أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي اركون - حوار بين مالك شبل وباسكال بيك















المزيد.....

حوار بين مالك شبل وباسكال بيك


هادي اركون

الحوار المتمدن-العدد: 4804 - 2015 / 5 / 12 - 17:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حوار بين مالك شبل وباسكال بيك
هادي اركون

تناول باسكال بيك المختص في دراسة المستحاثات البشرية ومالك شبل المختص في الأنثروبولوجيا والأديان ،في لقاء بينهما مجموعة من القضايا الفكرية ،المرتبطة بنظرية التطور وواقع الإسلام بفرنسا.1
من الطبيعي ،أن تختلف المنطلقات النظرية والفكرية ،لدى المفكرين ؛إلا أن اتفاقهما حول واقع الإسلام بفرنسا يثير بعض التساؤلات ،عن إدراك المفكر والباحث العلماني ،لرهانات الخطابات الإسلامية ،محافظة كانت أم ليبرالية ،بفرنسا و أوروبا المعلمنة .
الملاحظ أن باسكال بيك ،يحاول تفادي الاختلاف مع محاوره،رغم موقفه اللاديني المعلن.
والحال أن احتداد المطالب الخلقية ، إن في المسيحية أو في الإسلام والنقاش المتزايد في السياق الفرنسي حول العلمانية والإسلاموفوبيا ( كتاب من أجل المسلمين لادوي بلنيل والانتحار الفرنسي لاريك زيمور ) ،يقتضي لا إعادة التأكيد على المنهج العلمي ،بل على التنافي الحاصل بين الحقائق العلمية والتاريخية من جهة والنصوص المؤسسة من جهة أخرى .ولا يمكن تفادي هذا التنافي ،باصطناع التأويل كما يعتقد بيك أو بالتماس المخارج أو التوفيقات كما اعتقد تيار دو شردان .
إن النصوص المؤسسة ،حافلة بإشارات وإيماءات عن الخلق،لا يمكن تأويلها استنادا إلى ما تقرره نظرية التطور كما يفعل محمد شحرور.فللتأويل مقتضيات لغوية وبلاغية ومعرفية لا مناص من مراعاتها،وإلا استحال التأويل إلى إسقاطات أو تمحلات .
ولئن أشار باسكال بيك إلى التيارات الخلقية الأمريكية ،فإنه سكت عن تيارات الخلق في العالم الإسلامي .وقد أبانت كما في حالة هارون يحيي ،عن رغبة في دحض ورفض كل التراكم التطوري منذ داروين ،والدفاع عن الخلق كما يفهم من النص القرآني .
خصص المتحاوران ،حيزا كبيرا ،لواقع الإسلام بفرنسا ،وبالأخص للمعرفة الفرنسية بالإسلام.فقد لاحظ مالك شبل تراجع معرفة الفرنسيين بالإسلام ،بالقياس إلى السابق ،رغم الكثافة الديمغرافية للمسلمين بفرنسا حاليا .
والملاحظ أن باسكال بيك ،لا يحاور من منظور العالم المتخصص إلا قليلا ،بل كثيرا ما يحاور من منظور المثقف الحريص على العيش المشترك ،وعلى تقبل الآخر ،رغم الاختلاف المبدئي معه.يغيب العالم معارفه التقنية وقيمه الإبستمولوجية ، في سبيل إرضاء متخيل جمعي ،لا ترضيه المعارف أصلا.
لقد أجمع المتحاوران على ضرورة المعرفة ، مع حصرها بالإسلام ،وعلى تأويل النصوص لتجاوز الأصوليات المتنامية.والملاحظ ،أنهما غيبا ضرورة معرفة المسارات التاريخية للحداثة وتاريخ العلوم و بنية التشكل العلمي ،في صفوف مسلمي الغرب.
لقد ارجع مالك شبل الخوف من الإسلام إلى تراجع معرفته والتعمق في قضاياه و إشكالياته في المؤسسات الفرنسية ؛فيما اعتبر باسكال بيك ،ذلك عرضا ينضاف إلى أعراض سابقة في تاريخ مجتمع ،خبر الخيبات التاريخية والمعرفية والسياسية (نتائج الحربين العالميتين و بلورة العنصرية العلمية في أواخر القرن التاسع عشر و استقلال الجزائر وهجرة العمالة المغاربية إلى فرنسا ... الخ).
والحقيقة ،أن رفض الآخر ،وهو نسبي ،مرتبط في السياق الفرنسي ،باختلاف مرجعيات الفرنسيين المعلمنين ،عن مرجعيات ساكنة مهاجرة منتمية ،إجمالا ، إلى ثقافات ما قبل حداثية(صوفية طرقية في الجيل الأول وسلفية في الأجيال التالية ).فثمة فجوة كبيرة ،بين ثقافة خبرت القطائع وكرست العلمانية وحررت الجنسانية ،وثقافة لا تحتكم فقط إلى شريعة بل تسعى بكل الطرق إلى تعميم قيم أنثروبولوجية ،هي أبعد ،بكل المقاييس عن قيم الحداثة ، ولا سيما في التعاطي مع النصوص والأجساد والمخيلات ( رفض علمنة الجنس وحرية الاعتقاد والطقوسية ) .
ورغم إشارة بيك إلى غياب المعرفة بداروين ونظرية التطور بفرنسا ،فإنه لم يركز على ضرورة تعميم القيم الابستمولوجية في صفوف مسلمي فرنسا،لتمكينهم من فهم مجالهم المعرفي و التاريخي الجديد .
كان من الأجدر بالمفكرين ،إنارة انثروبولوجية ،للتصور الإسلامي للجسد والأنثوي ،بدل إحالة مسألة الحجاب إلى قضايا التأويل الفقهي أو البطريركي.
والواقع أن إحالة مسألة الحجاب إلى السيمانطيقا وإلى التأويل ،يرتد بالحوار حول وضعية المرأة في الإسلام إلى مواقع غير منتجة معرفيا.
ولئن أشار بيك إلى دقة كلود ليفي شتراوس ولوامعه الفكرية ،فإنه لم يستعن به في مقاربة الشأن الإسلامي . فشتراوس الداعي إلى التعددية الثقافية ،وإلى نقد المركزية الثقافية الغربية ،كثيرا ما استحضر حسه النقدي في النظر إلى الأديان التوحيدية ،وفي تقييم تصوراتها في ضوء المعطيات الأنثروبولوجية.ولم يستحضر بيك ،رغم إحالته على (مدارات حزينة )،أي نظرة من نظراته الفاحصة عن الإسلام .
(إلا أن الدين الإسلامي كآخر دين ظهر ،وكدين خلاص ،وتحديدا لأنه يدعي شرح وقبول وتجاوز الرؤى السابقة ،فإنه ضم في داخله مبدأ شموليا ومانعا .مثله مثل المسيحية أو أقل ،رغم تنوع الأسباب ، ذلك أن الإحساس بالشرعية والتفوق والقدم هو الذي غذى الوعي المسيحي .إلا أن هذا الوعي قد تزعزع بالفكر الحديث وترك نفسه يمتص من هذا الفكر . أما الإسلام فبقي مرتبطا بنمط من الأنا حيث كلية الإنسان غير معترف بها ،وحيث لا يكون الإنسان إنسانا إلا في كونه مؤمنا . )2-
ليس الرفض أحادي الاتجاه كما اعتقد بيك وشبل ،بل هو متبادل؛يستند الرفض في الطرف الفرنسي على اعتبارات انثروبولوجية وثقافية وسياسية واقتصادية (التطهرية الجنسية وأنماط العيش المغاربي و الأزمة الاقتصادية .... الخ) ،وإلى معطيات تاريخية ؛ويستند الرفض المقابل ،على اعتبارات عقدية وثقافية،صريحة أو ضمنية في المقام الأول(الخمر ولحم الخنزير والحرية الجنسية وتدريس نظرية التطور والمسابح المختلطة ) وإلى مقتضيات سياسية أو تاريخية في المقام الثاني(حرب الجزائر و جروح الاستعمار والعنصرية ) .
ما معنى مطالبة بعض المفكرين العلمانيين مثل ريجيس دوبريه ومحمد اركون ، بالانفتاح مجددا على الواقعة الدينية،أو الواقعة التوحيدية بالأصح،مادام الاهتمام منصبا أساسا على التوحيديات دون الفلسفات الشرق الأقصى ( الشنتو والهندوسية والجينية والكونفوشيوسية ) ؟
ما معنى مطالبة فرنسا ما بعد الحداثة الجنسية ،بالتناظر حول الحجاب والنقاب ؟
ألا يقتضي المقام المعرفي والتاريخي الراهن ، تعميم القيم الإبستمولوجية وإبراز الإسهام الدارويني في حقل الأنثروبولوجيا (أصل الإنسان )والإمكانيات الغنية لضفر الداروينية بالشتراوسية في فهم الإنسان ،تاريخا وثقافة واجتماعا ؟
اكتفى باسكال بيك ،بالتمييز بين السجل العلمي والسجل الديني؛إلا أن ذلك التمييز لا يحل الإشكال ،كما يظن ،إذ إن الفكر الديني ،مبني على شمولية الحقيقة الدينية كما تقررها العقائد ؛ولذلك فإخراج المعارف العلمية من إطار الدين ، انتقاص ضمني من كلية وشمولية المعرفة الدينية.
لا يجدي اصطناع الحيدة المنهجية ،في إرضاء لا الطرف العلماني ولا الطرف الديني ،المطالب بتغليب المعطى النصي ، مؤولا أو غير مؤول ،على النظريات العلمية والحفريات ،وتكريس اللاهوت السياسي.وتأسيسا على هذا ،فإن الفصل بين السجل العلمي والسجل الديني ،ينطوي على نوع من الاستقالة الابستمولوجية ،ومن التراخي في تطبيق المنهج العلمي .وتتضح خطورة هذه الاستقالة ،متى علمنا ،ارتباط علم دراسة المستحاثات البشرية ،بمواضيع وإشكاليات وثيقة الارتباط بالمعطى النصي. ولذلك لا يعترض منظرو الخلق على نظرية التطور ،من منظور منهجي أو تقني كما صنع كارل بوبر ،بل من منظور عقدي بالذات.
يظهر باسكال بيك كثيرا من الحيدة ،في موضع يقتضي التذكير بأساسيات المنهج العلمي ومترتباته المنهجية والإبستمولوجية والتاريخية .
ولذلك فرفض نظرية التطور ،لا يرجع إلى اعتماد مقاربة حرفية للنصوص ،بل إلى رفض المنهج العلمي والنظر العقلي بالأساس.ولذلك ،فإرجاع نظريات الخلق إلى خصوصية التاريخ الفكري الأمريكي ،لا يجيب ،كليا ،عن استثمار الحجج والاعتراضات الخلقية في تقاليد ثقافية غير إنجيلية أو بروتستانتية.ولا أدل على هذا من تبلور رؤى خلقية ،في العالم الإسلامي ،ولا سيما في تركيا .
لا يدرك المثقف الأوروبي ،حقيقة الرهانات الكامنة خلف مطلب قبول التعددية والاختلاف وليبرالية بعض التيارات الدينية. لا يدرك مثقف غربي ،متشبع بالنسبانية الثقافية وبالتشكك في منجزات مشروعه الحضاري ،طبيعة الدوافع الكامنة وراء مطالب المثقف الشرقي ،النزاع إلى استعادة أنوار مضت ،مهما أظهر ليبراليته وعلمانيته. لم يتمكن باسكال بيك ،من استثمار العتاد المنهجي والعلمي الغربي ،في إنارة إشكاليات حرجة مثل مسألة الجسد ومكانة المرأة ،وسياق التصارع في مجال واحد بين ثقافة معلمنة ،وثقافة تقليدية وثوقية.كما لم يتمكن من إبراز حدود التأويل ،في القضية المعروضة ،وضرورة العودة إلى ركام النظريات والملاحظات والمعاينات والمقارنات الموجودة بين يدي المختص في علم المستحاتات البشرية والأنثروبولوجيا الثقافية وتاريخ الأديان .

الإحالات :
1-https://www.youtube.com/watch?v=kLyx0WRMBEY
2- [هشام جعيط،أوروبا والإسلام،صدام الثقافة والحداثة،دار الطليعة ، بيروت،لبنان،الطبعة الثالثة 2007،ص.52]

هادي اركون



#هادي_اركون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوير والعلوم
- الوجه الآخر للأندلس
- الحوامل التقنية للتنوير المرتجى
- فرادة المنجز الثقافي الأوروبي
- منهج سبينوزا في قراءة الكتاب المقدس
- طه حسين وسبينوزا
- تنويريون بلا تنوير
- نقد استراتجية المثقفين الحداثيين
- نحو وعي نقدي للعلمانية
- التأويل العلمي للقرآن والمنظومة التراثية
- الصفاتية بين الوثوقية واللاادرية
- بعض مظاهر بيانية النص القرآني
- في بيانية النص القرآني
- طه عبد الرحمان التأنيس في زمان التحريق


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي اركون - حوار بين مالك شبل وباسكال بيك