أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا شهاب المكي - هل تمثل فكرة - الكتلة التاريخية - مخرجا لتعطل الثورة التونسية؟















المزيد.....


هل تمثل فكرة - الكتلة التاريخية - مخرجا لتعطل الثورة التونسية؟


رضا شهاب المكي

الحوار المتمدن-العدد: 4811 - 2015 / 5 / 19 - 01:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس السعي من وراء هذا السؤال الحصول على إجابة بنعم او بلا، بل الغاية هي البحث في وجاهة هذا السؤال أولا، وفي قدرته على اختراق حالة العجز والفشل والتآكل التي عليها مشهد الحكم ومشهد تعطل الحراك الاجتماعي والسياسي في تونس ما بعد الثورة. لقد سقط راس النظام منذ أربع سنوات كان فيها الحراك السياسي والاجتماعي مسرحا لتجارب متعددة، وخيارات متنوعة، وبرامج وكتل وتحالفات مختلفة، الا انها آلت في النهاية الى فشل ذريع، وانسداد كامل للأفق، وتنامي غير مسبوق للحركات المطلبية والاضرابات القطاعية. لقد اصبحت تونس مؤهلة لولوج مرحلة جديدة تأكدت فيها حتمية تنامي الصراع الاجتماعي مقابل عجز الأطراف المتصارعة على إدارة هذا الصراع والخروج به الى حلول تصل البلاد بمرحلة اجتماعية وسياسية جديدة. وعليه بات من اوكد الضرورات إعادة النظر في الخيارات السياسية وإعلان فشلها؛ فلا اللذين يحكمون برهنوا على قدرة وكفاءة في إدارة شؤون الحكم بما في ذلك قدرتهم على ممارسة الاكراه واتخاذ القرار، ولا الذين بقوا ينتظرون نصيبهم من الحكم برهنوا على قدرة امتلاك خطط ومشاريع يعبؤون من خلالها جموع الشعب، ولا الذين يحشدون ويعتصمون برهنوا على قدرتهم على تكريس وعي جماعي يخلصهم من حدود المطالب القطاعية وينقلهم الى مصاف الحراك السياسي الشامل والجامع ذي الابعاد التاريخية الواضحة. لقد بقي الحكم في حالة فشل دائم، وبقيت المعارضة في حالة عجز هيكلي، اما الحراك الاجتماعي فبقي في حالة تقوقع وانسداد للأفق مقابل تنامي لا محدود للمطالب القطاعية الخاصة والمصالح الذاتية المعزولة عن الوعي الجماعي والخالية من كل تصور استراتيجي يؤشر الى الانتقال الى حالة جديدة. وبين هذا وذاك بقي الاعلام يراوح مكانه عاجزا عن إدارة الفرجة بقدر عجزه على توجيه الراي العام. الكل يدور في حلقة مفرغة، والكل يهاجم الكل، والازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تزداد استفحالا، ولا حل يلوح في الأفق ما عدا تداين في ازدياد، وارتفاع في الأسعار، وتغول للتهريب والتهرب والتهديد بالإرهاب. ونتيجة لذلك تنهار التوازنات ويطغى الفساد وتضمحل الثقة بين الجميع فلا "هيبة " في دولة ولا "وحدة" في وطن: تلك هي نتائج "الانتقال الديمقراطي" فمنذ الالتفاف على مطالب الثورة واستحقاقاتها ولد كتيب بعد حمل دام أكثر من ثلاث سنوات اسند له من الأسماء “دستور” وأقيمت له الافراح والمراسم، والليالي الملاح ليستقر في ركن من اركان الدرج لا حول له ولا قوة. كيف لا وهو الذي لم ينجبه شعب ولم تصنعه ثورة.دستور في سلة المهملات، وحكومات عاجزة امام المهمات، ومجلس لا حول له ولا قوة امام الاغراءات والتعليمات، ورئيس يلوك ماضيه غير آبه بما يحدث وبما هو آت.لقد انهار البنيان على سكانه وذهبت "هيبة " الدولة و"وحدة" الوطن الى طي النسيان ولم ينج من السقوط الا شيخان قررا تقاسم ما تبقى من الدولة ومن الوطن وأنظم اليهما فتات من هنا وهناك وزج بما تبقى من الفتات في معارضة لا تعارض الا نفسها.لقد حُشر شعار الوطن ووحدته والدولة وهيبتها في برامج كل "الكتل" وكل " الاتحادات" وفي كل "الجبهات" والتحالفات ورغم ذلك خرجت وحدة الوطن وهيبة الدولة مهزومة في كافة الحالات.ويجري الامر الان نحو تجديد الكتل والتحالفات فتتغير المسميات ولكن طالما لم يطرح السؤال حول أسباب الانهيارات المتتالية للبنى السياسية والسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي آلت في النهاية الى انهيار الثقة في المجتمع السياسي برمته افرادا وكتلا وجبهات...ستعرف محاولات التعديل والترقيع والتجميل نفس المصير: الانهيار ولا شيء غير الانهيار.ولان البحث في الأسباب يمر قبل البحث في اعوجاج النتائج، ولان معرفة الأسباب هي الطريق الى الحلول نورد فيما يلي أهمها:
1. تأسست مختلف التكتلات طوال السنوات الأربع الماضية على شعارات لم ترتق ولا يمكن لها ان ترتقي الى مصاف الانتقالات النوعية المجتمعية منها والسياسية والثقافية؛ فهي تشترك في "التخاصم" حول "الهوية" في المجتمع و"الهوية" في الدولة وهي شعارات لا نجد لها صدى في التشكل الاجتماعي الحقيقي لدى الطبقة الاجتماعية السائدة او لدى الطبقات التي تدور في فلكها والتي تتمصلح معها وترتقي اجتماعيا بفضلها .
2. لم تتخلص الأطراف المكونة ل “مجتمع" التكتلات والجبهات من هيمنة فكر الجزء على الكل الذي يتشكل داخله. فقد حافظ كل جزء على "احقيته" و"اولويته" و"شرعيته" التاريخية والواقعية في قيادة مرحلة ما بعد الثورة وقد انعكس هذا التوجه على التوازنات الداخلية للجبهات والكتل والتحالفات لتنهار الواحد تلو الاخر.
3. رغم اعلان كل جزء من كلّ عن استحالة قيادته المنفردة للتحول الاجتماعي والسياسي، فان الواقع اثبت ان هذا الاعلان سرعان ما سقط في زيف الادعاء لتحل محله أولوية الجزء على الكل تحت مسميات مختلفة وشديدة الارتباط بالمرجعية الفكرية والأيديولوجية الخاصة بكل جزء؛ فهذا بليبراليته يصيح، وذاك بإسلامه يبشر، وبين هذا وذاك يرتفع صوت العروبة والأمة يسائل "قطريا" "امميا" يدعي تخليص الإنسانية من كافة مظاهر الجور والاستغلال الطبقي والاغتراب الإنساني .
4. اختلفت الأجزاء داخل هذا الكل كما اختلف هذا الكل مع غيره من الكائنات الجمعية في تحديد أولويات المرحلة التاريخية فراح واحد يشكلها حول " الوحدة الوطنية " و"المصالحة الوطنية" "وعودة الاستقرار" "وعودة التنمية" وراح ثان يمحورها حول "الحرية السياسية " و "الخوف من "عودة الاستبداد" وراح ثالث يشكلها حول "الاستحقاق الاجتماعي" و "سيادة القرار الوطني" ورغم تقاطع الشعارات فقد تعددت الأولويات وتنافرت المصالح مؤذنة باستحالة تشكل وطني واسع قادر على الفعل والانتقال النوعي الى مرحلة جديدة تستوعب استحقاقات الثورة وشعاراتها.
5. أدركت النخب السياسية المتنافرة حساسية الموقف وعمق الازمة فحاولت البحث عن شعار يوحد هذا الكل المتنافر فكان ان اهتدت الى "ابتكار" شعار "الانتقال الديمقراطي" باعتباره شعارا جامعا يخلص الدولة والمجتمع من الاستبداد السياسي نحو الحرية السياسية بما يقتضيه ذلك من حرية في التعبير والتنظيم والنشر والاعلام, ومن تداول سلس وسلمي على الحكم...وفي الحقيقة فقد استعارت النخبة هذا الشعار من تجارب أخرى اتفقت على تقديمها كتجارب ناجحة ونماذج قابلة للاستنساخ.(مثل اليونان, افريقيا الجنوبية, البرتغال, بولونيا, رومانيا, وأوكرانيا..) الا ان هذا الشعار السحري لم يلبث ان ظهرت هشاشته وفقدانه لشروط تصدره المرحلة كمشروع استراتيجي ينقل الدولة والمجتمع الى مرحلة جديدة قادرة على الاستجابة لكافة استحقاقات الثورة في تونس علاوة على انه لم يثبت جدارته بتجنيب تلكم البلدان الهزات العنيفة في المجالين السياسي والاجتماعي .
6. ظهرت هشاشة هذا الشعار في ضعفه على استيعاب استحقاقات مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة واقتصاره على تلبية مطالب الفئات البورجوازية الصغيرة وهي مطالب لا تتعدى الحدود الفئوية الضيقة علاوة على ان البعض من هذه الفئات المستفيدة لا زالت تتمسك بتلابيب الطبقة الاجتماعية النافذة ومن يدور في فلكها من الفئات المتمصلحة والتي عن طريقها تتسلل الطبقة الاجتماعية النافذة الى استعادة مواقعها في الدولة لتمارس الإرهاب الاقتصادي والاجتماعي امام ضعف الدولة وهشاشة القوانين. لا يقدر هذا الشعار، على أهميته ومكانته النسبية في الاستحقاق الاجتماعي، ان يكون مشروعا يُستجاب من خلاله وبفضله الى مطالب الطبقات الاجتماعية الأكثر تضررا.
7. ولما كانت الديمقراطية في معنى الحرية السياسية الفردية والجماعية وفي معنى حرية الاعلام مهمة وضرورية في حياة واستحقاقات جميع الطبقات المتضررة فأنها لا تستطيع ان تشكل هدفا استراتيجيا في ذاتها قادرا على استيعاب استحقاقات الطبقات الأكثر تضررا من النظام السياسي والاجتماعي القديم .
8. يحتاج المشروع الاجتماعي والسياسي القادر على احداث النقلة النوعية في المجتمع والدولة ان ينبثق من استحقاقات الطبقات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع وبدونه لا يمكن رسم اهداف استراتيجية للتحول الاجتماعي والسياسي، فالأهداف الاستراتيجية هي التي بإمكانها ان تستوعب الاهداف الفرعية وتسكنها داخل الاستحقاق الجماعي وليس العكس.
9. سعت النخب السياسية في استعارتها لشعار "الانتقال الديمقراطي" الى تسكين شعار فرعي في الاستحقاق السياسي والاجتماعي مكان شعار استراتيجي لمرحلة ما بعد الثورة او مرحلة الانتقال النوعي بالمجتمع والدولة الى عالم جديد، وبذلك تكون هذه النخب المتوافقة قد ألزمت الطبقات الأكثر تضررا من النظام القديم بسقف مطالب فئات من البورجوازية الصغيرة الأقل تضررا، وفي هذه الحالة لا يمكن لشعار "الانتقال الديمقراطي" ان يكون مشروعا جامعا ولا يمكن له في نفس الوقت ان يكون شعارا استراتيجيا للمشروع الوطني الجامع والاوسع .
10. نحن لا نعترض على مشروعية هذا الشعار بل نعترض على موقعه في مرحلة ما بعد الثورة وخلاف ذلك نكون في سياق غير سياق الثورة واستحقاقاتها.
11. لم ترتق اذن المشاريع الجبهوية والكتلوية الى مصاف المشاريع الجامعة للطيف الاوسع من المجتمع ولم تحدد بذلك أهدافها وفق المصالح الموضوعية للطيف الاوسع (كميا ونوعيا) وهكذا بقيت مشاريعها فئوية ضيقة لم تراعَى فيها الا مصلحة من بين المصالح الطبقية وبذلك تكون قد استقرت في سياق المصالح الذاتية للفئات الأقل تضررا على حساب الفئات الأكثر تضررا ونتيجة لذلك تنهار المشاريع تباعا .
12. تحتاج مرحلة الانتقال النوعي بالدولة والمجتمع الى عالم جديد بدت ترسم ملامحه هنا وهناك في الحراك الاجتماعي الوطني والإقليمي والعالمي الى جبهة او كتلة تستند في تشكلها الى اهداف استراتيجية تراعي الأقصى في عمليات التحول نظرا لان الأقصى هو الاقدر على استيعاب الأدنى وليس العكس .
13. تحتاج مرحلة الانتقال النوعي بالدولة والمجتمع الى التموقع وطنيا وفق الهدف الاستراتيجي الأقصى المنبثق بالضرورة من استحقاقات الفئات الأكثر تضررا كما تحتاج الى التموقع إقليميا وعالميا وفق نفس المعيار.
14. يحتاج الانتقال النوعي بالمجتمع والدولة في مرحلة ما بعد الثورة الى أوسع تجمع وطني ممكن لا يستثني اجتماعيا وسياسيا الا القلة ممن يصنعون الضرر لعموم المجتمع من حيث مواقعهم في انتاج الثروة وتوزيعها ومن حيث نفاذهم المطلق في القرار السياسي والإعلامي.
15. يحتاج هذا الانتقال النوعي بالدولة والمجتمع الى التوافق السياسي حول مشروع استراتيجي ينبثق من استحقاقات الفئات الأكثر تضررا ليتسع الى اقلها ضررا. وان كان لا بدا ان يتأسس موقف كل جزء من الاجزاء المكونة للكل من خلال مرجعيته الفكرية والأيديولوجية فلا يجوز لهذه الأخيرة ان تكون شرطا في التوافق السياسي والا سقط التوافق وانهارت معه المرجعية كجزء مسكون بكل جامع .
16. يحتاج الانتقال النوعي بالدولة والمجتمع الى مشروع إيجابي بنائي مندمج يراعي استحقاقات كل الطبقات المتضررة وينغرس في مصلحة موضوعية عامة وشاملة لا يقدر على نحتها الا الاستحقاق الاجتماعي للفئات الأكثر تضررا من النظام القديم وغير ذلك سيؤدي الى انتكاس عنيف قد يفتح الباب على حرب الكل ضد الكل وقد لا تستطيع قوة بعينها السيطرة على الأوضاع فيؤول الامر الى تدمير الكل للكل.
17. يحتاج الجزء -أي جزء-حتى يبقى حرا-ان يكون مستقلا عن الكل كما يحتاج الجزء المسكون بالكل باعتباره الجزء الأكثر انغراسا في مصالح الطبقات الأكثر تضررا الى تسكين مصالح الفئات الأقل تضررا من النظام القديم في مشروع وطني جامع ليكون مؤهلا للدفاع عن المصلحة الموضوعية في ابعادها الطبقية والتاريخية .
18. يحتاج الانتقال النوعي بالمجتمع والدولة الى التخلي نهائيا عن البنى الجبهوية والكتلوية والائتلافية ذات المصالح المحدودة او الظرفية التي لا يمكن لها ان ترتقي الى مصاف المشروع الوطني الاوسع والاقدر على تحقيق الانتقال الثوري بالمجتمع والدولة الى مرحلة جديدة.
19. يحتاج الانتقال الى كيان مجتمعي وسياسي جديدين الى ان تتصدر قوى الفكر-بما في ذلك الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي-وقوى الثقافة والخيال والفلسفة والفن المشهد الانتقالي باعتبارها قوى تمتلك الاقتدار عل التعبير عن ضمير الشعب ومصلحته الموضوعية التي ترتقي بالضرورة الى ما فوق المصالح الحزبية والنقابية التقليدية. وعلى هذه الأخيرة ان تتموقع في المشهد الانتقالي باعتبارها قوى وسيطة بين فكر النخبة وحقيقة الحراك الاجتماعي والسياسي من اجل تخليصه من انسداد الأفق والدوران في حلقة المصالح الذاتية المغلقة ومن اجل الارتقاء به الى فضاء الوعي الجماعي ذي الابعاد التاريخية الواضحة. لا يمكن للقوى الحزبية والنقابية التقليدية ان تلعب هذا الدور طالما تمسكت بأحقيتها و"شرعيتها التاريخية" في قيادة التحول الاجتماعي والسياسي لمرحلة ما بعد الثورة. على هذه القوى ان تعي حقيقة التحولات في عصر ينبؤ بميلاد عالم جديد والا استمرت في إعادة انتاج الماضي ورسكلته وفق شروط تطور الماضي نفسه وفي هذه الحالة تستقر في إعادة تموقعها كقوى محافظة ومعطلة لا أكثر ولا اقل
20. يحتاج المشروع المجتمعي والسياسي الجامع لأوسع طيف وطني الى تشخيص دقيق للمصالح المتنافرة والمتكاملة داخل الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا وداخل الفئات الأقل تضررا من المنظومة السياسية والاجتماعية القديمة حتى يقدر على تسكينها في مشروع وطني شامل وجامع.
21. كما يحتاج المشروع الاستراتيجي الى تشخيص دقيق لمصلحة الطبقة الاجتماعية الأكثر خطورة وكذلك مصلحة الفئات التي تدور في فلكها وتتمصلح معها وترتقي بفضلها الى سلطة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يمثل خطرا حقيقيا داهما على المشروع الوطني الشامل والجامع لأوسع الطيف الاجتماعي والسياسي الممكن. ان مصلحة الطبقة الاجتماعية الأكثر ضررا للمجتمع ومن معها من المصالح التي تدور في فلكها لا تمثل الا مصلحة خاصة لا تتحقق الا بتدمير كافة المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأخرى، وهي بذلك تستقر في مجال التضاد مع المصلحة الموضوعية للانتقال الثوري بالمجتمع والدولة وعليه بات من اوكد الضرورات الثورية رسم خطوط التماس في بناء المشروع الاستراتيجي على قاعدة الفرز الطبقي وما يقتضيه من فرز سياسي بين بقايا كتلة تاريخية تتهاوى وكتلة تاريخية تتأسس .
22. لم يعد، تبعا لذلك، مشروع الانتقال الثوري (بالمعنى التاريخي) الى مجتمع ودولة جديدتين في حاجة الى جدل الهوية، والى جدل اليمين واليسار، والى جدل الحزب الطليعي والحزب الانتخابي، والى جدل الحكم والمعارضة؛ اذ لم يعد يعكس كل جدل من هذه الجدالات الا مصالح ذاتية متقوقعة لا تقدر على الدفع الى مجتمع جديد ودولة جديدة بعدما بدأ يتأكد تآكل المجتمع القديم ودولته القديمة واتجاههما الى الانهيار وبعد ما بدآ يفقدان شروط استمرارهما التاريخي.
23. ليس المجتمع القديم الان الا المجتمع البورجوازي الذي لا يمثل فيه الفرد في علاقته بالأخرين الا وسيلة لتحقيق مصلحة خاصة، انه مجتمع الذوات "الحرة" التي لا تتبادل المنافع الا بتبادل الحيل والتحيل، انه مجتمع الذات الانانية الفجة التي لا ترى في تحقيق حريتها الا تقييدا او تدميرا لحرية الاخرين .
24. لا يستطيع هذا النوع من المجتمع ان ينمو الا بواسطة منظومة اقتصادية رأسمالية يخضع فيها الانسان (الاجير ومن كان في حكمه) الى سلطة علاقات الإنتاج الرأسمالية الاستغلالية في كل زمن ومكان مرت منه هذه العلاقات, وهي قوة تنمو الان وتتجه نحو الاحتكار والمضاربة ونهب ثروات الأمم والشعوب الضعيفة وفرض حالة الحرب الكونية بمختلف وسائلها التدميرية اما بشكل مباشر او بصنع وكلاء حرب يتحركون وفق مقتضيات المصلحة الخاصة, انها القوة التي بعد تدميرها للطبقة العاملة تتجه الان الى تدمير المجتمع باسره من اجل التموقع وإعادة التموقع وفق مقتضيات وحاجات المصلحة الخاصة .
25. تحتاج الأقلية المدمرة في المجتمع الحقيقي الى اقلية من السياسيين المحتكرين للسلطة لتنفيذ مهام التدمير؛ فكما احتاجت الرأسمالية الى احتكار الثروة تحتاج الدولة الى احتكار السلطة السياسية ووضعها بين اياد صنعت للغرض اياد تتداول هنا وتستبد هناك وكلاهما يحتكر السلطة ويمركز القرار وكلاهما يجدد "شرعيته" بدعوة ال"المواطنين" الى صناديق الاقتراع ليعودوا بعد ذلك الى مربعهم الأول كذوات فردية يشن فيها الكل الحرب والحيلة على الكل وتستباح في هذه الحرب كل الوسائل وفي تعدد الوسائل تعدد موارد "الرزق" التي يقتات منها النشاشون ومن في حكمهم من السماسرة والقناصين.
26. تتحول هذه الأقليات في سلطة الدولة الى كائنات ضعيفة مستكينة امام طواغيت الاقتصاد والمال والاعمال والاعلام وهكذا تفقد الدول قدرتها التعديلية وتصطف كجسم غريب عن المجتمع تتحرك داخله كوسيلة لشن الحروب الشاملة ضد مصالح الأغلبية الساحقة فتصبح بذلك في موقع العدو المباشر للمصلحة الموضوعية ومعطلا قويا لكل مشروع كتلوي تاريخي يكون جامعا لأوسع طيف اجتماعي ممكن .
27. ورغم ذلك، لا يقتضي التشكل الاجتماعي والسياسي الجديدين القائمين على أساس محورية الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا الغاء اقتصاد السوق، وانما يقتضي العمل على الغاء المضاربة والاحتكار والتهريب والتهرب والقبول بواقع الحرب الاقتصادية التي تشنها الأقليات الاجتماعية النافذة مع من يحوم في فلكها من المتمصلحين.
28. كما لا يقبل التشكل السياسي والاجتماعي الجديدين بهيمنة اقتصاد السوق على كافة عمليات الإنتاج والتخزين والتوزيع والتبادل في أوسع مظاهره بل عليه ومن أولوياته تطوير أنماط جديدة لإنتاج الثروة وتخزينها وتوزيعها واستهلاكها تنبني على التعاقد والتضامن والتشارك والتقاسم .
29. يقوم المشروع الوطني الشامل والجامع على تخليص الدولة من مركزية الحكم والقرار، ومن تسلط النخب المحترفة القديمة منها والجديدة وذلك بإعادة بناء المشروع السياسي للدولة على قاعدة تقاسم السلطات الاصلية بين المحليات والجهات والمركز .
30. ان إعادة التشكل السياسي للدولة من الأسفل نحو الأعلى لكفيل لوحده بضمان الوجود الفعلي للشعب في سلطات القرار اثناء صياغة السياسات واثناء ممارسة تلك السياسات. ان الشعب الذي يحكم فعليا هو شعب قادر على كل أنواع التضحيات من اجل المصلحة الموضوعية بما فيها مصلحة سيادة القرار الوطني، اما الشعب المحكوم بالوكالة فلا يقبل باي نوع من أنواع التضحية طالما هو فاقد للثقة فيمن اوكلوا لأنفسهم تمثيله. واذا فرض عليه القبول ب"التضحية" فستسقط ضحايا من هنا وهناك.



#رضا_شهاب_المكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يعرفون...او لا يعرفون.
- الإرهاب...الحرية...صناعة من؟....وفي خدمة من؟
- النموذج التونسي
- انتهى -الانتقال الديمقراطي-
- الانتخابات في تونس ما بعد الثورة المعطلة:رؤوس تهوي ورؤوس حان ...
- الانتخابات، وبعد؟
- مصطلحات توحد حولها الشيوخ والشتات لنشر سموم ومهازل الانتخابا ...
- من يختلف مع اصطفافهم وبدائله معروضة للمناظرة والمجادلة يجلس ...
- هم الشيء ذاته: لبراليون. لبراليون..وان انكروا فهم التوحش ذات ...
- في الإستحقاق الاجتماعي لثورة الشعب التونسي
- عودة النظام القديم وإعادة الاعتبار لرموزه, وبعد؟


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا شهاب المكي - هل تمثل فكرة - الكتلة التاريخية - مخرجا لتعطل الثورة التونسية؟