|
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-19
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 20:33
المحور:
الادب والفن
مجتمع آخر او مجتمع الجناكا -رواية-19- **************************** مسكينة المجتمعات التي تضطر الى معايشة كل مظاهر الانحرافات والاختلالات ، يغيظها أن ترى من يتصرف بعقلانية وحكمة ، وتشبعه بالتهم والاشاعات ، لأنها هي العملة الوحيدة التي تروج بينهم . حتى أولئك الذين يقضون ساعة وأكثر في مساجد الوعظ أيام الجمعة ، يخرجون مشوشين الذهن بين تعاليم مرفوعة في السماء ، وبين واقع لا يمث الى ما يقوله الخطيب بشئ ، لذلك تراهم وقد شعروا بانتفاخ وصداع في الرأس ، ومنهم من ينام ، ثم ينهض للصلاة ، دون ان يعيد وضوءه ويجدده ، ولا يجد من ينبهه الى ذلك . هم أيضا أدمنوا مخدر التبغيل والتضبيع ، وبشراهة . لذلك تراهم قد تطبعوا مع مجتمع الجناكا . في البداية امتعضوا وتأففوا لكنهم سرعان ما اندمجوا معهم وطبعوا علاقاتهم بهم . كيف لا فهم أبناؤهم او أفراد أسرتهم ، او جيرانهم ، وهم في النهاية مواطنوهم . الجميع مدمن . الغباء ادمان ، الاهمال ادمان ، اللامبالاة أعظم وأخطر ادمان ، الكسل ادمان ، الفقر ادمان ، الجهل ادمان ، البطالة ادمان ، التهميش ادمان . خارطة ضخمة تستوطن ذات الفرد والجماعة من مدن الادمان النفسية ، لكنها مدن مهجورة ، لايعيشها الا الفرد مع ذاته . يتحطم داخلها في كل لحظة ، في كل آن ، ومع الأيام يصبح مجرد حطام موصول بأعضاء يكسوها جلد . كومة من الناس تسعى في الشوارع ، كتلة من البشر تجتمع في الأسواق ، دستة من أشباه الانسان تترنح مع بعضها هنا وهناك . هل هذا مجتمع بشري ؟ . قد تركز عليه جميع نظريات المجتمعات البشرية وستفشل في تطبيق أو ملاءمة احداها على هذا المجتمع . لابد من نظرية جديدة لهذا المجتمع اذن !!!!. الشمس مثلا كائن محايد لكنها في هذا الصيف صارت أكثر انحيازا لهؤلاء المدمنين من كل الأصناف . انها تساعدهم على الاسترخاء والترهل والكسل . عوض أن تعمل على بعث وهجها وحرارتها فيهم ، فهي تزيد من تفسخهم وفشلهم . هم لا يقوون على فعل شيئ . حتى السوق لا يذهبون اليه الا وهم في درجة قصوى من التذمر والتأفف ، وجوههم واجمة غاضبة . على ماذا ؟ هم أنفسهم يجهلون السبب . لا احد يتحدث عن المستقبل ، عن المصير ، عن الغد . وكأنهم جميعهم يعتبرون أن يومهم هذا هو يوم نهايتهم . لذلك تراهم راضون عن أوضاعهم البئيسة والمتردية . فماذا يضير الميت ان دفن في مقبرة او ترك نهبا للكلاب ، ما دام قد رحل عن هذه الحياة التي يسمونها جيفة . نعم هم يسمون الحياة جيفة . ومن يعيش داخل بطانة الجيفة لا تزعجه أبدا روائحها الكريهة ولا الذباب الذي يهجم عليها . الفقر ذبابة صيفية ، والبطالة ذبابة استوائية ، والجهل ذبابة قاتلة ، الكسل ذبابة مخدرة ، التهميش ذابة قذرة ، اللامبالاة ذبابة بحجم أغعى ضخمة . انهم لم يعودوا يطلبون شيئا . ينتظرون النهاية باستخفاف كبير ، مدهش ، استخفاف لن تجد له تفسيرات عند أكبر علماء النفس الدوليين . هم خارج الدراسات الانسانية ، لاعلم اجتماع ينطبق عليهم ولا أثروبولوجيا ، ولا علم نفس ، ولا شيئ . مجتمع جديد . اذن على الباحثين والدارسين اكتشاف منهج جديد . انه سيتيح لهم فتحا جديدا في علم الانسان اللاموجود . يمر الجانكي في الشارع العام وهو ينفخ في كيس بلاستيكي رقيق مشحون بسائل السيليسيون اللاصق ، ثم يستنشق ما بداخله فيتقلص الكيس وينكمش . يقف بالقرب منه تماما مدمنان يتداولان ويقيّمان محتوى الجزء الصغير الملفوف ببلاستيك أبيض ، يسألهما ركب من الوافدين الباحثين عن الهروين والكوكايين القادم من الجهة الغربية لأرض الدولة عن صاحب النوعية الجيدة ، ينزل من زنقة 49 رهط ضخم من المدمنين الذين اشتروا بضاعتهم ، وهم يحملون على اكتافهم أكياسا كبيرة مملوءة بالقناني الفارغة ، وبادوات مستعملة . انها ثروة يحملونها فوق ظهورهم . أينما صادفوها وضعوها في الكيس . وحالما يستنفذون البضاعة التي اشتروها سيتوجهون الى مراكز شراء الأشياء المستعملة لبيعها والعودة الى مركز بيع المخدرات . ارض الدولة . لا أحد يعرف تاريخها . أيام كانت أرضا مسيجة بجميع أنواع الفواكه ، كل مسكن قصديري والذي كان يسمى "براكة " ، لا يمكن أن لا تعثر فيه على شجرة فاكهة ما ، وهناك بعض المساكن التي كانت تحتوي على أكثر من شجرتين ؛ تين ، ليمون ، كروم ، اجاص ، لوز ، تفاح ،خروب ، دراق أصفر واحمر ، خوخ ، برتقال ....وغيرها. كانت عبارة عن حديقة كبيرة داخل حي قصديري بسيط .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-18-
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية-17-
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية -16-
-
الرموز تلك السجون اللامرئية :قراءة في عنف رموز السلطة في الم
...
-
الصحافة العربية المريضة
-
محمد صالح المسفر والسقوط المدوي لعرب الخليج
-
الانتخابات في المغرب بين المشاركة والمقاطعة :نحو عقلية جديدة
...
-
هل تسطيع الشعوب العربية الاستفادة من منجزات ايران ؟
-
فخ ايران اليمني
-
العرب بين المعنى والتسعير
-
جنت براقش على نفسها
-
قصيدة الغد بين محمود درويش وشارل بودلير
-
الأمة العربية في رحلة الى الجحيم
-
الشعر نبض الحياة
-
لي أخ لا أعرفه
-
نحو بناء مثقف جديد-2-
-
من تداعيات جائزة الشعر لاتحاد كتاب المغرب
-
أهلا بالعرب يف امبراطورية ايران
-
نحو بناء مثقف جديد
-
اللعنة
المزيد.....
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
-
حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال
...
-
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
-
الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم
...
-
الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
-
أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم
...
-
-جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|