين، إلى أن المجتمعات المتشبعة بثقافة المحرمات، تكون أشد انتهاكا لها، وأكثر تربصا بل واشتياقا إلى افتضاح أمر بعضهم البعض.

#محمد_مسافير (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل