أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - الملك لقمان . الجزء الثاني. (7) الله ورسوله والعفاريت !!















المزيد.....



الملك لقمان . الجزء الثاني. (7) الله ورسوله والعفاريت !!


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4806 - 2015 / 5 / 14 - 00:57
المحور: الادب والفن
    


(7)
الله ورسوله والعفاريت!

حين أدرك الملك لقمان أنّ هناك عشرات الآلاف من الكواكب المأهولة في كل سماء، وأنّه ليس في مقدوره الهبوط على كُلّ كوكب ليطّلع على أحواله، طلب إلى قائد المركبة أن يترك هذه السَّماء ويقلع إلى سماء جديدة، ودخل إلى غرفته وأغلق الباب على نفسه.
جلس مُسترخياً في أريكة شابكاً يديه على صدره، وردد كلمات الملك هاروت الثّلاث، لتنجلي أمامه فضاء ات لا متناهية، وكأنّه يجلس في السَّماء.
ازدحم الفضاء بملايين الملائكة بلباس أبيض على خيول بيض مجّنحة، وملايين الملائكة بلباس أسود على خيول سود مجنّحة، وملايين الملائكة بلباسٍ أحمر على خيول حمر مجنحّة، وملايين الملائكة بلباس أزرق على خيول زرق مجنحّة، وملايين الملائكة بلباس أخضر على خيول خضر مجنّحة، وملايين الملائكة بلباس زهري على خيول زهريّة مجنحّة، وملايين الملائكة بلباس بنّي على خيول بنيّة مجنّحة، وملايين الملائكة بألوان أُخرى مختلفة، وكانوا جميعاً يمتطون خيولاً مجنّحة.
أخذ الملك لقمان يُملي تعاليمه عليهم، طالباً إليهم أن يجوبوا الكواكب التي يخلّفها وراءَ ه وأن يحلّوا مشاكل سُكّانها ويغدقوا الخيرات عليها، وينشروا تعاليمه فيها، ويدعوها لعبادة الله الذي لا إله غيره، الذي هو كلُّ شيء ومنه صار كُلّ شيء، وله كُلَّ شيء، وإليه يعود كُلُّ شيء!
وقد استثنى من الكواكب التي خلّفها وراءه، كوكب الأرض وكوكب الزّهرة والكواكب التي مَرّ عليها خلال رحلته الفضائيّة ووضعها تحت حماية الملك حامينار.
أخذت جيوش الملائكة تتفرّق من السَّماء أفواجاً أفواجاً وتذهب لتأدية المهام التي أوكلت إليها.
تنفّس الملك لقمان ملء رئتيه وطلب الملكة نور السَّماء بلغة التّخاطرُ فجاءَت، هتفت وهي تقف خلفه وتنحني لتطوّق عنقه بيديها:
"هل بدأت تبتعد عنّي، أراك بدأت تخلو بنفسك؟"
أخذ يديها بيديه:
"يبدو أنّه لا بُدّ من ذلك يا حبيبتي ولو لبضع دقائق"
"لم تقل لي لماذا اختلى بك الملك هاروت قبل إقلاعنا"
"ليضع تحت تصرّفي بعض القوى التي يتحكّم بها!"
"ما هي"
"قوى ملائكيّة كما يبدو"
"ملائكيّة؟"
"أجل!"
"وكيف ستتحكّم بها؟"
"للأسف لا أستطيع أن أقول لك ولذلك اختلى بي جانباً"
"ولماذا لا تستطيع أن تقول لي يا حبيبي؟"
"لأن المقدرة على التحكّم بهذه القوى تفقد بعض فعّاليّتها كُلّما ازداد عدد من يعرفون رموزها السِّريّة"
"هل هذا يعني يا حبيبي أنّك الآن أصبحت الأقوى في الأكوان بعد أن امتلكت كل هذه القدرات؟"
"لا أظن يا حبيبتي"
"لماذا يا حبيبي؟"
"لأن الله بالتأكيد، أقوى مِنّي"
"كنت أقصد بين الجن والإنس والملائكة"
"أظن أنّ الملِك إبليس أقوى مِنّي، وربّما يوجد بين الملائكة من هُم أقوى مِنّي أيضاً"
"لا أعتقد يا حبيبي"
"وعلى ماذا تبنين هذه اللا؟"
"لأن الملك إبليس يفتقر إلى نوازع الغضب والحساب والعقاب وأي نزوع نحو الشَّر وهنا يكمن ضعفه!"
"حتّى لو صحَّ ذلك، فهو يمتلك قوّة الخلق"
"وما أدراك أنّك الآن لا تمتلك قوّة الخلق يا حبيبي، هل جرّبت ذلك؟!"
"لا، وأشعر أنني لن أُجرّب"
"لماذا يا حبيبي"؟
"ما زلت أشعر في دخيلتي أنّ هذه مسألة من حقّ الله وحده، ولا يجوز أن نتعدّى على حقوقه"
"لكن الملك إبليس فعلها وشارك الله في عمليّة الخلق!"
"لذلك غضب الله عليه، وأنا لا أريد أن أكون إبليساً ثانياً، ولا أريد أن أُغضب الله، رغم إحساسي أن قصّة إبليس عن الخلق قد تكون مختلقة أو متصوّرة أو متخيّلة أو شيء من هذا القبيل!"
وبدت الملكة في غاية الدهشة وهي تستمع إلى ما يقوله الملك، فهتفت:
"لكنك حتّى الآن تأخذ بمقولة إبليس وتتعامل معه إنطلاقاً من ذلك"
"إلى أن يثبت العكس، أو ما هو غير ذلك يا حبيبتي"
"وماذا لو ثبت العكس واكتشفت قصّة أُخرى لخلق آدم وحوّاء غير القصص المعروفة طبعاً، كيف ستتعامل مع إبليس؟"
"لا أعرف، فأنا لا أُحبّذ استباق الزّمن، فربّما أجد في الحقائق الجديدة ما يقرّبني من إبليس أكثر مما أنا قريب منه الآن"
"وإلى متى يا حبيبي ستظل تتعامل مع الظّواهر والوقائع والرّؤى على أنّها حقائق ليست ثابتة؟"
"إلى أن أصلْ إلى الحقيقة المُطلقة!"
"وإذا لم تصل؟"
"أكون قد تركت باب الاجتهاد والبحث مفتوحاً لمن سيأتون من بعدي، ليكملوا ما توصّلت إليه أو يُضيفوا شيئاً إليه"
"وهل يمكن أن تعود إلى الإلحاد يا حبيبي؟"
"يبدو لي أن الفرق بين الإيمان البصير والإلحاد العبقري لا يتجاوز شعرة صغيرة، قابلة للقطع في أيّة لحظة، لأن كلا الاعتقادين إيمان!"
أطلق يديّ الملكة فرفعت يديها عنه ودارت لتجلِس إلى جانبه، سألها:
"ماذا فعلت لأستير؟"
"لا شيء خصصت لها جناحاً في المركبة، وسألتها إذا تُحب أن تعمل شيئاً، فقالت: أنّها لا تستطيع أن تبقى دون عمل وأنّها تحب الحدائق، فأوكلت إليها مسؤوليّة الحديقة والمسبح على المركبة"
"ألم تجدي ما هو أفضل لها لأن تقوم به؟"
"هي التي أشارت إلى ذلك"
"ما أخبار ظبائك ودلافينك وحماماتك وفراشاتك؟"
"تُسلّم عليك يا حبيبي!"
"الله يسلّمك"
"هل تعرفين أين نحن الآن؟"
"في كونٍ ما!"
"ألم ندخل الكون الثالث بعد؟"
"نحن على وشك الدّخول فيه، وإن كنت لا أجزم أنَّ هذا هو الكون الثالث، وآمل ألاّ نواجه ما واجهنا ونحن نغادر الكون الأوّل"
"وهل حدث شيء ونحن نغادر الكون الأوّل؟"
"حدثت حرب كونيّة وأنت نائم يا حبيبي"
"حرب كونيّة بين الكواكب والنّجوم؟"
"وكُلّ ما في الكون"
"يا إلهي، لِمَ لمْ توقظيني؟"
"كنت أفضُّل أن تبقى نائماً على أن ترى الدّمار المُروّع الذي سيعكّر عليك نومك!"
"أكان مُروّعاً إلى هذا الحد؟"
"أكثر مما يتصوّر الخيال"
"كانت الكواكب تصطدم وتنشطر وتتناثر؟"
"أجل"
"وهل كانت مأهولة؟"
"بعضها كان ماهولاً"
"وهل كانت الحرب بفعل قوى خارقة أم بفعل عوامل طبيعيّة؟"
"لم نعرف، على أيّة حال هي في كلا الحالين قوى خارقة"
"ولم تحاولوا التدّخل؟"
"بل هربنا"
"وتركتم حياة تُفنى أمام أنظاركم؟"
"وماذا كان في مقدورنا أن نفعل يا حبيبي؟"
خاطب قائد المركبة الملك لقمان بلغة التخاطر هاتفاً:
"ثمّة إشارات تؤكد وجود قوى تسدُّ الفضاء أمامنا يا مولاي، ويبدو أنّها احتشدت لتمنع مرورنا"
نهض الملك لقمان على عجل وهرع إلى غرفة القيادة تتبعه الملكة.
لم تكن القوى قد ظهرت بعد، ولكن الخطوط على شاشة رادار المركبة كانت تشير إلى أنَّ الطّريق مُغلق.
أشار الملك إلى الرائد بمتابعة الانطلاق بسرعة أيضاً، وهرع ملك الملوك من مقصورته متسائلاً.
نظر الملك لقمان عبر منظار بعيد المدى فشاهد أجساماً هائلة تحجب الفضاء، تساءَ ل:
"هل خرجنا من فضاء السَّماء التي كُنّا فيها"
"أجل يا مولاي نحن في الفضاء الفاصِل بين سماءَ ين الآن!"
"ثمّة أجسام هائلة الحجم أمامنا لم أعرف ما هي؟"
نظر ملك الملوك عبر المنظار وهتف:
"هؤلاء جن يا مولاي، ويبدو أنّهم من الجن الأشرار!"
"كيف عرفت أيّها الملك؟"
"لأنّهم يأخذون شكلهم الجنّي الأكبر يا مولاي"
"وإذا أخذوا شكلهم الجنّي الأكبر؟"
"في العادة لا يأخذ الجن جميعاً شكلهم الأكبر إلاّ لمواجهة خطر جسيم أو قوى مجهولة خارقة أو استعداداً للحرب، هل نستنفر قوانا ونستعد للحرب يا مولاي؟"
"لا أيّها الملك"
"يمكن أن ينقضّوا علينا دون أن ندري يا مولاي"
"لا عليك، لقد أخذت كل الاحتياطات"
"لكني لا أرى شيئاً غير القوى التي ترافقنا وهذه وحدها لا تكفي، ثمَّ إنّك لم تأمُرها لتستنفر طاقاتها القصوى وتأخذ شكلها الجنّي"
"أظن أنّه لا داعي لذلك أيّها الملك"
"مولاي أرجوك أنا لم أعتد الهزائم، ولا أريد أن أموت"
"ومن قالَ لك إنّي أُحِبُّ الهزائم وأريد لنفسي أو لكم الموت أيّها الملك؟"
"إذن افعل شيئاً مُجدياً يا مولاي"
"لقد فعلت أيّها الملك فلا تخف"
وسكت ملك الملوك على مضض.
أصبحت الأجسام تُرى بالعين المجرّدة غير أنّ أبعادها لم تكن بادية للعيان، فنظر الملك لُقمان عبر المنظار فتبيّن له أنّ رؤوسها تتطاول في الأعالي وأرجلها تمتد بعيداً إلى أسفل.
"يبدو أن أحجام هؤلاء الجن، إن كانوا جنّاً، أكبر من أحجامكم أيّها الملك"
"أجل يا مولاي هذه أحجام ملائكة أو آلهة"
قربت المسافة الفضائيّة بينهم وبين الأجسام بحيث لم تعد تتجاوز المليون كيلومتر، مدَّ أحدها يداً هائلة الحجم بالغة الطول، صرخ ملك الملوك:
"مولاي ها هو أحدهم يمد يده ليأخذنا في قبضته!"
فهتف الملك لقمان:
"لا تخف أيّها الملك لن تصل يده إلينا بإذن الله"
"مولاي دعني أطلب إلى أحد أعواننا ليستلّ سيفاً ويقطعها!"
"ألم تعد تثق بقدرة الله أيّها الملك؟"
"أستغفر الله العظيم، لكن الحذر واجب يا مولاي"
"ألم أقل لك إنني أخذت احتياطاتي كُلّها أيّها الملك؟"
"مولاي إنّ يده تقترب من المركبة، يا إلهي قبضتها بحجم طود، سيسحق مركبتنا كما يسحق بيضة!"
وبدا الملك لقمان ثابت الجأش غير مكترث، فيما دبّ الهلَع في قلوب كل من كانوا على المركبة.
صرخ ملك الملوك:
"مولاي ها هو يفتح قبضة يده، ويشهر أصابعه كمخالب الرُّخ!"
وصرخ مُعظم من في المركبة حتّى الملكة نور السَّماء، فقد صرخت صرخة خفيفة وهي تُلقي نفسها على الملك لقمان من الخلف لتطوّقه بيديها وتلتحم بجسده.
ظهر فجأة في السَّماء فرسان عمالقة بيض، يمتطون خيولاً بيضاً مجنّحة ويشهرون رماحاً كلُّ رمح بطول مئات الكيلو مترات، ملأوا الفضاء فوق المركبة وأمامها وخلفها.
تنفّس الجميع الصُّعداء فيما أخذت اليد تتراجع وأصابعها تنقبض، هتف ملك الملوك:
"لِمَ تأخّرت يا مولاي أمَتَّنا من الرّعب؟"
"لم أتأخّر، ألم أقل لكم أنني احتطت لكلّ شيء؟ لم أعرف أنّكم جبناء إلى هذا الحد!"
"وما هؤلاء الفُرسان؟ يبدون كالملائكة يا مولاي"
"إنّهم ملائكة أيّها الملك!"
"يا إلهي، هل أصبحت تتحكّم بالملائكة أيضاً يا مولاي؟"
"ربّما أيّها الملك!"
وراح ملك الملوك يشكر الله:
"أشكرك يا إلهي إذ وضعت كل هذه القوى العظيمة في خدمة مولاي دون غيره من البشر"
اقتربوا من الكائنات فشرعت تتنحى بأجسامها يميناً وشمالاً لتشكّل صفيّن متقابلين فاتحة الطّريق أمام المركبة.
خرج الملك والملكة وملك الملوك وكل من في المركبة على الشُّرفات"
وما أن اقتربوا ليسلكوا الطّريق بين الصَّفين محاطين بالملائكة والمُرافقين من الجنّ حتّى هتف صوت هائل:
"الملك نمرود الجبّار ملك ملوك الجنّ العفاريت في السَّماء الثالثة وأعوانه يرحّبون بجلالة ملك الملوك، ملك الإنس والجن والملائكة والدوّاب والنّبات لقمان العظيم"
أدرك الملك لقمان أنّه غدا بفعل كلمات الملك هاروت الثّلاف ملكاً على كل الكائنات الحيّة!
تساءَل ملك الملوك بدهشة:
"ما الذي أسمعه يا مولاي؟"
"أنا مثلك عرفت ذلك الآن، يبدو أنّ الملائكة أخبروا العفاريت أنّ هذا هو منصبي"
"ومن منحك كُلَّ هذه المناصب يا مولاي؟"
"يبدو أنّه الملك هاروت، وبالتأكيد فعل ذلك بموافقة جدّه الملك إبليس"
"ألم يخبرك يا مولاي؟"
"لا، لكنه منحني قوى خارقة ربّما أهلتني لذلك"
"مبروك يا مولاي، كم أنا سعيد لأنَّ جميع من التقيناهم أحبّوك ووضعوا قواهم في خدمتك"
"الله يبارك فيك أيّها الملك"
كان الملك لقمان يلوّح بيده اليُمنى للعفاريت الذين ملأوا السَّماء وشقّوا باصطفافهم طريقاً طويلاً فيها، أرغموا موكب الملك على سلوكه، ولم يبدُ أن الملك نمرود موجود بين هذه الحشود وإلاّ لأوقف موكب الملك ودعاه لضيافته، لكن حين ظهرت في السَّماء مجموعة من الفتيات الجميلات وشكّلن صفّين متقابلين في نهاية صف الجنود العمالقة، ورحن يلوّحن بباقات الورود، توقّع الملك لقمان حُضور الملك نمرود، فراح يتمنّى ألاّ يحضر لأنّه لم يكن راغباً في ضيافة أحد لمجرّد الضيّافة، غير أن تمنيّاته ذهبت هباءً، فما أن اجتازت المركبة بضعة آلاف من الأميال بين صفوف المرحّبين والمرحبات حتّى انجلت للأنظار مدينة في السَّماء كانت تحلّق وهي تدور حول نفسها فبدت وكأنّها كوكب مسحور.
وقد احتشد أمامها مئات الآلاف من العفاريت في شكل إنسيّ، وانتظموا في صفوف وحملوا البيارق والرايات الملوّنة، ولم يكن الملك لقمان يعرف أنّ ما ينتظره في هذه المملكة السَّماويّة هو من أهم وأغرب ما سيواجهه في رحلته السَّماويّة.
ما أن اقتربت مركبة الملك لقمان من هذه الحشود حتّى عزفت الأبواق ودقّت الطّبول وحلّق فرسان على عُجول مجنّحة في الجو، وراحت آلاف الحوريّات الفاتنات والأفاعي العملاقة تجوب السَّماء في أسراب منتظمة.
وكان لبعض هذه الأسراب من الأفاعي رؤوس وأثداء نساء ولبعضها الآخر رؤوس وأذناب أفاعٍ وأجسام نساء.
شكر الملك لقمان جيش الملائكة وأشار له بالانصراف فيما لو أراد، فأخذ الملائكة يجنحون بأرتالِهم يميناً وشمالاً ويصعدون على خيولهم في السَّماء، فيما أخذ الملك لقمان بيد الملكة نور السَّماء وطارا ليتبعهم كُلَّ من في المركبة.
كان الملك نمرود يقف في الفضاء بمرافقة زوجته الملكة نجوم وبعض أعوانه يتقدّمون صفوف قارعي الطبول وعازفي الأبواق، وما أن شاهدوا مركبة الملك لقمان تتوقّف في السَّماء والملك يقدم طائراً حتّى امتدَّ في السَّماء بساط أحمر كبير شملَ المكان كُلّه، وامتدَّ فوقه بساط مُستطيل أخضر حطّ الملك لقمان ومرافقوه عليه، وساروا بضعة أمتار ليستقبلهم الملك نمرود والملكة نجوم بالترحيب الحار ويصطحبهم إلى مدينته السَّماويّة التي بدت وكأنّها جنّة محلّقة في السَّماء، وفريدة في طرازها المعماري الذي كان سامقاً ويأخذ شكل الأفعى كُلّما ارتفع ليتدرّج بشكل لولبي ثم يستقيم إلى أن ينتهي إلى رأس أفعى.
وقد قاد الملك نمرود الملك لُقمان عبر جنائن معلّقة، انتظمت فيها أنساق من الورود والزّهور والنّباتات الخلاّبة التي لم يرَ الملك مثيلاً لها، وقد شرعت تهزّ أغصانها وترقّص ورودها وتفوّح شذا عطرها في الجنائن احتفاءً بالملك لقمان.
وقد انتصبت على جوانب الممرات في الحدائق عشرات التّماثيل للأفاعي المختلفة والملك إبليس إلى جانب بعضها البعض، فيما وقفت بينها الحوريّات والأفاعي ذوات الرؤوس الإنسيّة والإنسيّات ذوات الرؤوس الأفعوانيّة، اللواتي كُنَّ يلوّحن بباقات من الورود ترحيباً بالملك.
وسار الملك نمرود بضيفِه ومرافقيه بين هذه الجنائن إلى أن انتهى بهم إلى عرشٍ من النّباتات الجميلة التي نُسّقت بشكل رائع الجمال، توسّطهُ تمثالٌ ضخم للملك إبليس جلس أمامه على كرسيين أفعى وأفعوان هائلا الحجم. وفيما كان موكب الملك لقمان يدنو من العرش تطاولت الأفعى والأفعوان بجسميهما لتسمقا عالياً في السَّماء، لتتطاول معهما مئات الأفاعي الأصغر حجماً التي كانت تحيط بالعرش، ولتقف جميع الأفاعي على أذنابها، وما أن توقّف موكب الملك لُقمان أمام العرش الأُفعواني حتّى حيّا الملك نمرود الأفعى قائلاً:
"السّلام على ملكة الأديم ورسولة إلهنا الوفيّة إبليس العظيم!"
أدرك الملك لقمان أنّ هؤلاء القوم يعبدون الملك إبليس وأنّ هذه الأفعى ليست إلاّ الأفعى التي أرسلها الملك إلى الجنّة لتدلّ آدم وحوّاء على شجرتيّ المعرفة والخلود.
ردّت الأفعى:
"وعلى المخلص لربّه ورسولته الملك نمرود السَّلام"
فقال الملك نمرود:
"أقدّم لك ضيفنا مولانا المهيب جلالة الملك لُقمان ملك الإنسِ والجن والملائكة والدّواب والنّبات، ونصير إلهنا إبليس العظيم"
وأخذت الأفاعي تقصر شيئاً فشيئاً وتطوي جسمها تحتها إلى أن بقي منها بضعة أمتار منتصبة، هتفت الأفعى الكبيرة وهي تحني رأسها:
"أهلاً بمولانا جلالة الملك لُقمان الذي ذاع صيتهُ في الأكوان"
فهتف الملك لقمان:
"أهلاً بكِ أيّتها الملكة العظيمة يا من سعيتِ لخير الإنسان"
وبدأت الأفعى تأخذ شكل حوريّة بجسد أفعى، والأفعوان يأخذ شكل إنسي بجسد أُفعوان، أمّا الأفاعي الأُخرى فقد أخذت أجساد حوريّات برؤوس أفاعٍ، ونزلت الأفعى والأفعوان عن العرش تحفّ بهما الأفاعي الأصغر لتصافح الأفعى والأفعوان الملك لقمان والملكة نور السَّماء ومرافقيهما.
هتفت الأفعى:
"أتمنّى لجلالتكم طيب الإقامة في ضيافتنا.
فشكرها الملك لقمان وأعلن أنّه يتعذّر عليه البقاء طويلاً في ضيافتهم نظراً للأشغال الكثيرة التي تنتظره.
فقال الملك نمرود:
"آمل ألاّ تغادرنا جلالتكم قبل أن تسوّي وضعي ووضع ملكة الأديم مع إلهنا الملك إبليس"
فقال الملك لقمان:
"يبدو لي أنَّ وضعكم صعب أيّها الملك، فأنتم أوّل طائفة من الجن أراها تعبد الملك إبليس وتقدّس الأفعى"
"هذه قصّة طويلة سنوجزها لجلالتكم فيما بعد"
وقاد الملك نمرود ضيوفه إلى مُتنزّهٍ في الجنائن، بناء على رغبة الملك لقمان الذي أحبّ الجلوس في مكان مكشوف وسط هذه الجنائن الخلاّبة.
وما أن جلسوا ودارت الحوريّات بكؤوس الشّراب، وبدأ التحضير لطعام الغداء، حتّى سأل الملك لقمان الملك نمرود أن يروي له قصّته وقصّة ملكة الأديم مع الملك إبليس، فتنهّد الملك نمرود من أعماق جرحه وشرع يتحدّث:
"كنت أكثر المخلصين من بين الملائكة لجدّنا الملاك إبليس، وكان إيماني به أكثر من إيماني بالله الذي يتحدّث عنه ويدعو إليه، لأنّي لم أرَ ذاك الإله ولم أرَ فعله، ولم ألمس منه شيئاً ذا فائدة، وبالتالي لم أكن مقتنعاً به في قرارة نفسي، أمّا جدّي فقد شاهدت خلقِه وما فعله على الأرض، وكنت أقولُ له "أنت الله يا جدّي، ويبدو أنني لن أؤمن إلاّ بك" فكان يغضب منّي ويزجرني، وحين خلَق الأفعى من ضمن ما خلق آمنت به مثلي، فراح يزجرها مثلما يزجرني. وحين خلق جدّي الإنسان فيما بعد، ازددت قناعة بألوهيّته، بل واعتقادي أنّه الإله الوحيد في الكون، وحدث الخلاف الكبير بيننا حين دعانا لنسجد لآدم، فأبيت دون الملائكة، وكذلك أبت الأفعى دون الحيوانات، وأعلنّا أننا لن نسجد لأحد بعد الله إلاّ له إذا كان لا بُدَّ من السُّجود، فغضب علينا وصرفنا من وجهه، وطلب إلينا أن نبتعد عن مرآة حيث يكون، لكنه احتاج إلى الأفعى حين تفاقم خلافه مع إلهه وأنزل مرتبته من ملاك إلى جنّي، فأرسلها لتدلَّ آدم وحوّاء على شجرتي الخلود والمعرفة ليأكلا من ثمارهما، فاكتشف الله القصّة كما تعرف وطرد آدم وحوّاء والأفعى من الجنّة، وازداد غضبه على جدّي.
ومنذ تلك الحادثة قررنا التخلّي عن عبادة ذاك الإله وعبادة جدّي وحده، حين انجلى لنا ذاك الإله عن إلهٍ لا يحبُّ الخير والمعرفة والخلود للبشر، وحين أعلنا ذلك لجدّي غضب وثار وطردنا مِن الأرض أنا والأفعى، فكُنّا بذلك أول مطرودين من الأرض أيّها الملك.
اصطحبت معي زوجتي واصطحبت الأفعى زوجها، واصطحبنا معنا بعض الحيوانات والنّباتات، وجئنا إلى هذه السَّماء، وأقمنا مملكتنا فيها على هذا الكوكب، الذي لا يبدو أنّه كوكب، بل مدينة تحلّق في السَّماء لكثرة ما أشدنا عليه من الحدائق والجنائن والعمران. وما زِلنا نعبد جدّي دون ذاك الإله.
هذه هي قصّتنا باختصار شديد أيّها الملك، ولم نكن نتمنّى أو نرغب في أن تجري الأمور كما جرت عليه، لكن يبدو أنَّ القدر قد رسم لنا طريقاً لم يكن في وسُعنا الحياد عنه، وإنّا لنأمل من جلالتكم ونحن نتوسَّلُ إليكم، أن تجدوا لنا حلاّ لمعضلتنا مع جدّنا، ومع الله إن كان هناك حقَّاً إله غير جدّي"
كان الملك لقمان يستمع إلى الملك نمرود بكُلِّ حواسّه وهو يتحدّث عن مأساتِه بألم، وبدت ملكة الأديم حزينة ومتألّمة بدورها لكُلِّ ما جرى، وما أن أنهى الملك نمرود القصّة حتّى راح الجميع ينظرون إلى الملك لقمان آملين أن يعلّق بكلمة، أو أن يقول كلمة أو يتساءَل عن أمرٍ ما، غير أنّه لم يفعل، بل أطرق مُفكّراً، وما لبث أن أغمض عينيه وأمال رأسه إلى كتفه ليبدو وكأنّه سينام وهو جالسٌ في مقعده، لكن ما أن أخذ يحرّك رأسه، فيما الملكة نور السَّماء تنهض لتضع يديها برفق على كتفيه وتشير إلى الجميع أن يصمتوا، حتّى أدركوا أنّه بدأ اتّصاله مع الذات الإلهيّة.
وكان الملك لُقمان قد بدأ اتّصاله بالذات الإلهيّة بأن سأل الله:
"لِمَ يا إلهي تضع كُلَّ هذه العراقيل في طريقي ولا تيسّر لي الوصول إلى حقيقتك الكُليّة، لِمَ تواجهني بقضايا أعجز عن حلّها دون مساعدتك، أعِنِّي يا إلهي، أعِنّي"
فهتف صوت الله في دخيلته:
"هذه ليست قضيّة كبيرة أمام القضايا التي واجهتك والقضايا التي ستواجهك يا لقمان، فاستمع إلى ما سأقولُه لك أيّها الرّوح الحبيب:
من عبد ملاكي الوفي إبليس عبدني، ومن آمن بإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد وعليّ عبدني، ومن آمن بكونفوشيوس ولوتس وشوانع تسو وبوذا ومهاويرا وبراهما وفشنو وشيفا وكرشنا وزرادشت عبدني، ومن آمن بالصوفيين عبدني.
وهُنا أخذت حركة رأس الملك لُقمان تحتد ليخرج عن صمته ويهتف بصوتٍ خفيض أقرب إلى الهذيان:
"لا، لا، مستحيل، مستحيل، مستحيل!"
غير أنّ صوت الله خاطبه طالباً إليه الصَّمت والاستماع فصمت ليُكمل الله هُتافه:
"من عبد الشمس يا لقمان عبدَني، ومن عبد القمرَ عبدني، ومن عبد الأرض عبدني، ومن عبد الزُّهرة عبدني، ومن عبد الكواكب عبدني، ومن عبد النّجوم عبدني، ومن عبد السَّماء عبدني، ومن عبد البحر عبدني، ومن عبد النّهر عبدني، ومن عبد النّبع عبدني، ومن عبد المطرَ عبدني، ومن عبد السَّحاب عبدني، ومن عبد الورد عبدني، ومن عبد النّبات عبدني، ومن عبد البقرة عبدني، ومن عبد العَنزة عبدني، ومن عبد النّعجة عبدني، ومن عبد النَّاقة عبدني، ومن عبد الفرَس عبدني، ومن عبد الغزالة عبدني.
ومن عبد الجبل عبدني، ومن عبد الحقل عبدني، ومن عبد التُراب عبدني، ومن عبد الصُّخور عبدني، ومن عبد النار عبدني، ومن عبد الجمال عبدني.
من عبد الحمامة عبدني، ومن عبد العصافير عبدني، ومن عبد الفراشات عبدني، ومن عبد الرّيح عبدني، ومن عبد الدّلفين عبدني، ومن عبد المرجان عبدني.
من عبد المحبّة عبدني، ومن عبد الخير عبدني، ومن عبد المعرفة والعلوم الخيرانيّة، عبدني ومن عبد الصّدق عبدني، ومن عبد الحقيقة والفضيلة عبدني.
من آمن بالصالحين عبدني، ومن آمن بالصالحات عبدني، ومن آمن بك يا لقمان عبدني، ومن عبدك أيّها الرّوح الحبيب عبدني!!"
وهُنا انفعل الملك لقمان وصرخ:
"لا! لا! مستحيل، مُستحيل، أرجوك، أرجوك، أتوسَّلُ إليك ألاّ تحمّلني مالا طاقة لي به!"
وراحت الملكة تحتوي رأسه وتهدّئ من روعه، فيما صوت الله يهتف في دخيلته:
"لماذا مستحيل أيّها الرّوح الحبيب، ألم تدرك بعد أنّ وجودي في كل الوجود، وأن لا شيء خارج وجودي؟! أنسيت أنني موجود في كُلّ شيء وكل شيء موجود فيّ، أنسيت أنّك آمنت بألوهيّة كنعان واليسع وعناق وعونائيل وسجدت لكنعان وأنت لم تسجد لي بعد؟! هل كنت سأرضى عنك لو لم تكن تسجد لي يا لُقمان؟!
وبدا الملك لقمان وقد نال منه الإجهاد، فاحتضن رأسه بيديه وراح يهذي بصوت خفيض لم يكن مفهوماً لمن حوله:
"لا! لا يا إلهي، إنّ وجودك ما يزال يشكّل لي لُغزاً أكبر من أن أتوصَّل إلى حقيقته الكليّة، رغم كلِّ ما توصّلت إليه وعرفته عنه، ولا أظنّ أنني كنت أدرك أبعاد ما أفعل حين سجدت لكنعان، وإن كنت أظنُّ أنّك من أوحى إليّ بالسّجود له"
ولم يعد الله يهتف إليه، فأخذ يهدأ شيئاً فشيئاً، وما لبث أن فتح عينيه وأرسل نظراته إلى الملك نمرود وملكة الأديم ليراهما ينظران إليه بخوف وقلق وتوسُّل وأمل، فهتف بجملة واحدة فقط من كل ما استمع إليه من الله:
"من عبَدَ الملاك إبليس عبدَ الله"
فانكبّ الملك نمرود وملكة الأديم على قدمي الملك لُقمان وخرَّ كُل من في المتنزّه جاثياً على ركبتيه، وأنهض الملك لقمان، الملك نمرود وملكة الأديم، واستأذن الحضور ليزفّ النّبأ إلى الملاك إبليس على الأرض وإلى جميع قوى الجن في كل مكان.
استراح الملك لقمان في أريكته وأخذ يستجمع قواه الذّهنيّة ليهاتف الملك إبليس تخاطراً عبر مسافة ملايين السّنين الضوئيّة، طالباً إلى جميع قوى الملائكة، الذين كانوا جَناً وشياطين وعفاريت ومردة والذين لم يكونوا، أن يستمعوا إلى هذا الهُتاف أينما كانوا.
كان الملاك إبليس جالِساً بخشوع في محراب الله الذي بناه في قصره في أعماق المحيط الأطلسي. يتأمّل أسرار الوجود متضرّعاً إلى الله أن يصفح عنه ويمنحه رضاه، حين هاتفه الملك لقمان:
"السَّلام على الملاك إبليس الوفّي لإلهنا الذي لا إله غيره والمخلص له، والمؤمن بشموليّة محبّته وفيض خيرانيّته!"
واستغرق الملاك إبليس في تأملاته وهتف في دخيلته وهو يركّز كُلَّ حواسّه ويستجمع كُلَّ قواه العقليّة والذهنيّة:
"من؟ أخي الملك لقمان؟"
"ألم تعرفني أيّها الملاك؟"
"فاجأتني أيّها الملك بمخاطبتك لي كملاك وأنتَ تعلم أنني لم أعد ملاكاً بل شيطان رجيم!"
"لا أيّها الملك الملاك، فأنت لم تكن في نظري إلاّ ملاكاً نبيلاً منزّهاً عن الشرّ والعدوان، وأنت اليوم في نظر الله جلّت قدرته لست إلا ملاكاً وفيّاً مخلِصاً"
فصرخ الملك إبليس باكياً:
"أرجوك أيّها الملك ألاّ تمزح معي مُزاحاً قد يدمّرني إن لم يكن صحيحاً!"
"وهل يُعقل أن أفعل ذلك مع أخي الذي فتح لي قلبه منذ لقائنا الأوّل، ووهبني من قدراته ما لم يهبني إيّاه أحد، وأعرف كم يُعاني ويتألّم من جرّاء وضعه المأساوي؟!"
"إذن ما الذي جرى يا لُقمان؟"
"خاطرني الله قبل قليل وقال لي: من عبدَ ملاكي الوفي إبليس عبدَني"
فراح الملاك إبليس ينتحب باكياً وهو يخرُّ ساجداً في محرابه، ليبكي ويخرّ معه جميع الملائكة في السَّماوات والأكوان والكواكب كُلّها، ما عدا إسرافيل وعزرائيل وميكائيل، حسبما عرف الملك لقمان فيما بعد!!!
رفع الملاك إبليس رأسَه من سجدته وجلس جاثياً واضعاً يديه على ركبتيه، ليهتف إلى الملك لُقمان:
"يا إلهي، ما الذي أسمعه يا لقمان؟ هل يحبّني الله إلى هذا الحد بعد كل ما جرى؟ هل أنا في حلمٍ أم ماذا يا لقمان؟"
"بل أنتَ مع الحقيقة أيّها الملاك العظيم، وأنا أخاطبك من كوكب الملاك نمرود والملاكة نجوم، وملكة الأديم التي أرسلتها إلى الجنّة، وهم يجلسون أمامي الآن، وكانت قِصّتهم معك ومع الله هي السبب في جعلي ألجأ إلى الله وأتوسّل إليه ليطلعني على شيء من الحقيقة"
وكان الملاك نمرود والملكة نجوم وملكة الأديم وكُلُّ من في المتنزّه يجثون على ركبهم ويدمعون، حتّى ملك الملوك شمنهور الجبّار كان يبكي.
هتف الملاك إبليس:
"آه أيّها الملك، كيف حال حفيدي الحبيب نمرود وحفيدتي نُجوم ومخلوقتي الوفيّة الأفعى؟"
"كُلّهم بخير ويسلّمون عليك، وما زالوا يعبدونك!"
"أرجوك قل لهم ألاّ يعبدوني حتّى لو كان الله راضياً عن عبادتهم، فأنا لا أحبّذ أن أكون معبوداً مع الله"
"إنهم يسمعون كلامك أيّها الملاك، وكل الملائكة من أبنائك وأحفادك وغير أبنائك وأحفادك وفي الأكوان كُلّها يستمعون إلينا الآن، ويعرفون ما يدور بيننا"
"ولِمَ فعلت ذلك يا لُقمان؟"
"ليعرف الجميع من أنتَ أيّها الملاك النّبيل، ويكفّوا عن كُرهِك، وخاصّة هؤلاء الذين ضلّوا من بين الملائكة وأنكروا خيرانيّتك وقدسيتّك"
"كم أنا مدين لك أيّها الملك وعاجز عن شكرك، فبالأمس هديت هاروت وماروت إلى جادة الصّواب، وأقنعت سُكّان الكوكب، ومن قبل ملايين البشر في الكواكب الأُخرى بخيرانيّتي، وها أنت اليوم تبشّرني بأنني الملاك الأقرب والأوفى عند الله"
"بل أنا المدين والعاجز عن الشكر أيّها الملاك"
"حاشاك أن تكون مديناً لأحد أو عاجزاً أمام أحد أيّها الملك العظيم"
وتوقّف هُتاف التّخاطر للحظات، ليتساءَل الملاك إبليس:
"عفوك أيّها الملك؟"
"ماذا أيّها الملاك؟"
"ألم ينبئك الله جلّت قدرته بحقيقة ما جرى، طالما أنبأكَ بأنني ملاكه الوفي؟"
"في الحقيقة أيّها الملاك لم ينبئني، لكن هُتافه إليّ عنك، يُشير إلى أنّه إمّا رضي عنك، وإمّا أن القصّة كُلّها مُختلقة أو مكيدة ولا عِلم له بها. وأنت ما تزال في نظره الملاك الوفي المخلص له وللأرض التي أوكلَ إليك رعايتها وعنايتها!"
"هل هذا يعني أنّه لم يطردني من الجنّة ولم ينزّل مرتبتي ولم يلعنّي؟"
"أجل أيّها الملاك، خاصة إذا ما كانت قصّة الأديم والخلق مكيدة"
"يا إلهي، ماذا تقول أيّها الملك، هل يُعقل ألاّ يعرف الله كُلَّ ما جرى سواء كان مكيدة أو غير ذلك؟!"
"ما يبدو لي حتّى الآن بل وما أعتقده أنّ الله لم يُحبّذ أنْ يعمل كل شيء، ويعرف كل شيء، فلا يُعقل أن يشغل نفسه بالأعمال كُلّها في السموات والأكوان، لذلك أوكل إسرافيل وميكائيل وعزرائيل وجبرائيل وأنت وأعوانكم، بمهام مختلفة، ليريح نفسه من معظم الأعمال، إن لم يكن منها كُلّها، حتّى عمليّة الخلق وإدارة شؤون الأكوان، ومقدرتك على خلق الإنسان ومن قبله النبات والحيوان، تثبت أنَّ الله منحك الكثير من قواه الخيرانية الخالِقة، وربّما منح الآخرين الكثير من قواه أيضاً، فأفعال جميع الملائكة الذين عرفتهم تؤكّد قدراتهم الخارقة التي منحها لهم الله"
"يا إلهي! هل تُلمّح أيّها الملك إلى أن كُلَّ ما جرى يُمكن أن يكون مكيدة من إسرافيل؟!"
"أجل، وربّما من إسرافيل وآخرين!"
"وماذا عن الصوت الذي هاتفني بلغة الله في الأرض؟"
"يمكن أن يكون صوت إسرافيل خاصّة وأنّك شككت فيه، ويمكن أن يكون قد تقمّص صوت الله ولغته، ثم إنّ الله يهاتفني بلغتي وليس باللغة التي هاتفك بها أو التي أنزلها على محمد وموسى وعيسى"
"ولِمَ لَمْ تحاوِل أن تسأل الله أيّها الملك لعلّك تعرف الحقيقة كُلّها؟"
"لا أُريد أن أثقل عليه، سأترك كُلَّ شيء إلى حينه وسأطلعك على
كل جديد"
"أخاف أيّها الملك أن يكون الله واقعاً في أشراك مكيدة رهيبة لا يعلم بها!"
"لا عليك أيّها الملاك، فوجود الله أكبر من أن تؤثّر على مقدار ذرّة منه ملايين المكائد، وما أسفي إلاّ على البشريّة التي أمضت عمرها المديد مُضللة ولم تعرف الحقيقة الإلهيّة المطلقة"
"إنّك أيّها الملك تُحيي شكوكي في إسرافيل بعد أن قبرتها مُنذ ملايين السِّنين"
"للأسف أيّها الملاك النّبيل ليس أمامَنا إلاّ أن نشكَّ فيه وفي غيره، إلى أن نعرف الحقيقة، وآمل ألاّ يكون شكّنا صائباً"
"هل يعقل يا أخي أن يكون إسرافيل هو من طردني من الجنّة وأنزل مرتبتي إلى جنّي ولعنني وحرّم على آدم وحوّاء تناول ثمار شجرتي المعرفة والخلود؟!"
"وربّما هذا هو المعقول الوحيد والممكن أيّها الملاك، فأنا وعلى ضوء وقوف الله معي ومساندته لي في كلّ ما واجهته حتّى الآن، بتُّ أجزم أنّه يستحيل عليه أن يبخل بالخلود والمعرفة على الإنسان، ويستحيل أن يكون لديه جهنّم يهدد البشريّة بها ويتوعَّدها بحرقها فيها، وجهنّم التي واجهتها في صعودي لم تكن من صُنعِه، ولن تكون الجهنّمات التي سأواجهها من صُنعه، بل من صُنع من يدّعون الألوهيّة، أو من صُنع من وثق بهم الله وأوكل إليهم مسؤوليّة العَمل في الأكوان وإدارة شؤونها"
"إنّي خائف عليك أيّها الملك العظيم فاحترس إلى نفسك بعد اليوم"
"لا تخف أيّها الملاك النَّبِيل، فكُلّي ثقة بأن الله الذي وقف معي حتّى الآن وأراني الكثير من حقيقته، سيقف معي إلى أن أصِلَ إلى الحقيقة كُلّها"
"إنّي أتضرّع إليه أيّها الملك أن يكون معك دوماً، وأنا بدوري أضع طاقاتي وإمكانيّاتي وقدراتي كُلّها تحت تصرّفك، وأتمنّى لك النّصر في مهّمتك العظيمة والنّبيلة، لتسبِرَ لنا خفايا الأسرار والألغاز التي رافقتنا منذ بداية وجودنا إلى اليوم"
"أشكرك أيّها الملاك الوفيّ، وآمُل أن نلتقي قريباً، وبوجود هاروت وماروت ونمرود ونجوم وجميع الملائكة الملوك من أبنائِك وأحفادِك"
"جزيل شكري لك أيّها الملِك العظيم"
"العفو أيّها الملاك"
وتوقّف هُتاف التّخاطر الذي طال بين الملك لُقمان والملاك إبليس، ليضجَّ الملائكة في الأكوان كُلّها بالمرَح والفرح والصَخب احتفاءً بهذه المناسبة العظيمة.
* * *

وفي كوكب الملك نمرود والملكة نجوم وملكة الأديم أُعلن عن بدء الاحتفالات في كافة أرجاء الكوكب بمناسبة عودة الجن إلى مرتبتهم الملائكيّة، فطافت أحياء المدن وسماواتها مئات المسيرات الكرنفاليّة الراقصة للملائكة والأفاعي والحوريّات، وراحت تقوم بألعابها البهلوانيّة وتستعرِض مهاراتها السِّحريّة وطقوسها المختلفة وفنونها في الرّقص والغناء.
وفي حديقة الجنائن ظهرت على مسرح المنتزّه فرقة من الحوريّات راحت ترقص على إيقاعات الطّبول وأنغام الرّيح، وحين أنهت الفرقة وصلتها فتح مارد في خلفيّة المسرَح فمه وراح يبتلع الحوريّات واحدة واحدة حتى ابتلعهن كُلّهن ليخرجهن بعد لحظات من فمه وقد تحوّلن إلى أفاعٍ فائقة الجمال، وشرعن يتلويّن بأجسادهن على المسرح في تشكيلات رائعة.
وشرع الحضور في تناول أطايب الخمور وتبادل التّهاني، وكان أكثر الحضور فرحاً الملك نمرود وملك الملوك الذي راح يلغّ الخمر من الدّنان ويدلقه على رأسه وهو لا يصدّق أنّه كان ملاكاً وأنّه عاد الآن إلى مرتبته الملائكيّة هذه، فيعود ليطرح السؤال على الملك لقمان:
"هل حقّاً أنا ملاك يا مولاي؟"
فقال له الملك لقمان:
"يمكنك أن تبقى جنيّاً طيّباً إذا لا تصدّق أيّها الملك"
فهتف ملك الملوك:
"لا يا مولاي، من يقبل أن يظلَّ جنيّاً شرّيراً في نظر النّاس؟"
"لتكن من الجن الأخيار أيها الملك"
"كل الجن أشرار في نظر النّاس إلى أن يثبتوا العكس يا مولاي"
جهز طعام الغداء فنزل كُلُّ من في المركبة لتناول الطّعام، وأجلس الملك لقمان "أستير" معه على مائدة الملوك والأميرات وكان ملك الملوك يحدجها بنظرات شهوانيّة مأخوذاً بسطوة جمالها، وألقت "نسمة" نفسها بين أحضان الملك لُقمان كالعادة فلم تتح له أن يأكل، وإن كانت عيناها مأخوذتين بالرّاقصين العجيبين والرّقص المدهش.
بعد الغداء استأذن الملك لقمان الملك نمرود والملكة نجوم طالباً الرّحيل، فألحّا عليه للبقاء ليلة واحدة فقط لمشاهدة الاحتفالات الليليّة بهذه المناسبة السعيدة، فاعتذر بإصرار مؤكّداً أنّ رحلته ما تزال طويلة لتصميمه على بلوغ السَّماء السابعة مهما كانت العقبات، فوضع الملك نمرود والملكة نجوم وملكة الأديم كُلَّ إمكانيّاتهم تحت تصرّفه.
أقلعت مركبة الملك لقمان مغادرة كوكب الملك نمرود يحفُّ بها الآلاف مِن المودّعين الذين رافقوها إلى أن دخلت مدار كوكب آخر.
كان الكوكب هائل الحجم وتكسوه الغابات وتكثر فيه الأنهار والينابيع والمحيطات، لكن لم يبدُ عليه ما يُشير إلى أيّة حضارة بشريّة، بل لم يكن هُناك ما يُشير إلى بشر متطوّرين، فحين هبطت المركبة إلى ارتفاعات متوسّطة من الكوكب ونظر الملك لقمان عبر منظار مُقرب رأى في الغابات كائنات أقرب في شكلها إلى القرود منها إلى البشر، كانت تتصارع فيما بينها كما تتصارع الوحوش غير أنّ بعضها كان يستخدم عصياً من أغصان الأشجار أو يضرب بالحجارة، فطلب الملك إلى قائد المركبة أن يهبط أكثر ليقترب من إحدى الغابات الكبيرة ويحلّق فوقها.
كان الصِّراع يدور بين قرود سود وقرود بيض، ويبدو أنّ القرود السّود هي التي غزت بلاد القرود البيض، فقد كان الطّقس في المنطقة بارداً مع أنّ الفصل في البلاد كان صيفاً كما توقّع الملك لقمان.
وبدا للملك أن القرود السود متطوّرة قليلاً عن القرود البيض، فقد كانت تقف على قوائمها الخلفيّة وتجيد استخدام العصي وقذف الحجارة، أمّا القرود البيض فلم تكن تقف إلاّ بصعوبة، وبدا أنّها تصارع من أجل البقاء مستخدمة أفواهها وقوائمها في الدّفاع، دون كبير أملٍ في النّصر، فقد كانت الغلبة واضحة للقرود السود لكثرتها وتفوّقها.
كانت بعض القرود البيض تنهزم أمام القرود السّودِ التي كانت تلاحقها بأعداد هائلة في مختلف أرجاء الغابة وقد تعالى صُراخها، فيما كان بعضها يُقاوم حين لا يجد مفرّاً من المقاومة.
وكُلّما فتكت جماعة من السّود بقرد أبيض توقّفت عن متابعة المُطاردة وتحلّقت حوله وشرعت في نهشِ لحمه نيّئاً.
هتفت الملكة مُتسائلة:
"هذه أوّل مَرّة في حياتي أرى فيها قرود لاحِمة، أتظن أنّهم بشر متخلّفون أم قرود؟"
"ليسَ هذا هو المهم يا حبيبتي"
"ما هو المهم إذن؟"
"هل هُم من خلقِ إبليس أم من خلقِ الطبيعة أم من خلق الله؟!"
"ماذا تقصد يا حبيبي؟"
"أقصد هل ينتمون إلى سُلالة آدم وحوّاء اللذين خلقهما الملاك إبليس أم أنّهم ينتمون إلى سُلالة أخرى خلقها الله، أم أنّهم ينتمون إلى سُلالة الخليّة البروتوبلازميّة التي تطوّرت بالانتخاب الطّبيعي وحافظت على سُلالتها المتنوّعة بالتِّناحر على البقاء؟!"
"ينبغي عليك أن تسأل إبليس على الأقل يا حبيبي"
"وإذا أخبرني أنّه لم يخلق هذه الحيوانات أو البشر المتخلّفين؟"
"تسأل إنكسمندر وإخوان الصّفا وابن مسكويه وابن خلدون والجاحظ في قبورهم فكُلّهم تحدّثوا عن أصل المخلوقات ونشوئها وارتقائها!!"
"ولماذا لا أسأل تشارلز داروين فقد يُفيدني أكثر من هؤلاء الأقدمين الذين سبقوه بمئات السِّنين؟"
"أنت الآن مؤمِن يا حبيبي وداروين أقام نظريّته في النّشوء بمعزل عن الحِكمة الإلهيّة، أمّا العرب المسلمون فلا، ثمَّ إنّ داروين بدأ من تشكّل الخليّة البروتوبلازميّة ولم يبحث في ما قبلها ليصِل إلى سِر الحياة فيها، أمّا العرب فحاولوا، كما أنّ داروين لم يفرّق بين التطوّر المكتسب الذي لا يورّث والصِّفات الجينيّة التي تورث!!"
فهتف الملك لقمان بدهشة:
"يا إلهي أنا لست متزوّجاً من حوريّة ملائكيّة فحسب، بل من عالِمة وفيلسوفة أيضاً وأنا لا أعرِف، أما زلتِ تظنِّين أنّ عقلك صغير يا حبيبتي؟"
"بل وصغير جدّاً يا حبيبي!"
"وماذا سيكون عليه عقلي إذن؟"
"لو أنّ عمرك مثل عمري يا حبيبي لفعل عقلك العجائب!"
"والله إنّي أشك في ذلك، على أيّة حال مهما كانت إجابة هؤلاء العلماء والفلاسفة، سأجد نفسي أمام دوّامة فظيعة"
"لماذا يا حبيبي؟"
"لأننا أصبحنا أمام ثلاث نظريّات للخلق وليس اثنتين"
"تقصد نظريّة الله ونظريّة إبليس ونظريّة النّشوء والارتقاء؟!"
"بالتأكيد، وإذا ما أخذنا بهذه النظريّات، قد نجد الذين خلقهم الله، والملائكة منهم ـ هم الأكثر تطوّراً وقدرات خارقة، والذين خلقهم إبليس أقل تطوّراً، أمّا الذين ما يزالون متخلّفين أو في آخر أطوار القردة فهم من تطوّروا ذاتياً!"
"ألا يمكن أن يوجد بشر متطوّرون أصبحوا بشراً بالانتخاب الطبيعي؟"
"احتمال ضعيف وإن كان فارق التطوّر بين البشر الإبليسيين والبشر الانتخابيين – إذا وجدوا – فارقاً بسيطاً إذا ما قورن بفارق التطوّر بين هؤلاء معاً وبين الملائكة الذين خلقهم الله"
"يبدو لي يا حبيبي أنّك ستضيع وأنت تبحث عن أسرار الخلق والحياة‍!"
"لقد ضعت وانتهى الأمر يا حبيبتي، ولم أستبعد منذ أن عرفت بقصّة الخلق الإبليسيّة أن اكتشف ثلاثة أنواع من البشر الآدم حوّائين، أَحدها ربّاني والثاني إبليسي والثالث انتخابي!"
"ومع ذلك قد لا تصِل إلى سِر الحياة يا حبيبي، إلا إذا كنت قد سِرت على الطريق الصَّح بعدم فصلك بين المادّة والرّوح!"
"ألم يُفكّر من سبقوني بذلك؟"
"بل فكّروا ومع ذلك لم يعرفوا فيما إذا توصّلوا إلى سِرّ الحياة"
"وكيف سأعرف أنا إذن؟"
"إذا لم يُساعدك الله فمشكلتك صعبة يا حبيبي، وآمل ألاّ تعود يوماً إلى مادّيتك الإلحاديّة!"
"تفاءَلي يا حبيبتي"
"أنا متفائلة جدّاً يا حبيبي لكنّي أعرف أنّك إنسان عنيد مُشاكس وليس من السَّهل إقناعك بشيء، وإذا ما اقتنعت بشيء لا تُلغي شكك فيه"
"يخالجني إحساس يا حبيبتي أن إيماني بوجود الله لن يتزعزع ثانية"
"آمل ذلك يا حبيبي"
"كفانا تحليقاً، وهيّا نهبط في هذه الغابة لعلّنا نعرف شيئاً عن أسرار هذا الكوكب"
"بل أسرار الحياة يا حبيبي!"
"وماذا سنجد من أسرار الحياة هُنا؟"
"لعلَّ وعسى!"
أمر الملك لقمان القوى الملائكيّة بفض الاشتباك بين قبائل القرود، ونزل هو والملكة إلى مجموعة من القرود السّود كانت تفترس بعض القرود البيض، حاولت القرود الهرب فمنحها الأمان، ووهبها لغة ليتمكّن من التّفاهُم معها، وحطّ هو والملكة على مقربة منها.
توقّفت بعض القرود عن التهام لحوم فرائسها ووقفت على أرجُلها وراحت تنظر إلى الملك والملكة بدهشة، فيما ظلَّ بعضُها ينهش لحم فرائسِه بنهم ويرقب ما يجري بحذر.
هتف الملك لقمان:
"السّلام عليكم!"
فرد عليه قرد كان يقف مُتكئاً على عصا ويتقدّم مجموعة من القردة المتحفزّة:
تأمَّل الملك لقمان أجسام القردة، كانت كبيرة الشَّبه بأجسام البشر وليست كما رآها عن بُعد، غير أنّها كانت مغطّاة بشعر كثيف طويل.
ودنا من جسم أحد القتلى من القرود البيض، لم تكن القرود السّود قد افترسته بعد، كان جسمه أقرب إلى جسم الإنسان أيضاً منه إلى جسم القرد، وكان شعرهُ أشقر، غير أنّ ظهره كان منحنياً قليلاً، وقد توقّفت القرود عن نهش لحوم القردة الأخرى التي كانت مطروحة ممزقة الأشلاء، ما عدا واحداً ظلَّ ينهش لحم رِجل كان يأخذها بيديه الاثنتين، وحين نظر إليه الملك لقمان أوقف فكيّه عن الحركة وظل رافعاً الرّجل أمام ذقنه وعيناه تحدجان الملك لقمان بقلق وتوجّس، وحين التقت عينا الملك لقمان بعينيه سكنت نظراته فيما ابتسم الملك لقمان وهتف:
"صحّة وعافية!"
فهتف القرد:
"تفضّل يا مولاي"
فقال الملك لقمان:
"شكراً ممنونك!"
فضحكت الملكة نور السَّماء وهتفت إلى الملك لقمان تخاطراً:
"ها أنت بدأت ترضخ لقوانين الطبيعة يا حبيبي!"
فهتف الملك بلهجة لا تخلو من انفعال:
"مستحيل أن أرضخ"
"لكنك تبدو كذلك!"
"لا! لست كذلك"
تساءَل الملك وهو يعود ليدنو من القرد ذي العصا:
"عفواً ماذا أنتم أيّها الكائن؟!"
"نحن بشر يا مولاي"
لم يُفاجأ الملك لُقمان بالإجابة، ومع ذلك راح يتأكّد:
"أمتأكّد أنت من ذلك؟"
"كُلَّ التأكيد!"
"ما أدراك أنّك مُتأكّد؟"
"حسب المفاهيم اللغويّة والمعرفيّة التي مُنحت لي قبل قليل فأنا متأكّد"
أطرق الملك لقمان للحظة وتساءَل:
"والبيض هل هم بشر أيضاً"
"أجل إنّهم بشر"
"لِمَ تأكلون لحومَهم إذن طالما تعرفون أنّهم بشر؟"
"نحن نأكل لحم البشر"
"تأكلون لحم البشر؟"
"أجل!"
"يخرب بيتك ألا يوجد نباتات لِتأكلوا ثمارها وحيوانات لتنهشوا لحومها حتّى تأكلوا لحم البشر؟"
"بل يوجد، لكنا افترسنا معظم منْ تمكّنا مِنَ افتراسِه مِنَ الحيوانات، وآتينا على ثمار النّباتات كُلّها، وهذا ما حدث في بلادِنا أيضاً"
"إذن هذه ليست بلادكم؟"
"لا، هذه بلاد البيض يا مولاي"
"وأنتم قمتم بغزوها؟"
"أجل يا مولاي، غزوناها بحثاً عن النّباتات والحيوانات لكنّا فوجئنا بوجود هؤلاء البيض فيها إلى جانب الحيوانات والنّباتات"
"فأتيتم على معظم الحيوانات والنّباتات والآن ستأتون على مُعظم البشر"
"وماذا سنفعل يا مولاي فأعدادنا هائلة، والجوع قد يفتك بنا"
فهتف الملك لقمان:
"أكان يجب أن تتكاثروا بهذا القدر؟"
"وماذا نفعل يا مولاي"
"حدّدوا النّسل يا أخي!"
وراحت الملكة تضحك، فيما الرّجل يجيب:
"نحن لا نريد أن نحدد النّسل ولا نعرف كيف يُحدد؟!"
"ولماذا لا تريدون أن تحددوه؟"
"لكي نبقى الأكثر والأقوى!"
"وهل يفترسكم البيض أيضاً فيما لو انتصروا عليكم أو انفردوا بأحدكم؟"
"البيض هُمْ من بدأوا غزو البلدان وافتراس البشر يا مولاي، ولا يفترسون السود فقط. بل والبيض أيضاً!"
"الله يخرب بيتكم وبيت الطبيعة وقوانينها وبيت هالحياة الفظيعة إليّ عايشينها!
ألن تتوقفوا عن افتراس بعضكم بعضاً؟"
"هذا ممكن يا مولاي إذا وجدت حيوانات ونباتات مثمرة تكفي لنا جميعاً"
"هذه مشكلة سأحلّها لكم، كم عدد سُكّان هذا الكوكب؟"
"لا نعرف يا مولاي"
"صحيح نسيت، فأنتم لا تعرفون العَد ولا يخطر لكم أن تحصوا بعضكم! طيّب هل يوجد سُكّان غيركم وغير البيض على الكوكب؟"
"يوجد يا مولاي بيض من عدّة أنواع وسود متنوّعون أيضاً، وثمّة بين السّود السُّمر من يأتون أفعالاً خارِقة مثلكم!"
"أف كيف؟"
"يُشعلون ناراً يا مولاي ويشوون اللحم عليها فتصبح رائحته طيّبة ومذاقه شهيّاً!"
"حقَّاً؟"
"أجل يا مولاي"
"فعلاً هؤلاء يأتون أفعالاً خارقة مثلنا، وهل يأكلون لحومكم هم أيضاً؟"
"أجل يا مولاي ويشوونها على النار، لكنّهم يفضّلون اللحم الأبيض لأنّه أطرى من لحمنا!"
"وأنتم ألا تعرفون إشعال النار؟"
"لا يا مولاي، لا يقدر على ذلك غير السَّحرة!"
"وإذا علّمتكم السّحر بماذا تكافئوني؟"
"هل تقدر على ذلك يا مولاي؟"
"أجل"
"نهديك مائة من أجمل إناثنا يا مولاي!"
وراح الملك والملكة يضحكان.
"وهل لديكم إناث جميلات؟"
"وأشار الرّجل إلى بعض الإناث كن يفترسن اللحم بشكلٍ وحشي وقد ترهّلت أثداؤهن وتدلّت شفاههن السُّفلى، فبدون للملك لقمان مِثالاً للبشاعة:
"مثل هؤلاء، أو أجمل قليلاً يا مولاي!"
"وهل هؤلاء جميلات؟"
"هذا الجمال الذي عندنا يا مولاي"
"وماذا سأفعل بهن؟"
"تفعل بهن ما تشاء، تتزوجهن مثلاً!"
وأغمي على الملكة من شدّة الضّحك فيما الملك لقمان يتساءَل وهو يشير إليها:
"وهل من لديه أُنثى بهذا الجمال يمكن أن يتزوّج من إناثكم؟"
فهتف الرّجل الأسود بدهشة:
"هل هي أُنثاك يا مولاي؟"
"أجل، ما رأيك بجمالها؟"
"إنّها أجمل من الشمس يا مولاي، هنيئاً لك بها!"
"الله يهنّيك.. وسأتنازَل عن المكافأة وأُعلمكم فنون السَّحر دون مقابل!"
"نكون شاكرين لك يا مولاي"
"وماذا يجيد هؤلاء السَّمر من فنون السّحر أيضاً؟"
"يحفرون كهوفاً في الجبال الصخريّة يا مولاي، ويستطيعون أن يفتكوا بطرائدهم عن بُعد باستخدام عصي طويلة لها رؤوس مدببة!"
"هل يمكنك أن تدلّني على بلادهم!"
"أجل يا مولاي، لكن ذلك يستغرق زمناً طويلاً"
"لا، معي لن يستغرق، هل أنت زعيم هؤلاء السّود؟"
"أجل أنا ملك قبائل السّود يا مولاي"
"وهل هُناك ملك لقبائل البيض أيضاً؟"
"يوجد ملك لكل قبيلة يا مولاي"
وأشار الملك لقمان إلى الملائكة ليأتوه بملك البيض، فجاءوا به محمولاً، وأوقفوه أمامه وهو يرتجف من شدّة الرّعب، فمنحه الملك لقمان الأمان واللغة وشيئاً من المعرفة، فأخذ يهدّئ من روعه.
هتف الملك لقمان:
"هل أنتم على استعداد لأن تتخلّوا عن الغزو والحروب وأكل لحم البشر إذا ما حللنا مشاكلكم أيّها الملك؟"
"سنفكّر يا مولاي!"
"أقول لك سأحِلُّ مشاكلكم تقول لي ستفكّرون؟!"
"السّود أبادوا مِنّا كثيرين يا مولاي"
"وأنتم أبدتم منهم وربّما من السُّمر والحمر أيضاً كثيرين، وآن الأوان لأن تبدأوا حياة جديدة".
"حين نعرف ما ستكون عليه هذه الحياة سنرى!"
وأحسَّ الملك لقمان للحظات وكأنّه يحاوِر إنسياً من سُكّان الأرض، فهتف:
"يا أخي أنت مهزوم أمام السود وضعيف القوى وتصر على معرفة كُل شيء مسبقاً؟"
"لكي أطمئن يا مولاي"
"اطمئن أيّها الملك، فستجد من الخيرات ما يكفيك ويكفي قبائلك كُلّها"
"قد نقبل حينئذ يا مولاي"
"جيّد! إذن ستذهب معنا إلى بلاد السُّمر والحمر لنبحث الأمرَ معهم"
"لم تعرّفنا على نفسك يا مولاي"
"أنا ملك قبائل السُّمر والبيض والسود والحمر في كوكب آخر"
"وهل هُناك كواكب أُخرى غير كوكبنا!"
"هُناك كواكب كثيرة أيّها الملك"
"وكل سُكّان هذه الكواكب مثلكم؟"
"مِثلنا ومثلكم أيضاً!"
"وكيف تطيرون وأنتم بلا أجنحة، هل أنتم سحره؟!"
"لا لسنا سحره، وهذه مسألة يصعب عليكم استيعابها أيّها الملك"
"وهل ذاك الشيء الذي يحلَّق في السَّماء لك؟"
"أجل أيّها الملك، إنّه لي"
"وهذه الأُنثى الجميلة؟"
"وهذه أيضاً لي!"
"ما أجملها، هل تأكلُ لحمها لو جُعت؟"
"لا، لن آكله حتّى لو مُتُ من الجوع، هل تظن أننا متوحشّون مثلكم؟"
"هي فعلاً جميلة إلى حد أن أكل لحمها سيكون خسارة كبيرة، هل تبقيها عندنا يوماً لنتفرّج عليها يا مولاي؟"
"تتفرّجون عليها فقط أم أنّ لديك نوايا أُخرى أيّها الملك؟"
"تقصد أن.."
"آه أن أن!"
ويبدو أن الملك الأبيض يعرف الخجل أو أنّه اكتسبه من المعرفة البسيطة التي منحه إيّاها الملك لُقمان، مع أنّه كان عارياً دون أن يعتريه الخجل، أمّا الآن فقد تولاّه الخجل بعض الشيء، فيما كانت الملكة تضحك كطفلة.
"لا يا مولاي، لن ألطّخ جسدها الجميل بقذارة جسدي!"
"إذا ساعدتموني في التخلّص من تناول لحم البشر وإقامة الصُّلح بينكم، والعيش بسلام وتعاون، سأجمُلكم لتصبحوا أنتم ونساؤكم جميلين مثلنا، وسأمنحكم المعرفة واللغة"
"هل أنت قادِر على ذلك يا مولاي؟"
"بإذن الله سأقدر"
"قلت الله يا مولاي؟"
"أجل أيّها الملك"
"ومن هو الله وماذا يكون؟!"
"لن تقدروا على معرفة من هُوَ إلاّ إذا تعاونتم معي"
"اُعاهدك على أن نتعاون معك يا مولاي"
"اتفقنا إذن، أين إناثكما؟"
وأشار ملك السود إلى مجموعة الإناث المفترسات، كنّ يأخذن أشلاء البيض بأيديهن وينهشن اللحم عن العظام.
فتساءَل الملك لقمان:
"كل هؤلاء لك؟"
"أجل يا مولاي"
"الا توجد بينهن من هي زعيمة أو ملكة مثلك؟"
"بل يوجد يا مولاي"
وأشار إلى واحِدة وهو يتفوّه بصوت أقرب إلى الهمهمة"
فهمهمت الملكة بدورها وألقت يداً كانت تنهش لحمها من يديها"
ونهضت ودنت من الملك الأسود وهي تمتص شفتيها تارة وتلحسهما بلسانها تارة أُخرى، وراحا يهمهمان بلغتهما.
وأشار الملك لقمان إلى الملك الأبيض ليأتي بملكته أيضاً، فأومأ بيده إلى جماعة من البيض كانوا يختلسون النّظر من خلف الأشجار، وهمهم بأصوات يختلف جَرْسُها عن الأصوات التي همهم بها الأسوّد، فانبرت أُنثى من بينهم وتقدّمت، وما أن وصلت حتّى راحت تهمهم مع زوجها.
تساءَ ل الملك لقمان:
"يبدو أنّ لكل قبيلة منكم لغتها؟"
فقال الملك الأبيض:
"نعم يا مولاي، لغاتنا مختلفة قليلاً، لكنّا نستطيع فهم بعضنا"
"وهل أخبرتما الملكتين بما اتّفقنا عليه؟"
"أجل يا مولاي ووافقتا بكلُ سرور!"
وأشار الملك لقمان بيده وإذا بالماء السَّاخنُ ورغوة الصابون يهطلان على الملكين والملكتين من السَّماء، فراحوا يصرخون وقد اعتراهم الرّعب"
فهتف الملك لقمان:
"لا تخافوا، استحّموا استحمّوا!"
فهتف الأسوّد:
"كيف سنستحم يا مولاي؟"
"أفركوا أجسادكم ودلّكوها وادعكوها لتطرحوا الأوساخ عنها، وإلاّ لن أصطحبَكم معي!"
وشرعوا في دعك أجسادهم وهم يتضاحكون ويتصايحون، ووضع الملك لقمان في أيديهم ليفا وطلب إليهم أن يدعكوا أجسادهم بها ما أمكنهم ذلك، وتخلّى السّود عن نهش اللحوم وراحوا يرقبون الملكتين والملكين وهم يضحكون، أمّا الآلاف من البيض والسّود الذين كانوا يختلسون النّظرات من خلف الأشجار ومن بين الأغصان فقد تجرّأوا على الاقتراب قليلاً وراحوا يرقبون ما يجري بدهشة.
همهمت أنثى من بين السّود ببضع همهمات، وبدا من حركاتها وفرحتها بما يجري أنّها ترجو الملك لقمان أن يمطر على الباقين مثلما أمطر على الملوك، ففهم الملك لُقمان عليها وهمهم لها هاتفاً ما معناه:
"هل تعدوني بعدم أكل لحم بعضكم بعضاً؟"
فهمهم بعض السّود بالإيجاب، فنظر الملك لقمان إلى البيض الذين أخذوا يقتربون دون أن يعتريهم الخوف، وهمهم لهم متسائلاً، فهمهموا بالإيجاب أيضاً، فأشار الملك بيده وإذا بالسَّماء تهطل على الغابات في المنطقة كُلّها ماءً ساخناً ورغوة صابون وليفاً، فشرعوا يتقافزون ويضحكون ويستحمّون.
وكانت الرّغوة التي أنزلها الملك لقمان من زيت الزيتون النقي وخالية من المواد الكيميائية كي لا تؤذي الأشجار، وكانت حرارة الماء أقل قليلاً من حرارة جسم الإنسان.
فرغ الملوك من الاستحمام فأنزل الملك لُقمان عليهم مناشف وما أن نشّفوا أجسادهم حتّى ستر عوراتهم بقماش أخضر، ولم يلبسهم لباساً كامِلاً لأن شعورهم كانت طويلة ولا تحتمل أجسادهم الملابس.
ودنا الملك لقمان من أشلاء وعظام البيض التي كانت متناثرة هُنا وهناك، فراح يجوب المكان بنظراته متابعاً تناثرها، وما لبث أن أخفى وجهه بيديه هاتفاً إلى الله وقوى الملائكة أن تساعده لإعادة الحياة إليهم، وظلَّ مُطرقاً للحظات دون أن يرفع يديه عن وجهه، ثمَّ رفعهما وهتف "قوموا" فأخذت الحياة تدبُّ في الأشلاء والعظام تكتسي باللحم والدم، والأطراف تتجمّع وتلتحم لينهض بعد ذلك بشر متطوّرون أكثر من مليون عام عمّا كانوا عليه قبل افتراسِهم، فبدوا بشراً حقيقيين في غاية الجمال والكمال، يرتدون أجمل الملابس فجثوا على ركبهم في كل مكان، أمام الملك لقمان ومن حوله وفي الغابات التي في المنطقة كُلّها، وجثا الملكان والملكتين وجميع أتباعهم على ركبهم، في كل الغابات جثوا، ودنا الملك لقمان من الملوك وهتف إلى ملك البيض الذي سأله من هو الله وماذا يكون، قائلاً:
"هذا هو الله أيّها الملك وهكذا يكون، رؤيته في قدرته وقدرته في رؤية فعله، إن تكونوا معه يكون معكم، وإن يكون معكم تكونوا معه، وإن تكونوا مع أنفسكم يكون معكم، وإن يكون مع نفسه تكونوا معه، هو واحد لا أحد غيره، وحدانيّته في تعدده وتعدده في وحدانيّته، هو الكُلُّ في الكُلِّ بالكُلّ، والكُلُّ بالكُلِّ في الكُلِّ هو!"
فخرَّ ملك البيض ساجداً وهو يهتف:
"إنّي آمنت بكَ وبإلهك يا مولاي، وسأوافق على أيّ حلٍّ تفرضه على سُكّان الكوكب"
وخرّ ملك السود والملكتين، وخرَّ جميع من في الغابات، معلنين إيمانهم، فأشار الملك لقمان بيده في كل الاتجاهات وإذا بهم يتحوّلون من آخر أطوار القردة إلى الطور الإنساني المتقدّم الذي بدا فيه القتلى، ومنحهم لغة ومعرفة متطوّرتين.
وأشار الملك لقمان بيده مرّة ثانية، فنبتت ملايين الأشجار المثمرة، وأشار مَرّة ثالثة وإذا بقطعان الحيوانات على اختلاف أنواعها تملأ الغابات والسّهوب، وأشار مَرّة رابعة وإذا بآلاف الموائد من الأطعمة المختلفة والشّراب تمتد في كل مكان، واللحوم تُشوى على نيران هادئة. فصرخ كُلَّ من في الغابات هاتفين: "الله، الله" ليتردد رجع أصواتهم من الأودية وسفوح الجبال.
ودعاهم الملك لقمان إلى النّهوض، فنهضوا ليهتف إليهم:
"هيّا تصالحوا، فمن صالح أخاه الإنسان تصالح مع الله، ومن عانق أخاه عانق الله، ومن قبّل أخاه قبّل الله، ومن أحبّ أخاه أحبّ الله، وأحبّه الله، وقبّله وعانقه وتصالح معه"
فشرعوا جميعاً في العِناق وتبادُل القبل والرّقص، فبدوا فرحين إلى حد لم يبلغه بشر من قبل. فدعاهم الملك لُقمان إلى مائدة الله ليتناولوا الطّعام والشَّراب.
* * *



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود شاهين : مخطوطات تبحث عن ناشر
- شاهينيات (114) ذكر العرب كغزاة لبني اسرائيل .
- ألملك لقمان.الجزء الثاني . (6 ) األله. ألكمال. الفضيلة .
- الملك لقمان . الجزء الثاني. (5) عويل في الغابات!
- شاهينيات (113) بعض قصص سليمان وبلقيس!
- الملك لقمان . الجزء الثاني.(4) تحطيم الأصنام !
- شاهينيات (112) أخبار الأيام أخبار مكررة عن شجرة العائلة التو ...
- ألملك لقمان.الجزء الثاني . (3 ) الآلهة الطيبون!
- الملك لقمان . الجزء الثاني.(2) عرش الإله داجون الحادي عشر.
- الملك لقمان .الجزء الثاني (1) حديث عن كلينتون في أعماق -خليج ...
- شاهينيات (111) قابيل وهابيل وحواء يختفون من شجرة العائلة الت ...
- ملحمة الملك لقمان (13) جهنم الإله داجون!( الفصل الأخير من ال ...
- الملك لقمان .(12) مساج كوني وحروب كوكبيّة!
- بوح الكلمات : خواطر .ذكريات . أشعار. قصص.
- ملحمة الملك لقمان (11) صِفات محمّدية وهدايا جنّية!
- شاهينيات الفصل (110) ملاك يهوة يبيد 185 ألف أشوري !
- ملحمة الملك لقمان : رؤية شيطانية وآيات ربانية .( رؤية الشيطا ...
- ملحمة الملك لقمان (9) ولادة وتنبؤات مأساوية!
- ملحمة الملك لقمان (8) تتويج في السماء
- شاهينيات . الفصل (109) محاولات تأريخية فاشلة لا علاقة لها با ...


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - الملك لقمان . الجزء الثاني. (7) الله ورسوله والعفاريت !!