أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية -16-














المزيد.....

مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية -16-


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4803 - 2015 / 5 / 11 - 04:26
المحور: الادب والفن
    


مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا -رواية-16-
******************************
مرت الأيام . جمع فصل الشتاء أدواته ؛ من امطار وبرد وغيوم ، وترك مكانه لفصل الربيع ، بشمسه الدافئة ، وأحيانا اللاهبة ، وتحول لون النهار من لون يكتسي يميل الى الرماد بطابعه الحزين ، الى لون شمسي منفتح على الفرح والبهجة .
أخذت احدى المدمنات التي اتخذت من باحة ادارة فرع مديرية الضرائب ببني مكادة سكنا لها تقضي فيه سحابة يومها ، بطانياتها واغطيتها ، وجاءت بها الى الساحة المحيطة بنافورة تافيلالت ، وفرشتها . هي جارة تلك البنت التي يصفونها ب" المجذوبة " ، لكونها تجلس طول النهار على هيأة واحدة ، جامعة رجليها بجلسة قرفصائية ، لا تحدث ولا تكلم ولا تنتبه الى أحد . تمضي سحابة يومها تتأمل اللاشيئ ، تركز نظرها على موضع ما ولا تشيح عنه أبدا ، وكأنها في حصة تدريبية من رياضة اليوغا .
رائحة البول المنبعثة من بطانيات وأغطية المدمنة تزكم الأنوف ، كل المارة حين يقتربون منها يضطرون الى وضع يدهم على أنوفهم ، وهم يتأففون ، ومنهم من يلعن ويسب ويشتم هذا الوضع المهين .
الرائحة تنتقل عبر الهواء الى مساحات بعيدة نسبيا . بعضهم يتساءل من أين تأتي هذه الرائحة الكريهة العفنة ،ثم ما يلبث يوجه نظره الى قباضة الضرائب ، أصبحت هذه الادارة المشبوهة في افراغها من موظفيها محط استهجان جميع الناس . الجميع الى اليوم ومنذ ما يقرب من أربع سنوات لم يهضم أن وزارة المالية قد أعطت أوامرها للموظفين باخلاء المبنى بسبب اتخاذ الجناكا والمشردين لممره الواسع وساحته الممتدة الى أكثر من ست أمتار مرتعا لهم . لا احد من الناس صدق هذه الاشاعة .الأمر لا يخلو من حسابات رخيصة .
المجذوبة لا أحد يعلم نسبها والمنطقة التي تنحدر منها ، ومن أين أتت بالضبط . منذ اليوم الأول اتخذت قرارها بالصمت ، مما أضفى على قصتها نوعا من التشويق المتعدد الحكي والتفسير .
فجأة استقرت بباب قباضة الضرائب ، نامت ليلتها الأولى هناك بعدما جمعت بعض الكرتون وفرشته ، لكن فاعل خير سرعان ما قدم لها بطانية لتغطي بها جسدها الغض . فتاة في عمر الزهور ، غاية في الجمال ، قامتها متوسطة ، وجهها الدائري كتفاحة صفراء ناصعة اللون ، وشعرها الخفيف الذي يطل من ثنايا غطاء الرأس أملس وناعم ، تربك كل من نظر اليها .
منذ الليلة الأولى حاول اكثر من جانكي ومتشرد مضاجعتها ، والاستمتاع بهذا الجمال الذي جاء كهدية غير متوقعة للجناكا والمشردين من فراغ المجتمع وفوضاه . لكن شباب الحي العقلاء ، او أولئك الصعاليك الذين ما زالوا يحتفظون بشئ من فضائل المجتمع المغربي ، كانوا يلجمونهم ويمنعونهم . حتى مصطفى وهو مدمن لشتى أنواع المخدرات كالحبوب المهلوسة والحشيش ، والكيف والخمر ، باستثناء المخدرات الصلبة . فهو ينتمي لعائلة أرستقراطية . هندامه أنيق وشكله محترم ، ويعتني بنفسه عكس كل أقرانه وأصدقائه الذين اختارهم من المعدمين والحشاشين والمدمنين . وهذا ما يجعله محط شبهة عند كثير من أبناء الحي .
حتى مصطفى هذا حاول في احدى الليالي أن يراودها عن نفسها ، وهو يقترح على أصدقائه أن يأخذوها الى منزله لتغتسل من أوساخها وتغير من ملابسها . لكن أصدقاءه لم يوافقوا على اقتراحه .
ورغم ذلك فقد انتشرت شائعة بكونها حامل منذ ثلاثة أشهر. من صاحب الفعلة ؟ لا احد يعلم الأمر .
المدمنة صاحبة ندبة من أثر ضربة سكين على وجهها ، يقال أنها كانت أيضا من أجمل رائدات الحانات ، وهي ما تزال نفسها صغيرة السن ، فعمرها لايتجاوز الثلاثين سنة . لكنها تبدو كامرأة هرمة . يقال في المثل المغربي " الزين ولا مشا كايبقاو حروفو " ، اذا ذهب الجمال ، تبقى معالمه " . فعلا فلون بشرتها يميل الى اللون الأشقر ، لون الأجنبيات الجميلات ، وشعرها الذهبي تحول الى ما يشبه حزمة من نبت عفن ، قدها المعتدل كما بدى في ايامها الأولى تحول الى مايشبه سلكا صدئا تآكل بفعل عوائد الزمن .
في المساء وبينما الشمس تنذر بالغروب جاءت وجمعت بطانياتها وأغطيتها وفرشتها في مكانها المعتاد . ثم رحلت حافية القدمين للبحث عن شيئ ما ، عيناها المتورمتان تبحثان عن شخص ما ، ربما شخص بعينه أو شيئ بعينه . تلتفت هنا وهناك . تبدو عليها الحيرة في كل حركاتها ، موزعة بين اختيار الاتجاه الذي قد تقصده . ثم عادت الى مكانها وهي تحدث نفسها بحركات من يديها .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرموز تلك السجون اللامرئية :قراءة في عنف رموز السلطة في الم ...
- الصحافة العربية المريضة
- محمد صالح المسفر والسقوط المدوي لعرب الخليج
- الانتخابات في المغرب بين المشاركة والمقاطعة :نحو عقلية جديدة ...
- هل تسطيع الشعوب العربية الاستفادة من منجزات ايران ؟
- فخ ايران اليمني
- العرب بين المعنى والتسعير
- جنت براقش على نفسها
- قصيدة الغد بين محمود درويش وشارل بودلير
- الأمة العربية في رحلة الى الجحيم
- الشعر نبض الحياة
- لي أخ لا أعرفه
- نحو بناء مثقف جديد-2-
- من تداعيات جائزة الشعر لاتحاد كتاب المغرب
- أهلا بالعرب يف امبراطورية ايران
- نحو بناء مثقف جديد
- اللعنة
- الشعراء يُحزنون الحزن
- مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -15-
- جريمة لايقترفها الا الجهلاء


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية -16-